الجدلي والجمالي “مقاربة رؤيوية”

حجر يطفو على الماء
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

سعيد حامد

لنصوص رفعت سلام وقصائده طبيعتُها الخاصة وسط قصائد شعراء الحداثة، ونصوصهم فمنذ أن بدأ النشر، وهو في بحث ممضٍ، ودائم عن المغايرة والمخالفة، وبخاصة ما اشتهر عنه من جنوح واضح للتجريب إلى حد النزق، وترتب على ذلك انتماء قصيدة سلام ونصه للنسق الحداثي كما قدمه جيلُ الرواد، الذي ينتمي إليه، وما حرص عليه هذا الجيلُ من التزام بجماليات الحداثة، وطرائقها الفنية التي ابتدعها من استخدام للرموز، والأساطير، وتعدد الأصوات، وتسريد القصيدة… الخ، إلا أن الشاعر آثر أن ينطلق بمفرده، ويؤسس لشعريته ورؤيته الشعرية الخاصة بداية من تعدد البنية، وحتى فتح فضاء القصيدة على مصاريعه بلا حدود أو قيود، وقد تجلى ذلك واضحًا بدءًا من ديوانه الأول وردة الفوضى الجميلة 1987م، وحتى آخر أعماله أرعى الشياه على المياه 2008م، فكثيرٌ من قصائده يبرز فيها عددٌ من الروافد الجدلية، والجمالية ذات الطابع الخاص، وبخاصة عمله الأخير الذي اخترناه محضنًا للقراءة، والتطبيق؛ إضافة إلى قراءة كل الأعمال السابقة للشاعر؛ لأن توهجها يحضر في هذا العمل بشكل، أو بآخر.

لقد سعى سلام من خلال هذا النص إلى تقديم مشروع شعري تجريبي يُشكل في مجمله جسارةً على التقليدي، وتمردًا على المألوف كما يكشف فيه عن جدل يقع بين عدد من التقنيات، والوسائل، والأنماط، والثنائيات الكتابية التي حاول من خلالها الشاعرُ الاحتفاءَ بعدد من الرسوم البصرية، والنصوص المصاحبة… وغيرها من التقنيات التي أحدثت في النص جدلًا تفاعليًّا، وأنتجت تجليات جمالية عديدة على مستوى الشكل والمضمون.

حاول سلام في عمله هذا أن يجعل الفعلَ الإبداعيَّ موضوع الشعر ورؤيته، وهو الأمرُ الذي يطرحُ تساؤلًا عن الخصائص المميزة لهذا الموضوع ومدى نجاح العمل في بناء سمات واضحة تميزه، وتجلو فرادته.

 إن محاولة الإجابة عن التساؤل السابق تُسهم – لا شك – في قراءة النص؛ بل إنها لتُسهم في التأسيس لأية قراءة تحاول رصد أو اختبار نجاعة تجريبية أي نص كتابي جديد، أو مغايرته، وفرادته.

وعن ارتباط الجدلية، والجمالية بشعر سلام؛ فإن هذه الثنائية التواصلية لا تعد ملمحًا خاصًّا بهذا النص، أو هذا العمل (محل المقاربة) بل إنها توافرت في أشعار سلام منذ بداياتها الأولى، وبخاصة في عمله (حجر يطفو على الماء. دار الدار. القاهرة 2016م)، وهو الأمر الذي وسم شعره بسمة الجدلية سواء من حيث المعطيات التشكيلية، والجمالية في شعره، أم من حيث الدلالات التعبيرية التي تنبثق عن هذه المعطيات من حيث إن القيم الجمالية المتعددة التي تنبثق جراء هذه النصوص لا تعد كافية من حيث الفاعلية الأدبية، أو أنها – وبعبارة أخرى – لم تعد وحدها محط اهتمام القراء والمتلقين؛ بل إن هناك قيمًا أخرى يمكن أن تثير القارئ، وتشحذ اهتمامه منها الجدل الذي تثيره هذه النصوص عبر محاولة رصد الانزياحات (الشكلية، والمضمونية) لها وفق ما تعرضه، وانعكاس هذا العرض على مجمل الخصائص والسمات التي ينتمي إليها النوع النصي برمته.

 إن الناظر في “أرعى الشياه على المياه” والقارئ له يَجِدُ عددًا من الثنائيات الجدلية؛ بسبب تقنيات ووسائل غير مألوفة اشتغل عليها النص، وأبعاد جمالية تمترس بها، وهو الأمر الذي دعانا في هذه القراءة لمحاولة اكتشاف ورصد معالم وتجليات الجدلي والجمالي، ورسم التصالب والتماهي القائم بينهما.

تأسيسًا على ما سبق؛ فإن كلَ جدل يبقى مرتبطًا بالجديد الذي يُقدمه النص من جهة، ومدى ارتباط هذا الجديد بالتقنيات، والوسائل، والثنائيات النسقية والكتابية التي ينبني عليها النصُ، وينتقل فيها من بعده النوعي المتجذر المألوف إلى بُعد جديد غير نوعي، وغير مألوف؛ حيث سعى الشاعرُ في هذا العمل سعيًا حثيثًا نحو تغيير قواعد الكتابة الشعرية من كتابة باللغة إلى كتابة بالرسوم، والشعارات، والكائنات… في خرق واضح لماهية التجنيس الأدبي والشعري بما يحتم على المتلقي امتلاكًا لسنن تلقٍ مغايرة توائم هذا البعد المغاير، وتتناسب معه.

التوزيع الفضائي للصفحة وهندستها التشكيلية:

احتفل نصُ سلام – الذي بين أيدينا – بما يُعرف بالبنينصية فهو نصٌ بينصي بامتياز؛ إذ تلبس نصُه بروح التماهي الفني رسمًا، وتصويرًا، واحتفى بعدد من القنوات التشكيلية، والنصوص المصاحبة، وتعانق مع عدد من المواد المعرفية، والوثائقية التي فتحت النص، وعددت قنواته فكان نصًّا هجينًا جمع فيه الشاعرُ بين أكثر من نسق، وحاول المزجَ بينها في جديلة نصية جامعة، وكلية شاملة تنبئ عن فرادة مخرج النص الطباعي الذي هو تعبيرٌ عن إحدى الهيئات الخاصة التي أفرزتها قصيدة النثر المعاصرة التي سعت إلى محاولة توظيف الأشكال المتعددة الرامية إلى زحزحة اللغة من معيارتها الأولى، وجاهزيتها المسبقة، وصهرها في هندسة شبكية تؤلف بين أمشاج متباينة من الميثيولوجيات الأسطورية، واللوحات الرسومية، والهجنة البنيوية، والأحلام الرؤيوية… وكأن الشاعر يبحث عن أبعاد ومقومات شعرية مغايرة تنأى به عن المألوف، والمستنسخ في تجارب أقرانه، وزملائه، ومجايليه.

 وعلى الجانب الآخر فقد أسهم التكوين الثقافي، والفكري لسلام في التأسيس لهذا الشكل المغاير، والوعي به، وبخصائصه المائزة، وبالأسس الفنية التي ينبني عليها؛ فالشاعر واحدٌ من أبرز مثقفي جيل السبعينيات، وهو صاحب التجربة الفنية، والكتابية المركبة والمتعددة، التي لا تقتصر على كتابة الشعر وحسب؛ بل تجمع إلى جواره النقد، والترجمة، وكتابة المقال… ومن ثمَّ فهي تجربةٌ متنوعةٌ وثرية، وقد انطبع هذا التنوع والثراء بوجه أو بآخر على الشكل الكتابي للقصيدة الشعرية عنده؛ إذ لم تعد القصيدةُ لديه تجربةً أو رؤية فنية أحادية؛ بل هي بمثابة نتاج ثقافي كلي وشمولي، وقد تحولت القصيدة من خلال هذا النتاج إلى مساحة تشكيلية واسعة يستطيع الشاعر أن يرسم من خلال بياضها كل التشكيلات، والعلامات، والتفاصيل… بما يجعل القصيدة عنده كتلة تشكيلية كثيفة، وجامعة، وبما يؤشر إلى أن كثافتها، وانفتاحها يُعدان شكلًا موازيًا لكثافة العالم، والواقع، وانفتاحهما جنبًا إلى جنب مع ما يدخل ضمن ما عُرف عن هذا الجيل – بوجه عام – وكتابة سلام – بشكل خاص – من جنوح واضح، وجلي نحو ما يُعرف بــ”المغامرة الإبداعية”، التي يسعى من خلالها الشاعر لإنتاج أنماط وسياقات شعرية متجاوزة لكل ما هو تقليدي ونوعي، ورافض لكل ما هو محدد ومؤطَّر، أو هي – وبتعبير آخر – من تقترح شَكلها، وبِناءها.

أولى سلام في هذا العمل عنايةً كبيرة بالأبعاد والتقنيات الطباعية، وظهر فيه أكثر لعبًا، وتجديدًا، وتجريبًا فيما يتعلق بالهيئة الكتابية، والخطية الغرافيكية والتشكيل الطباعي، الذي لا نستطيع فصله – بأية حال من الأحوال – عن التجربة الشعرية الحداثية الغربية؛ حيث أفاد الشاعر من التقنيات والوسائل الشعرية الحداثية الغربية، التي لم تخضع لأي انتظام، أو سيمترية، أو تكنيك شكلي؛ بل “إن التجربة الداخلية للشاعر، وسلوكه إزاء العالم – كما تقول سوزان برنارد Suzanne Bernard – يفرضان وحدهما الشكل الشعري المستخدم”([1])، وهو هنا يشي بتمزق داخل الشاعر، ويعكس عدم قبوله لواقعه من جهة، ورغبته الجارفة في تقويضه من جهة أخرى.

 تنقسم الصفحةُ في أرعى الشياه على المياه إلى عمودين غير متساويين تتداخل أصواتُهما الشعرية، وتتجاوب وتتحاور فيما بينها، وهما أشبه بصوتين/عالمين، ومن خلال هذين العمودين / العالمين أو الصفحتين المتقابلتين (دبل باج Double Page) يحدثُ نوعٌ من الجدل ما بين عدد من الثنائيات: الرمزي والأيقوني، والمتني والهامشي، التراثي والعصري، والأنا والآخر… ؛ فبينما ينقطع الحوارُ الشعريُّ عند أحدهما حتى يستدركه الصوتُ، أو النمط الآخر، ويُكمل مشواره في تداخل واضح، وتنافذ جلي بين نسق الكلمة ذات المنزع اللغوي، وهيئة الصورة ذات الإثارة البصرية، وفي نهاية العمل يتحد العمودان في عمود واحد ينبئ عن محاولة الشاعر أو رغبته في الالتقاء الإنساني، وتوحد الفاعلية الصوتية لتغيير الواقع، أو لكسر رتابته.

 لكل صوت من الصوتين السابقين خطٌ يميزه، ويتميز به لونًا، وحجمًا، ودرجة كتابة، بما يشبه التأسيس الجرافيكي للذوات المتحدثة؛ فتغدو الصفحة في هذا العمل بمثابة بناء شبكي كلُ بنية فيه تُفضي إلى غيرها، وتتفاعل معها، وتندمج بها في صياغة تشكيلية، وتجريبية على غير مثال سابق، وفي محاولة جلية وعبر وعي كتابي حاول من خلاله الشاعرُ استثمار كل مساحة على سطح الصفحة الشعرية، فبات النص بمثابة جسد كلي متكامل كل عنصر من عناصره يحاول الإسهام في إنتاج الدلالة مع كافة العناصر الأخرى، ويتفاعل معها، ويندغم بها.

وتجدر الإشارةُ هنا إلى أن هذا التشكيل الفني للصفحة الشعرية ليس بمثابة إطار فني أو شعري فحسب، وإنما هو بمثابة موقف رؤيوي ونفسي لما يحدث في الواقع – وبخاصة السياسي – في محاولة لتغييره أو مقاومة سلطته عبر إنتاج واقع شعري مغاير يخرج على تفاصيل الواقع المعيش، وينزاح عنها، ويتمرد عليها.

 وبالتوازي مع هذين العمودين الشعريين يتوزع الصفحةَ عددٌ من الأيقونات البصرية، والتشكيلية بشكل غير متوازٍ؛ فقد نجدها على أطراف الصفحة، أو وسطها، أو تتخلل المتن، وهي بمثابة نصوص موازية ينبغي أن تُقرأ بالتوازي مع النص اللغوي؛ إذ تأخذ اللغةُ من خلال البعد الأيقوني صفةَ التطابقية بين الرمز، وتمظهره.

 تبقى الدلالة في هذا السياق نقطة الالتقاء في العلاقات الجدلية القائمة بين هذه التشكيلات المتنوعة، وأداء هذه التشكيلات لوظائفها المنوطة بها حسبما أكد غريماس Greimas حينما قال: “إن الدلالة تفترض مسبقًا وجود علاقة، وهذه العلاقة هي التي تحدد الدلالة”([2])؛ وبذا يكون التكاملُ، والتفاعلُ ما بين عناصر التشكيل الفنيِّ هو المحفزُ لبلوغ الدلالة، وفي الوقت نفسه المنطلق الذي تتواشج من خلاله هذه العناصر لإنتاج وظائفها، وأداء أدوارها؛ من حيث إن الإنتاجية الدلالية في النص الشعري لا تصدر وفق دلالات مباشرة بطريقة آلية، ولا تنتج من مجرد معاينة الدوال الرمزية، أو الرسم، والصورة الظاهرة… ، وإنما هي نتاج ترابط بين التمثيلات المختلفة، التي بمقتضاها تُنتج الدلالة، وتُؤول.

الخـــطُّ وجـــدل التعدد الصوتي أو المستوى الشعري:

يدفعنا الحديثُ عن ملمح التعدد الصوتي Polyphone في نص “أرعى الشياه على المياه” إلى الحديث عن التشكيل البصري كملمح حداثي أشار إليه ت. س. إليوت T. S. Eliot (1888 – 1965م) خلال حديثه عن هدف الشاعر حينما قال: “إن هدف الشاعر يتمثل في تقديمه رؤيا، ولا يمكن أن تكون الرؤيا في الحياة مكتملةً إن لم تتضمن تشكيلًا تعبيريًّا عن هذه الحياة”([3]) بما يعني أن الشاعر عندما يصنع عالمه يجنح إلى تشكيله وفق رؤيا تكاملية لا تنبني وفق بُعد واحد، أو تقوم على تقنية واحدة بل تتعدد تشكيلاتُها، وتتجادل فيما بينها، وهو الأمرُ الذي يضطلع به شعرُ الحداثة من حيث إنه لا يُولي النصَ اهتمامًا فيما يتعلق بإنتاجيته الدلالية أو وضوحه الدلالي بقدر ما يهتم بمجمل المستويات التي تُشكل البنى الكلية للنص، وبكل ما تشتمل عليه هذه البنى من تشكيلات، وتقنيات تؤصل لتفرد هذا النص، وتؤطر لعلاقاته، وأنماطه المتعددة من خلال ما يمتلكه النصُ من حرية أن يُقدم نفسه وفق أوصال فنية، وأقانيم كتابية مغايرة يندرج ضمنها حرية اختيار صاحبه للخط الذي يكتبه به، وبخاصة بعد أن أصبحت للخط بلاغةٌ خاصة به، بلاغة لا تتوقف عند الشكل؛ بل ترتبط بالوظيفة التي يؤديها هذا الشكل من حيث “إن الخطَ ليس حليةً تُضاف إلى الكلام، وإنما هو نسقٌ مغايرٌ يخترق اللغةَ، ويعيد تأسيسها، ومن هنا فإن البحث عن بلاغة جديدة للنص يستلزم اختراق الكلام بالخط الذي يملك سرَّه الخاص لقلب المفهوم السائد للشعر، وهو فعلٌ يُجذِّر مادية الكتابة، وجدليتها”([4])

 وإذا كان الباحثون قد درجوا على تصنيف الخط ضمن منظومة العلامات التشكيلية إلا أن جماعة موGroup Muأضافت للبعد الأيقوني في بناء الصورة واكتمال معالمها البعد التشكيلي؛ ومن ثم فإن الخط قد يندرج ضمن الأبعاد الأيقونية، “فالخطُّ رمزٌ وهيئةٌ ثانيةٌ للكلمات أو الحروف، وهو إمكانُ تشكلٍ غير محدود، بوصفه امتدادًا محسوسًا واقعيًا وذهنيًا في آنٍ، هكذا تُشكل الخطوطُ بتآلفها ما يشبه المرآيا التي تعكس الجهات غير المرئية من العالم المرئي، ومن هنا يبدو العالمُ في تآلف الخطوط، وفي تآلف الكلمات نظامًا من الإشارات”([5]) بما يعني أن تنوع الخطوط، وتعددها ينهض بمهمة إطلاق الكون، وتعدد رؤى العالم وتشظيها، أو هو تصور للاواحدية الرؤية، وفلسفة تنهض على إطلاقية الوجود الإنساني، ولا محدوديته انطلاقًا من أن خط الكتابة هو بمثابة رؤية من المبدع تجاه العالم، والوجود وهو ما يؤصل شعريًّا لجدل السطح، والأعماق.

 يأتي الاهتمامُ بالخط أو الكاليغراف في شعر الحداثة من قبيل الاهتمام بكل ما هو شكلي، وبصري، أو غرافيكي، وبخاصة مع التطور الكتابي الذي ساعد عليه وجود الحاسوب بخطوطه العديدة، وبما وفره من سهولة ويسر في استخدام هذه الخطوط، ومن حرية في استبدالها، أو تغييرها بما يَسَّرَ على الشعراء استخدام هذه الخطوط – بكل أنواعها وخصوصياتها – لتحقيق جماليات خاصة.

 وفي السياق ذاته لم يشتغل شعرُ الحداثة على التنويع الخطي وحسب، وإنما تجاوز ذلك إلى العناية بتقنيات خاصة بهذا الخط كالتكبير، والتصغير، والكثافة والسمك، والنحافة، أو الأقل حجمًا.

 وعلى المسار التطبيقي أو المقاربة القرائية؛ فقد جنح شعراء الحداثة إلى أن يجعلوا من التركيبات الخطية، أو التنويعات الخطية بعدًا فاعلًا فتحوا من خلاله النصَ على البصر كما رصدوا من خلاله – وهذا هو الجانب المهم – التعددية الصوتية؛ فغدا النص الشعري لديهم أشبه باللوحة التشكيلية المتعددة الأصوات التي ينماز فيها كلُ صوت عن الآخر، وبما يؤشر بشكل واضح وجلي على أن هذا العمل (أرعى الشياه على المياه) هو “أثرٌ أو نصٌ مفتوح” – بحسب تعبير السيميوطيقي، والمُنظر الإيطالي الشهير أمبرتو إيكو U. Eco .

 تُعدُّ تقنية التعدد الصوتي من التقنيات الحداثية التي سعى شعراءُ الحداثةِ إلى استثمارها، وتوظيفها بغيةَ تحقيق غاية دلالية، وجمالية عبر إكساب النص أبعادًا فنية، وشعورية، ونفسية مختلفة ومتعددة.

 يرتبط تعدد الأصوات من الناحية المفاهيمية بالتفاعلات الأجناسية التي ينشأ عنها تكوين نمط من الكتابة متفرد، وينتج هذا التفرد من خلال فعل التوظيف لعدد من الأدوات، والوسائل، والتقنيات وتذويبها كُليٍّا بحيث إننا لا نتبين آثار الجنس المتولِّد من الجنس المستولد، وهذا الأمر يظهر بصورة جلية على مستوى الشكل الأدبي.

 وفي هذا الصدد يكشف مفهوم تعدد الخط أو التعدد الصوتي عن مبادئ أدبية، ونقدية تُسهم في تفسير عدد من الظواهر مثلما أنه يقدم للناقد أدوات، ووسائل يستطيع من خلالها الاستعانة على تفسير هذه الظواهر، وتحليل مكامنها، ومضامينها في النص الأدبي.

 وعلى الصعيد التطبيقي فقد عمد سلام في نصه – الذي بين أيدينا – إلى ممارسة الطوبولوجيا (إحداث تغيرات وتحولات شكلية في الخطوط) فبينما نجد الشعر التفعيلي في الخط / البنط السميك، أو الثقيل الغامق Bold نجده يستخدم اللغة النثرية في التعبير عن الشعر التفعيلي؛ ولذلك فإن الدوال الرامزة أو المشفرة Codes تكمن في الخطوط السميكة أو الثقيلة، وتصنع – في الوقت نفسه – جدلًا جماليًّا ما بين التفعيلي، والنثري عبر مزج الشاعر بينهما في النص، ولعل ذلك ما يأتي دليلًا واضحًا وجليًا على أن ظاهرة المزج بين الأشكال الفنية وتجاورها في شعر الحداثة من العوامل التي أسهمت في تنوع الشكل من حيث سمات النص، ومكوناته.

 وفي هذا الصدد تأتي الملصقات الشعرية لإحداث صدمة أو مفارقة بين ما يُقدمه النص اللغوي من معان، ودلالات، ورموز، وبين المعنى أو الرمز الذي يأتي به الكولاج(*)Collage ويباشره في لفتة بارودية (التوظيف المقلوب للمعنى) واضحة وجلية في التشكيل الفني للنص بما يؤسس لعدم محدودية الدلالة النصية، ويشي بتأجيلها دومًا، وإرجائها بل بمراوغتها، وتعارضها.

 وفقًا لما سبق فإن التعددية الصوتية تعد ملمحًا دراميًّا بارزًا في النص قصد به الشاعرُ الابتعاد عن المباشرة الذاتية؛ إذ حاول إدماج أصوات، ورؤى غير صوته، ورؤيته، أو تخدمهما، وهي أصواتٌ تنتمي إلى أزمنة متعددة، واتجاهات متفاوتة دينية، وتاريخية، وأسطورية… استدعاها الشاعر بترميزاتها، وحاول صهرها في بوتقة نصية جامعة شكلت مجتمعة نصه الشعري كما جعلته نصًّا مفتوحًا على التأويل.

 إن التعددَ الصوتيَّ – بمستوييه الرئيس والهامشي – في البناء الشعري للنص جعل منه مشهدًا دراميًّا بكل توجيهاته، وقد أضفى هذا التعدد في النص حيويةً، وتفاعلًا وحركة درامية؛ لأن الحوار يدفع النص إلى الذروة كما يخلق التوتر الدرامي فتتصاعد الأحداث، وتصل إلى ذروتها كما أن له منطقه البنائي الجدلي والجمالي؛ إذ حاول الشاعر من خلاله أن يصوتن اللغة، ويمظهرها جماليًّا؛ إذ لا يقتصر التعدد الصوتي الذي ينبني على تعدد الخط أو على تعدد درجة سواده على إنتاجية الدلالة الرمزية (العميقة) فحسب، بل يؤثر بشكل أو بآخر على واجهة النص، ومرآياه (السطحية) من خلال تعددية الأشكال الأيقونية، وتنوع مساربها عبر ما تطرحه هذه الأشكالُ من تفسيرات جمالية، وتأويلية تُقرأ جنبًا إلى جنب مع البعد اللغوي، وتتعاضد به، وتندغم معه، وهو ما يثبت ثنائية السطح، والأعماق التي تتم وفق نهج جدلي يزدوج فيه الشكل الخارجي مع العمق المعرفي؛ إذ لو كان ولاء الشاعر للشكل السطحي أُحاديًا لانعدمت فرصة تأثير النص، وبقائه، ومن ثمَّ فإن مهمة القراءة لمثل هذه الثنائية الجدلية تكمن في محاولة الوصول إلى فجوات النص، وأعماقه التي تمثل الوجه المُكّمل المتخالط معرفيًّا، والمتعدد جماليًّا:

“يَاَ أُمَّنَا إيزيس، الرَّؤُوم لَكِ المَجدُ والسَّلامُ؛ وَلَنَا الرَّحَمُوتُ

هَل تَكُونينَ الحُلمَ أَم الكَابُوس؟ الفردَوسَ أم الجَحيم؟ قِناعٌ حجريٌّ لا يبلى، وأنتم مناسبةٌ نسيتُها في غمرةِ التفاصيلِ؛ فاهتبلني، هذا أوانُكَ؛ هذا أواني؛ مشرعةٌ لكَ على الجهاتِ والمواقيتِ؛ فامنحينا كسرةَ خبزٍ، وقطرةَ ماءٍ ونصفَ شمسٍ وقمر

أيُّها الزَّمَنُ الحَجَر”([6])

 في المقطع السابق لجأ الشاعر إلى التنويع الخطي، وتغيير الخط؛ فجعله سميكًا في الجملة الأخيرة من المقطع “أيُّها الزَّمَنُ الحَجَر” ليعكس لنا الثقل النفسي، والشعوري الذي ينتابه بالإضافة إلى ما ترصده الجملة الشعرية من كثافة دلالية تقفز إلى ذهن المتلقي تلقائيًّا بتنقل بصره (بلاغة العين) لتتبع دلالات المقطع (بلاغة اللسان والأُذن) بما يشبه عملية المزاوجة البصرية أو الشكلية، والفكرية الدلالية.

 ومن ناحية أخرى فإن استخدام أداة النداء، ومعها الاسم المنادى – كبنية أسلوبية – ليشي بحضور الآخر المتعدد الصوت، والرؤية في هذا المقطع – التمثيلي أو الاستشهادي – إذ اتخذه الشاعر رؤية إنسانية امتدت أبعادُها في الزمان، ولم يحدها مكان، فتبلورت شكلًا إنسانيًّا في هذا الحوار الثقافي التفاعلي، وهذا الاختلاط بين ما هو سماوي، وما هو أرضي، وهذا الأمر قد تبدى بشكل أكثر وضوحًا في الصفحة نفسها من خلال المستطيلات التي تناثرت في باقي أنحاء الصفحة؛ حيث تظهر في هذه المستطيلات، أو الكولاجات أصواتٌ من كل العصور قرآنية، وأسطورية، أبيات شعرية، أقوال مأثورة، حكم ممهورة في الذاكرة، صرخات عابرة، وعبارات غابرة يبدو الشاعر فيها جميعًا مشغولًا بفكرة التزامن الصوتي كما يطرح من خلالها سؤال تعدد الأصوات، وتجادلها.

 وفي السياق ذاته استعان سلام بعدد كبير من الرسوم – التي وردت في نصه بشكل واضح وجلي – حيث وظف عددًا كبيرًا من الرسوم التشكيلية، والأيقونية قصد إنتاج تنويعات طباعية مؤثرة لإحداث تجريب حداثي، ولجذب انتباه القارئ، والمتلقي للنص من جهة، ولتعزيز فكرة التعدد الصوتي، وتحولات الصوت والمستوى الشعري في العمل من جهة ثانية.

 ولأن الشكل الكتابي ليس اعتباطيًّا في هذا النص بوصفه عنصرًا رئيسًا من عناصر بنائه؛ لذا أصبح من المحتم علينا قراءة هذا الشكل من منظور علاماتي، أو باعتباره علامة أيقونية كما في مثل توظيف الشاعر لصورتي الجعران، والديناصور في قوله:

“جسدي إلهي المعبودُ، أُصَلّي لَه آناءَ اللِّيلِ وَأطراف َالنهارِ، أُطلقُ البخُورَ كُلَّ شَفَقٍ وَغَسَقٍ، أُقَدِّمُ ابتِهَالاتٍ لم يَعرِفهَا كِبارُ المتصوِّفةِ، وأَرباب الطَّريق؛ رَبِّي الآمِرُ النَّاهِي، جَبَّارٌ رَحيم؛

سَيِّدِي وَ حَبِيبِي الوَحيد

جَسَدِي – كُلَّ يَومٍ – عِيد

([7])

يُعززرسم الجعران في الاستشهاد السابق فكرةَ الاتيان إلى الوجود، ويرتبط بمعنى الإبداع، والإنشاء، ويرمز إلى عودة الروح من جديد، كما يمتزج الجعران بالتكوين النصي اللغوي عن طريق التفاعل مع تيمة الجسد، بما يخلقتعددية صوتية ودلالية للمتكلم عن طريق التفاعل ما بين الوظيفتين الشعريتين اللسانية اللغوية (الجسد)، والأيقونية الصورية (عودة الروح).

أما الديناصور في هذا العمل فيمثل رمزالسلطة الشكلية، التي تسعى دومًا إلى البحث عن السيادة والتسلط من ناحية، وتحاول استعادة اقتراب النهايات من ناحية أخرى، مثلما يعد رمزًا للتمرد، والرفض ضد الغياب، والانسحاق، والعدمية.

أيَّتُهَا اللَّحظَةُ القَاتِلَة

تَنغَرسِين في جَسَدِي سكِّينًا غَائِرًا حَتَّى آخِر النَّصل، لاَ يَرَاكِ إلاَّي؛ تُقِيمِينَ لاَ تَبرَحِين، هَل أَعجَبَكِ المقَامُ؟ أَتَسمعِين تَغريدَ العَصَافِيرِ الملَوَّنَةِ، وبَقبَقةَ المَاءِ الجَارِي؟ فلتُمدِّدي سَاقَيكِ على العُشبِ الأَخضَرِ في جَسَدي؛ دَلِّي قَدَمَيكِ في مَاءِ السَّكيِنَةِ، وَأَطلِقِي الخيَالَ طَائِرًا مُلَوَّنًا يُرَفِرفُ فِي سَمَاوَاتٍ بِلاَ غُيُوم؛

سَمَاوَاتٍ بِلَا نُجُوم

([8])

 إن البنيات التشكيلية في هذا العمل تنهض على تضافر، وتفاعل النسق الأيقوني مع النسق اللساني، فبكثير من التبسيط قد نقول إن هناك تراسلًا بين أيقونة القدمين، وبين عبارة “دَلِّي قَدَمَيكِ في مَاءِ السَّكيِنَةِ”، ولا شك في أن هذا التفاعل بين البنائين يخلق تعددية صوتية ودلالية، وقد تبدى حرص الشاعر على إنتاج هذه التعددية من خلال التشكيل الإعرابي الكامل للنص، ووضع علامات الإعراب التي يُعين وجودها – بشكل أو بآخر – في مساعدة المتلقي على الوصول للمعنى، وتأويله بالإضافة لما تمثله هذه العلامات أو التشكيلات الإعرابية من توتر نصي، ودلالي وجذب بصري جمالي.

 أما على المستوى الدلالي فقد تنقل الشاعر بين صيغ الأفعال عبر توظيفه في بداية المقطع لأفعال تدل على الحاضر (تَنغَرسِين – تُقِيمِينَ – تَبرَحِين)، التي اجتمعت لتشكل صوت الشاعر الذي ينقل رؤيته، ثم قام الشاعر بعمل مزج صوتي عبر صوت التساؤل (أَتَسمعِين)، ولما لم يجد الشاعر صدى للإجابة على تساؤله، أدخل صوت الأمر (فلتُمدِّدي – دَلِّي – أَطلِقِي)، وقد عملت هذه المزاوجة الصوتية على خلق جو فني، كما أضفت على المقطع أبعادًا جمالية.

 وأخيرًا فإن السمةَ الملحوظة على الشكل الكتابي في (أرعى الشياه على المياه) أنه عملٌ أيقونيٌّ بامتياز، ويمكن تفسير هذه الأيقونية Iconicity في شعر الحداثة – بوجه عام – والنص التطبيقي الذي بين أيدينا – بشكل خاص – في رغبة الشاعر الواضحة لتحول النص الشعري من العنصر السماعي والشفاهي إلى العنصر المرئي والبصري؛ إذ نلفى الشكل الكتابي في هذا العمل شكلًا دالًّا على المضمون أو المحتوى الذي يتضمنه النص من ناحية، ويتجادل مع التشكيل اللغوي المتبدي في النص من ناحية ثانية.

الغِلاف العنوان: تشكيلًا جدليًّا وجماليًّا

 يُعدُّ العنوانُ من أهم العتبات النصية في أي نص إبداعي؛ إذ هو بمثابة علامة مكتملة Significant وهذه العلامة لابد لها من مدلول تُكتسبُ أهميتُه من جهة المبدع الذي يُوليه الاهتمامَ، والعناية اللازمين لدفع المتلقي، وحثه للولوج إلى النص، والاشتباك معه “فالعنوان من جهة المُرسل هو تفاعلٌ علاماتي بين المرسل، والعمل أما المُستقبل فإنه يدخل إلى العمل من بوابة العنوان متأولًا له، وموظفًا خلفيته المعرفية في استنطاق دواله الفقيرة عددًا، وقواعد تركيب، وسياقًا، وكثيرًا ما كانت دلالة العمل هي ناتج تأويل عنوانه”([9])

 إن العنوانَ بمثابة نظام دلالي، ورمزي، وسيميائي مكثف يحمل في طياته قيمًا متعددة، وهو وسيلةٌ إيحائية كاشفة تنم عن فكر المبدع، وتعكس رؤيته للعالم، وهو في الوقت نفسه يعد مفتاحًا تقنيًا يجس به السيميوطيقي نبضَ النص، وترسباته، وظواهره التركيبية.

 وفيما يتعلقُ بعنوان العمل الذي بين أيدينا (أرعى الشياه على المياه) فقد اختار الشاعر عنوانًا جدليًّا هدف من خلاله إلى وضع المتلقي في جدل فكري، ومعرفي جدل ينبثق عن التساؤل: إلام تُحيل المياه، والشياه؟ وما علاقة هذين الرمزين بالأيقونات التي ترتسم على الغِلاف؟ وهل هناك علاقة جدلية بين هذين الرمزين، وهذه الأيقونات؟ وما هذه العلاقة؟

العنوان.. علامة رمزية مزدوجة وجدلية:

 يقول ميخائيل ريفاتير Michael Riffaterre في هذا السياق: “يمكن أن تشتغل العناوين علامات مزدوجة إنها في هذه الحالة تحتوي القصيدة التي تتوجها، وفي الوقت نفسه تُحيل على نص آخر”([10])، ومن ثمَّ فإن رصدَ العلامات المحورية الكبرى يكشف عن احتوائها على علامات صغرى مماثلة لها بصيغ مختلفة تتشاكل معها، وتتجاوب هذه الدلالات المزدوجة لتعرض لنا حزمة من العلاقات التي تعكس تعارضات متعددة الداخل والخارج، الذكورة والأنوثة، النشأة، والخلق، والنهاية، والتدمير.

وفي هذا السياق تُشير عتبة العنوان إلى التحول أو العبور من عتبات سابقة لعتبة هذا النص، كما تؤشر إلى أن العلاقة الرابطة بين العنوان، والمتن النصي هي علاقة التساؤل بالإجابة، وإذا كان العنوان نصًّا مكثفًا؛ فإن مقتضيات الإجابة التي تتوزع مكوناتها، وتتشرذم داخل وقائع النص تستوجبُ أن يكون لهذا النص المكثف (العنوان) امتداداته اللغوية، والمعرفية داخل المتن النصي وربما خارجه؛ حيث لا نعدم هذه الامتدادات داخل المتن([11]) بل إننا نجد عتبة العنوان بلفظها في نصوص سابقة للشاعر، وعلى رأسها عمله السابق لهذا النص (هكذا تكلم الكركدن) الذي يقول فيه:

“كَانَت الشِّيَاهُ تَرعَى عَلَى المِيَاهِ، تَقضُمُ الزَّبَدَ الغَافِي والأَبَدَ الطَّافِي، وكُنتُ أَنَا الرَّاعِي المخبُول – عَاكِفًا عَلَى خُزَعبَلَةٍ جَمِيلَةٍ وَخُرَافَةٍ وَبِيلَة”([12])؛ وبذا تُشير عتبة العنوان الحالي إلى التحول أو العبور من عتبات سابقة لعتبة هذا العمل.

 يحتوي العنوانُ على مكونين لغويين رامزين: المكون الأول (الشياه) التي ترمز إلى الشعوب، أو الجماهير، أما المكون الثاني (المياه) فهو من الرموز المتعددة الدلالة؛ فقد تكون رمزًا للخصب والنماء، وقد تكون رمزًا للتدمير والتخريب، وبالنظر إلى المكونين السابقين نلحظ أن كلَ واحدٍ منهما يقف على الطرف المناقض للآخر، فقد عُرِف أن الشياه ترعى على الأرض، وأن المياه لا تصلح كمكان للرعي لكن هذا التعارف لا يستخدم على إطلاقه الدلالي الواقعي؛ إذ قد يكتسب حمولة دلالية مجازية أو علاماتية تنجم عن انحراف دلالي مقصود من الشاعر، ووفقًا لهذه الحمولة تصبح مفردة المياه رمزًا مكانيًا واشيًا، ومحتبسًا حتى ليغدو احتباسه رمزًا آخرًا، واستثمارًا آخرًا من الشاعر يحاول به استدراج العنوان لاستحضار المكان من أقصى الذاكرة إلى أقصاها؛ فالرعي صورة أرضية، والماء صورة مناقضة للصورة الأولى، وقد جمع الشاعرُ بينهما تراسليًّا في صورة ثالثة وسطية هي الشياه.

 يؤول العنوان – أيضًا – إلى تنافر معجمي عبر جناس موقَّع بين المكونين الرمزيين السابقين (الشياه، والمياه)، ومن ثم فإن هذا التنافر الموقَّع لا يمكن تفسيره أو إدراكه إلا بإحالة هذا العنوان، وطرحه على الديوان بأكمله وتفسيره من خلال زوايا عدة؛ فمجيء المكونين بصيغة التعريف جعلهما يحملان دلالات محددة من قِبل الشاعر؛ لأن التعريف ينجم عنه التحديد لا الإطلاق، وإذا ما أخذنا هذا الأمر بعين الاعتبار سنلفى أن المهام التي يريد الشاعر أن يوصلها للمتلقي هي مهامٌ محددة.

 وتكمن قيمة التجنيس الموقع في هذا العنوان في حمل القارئ على الانتباه، ولما يحدثه من قيمة دلالية تتداخل في هيكلة الرمز اللغوي في المفردتين كما تُحيل في الوقت نفسه إلى جدل التشابه، والاختلاف بين البعدين: اللساني اللغوي، والصوري الأيقوني المتمثل في الخط الهيراطيقي المتكسِّر على غِلاف الصفحة، الذي يُحيل إلى الماء، ويدل عليها بما يُشير إلى اتفاق الدلالتين اللغوية، والصورية وتجادلهما.

 يأخذ الفعلُ الزمني (المضارع) المبدوء به العنوان محورًا حركيًّا، وحدثيًّا منحته له صيغته (أفعل)، ويأتي كدليل على الحدث (الرعي) الذي يشي بالانفعال، وعدم الاستكانة، وبه يواصل النص تدفقه، وانسيابه، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره “أنا”، ثم تحضر هذه الأنا، ويبتدأ بها الشاعر مفتتح النص بما يثير تساؤل المتلقي عن العلاقة بين الأنا الغائبة وجوبًا في العنوان، والحاضرة مبتدًا في المفتتح، التي يُخبر عنها بخبر رامز هو الغراب.

 تضع الذات الشاعرة نفسها – من خلال العنوان – في موضع الملك، أو الراعي الذي يرعى شؤون رعاياه، ويتصرف في شؤونهم أنَّى شاء ممارسًا فعل الاستعلاء المتمثل في حرف الجـــر “على”، لكن مع استمرار القراءة نجد أن هذه الذات تتحول من موقف الراعي إلى موقف الرعية في مفارقة واضحة لتصبح الذات في وضعيتها الأولى بمثابة إثارة وعي لذاكرة القراءة والتلقي، وصرخة مدوية؛ فمهمة الرعاية – كما هو معلوم – حسب الإحالة اللفظية تُحيل إلى جانب المسؤولية التي تستوجب اهتمام الراعي، وما يرتبط بهذا الاهتمام من ضرورة البحث عن الحقائق، ومحاولة إظهارها.

يفترض العنوان – الذي بين أيدينا – وجودًا واقعيًا خارجيًّا؛ إذ للواقع فيه دورٌ تأسيسي في تحقيق جمالية تقاطع الذات الشاعرة مع دائرتي الوعي، والواقع المحيط وهذه الدوائر تلتقي ببعضها من جهة، وبالخطاب الذي سينبثق عنها من جهة ثانية.

 ويتلبس العنوان بالوعي الكتابي الذي يمتزج بالمفارقة الساخرة Parody، وتحديدًا في شبه الجملة “على المياه” الذي يشي بالسخرية ما بين طبيعة الفعل اللغوي “أرعى” الذي تصنعه الذات، وتضعنا أمامه بكل حمولاته الدلالية، وما بين الموقف الذي ينتهي إليه العنوان، وكأن مصير الذات أو بتعبير آخر موقفها الأخير مصير/ موقف مفارقاتي ساخر.

 وعلى الجانب الآخر فقد وفَّر البعدُ الأيقوني مجالات خصبة للتجريب على مستوى واجهة النص (الغِلاف)، فأخذ هذا المستوى بعدًا تطابقيًّا، وتفاعليًّا تمثل في المطابقة، والتفاعل ما بين الرمز اللغوي، وتمظهره البصري؛ إذ يشكل اللونُ الأحمرُ الذي أراده الشاعر للعنوان أيقونة الوجود والواقع من حيث إن اللون الأحمر له دورٌ في أصل الوجود، والواقع فهو لون القوة، والحياة، والحركة، وقد يأتي أيضًا رمزًا للإخلاص للوطن أو الحبيبة.

تظهر يمين أعلى صفحة الغِلاف صورة طائر النبتي الذي يرمز إلى مصر (شمالًا، وجنوبًا)، وهي كرمزي العنوان (الشياه، والمياه) أيقونة مزدوجة، وقد وضع الشاعر اللون الأحمر دلاليًّا حتى يكون ملائمًا للطائر الذي يُطل برأسه إلى الأسفل في دلالة واضحة على السقوط؛ وبذا تتفق دلالة وضعية أيقونة الطائر مع ما ترمز إليه دلالة اللون الأحمر، وتتماثل معه.

 وبالرغم من أن الشاعر لم يشأ وضع إشعار تجنيسي للمتن النصي على هذا الغلاف للقارئ، إلا أن هذا العمل ينتمي بامتياز إلى قصيدة النثر، ولكنه يتملق إلى حد ملحوظ من شروط شعرية هذه القصيدة كما أسست لها سوزان برنارد في كتابها “قصيدة النثر من بودلير إلى يومنا” لينم عن تطور كبير، وتحول جلي في مسار هذه القصيدة، وهو الأمر الذي يتفق إلى حد كبير مع ما يطالب به شعرُ الحداثة؛ إذ إنه لا يطالب بغطاء للجنس الأدبي، بل على العكس هو يُريد إزالة الغطاء التجنيسي بحثًا عن أُطر أكثر سعة، ورحابة وأسرع استجابة للتعبير عن كافة مستجدات الكتابة الشعرية، ومستحدثاتها، وتجاوزاتها.

وعلى الصعيد الإبداعي فإن عدم وجود مؤشر جنسي على غلاف العمل يشي برؤية المبدع الطامحة لعدم وجود إفادة إخبارية أو إعلامية أو توثيقية لمحدد الجنس الأدبي بغيةَ توسيع حدود الجنس الشعري من جهة، ورغبة المبدع في الخروج على هذا الجنس النوعي وإثرائه بأشكال كتابية جديدة من جهة أخرى.

 يتشابك مفتتحُ النص (أنا الغرابُ الناعقُ)، ويتماس مع الغِلاف ببعديه الرمزي، والأيقوني؛ حيث يؤول ضمير “الأنا” المفتتح للنص، ويُحيلُ إلى رمز متوارث وشهير هو الغراب الناعق، وفي هذا ترميزٌ واضحٌ للحزن، والخراب، وضياع الأحلام، أو هو نزعة ميثيولوجية للهبوط، أو السقوط، والتلاشي التي تدلل عليها أيقونة النبتي (التي ترمز لمصر)؛ إذ تتجه برأسها إلى الأسفل في تأشير واضح على السقوط.

وأخيرًا فإن العنوانَ بأبعاده المتجادلة يشكّلُ جمالية من جماليات التلقي سواء على المستوى البنيوي، والدلائلي، والرمزي أم على مستوى الإنتاجية المتصلة بمتن العمل، والمشتبكة معه بشكل عام.

جدل الأنا واللاوعي وتداعيات الكتابة:

ينحو نص “أرعى الشياه على المياه” في بنائه التشكيلي منذ عتبة العنوان، ومفتتح النص وينهض على سير ذاتية واضحة لا تنفصل فيها الذاتُ الشعرية عن محورها الأنوي (نسبةً إلى الأنا والسرد بضميرها)؛ لتعبر عن رؤاها الواقعية التي تستمد الأنا الساردة رحابتها فيها، وانفساحها من رحابة اللاوعي، وانفتاحه على جملة من الموروثات الثقافية، والفكرية المتعددة، وما تحمله هذه الموروثات من دلالات، ورموز تمارس الذاتُ معها غوايةَ الانشطار، وتلعب معها لعبة المغايرة في صيرورة كتابية يتداعى فيها صوتُ المتكلم ليشكل جزءًا رئيسًا من تحولات السرد، وإيحاءاته الرمزية من حيث إن الوحدة السردية هي ميسمٌ من مياسم الرمزية، وأيقونة من أيقوناتها.

إن استهلالَ النص (أرعى الشياه على المياه) بـــ “أنا” المرجعية، التي هي بمثابة ضمير سيادي، مهيمن في النص وبنية أساسية يقوم النصُ، وينهض عليها من شأنه أن يرجِّح سيرية النص الذاتية (الأوتوبيرجرافية)، واحتفاء الشاعر بذاتيته إذا ما عددنا الأنا هنا موجهًا قرائيًّا يُلفت النظرَ لهذه الاحتفائية، التي تتمثل في حضور الذات بضميرها المؤسس لفاعلية نص أنا الوعي في مقابل أنا المركز؛ إذ تعد الأنا بمثابة المعادلة الشعرية التي تنقّل من خلالها الشاعرُ من نرسيسيته، أو نرجسيته الشعرية إلى الاشتباك بالآخر، في محاولة للتهرب من المركزية الذاتية إلى الصفة الجماعية على الرغم من نزوع الشاعر إلى تفرده الأنوي، ومحاولة إبراز هذا التفرد.

 إن الشيوع اللافت للنظر في استخدام الضمائر الذاتية، والفردانية (الأنا صيغة المتكلم، والأنت صيغة المخاطب حين يخاطب الشاعر ذاته) تُعدُّ ملمحًا رئيسًا يتجلى في شعر الحداثة بوجه عام، وشعرية النص الذي معنا بشكل خاص، وهي تأكيدٌ من الشاعر على موقفه الذاتي، والفردي؛ إذ يضع الشاعر نفسه في مواجهة الواقع، والعالم (الآخر).

 وفي هذا السياق تبدأ الذات الشاعرة بتأكيد فرديتها، وتفردها رؤيويًا لتعكس لنا – بشكل أو بآخر – درجة من درجات وحدتها، وعزلتها، ومعاناتها، وحيرتها… جراء مواجهة الآخر (الواقع والعالم)؛ حيث يضعنا النصُ أمامَ مونولوج داخلي (أنا) حاضر باستمرار حتى عن طريق الازدواجية الضمائرية (نحن – أنا)

“أيها الحلم الطري

 تسوقني أنا الأعمى إلى ما لستُ أدري، لكن عين الله ساهرة عليَّ

 ونصحو في منتصف الليل على طرقٍ أصم على الباب، نهرع نفتح، فنجد جثةَ قتيل مخضبة بالدماء، وعلى الصدر قصاصة بردي صغيرة ليس عليها سوى كلمة

أنااااااااااااااااااااا([13])

تنتج التداعيات في النص نتيجة أن التشكيل اللغوي مستمدٌ من فيض اللغة داخل الوعي على تقدير أن الشاعر يحاول دومًا أن يُسمعنا من خلال النص صوت الوعي الجمعي من منظوره الداخلي والأنوي، الذي لا يخلو من التداعي، والاستطراد، والحذف، واللاتنظيم… ؛ حيث تخرج اللغة حية طليقة.

 تأسيسًا على ما سبق تظهر في هذا النص إشكاليةُ الضمير، وهواجسه التعبيرية، ومشاكله اليومية، وسرد أحداثه التتابعية وهو ما يتبدى في النص بشكل واضح، وجلي عن طريق عملية التداعي التي تُحدث انشقاقات في الذات، وتنشأ عن طريقها مجموعة من الصور الفانتازية التي تتماس بشكل أو بآخر مع صور الغرائز والحواس لتمثل لنا قراءة العالم من منظور مونولوجي باطني.

 إن هيمنة ضمير المتكلم (أنا) في سياق سردية النص، وعائدية الصفات والأحداث، والأفعال السردية المنسوبة إلى الأنا تجد قناعها في الأنا السيرية، وعلى مقدمة من مبدعها نفسه؛ فتنكشف الأنا واحدًا عددًا، متعددًا معدودًا وموصوفًا؛ لتتسع بذلك آفاقها، وصفاتها الحوارية التي تؤكد انتفاء السكون الذاتي، وتؤسس لمشروعية الذات في اشتغالها على تجسيد المتنافرات، والمتناقضات التي تؤشر لنسبية الذات، وتعدديتها رغم واحدية نواتها الدالة عليها؛ لأن أية سيرورة سردية لابد وأن تشتغل باعتبارها ترميزًا للذات والعالم، ولا بد وأن تطمح كذلك إلى تجاوز الواقع الراهن بغيةَ تشييد عوالم ممكنة، ومغايرة.

 لقد وردت الأنا في النص (237) مرة، وقلَّ ترددها بل اختفى حينما حضر التناص؛ حيث إن وجود الأنا يُغَيِّب وجود الاتجاه التناصي والعكس صحيح بما يشي بأن الأنا في النص صلبة، ومتشظية في آن واحد.

“هزمُوني

مهزومٌ أبدًا، لا أكلُّ أو أملُّ، كلما نسيني الوقتُ فتشتُ عن هزيمة / خيبة أخيرة تلوكني إلى منتهاي، ولا أصرخ صرختي الشهيرة:

دثروني، زملوني

فلا يُدثرني أحدٌ، فأبكي ضعتي وضياعي، عاريًا مرتعشًا أمضي في الزمهرير، كمنفي أخير، بلا بيت أو امرأة أو رفيق، أحتفل بهزيمتي بما يليق بي وبها، وأمني نفسي بأنها لن تكون الأخيرة، لا وكلا فأروع الهزائم ما لم نرها بعدُ يا ناظم حكمت؛ وأمضي مختالًا مرحًا، أخرق الأرضَ، وأبلغ الجبالَ طولًا، حرًّا طليقًا، لا شيء على كاهلي، وفي رأسي الفراغُ الجميل

طلل حجريٌّ وبيل([14])

 لقد حاول الشاعرُ الجمعَ بين المتناقضات، والمتباعدات كما حاول التوليف بينها، وبين رموزها بغية إنتاج إيحاء دلالي ما كان له أن يتم دونما الإحالة على المرجع الخارجي الواقعي بصوره، وهو ما أدى إلى أن تتداخل الأنا مع الرموز المكونة لها، وتتجادل معها بدءًا من الفكرة، وحتى الشكل فيما يمكن أن نسميه بـــ “التفكير بالصور”.

 إن هذا الحضور الطاغي للأنا في النص هو ما أكسب النص غنائية ملحوظة عبر تجادل الأنا، وتفاعلها مع العالم من حيث إنه “لا يتم الكشف عن العالم في الشعر الغنائي إلا من خلال موقف الأنا منه”([15])؛ وبذا فإن الأنا الغنائية وحدها هي المنوطة بإجراء حوار مع هذا العالم الدرامي، وهي تؤدي هذا الدور في كافة حالاتها سواءٌ أكانت فاعلةً أم مفعولًا بها، وهي في الوقت نفسه التي تبتدع السردَ، وتجعله مادتها وسلوتها؛ فتصير هي الساردة، والمسرود عنها، والمسرود لها بما يُوحي ببراعة تغلغل مكنون اللغة السردية في المشهد الشعري الحداثي، وكيفية الإفادة من عناصر هذه اللغة بالغة الدلالة في شعر الحداثة، الذي استعان بالسردية الشعرية؛ حيث انتقلت الأخيرة وتخلت عن وظيفتها النثرية ونحتها جانبًا لتأخذ وظيفة شعرية محملة بدلالات جديدة.

 وعلى الجانب الآخر قد يتوسط الأنا والعالم نموذجٌ وسيط هو النموذج الدرامي الذي يعبر عن درجة الوعي بالعالم وعلاقاته المتشابكة بالأنا، وهذا التعبير يقدم نمطًا جدليًّا بين الأنا ومحمولها من جهة والصراع بينهما من جهة ثانية من حيث قدرة النموذج الدرامي على الإفصاح عن “العملية الجدلية بين ما هو خاص ذو إطار فردي محدد، وما هو في الوقت نفسه نموذجيٌّ عام”([16])

 وفي هذا السياق يعد السرد مكونًا بارزًا من مكونات شعر الحداثة؛ ذلك أن الشاعر الحداثي محاصرٌ بفيضان من الفنون السردية المستمدة من الواقع؛ ولذا يلجأ الشاعرُ إلى الحركية السردية حفاظًا على جدل الذات مع الواقع، والعالم من جهة، ورغبتها في التحقق، وعدم التلاشي، أو التشرذم من جهة ثانية، من حيث قدرة السرد المُعبَّر عنه بضمير المتكلم على لملمة مفردات الواقع، والعالم، وحركتهما المتسارعة عبر قدرة الضمير على نقل النص من مستواه اللغوي إلى مستواه الدلالي بما يحمله هذا الضميرُ من طاقة رمزية تعبر عن صلة الإنسان بالعالم.

 لقد غدت الوظيفةُ السردية في النص الشعري الحداثي هي الأداة الضرورية لتحقيق التعددية الصوتية، والمحضن الفاعل لحضورها وفاعليتها مثلما أنها الأداة الناجعة لتفاعل الإيقاعي والنثري، وتوحدهما في النص كونها الوسيط الأقدر على التقاط اللحظات الداخلية والخارجية، الذاتية، والموضوعية، وتجميعها على كافة المستويات التي تجعل من النص تشكيلًا مفتوحًا، وهو ما يوفره السرد، ويضطلع به، وهذا الأمر قد نبَّه عليه جيرار جينيت Gerard Genette(1930: 2018م) حينما رأى أن دراسة العلائق الجدلية بين السردي والوصفي لابُدَّ وأن تعود في جوهرها إلى مراعاة الوظائف الحكائية للوصف، وهي إما جمالية تزيينية أو ذات طبيعة تفسيرية ورمزية في الوقت نفسه”([17]).

 إن اللغة التي ترمز إلى أحداث، أو أفعال مركزها الأنا لتخلق سياقًا ينهض على التداعي الزمني، وهو ما يسمُ النص بالحركية، والانفعالية، والغنائية، وعلى الجانب الآخر فإن اللغة التي ترمز إلى أحداث أو أفعال مركزها العالم لتخلق سياقًا ينهض على السردية، وهو ما يسم النص بالدائرية، والدرامية، وبتفاعل ثنائية الأنا، والعالم وتجادلها في رموز النص وإشاراته، وفعل فهم المتلقي الذي يُحدث الأثر المعنوي في هذه الحالة لا يمكن أن نفصل بين الأنا، وعالمها بوصفها تعبيرًا يقدِّم لنا رؤية عن هذا العالم، أو بعبارة أخرى إن هذه الأنا تكتشف العالم وتبتكره، أما العالم فإنه يؤكد تمام هذا التعبير بما يجعل للسياق النصي قوة مكتملة تسير بطريقة منظمة.

 لقد سعى الشاعر من خلال هذا النص إلى تأكيد الذات الرؤيوية عبر حيز السرد الذي هو أقرب إلى السرد المونولوجي، مثلما سعى عبر تداعيات الكتابة الحرة إلى إعادة إنتاجها، وتصويرها، وتقديمها وفق حالات متعددة؛ حيث تمثل مفردة الأنا أكثر المفردات ورودًا في النص، وحضورًا بحكاياتها.

 عملت نزعة الأنا بمرجعياتها الضمائرية، والدلائلية أيضًا على تعميق الشعور بالتشكيلات البصرية، ومحاولة الانصهار فيها؛ إذ لا تُدرك الذات نفسها إلا عبر لغة غير مباشرة تجد تحققها عن طريق وسيط، أي عبر علامة قد تكون رمزًا لغويًّا، أو أيقونة بصرية تتشكل عن طريقها الكينونة الذاتية التي ينهض عليها النص، ويؤكد ذاتيته المعرفية، أو معرفته الذاتية بما يعني أن الذات ترغب عن المطلق، والعام وترنو إلى المقيد والخاص عن طريق زحزحة العلامة – بنوعيها – السيمو معرفية من جغرافيتها الخارجية إلى موقعيتها، وسياقها الداخلي.

 تقوم العلاقةُ الجدليةُ في النص بين الأنا، والآخر على مجموعة من الأسس، يأتي على رأسها صوتُ المتكلم الذي يبدو مظهرًا واضحًا في النص بوصفه بنية لا مركزية متحولة، أو نقطة يمارس من خلالها الشاعر لعبة التماس مع كافة التمثيلات الواقعية، والحضارية، والجمالية… التي تردُ في النص.

 لقد خلق صوتُ المتكلم في النص عددًا من الثنائيات الأنا، والآخر الأنا، والعالم الحضور، والغياب… ؛ حيث غدت هذه الثنائيات مرجعيات للكتابة تحاول من آن لآخر أن تزحزح الأنا الفاعلة أو المتكلمة لتحل محلها، ومن ثم فإن إقصاء الأنا يعني الحصول على الترميزات التي حلت محلها.

وعلى صعيد آخر فإن تغييب الأنا وإحلال الرمز محلها يعد من المظاهر الملفتة للنظر في هذا العمل عبر تحليل بعض التجليات الشعرية وفضائها الدلالي المنفتح على الواقع، والتي يأتي على رأسها الحلم (أحد التوجهات السوريالية في كتابتها الآلية)؛ إذ يُنزله الشاعرُ منزلة الواقع فيصبح الحلم مغدورًا تمامًا كما الواقع.

“في اللَّحظَةِ الضَّائِعَة

مَن يَدِري؟ رُبَّمَا، قدَ، لَعَلَّ، لَكِنَّ الأَنَاشِيدَ تَعلُو، دُخَانًا أو بُخَارًا هَائِمًا بِلَا هُوًى، غَيمَةً سَودَاءَ يَانِعَةً تُوصِدُ الأُفقَ المُقَابِلَ، أمتَطيهَا إلى الهَباء البَهِيِّ أَتَانًا، بِاسمِ اللهِ مُجرِيهَا ومُرسيهَا، إلى الفردَوسِ المَفقُودِ، أو السَّدِيمِ البَضِّ، السَّادِرِ في غَيبُوبَتِه الغَابِرة، أو إلَى صَيحَةِ الدِّيك الثَّالثةِ بَعدَ الخِيَانةِ المقدُروة

“أيتها الأحلام المغدورة

أيتها الأوهــام المبقورة

من فينا يُطارد الآخرَ اخرجي مني قليلًا، برهة أو دهرًا، سِنة أو سَنة، لأرتب هواجسي، وخزعبلاتي الأثيرة، وأرمم ما تبقى من خطاياي وهزائمي القادمة، لأنتصب في الميدان صارخًا باللعنات، أصبها على رؤوس العابرين، وعلى رأسي… “([18])

 تنبني المفارقةُ في هذا النص وتنهض على تناقض الرؤية؛ إذ يحاول الشاعرُ أن يحققَ المؤتلف عن طريق المختلف بواسطة الحلم الذي يُفضي بالمتلقي إلى تناقضٍ واضحٍ، وجلي في الرؤية الشعرية، وعن طريقه يغيِّب السياق الأشياء، ويتحطم الزمن الحكائي، والسردي، ويغدو النصُ بؤرةً للتوتر عبر اختراق المألوف المعجمي، وكسر الإلف اللغوي بما ينتج دلالات غير محددة، أو مصمتة، ومنظمة؛ إذ يتكئ البناءُ النصي في هذا العمل على مجموعة أو منظومة من المفارقات أبرزها المفارقة المأسوية وفق ما هي حالةٌ ملازمة للواقعي والمألوف فما يُفهم على أنه واقعيٌّ، أو مألوف هو في المستوى الثاني من مستويات القراءة غير واقعي وضد المألوف، وهو الأمر الذي يتبدى عبر جانب الإيحاء أو الدلالة، بما يعني أن كتابة قصيدة النثر في سياقها الجمالي يحتم عليها أن تلج عوالم المفارقة التي تتبدى، وتظهر من خلال التلقي الواعي لها.

 وعلى صعيدٍ متصل تمثل المفارقة في نص سلام هذا الأنموذج المغاير؛ إذ تتعدى لديه الاستخدام التقني لها بوصفها أداة فنية وتتجاوزها إلى محاولة الوعي بالعالم، وإدراك الواقع الذي يمثل الالتباس، والتناقض خيطه الرئيس، وخاصيته الأساسية.

“أَنَا الغَزَالةُ الحَائِرَة،

انتَظَرتُ الشَّفَقَ، فَجَاءَ الغَسقَ.

انتَظَرتُ الحَبَقَ، فَجَاءَ الأَرَق.

أَنَا الغَزَالَةُ العَاثِرَة”([19])

 إن المفارقةَ التي يُحدثها التشكيلُ اللغوي، أو التي تنتج عن الإغراب اللغوي لهي جوهرُ الحداثة، وثوريتها التي تدعو لها، وتجريبها المستمر الذي تمارسه، حتى ليختلط اللغوي بالصوري، والواقعي بالخيالي في حالة سحرية تشبه الأحلام؛ ومن ثمَّ يغدو استدعاء الحلم الباطني هنا أمرًا لا مناصَ منه، ولا سبيلَ إلى تجاوزه، أو الاستغناء عنه بغيةَ التعويض عن عدم القدرة على تطويع الزمن أو تحريكه؛ من حيث إن الحلم طاقةٌ فاعلةٌ تتجاوز القانونَ الزمنيَّ المتحكم بالحياة والواقع.

ويرتد جدلُ الأنا، والآخــر في هذا السياق إلى اهتمام الشاعر بالدال لا المدلول وفق صياغة تجريبية دالِّية، من حيث إن التجريبَ الفنيَّ يُعنى بالدال مركزًا للرسالة، أو النص الشعري من منظور شكلاني؛ إذ يتجسد الإحساس بالدوال اللغوية لدى الشاعر التجريبي فيما يتعلق بمحاولة الانزياح بالعلاقات اللغوية إلى مسارات جديدة غير مألوفة، وصهرها في صور غير معهودة، أو غير متماثلة بوصفها خلفيات حاضنة لشتى الأشكال الإبداعية.

 لقد عُني الرمزيون بدراسة العلاقات الرمزية للأشياء أي دراسة “التشكيل” ضمن “الشكل”، ومراقبة حركة اللغة فيهما معًّا، بما يخلق توترًا داخل النص، هذا التوتر هو ما يُرجى دلالة المدلول دومًا لحساب الدال، وفي هذا السياق تأتي الأيقونية Iconicity لتعطي لصوت المتكلم الملتبس مع غيره نمطًا أو شكلًا متحققًا في محاولة منها للملمة شتى تجاربه المبعثرة؛ بغية إعطائها انسجامًا، وتوافقًا موضوعيًّا، إدراكًا من الشاعر أنه حينما يستبطن أناه، ويتعمقها واقعيًّا وقتها ستتحول شعريته إلى رؤية لغوية محضة؛ ولذا يطعَّم سرده الذاتي بمجموعة من الأصوات التاريخية، والأسطورية، والدينية التي تحول السرد من منطقة الذاتية إلى مناطق الآخر (واقعًا، وعالمًا، ووجودًا).

تكتنزه من أنماط السرد، وعناصره؛ فيتحول النص من خلالها إلى وعاء كبير جامع يحاول الشاعر من خلاله أن يُقدم رؤيته، ويمارس تجربته التي تنقلها الوحدات السردية عبر الذات الساردة التي تقوم بتحويل الرمز إلى أفق فكري، ورؤية تصورية، وتعددية صوتية داخل النص الواحد، وهذا التوجه يتبدى في تشكيل النص الذي بين أيدينا؛ حيث يرغب الشاعر من خلاله في أن يجعل من ذاته الكاتبة محورًا للعالم، ومركزًا من مراكز رؤية الواقع والأشياء، ومن ثم ظهرت الحركة الرمزية للذات بشكل لافت للنظر، وبخاصة في حالاتها الــلاواعيــة معتمدة على السرد كنسيج يشد مفاصل النص أو العمل ويجمعها جمعًا، وبخاصة أن هذا العمل هو عبارة عن نص واحد جامع، وليست نصوصًا، أو قصائدًا مستقلة.

أنا سيد الضالين

لا غاية لي، ولا طريق، لا ماضٍ، ولا مضارع أيها الخواءُ العَذبُ، تمنحُني أجنحةً خفاقةً لأُرفرف في سماوات برتقالية لا تعرفها العصافيرُ ولا الطيور الجارحة، لا أبتدئُ ولا أنتهي، كقطرة مُعلقة في فضاء من بهاء

أنا وريث الهباء

سيده الآني، أسوسه عكس الريح، أمتطيه إلى أسواق الجواري والحور العين؛ غلمان وخصيان وولدان مخلدون كأنهم لؤلؤ مكنون… “([20])

 ينبئ المقطع السابق عن موقف رؤيوي مغاير لما هو واقعي سائد في محاولة لدفع الذات إلى البحث عن إطار موضوعي وقيمي يتواءم معها، وتتآلف معه، وبِناءً عليه يعتمد المقطعُ السابقُ لغةً مجازية رامزة، نلفي الذات من خلالها تبدأ بالحضور (الأنا البارزة)، ثم تتوالى جمل النفي الواقعي لتغيب الأنا، وتُضمر مع هذا التعارض الواقعي الممزوج بصورة الزمان المضارع الذي يشي بحالة الترقب والانتظار.

تلعب التحويلات التناصية التي يُجريها الشاعر في النص دورًا جليًّا في الكشف عن لاوعي الأنا وتداعياتها في الكتابة، ومن أهم هذه التحويلات تأتي تقنيات الشطب، والحذف والزيادة التي استخدمها الشاعر، وحاول بها إقامة علاقة تقابلية بين المستبدل (المشطوب)، والمستبدل به (الذي يحل محل المشطوب) وهذه العملية هي وبكل حال من الأحوال وبشتى وجوهها تكشف عن لا وعي الشاعر كما في مثل قوله:

“حدائقُ في صيفها الحَار الأخير، ثمارها دانية تتدلى اشتهاء القطف والقضم، تموءُ وتعوي جوعًا وظمأ (أنا الجائع الظمآن إليها منذ الأزل)، تتحرش بي في استجداء، توشوشني، تهمس لي، تئن لي، تتأود لي محمومة، تقول:

هيت لك

أقولُ: يا ليتني كنت ترابا، أنسلُ فيها، لا تنتهي؛ لا أكتفي؛ شعوب وقبائل من شهوات خارقة لا تفنى، وبلاد من شبق مشرئب لا ينفد

أيها النسيان: “لم شبقتني”، ونسيتني في مفترق الأرض، لا أعرف الصحو، ولا المنام؟ ثقبت نفسي وأفرغتها – بجوار الجدار – من نساء العالمين، وما اشتفيتُ؛ فمن أين طلعت لي يا امرأتي الأخيرة في صيفها الحار الأخير؟

أنا الجدار الأخير”([21])

إن ظهور علامة الشطب أو الكشط في المقطع السابق لهو بمثابة كشف عن لا وعي الشاعر، وفلسفته التي تنهض على رؤيته للعالم باعتبار أن هذه الدوال (المشطوبة، والمستبدلة معًا) لها أهميتُها كمحاور اختيار دلالية تعكس رؤية الشاعر للعالم، والواقع المعيش.

 على الجانب الآخر تتبدى في مثل هذه الظاهرة نزعة المعاناة؛ حيث يكشف التشطيب عن حالة المعاناة الكتابية، والإنسانية التي تشي بتشظي الأنا، واختلاط الدوال، والأفكار لديها من جهة، وبعبثية الواقع ومراوغته من جهة ثانية.

 وفي هذا السياق يلعب الترقيم دورًا فاعلًا في تشكيل البنية النصية الشعرية عبر ما يؤديه وظيفيًّا من دلالات، وإيحاءات تولد انفعالات فكرية، ومعرفية، وجمالية في النص؛ ولذا اشتغل سلام على علامات الترقيم في نصه كاملًا؛ كي يمنح نصه سعة دلالية، وتشكيلًا بصريًّا، وفي الوقت نفسه لإحداث جدل إشعاعي بين العلامات البصرية التي يمثلها الترقيم، والرموز اللغوية اللسانية فاهتم بهذه العلامات بمختلف أنواعها: النقطة، والفاصلة، والفاصلة المنقوطة، وعلامة التعجب، وعلامة الاستفهام… ، وغيرها الكثير من العلامات.

“لا شيءَ، لا أحدَ؛ أيُّها الانتظار المرير، إلى متى؟ انقطع الخيط، وفر الحصان، وانقشع الدخان، وهأنا أُحلق في الفراغ، مفلوتةً لا يُمسكني إلا وهم برتقالي، فأحط على غيمة من وساوس تمضي بي إلى.. الى.. ايها الجسد المحشود بالشهوات النارية، أنت حماري المطيعُ، فخذني إلى هاوية تليق بي، تموج بالنسيان والغفران،

أيُّها الجسد الخوان([22])

تُوفر علاماتُ الترقيم في المقطع السابق وظائف فنية وجمالية متعددة – وبخاصة الفاصلة، وعلامة الترقيم (.. ) – ؛ حيث تُؤدي الفاصلة بالإضافة إلى وظيفتها الأساسية، وهي الفصل بين الكلمات وظيفة أخرى إيقاعية كمقابل، أو كتعويض لجمالية التماثل الثنائي بين الشطرين في الشعر العمودي أو الخليلي.

 أما علامة الترقيم (.. ) التي يُردف الشاعر بها كلمة إلى، ويُكرر هذا الترادف بنقطتين؛ فإنها تُمثل “استراحةً شعرية” – إذا جازت التسمية والنسبة – بما تحققه من انتقال لغوي، وإيقاعي، وتمهد له لفتح المجال واسعًا للقارئ لتخيل الدلالات المحتملة بالإضافة إلى وظيفتها النصية الأساسية، وهي إتاحة الفرصة لخلق حالة التداعي لقطبي العمل (المبدع، والمتلقي)؛ إذ تُعدُّ بمثابة وقفة دلالية، ومحاولة لإنتاج هذه الوقفة، وتأويلها.

وفي هذا السياق قد يُشكل المكانُ مُحركًا للتداعي؛ فيسترسل الشاعرُ في سرد الأحداث، والحالات، والأشكال المتعددة بِناءً على وجود مُحرّضٍ أو مُحركٍ يقوم عليه بناءُ هذا التداعي.

“فِي المَاضِي، كُنتُ بُرَاقًا بَرَّاقًا لَه جَنَاحَان من شفَق وَغَسَقٍ، وَذَيلٌ مِن وَرَقٍ، مِعرَاجًا إِلَى مَا لاَ أَدرِي؛ حُقُولًا مِن خُزَامَى، أَرَاجِيحَ مِن قَطِيفةٍ بُرتُقَالِيَّةٍ، أَموَاجًا مِن أَهَازِيجَ وَأَنَاشِيد أَمَازِيغيَّةٍ، يَمتَطِينِي الأَنبيَاءُ قَبلَ الوَحيِ، فَأَرقَى بِهِم وَبِي إِلَى مَدَارِجِ السَّالِكِين الوَاصِلين.

أَنَا سَيِّدَةُ العَالمِين([23])

لقد تعامل سلام مع تيمة المكان وفق آليات الرمز، وما تشف عنه هذه الآليات، وتوحي به من مرجعيات إشعاعية ورؤى تواصلية بينه، وبين المتلقي وفق مفردات معجمية ولغوية عديدة أبرزها الوطن، والجسد، والحلم، ومن ثمَّ غدت هذه المفردات الإشارية أوعيةً استوعبت مشاغل الشاعر الدلالية، وعبرت عن رؤاه الجمالية.

 إن حالة التداعي التي تحدث بها الشاعر في النص، وهجس بها كتابيًّا لترمز إلى قهر الذات، وضياعها وسط ركامات الواقع، ومكابدة نفيه واغترابه، ومن ثم تلجأ الذاتُ إلى التحولات في صيرورة الكتابة، وسيرورتها وفق ما تشي به “حداثة اللحظة” التي تعني النفور من كل ما هو زماني، وأحادي ثابت، ومهيمن، وتجاوز كل ما هو مركزيٌ وقار.

…………………………………

[1] سوزان برنار. قصيدة النثر من بودلير حتى الوقت الراهن. ترجمة: راوية صادق. مراجعة، وتقديم: رفعت سلام. دار شرقيات. القاهرة 1998م. 2/ 43

[2]Greimas: Semantique Structurale Larousse Paris 1966 P. 19

نقلًا عن:حياة الخياري: مع الحداثة ضد النسقية. بحث منشور بمجلة فصول العدد 93 ربيع 2015م. ص: 27

[3]مقالات في النقد الأدبي. ترجمة: لطفي الزيات. مكتبة الأنجلو المصرية. القاهرة. ص: 33

[4]الحداثة الشعرية. د. محمد عزام. منشورات اتحاد الكتاب العرب. دمشق 1995م. ص: 89

[5]الصوفية، والسُّورياليِّة. أدونيس (علي أحمد سعيد) دار الساقي. ط3. د. ت. ص: 204

*الكولاج Collage: “كلمة فرنسية الأصل من Coller، وتعني يلصق ويدل المصطلح على لوحة فنية مكونة من قصاصات الصحف أو قطع القماش أو أية مادة أخرى تُلصق على قماش اللوحة، وقد استخدمت هذه الطريقة من قبل التكعيبيين الأوائل، الذين كانوا يلصقون قصاصات الجرائد على لوحاتهم، واستخدمها الدادائيون من أمثال شفيترز، واستخدم ماتيس قصاصات من الورق الملون بديلًا كاملًا عن الأصباغ”.

The Penguin Dictionary of Arts and Artist,Peter and Linda Murray:New

York,1982,p. 100.

نقلًا عن:أسلوب الكولاج في شعر سعدي يوسف (ديوان صلاة الوثني نموذجًا) ثائر عبدالمجيد العذاري. مقال منشور على شبكة المعلومات الدولية. د. ط. د. ن. ص: 9 تاريخ الدخول: 11/ 7/ 2018م.

[6]أرعى الشياه على المياه. رفعت سلام. دار مومنت لندن. 2008م. ص: 68، ومن الجدير بالذكر هنا أن هذا العمل (أرعى الشياه على المياه) هو آخر أعمال الشاعر، ويُعدُّ امتدادًا لعمله قبل الأخير حجر يطفو على الماء الصادر عن دار الدار. القاهرة 2008م.

[7]أرعى الشياه على المياه. ص: 27

[8] المصدر السابق. ص: 44، وما بعدها

6 العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي. د. محمد فكري الجزار. الهيئة المصرية العامة للكتاب. القاهرة 1998م. ص: 19

7 الشكل والخطاب (مدخل لتحليل ظاهراتي) محمد الماكري. المركز الثقافي العربي. بيروت _ الدار البيضاء 1991م. ص: 285

[11]ينظر: أرعى الشياه على المياه؛ حيث يرد العنوانُ بلفظه في الصفحات: 57، 59، 103

[12] ينظر الأعمال الشعرية الكاملة. رفعت سلام. الهيئة المصرية العامة للكتاب. الجزء الثاني. القاهرة 2014م، ويضم هذا الجزء الدواوين (“إلى النَّهَار المَاضِي”، و”كأنهَّا نهَايَة الأَرض”، و”حجَرٌ يطفُو على المَاء”، و”هكذا تكلَّم الكَركَدن” ينظر الأخير. ص: 397.

ومن الملاحظات الجديرة بالذكر هنا أن الكتابة الشعرية لدى رفعت سلام يأخذ بعضها بتلابيب بعض منذ ديوانه الأول (وردة الفوضى الجميلة)، وحتى عمله الأخير (أرعى الشياه على المياه) فبالإضافة إلى أن كل ديوان من هذه الدواوين، وكل عمل من هذه الأعمال يمثل مغامرة جديدة؛ فإن كل عمل يُسْلمكَ إلى الذي يليه، ويتواشج معه، ويتعالق به ليعبر لنا جليًا عن تطور واضح، وجلي في التجربة الكتابة، وفي الرؤية الصادرة عن هذه التجربة بشتى أبعادها.

[13]أرعى الشياه على المياه. ص: 72، وما بعدها

[14] المصدر السابق. ص: 83

[15]سكفوز فيكوف. الشعر الغنائي. ترجمة: جميل نصيف التكريتي. وزارة الثقافة والإعلام. بغداد 1986م. ص: 18

[16] صلاح فضل. منهج الواقعية في الإبداع الأدبي. الهيئة المصرية للكتاب. القاهرة 1978م. ص: 158

[17]حدود السرد. ترجمة: ابن عيسى بو حمالة ضمن كتاب: طرائق تحليل السرد الأدبي. منشورات اتحاد الكتاب. المغرب 1992م. ص: 35.

[18] أرعى الشياه على المياه. ص: 6

[19] المصدر السابق. ص: 18

[20] المصدر السابق. ص: 58

[21] المصدر السابق. ص: 45، وما بعدها

[22] المصدر السابق. ص: 99

[23] المصدر السابق. ص: 87

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم