***
في صباح الغد سوف أستحم
في صباح الغد
سوف أستحم.
لا شيء مؤكد غير هذا.
هو هذا
مستقبلُ الماء والصابون الذي
لن يعقبه شيء
ولن يحدث فيه أن يطرق أحدٌ الباب.
سينهمر التيار من النهر المعقوف
وأنا
مثل أيّ ناسكٍ
سوف أبقى
تحت هذا المطر الفاتر،
لكن دون أن تعبر الرؤى أو الغوايات
بالمرآة المغبشة.
دونما حركة ودونما صوت
في عرض التيارات اللانهائية
أبقى في المجرى
جذعَ شجرة ربما
أو حصانا نافقا،
وأنتهي وقد تشابكت من حولي الأفكار
دلتا موحشةً وطويلةً في شسوع الروح
غامضةً مجهولةً
مثل جنس النساء.
***
لن يكون مضحكا أن يذهب شخص إلى بائع فيطلب منه مرآة، فيعرض عليه البائع أنواعا من المرايا، يتناولها، ينظر فيها، يفاضل بين صفاء الصور فيها، بين إطاراتها ومدى بساطتها أو تعقيد زخارفها، ويستقر رأيه على واحدة يدفع ثمنها ثم يمشي. ليس في هذا الأمر ما يدعو إلى الضحك.
لكن ماذا عن شخص يذهب إلى بائع فيقول له “أريد مرآة فرحة لأرى فيها وجهي وهو سعيد”، هذا في الغالب أمر مضحك. بل ربما أمر يشي بمأساة يعيشها هذا الشخص أو يجسدها هو نفسه. فالمرايا، هكذا يقول البائع إن كان لديه وقت للمشتري المسكين، لا هي فرحة ولا هي حزينة، وليست وظيفتها هي هذه التي يفترضها المشتري. المرآة يا أخي الشقي وظيفتها أن تريك ما هو موجود فعلا، ما هو فيك وما لا يقوى غيرك غالبا على تغييره. مثل ذلك أيضا ما قد يقوله الطبيب النفسي للمشتري المسكين الذي قد لا يقتنع أيضا. ومثل ذلك يقوله الشعر طول الوقت.
ولدينا، في هذه القصيدة، سطر من هذا النوع، سطر محايد وبريء لا ينقل إلى قارئ القصيدة الكثير مما يريد الشاعر أن يقوله. لكنه يفضح أمام القارئ نفسه. يقول الشاعر: “ولن يحدث أن يطرق أحد الباب”.
هذا جزء من المستقبل الذي يتيقن الشاعر منه. لن يطرق الباب أحد. عادة ما يرصد المؤرخون ما حدث، وعادة ما يكلمنا العرافون وعلماء المستقبليات ومسئولو الدولة عما سيحدث. لا أحد من دارسي الماضي والحاضر والمستقبل يكلمنا عما لا يحدث. فلماذا الشعراء من دون الناس يقفون أمام هذا؟
قلت إن هذا البيت أفضحُ أبيات القصيدة لقرائها. فثمة قارئ سوف يجد فيه وحدة الشاعر البغيضة: إنه شخص لا يطرق بابه أحد، شخص نسيه العالم بملياراته من البشر، فيا له من شقي. وقارئ سوف يرى في هذا السطر دليلا على نعيم يعيشه الشاعر وقد غفل عنه العالم وكف عن إزعاجه. شخص نال ميزة أن يُترك وشأنه، يستمتع بحمام الصباح، يعده مطرا يتساقط عليه، يعده نهرا منتصبا، ويعد نفسه جذع شجرة، أو دلتا موحشة، أو حتى جثة نافقة.
لكن كلتا القراءتين ليستا قراءة للشاعر، ولا للقصيدة، بقدر ما هي صورة معكوسة مرآوية لقارئ هذا النص.
ليس ذلك البيت مرآة وحسب. إنه نهاية قصيدة في الحقيقة، وبداية قصيدة أخرى. هذا البيت هو نهاية اليقين التام، نهاية الحدث الفعلي الواقعي الذي سوف يحدث في الغد: سيصحو ويستحم ولن يطرق بابه أحد. نقطة. بعد ذلك تبدأ قصيدة أخرى، تبدأ استعارات ومجازات وصور، تبدأ قصيدة هذا الوحيد بالذات، الذي ليس بالضرورة وحيد القصيدة الوحيد. ثم وحيدون كثر في هذه القصيدة، مع كل لغة تترجم إليها، ومع كل قراءة لها.