ما الذى فعله طارق إمام فى هذه القصص، التى تدور أحداثها فى هذه المدينة الغريبة التى هى مجرد حوائط أنشئت بحثًا عن أخوة مفقودة، فإذا بها موطن لكل ما هو غريب، أو ما يبدو غريبًا؟ وكيف أطلق لنفسه العنان فى صناعة قدر لا بأس به من الأساطير التى تأخذ بك منذ الحكاية الأول «حكاية المرأة ذات العين الواحدة»، ولا تتركك إلا بعد «حكاية قراصنة العالم» مراهنًا على «الشغف» الذى فى داخلك؟
يؤمن طارق إمام فى كتاباته بأنه لا شىء قابل للتصديق أكثر من كذبة جيدة الصنع، كما يقول فى قصة «الحكاية التى لم أكتبها بعد»، وهو ما يوضح مفهومه عن الكتابة، فهى لا تعنى عنده نقل الواقع الاجتماعى أو إطلاق خطب رنانة ضد صناع الحروب فى هذه الأرض، بل يؤمن بأن الجدات هن المؤلفات الحقيقيات للروايات، وأن العالم ليس كما يبدو فهناك وجهه المقلوب الذى يجد فيه «بائع المعجزات» سوقًا رائجة لبضاعته.
فى قصصه التى تأتى فى ثلاثة أقسام «نساء مدينة الحوائط، رجال مدينة الحوائط، غرباء مدينة الحوائط» نحو 37 حكاية صاغها طارق إمام بالطريقة الشعبية، التى تعنى إسقاط المنطق بطريقة مقصودة بحثًا عن منطق جديد يخص ما يكتبه هو، وما يقوله، حتى أننا فى نهاية المجموعة أو المتتالية يمكن لنا أن نتقبل بكل سهولة رؤية حذاء طائر أو رأس دون جسد يحكى مأساته، كما أنه علينا ألا نصدق الغرباء لأنهم عادة ما يكونون شريرين يفسدون حياتنا فيعلموننا البكاء ويمنعوننا النوم.
يملك الكتاب قدرًا من التشويق يتجاوز ما تتوقعه، وهذا أمر جيد فى عالم الكتابة، ففى اللحظة التى تظن فيها أن خياله وصل لمنتهاه يفاجئك طارق إمام بخطوة أخيرة تتجاوز توقعاتك وتضفى غرائبية محببة جديدة للحكاية تحسب لها وله.
ما جاء فى مدينة الحوائط اللانهائية من حكايات ذات سمت شعبى، أو خرافات، كما يطلق عليها آخرون، هى أمر ضرورى جدًا فى عالمنا الكتابى، لأنها تجدد مفهوم الخيال فى الأدب العربى الذى أصابه، مؤخرا، نوع من التراجع حتى كاد يعنى «الرمز» وفقط، متناسين أن الخيال هو التحليق بعيدا فى المنطقة التى لا يتوقعها أحد، وهكذا فعل طارق إمام فى رحلته مع كائناته الغريبة.