ماذا تحقق لمصر فى انتخابات المدير العام؟

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد سلماوي *

ماذا حدث فى اليونسكو؟ لا أقصد بسؤالى هذا نتائج الانتخابات، وإنما ما هو أهم، وهو الخفايا التى أدت إلى هذه النتائج ومواقف الأطراف التى شاركت فى المعركة - المعلن منها والخفى - والتى حالت ظروف المعركة الانتخابية دون الإفصاح عنها.

لقد شهدت المعركة الانتخابية فى اليونسكو الكثير من الخفايا التى جرت فى الظلام، والعديد من التربيطات التى حدثت فى الخفاء حتى انتقلت أحداث الانتخابات من خشبة المسرح إلى الكواليس الخلفية، وباتت الخشبة لأول مرة شبه خالية أمام الجمهور، وإذا كنا نحاول، بهذه السلسلة من المقالات، الكشف عن مواقف أبطال هذا العرض الخيرين والأشرار، فذلك ليس بهدف الإثارة الصحفية وإنما لوضع كل طرف أمام مسؤوليته والكشف عن كل من استخف بنا، خاضعا بذلك لابتزاز غير شريف من بعض الجماعات ذات الأهداف السياسية المعادية دوماً للعرب والمسلمين.

لقد اختلفت معركة الانتخابات الأخيرة فى اليونسكو – بشهادة الكثير من المراقبين – عن أى معركة سابقة من حيث ضراوة الهجوم على المرشح المصرى والمحاولات المضنية لتسييس المعركة التى يفترض أن تكون من أجل الثقافة ونشر المبادئ الحضارية السامية بين مختلف شعوب العالم، عابرة بذلك كل الحواجز السياسية والخلافات الأيديولوجية.

وبداية أود أن أحدد موقعى من حملة المرشح المصرى الفنان فاروق حسنى، وزير الثقافة، فأنا لم أكن عضواً فى الفريق الرسمى للحملة، والذى ينبغى أن تعود إليه وحده أى إنجازات حققتها الحملة، وهى كثيرة وعظيمة بشهادة العدو قبل الصديق، لكنى كنت من دائرة أصحاب الرأى الذين استأنس المرشح وفريق حملته على مدى السنتين الأخيرتين بما قد يكون لديهم من أفكار، سواء فى التخطيط للحملة أو فى المساهمة فى تحديد أفكارها أو فى تنفيذها على أرض الواقع فى العاصمة الفرنسية.

لذا فإن رؤيتى للأحداث هى رؤية موضوعية تأتى ممن يقف خارج الدائرة الضيقة لفريق العمل الرسمى، لكنه ينتمى بكل قوته لذات الهدف الذى يسعى إليه ذلك الفريق، والذى شارك فيه الشعب المصرى متابعاً عن كثب أحداث الحملة يوماً بيوم، وكأنها إحدى مباريات الكرة العالمية، بل وشارك فيه الوطن العربى كله ومعظم دول العالم الثالث، كما أثبتت أحداث الأيام القليلة الماضية داخل اليونسكو.

إن أولى الصفحات التى تبدت بيضاء ناصعة طوال حملة الانتخابات، والتى وصلت إلى ذروتها فى الأسابيع الأخيرة، هى صفحة المدرسة الدبلوماسية المصرية التى كان لها تواجد قوى ومشرف على أكثر من مستوى فى هذه المعركة، فقد كان مشهد مصر فى اليونسكو، خلال الأسابيع الماضية، مؤكداً لقوة مصر الدولية، حيث بدت مصر دولة كبرى حقاً باتصالاتها وبثقلها السياسى داخل المجموعات الست التى تنقسم إليها دول العالم فى المنظمات الدولية، عربية كانت أو أفريقية أو آسيوية أو أمريكية لاتينية أو أوروبية.

لقد قامت وزارة الخارجية المصرية بجهود عظيمة لا تصدر إلا عن دولة كبرى ذات مؤسسة دبلوماسية قديرة. إن وزير الخارجية المصرى الذى كان قريباً جداً من المعركة فى مختلف مراحلها، ينتمى للمدرسة الدبلوماسية التى لا تعتمد على قدرات الوزير الشخصية وحدها، وإنما معرفته بكيفية استثمار قدرات المؤسسة العريقة التى يترأسها،

وهكذا إلى جانب الجهود التى بذلها أحمد أبوالغيط شخصياً – وقد كانت هائلة – كانت هناك جهود أخرى منتشرة فى جميع عواصم العالم من خلال سفراء مصر وبعثاتها الدبلوماسية فى قارات العالم الست، وفى مقدمتها السفارة المصرية فى فرنسا بلد مقر اليونسكو، وسفيرنا القدير هناك ناصر كامل، الذى كانت خطوط اتصاله مفتوحة طوال فترة المعركة مع أعلى المواقع سواء فى الخارجية الفرنسية أو مع قصر الإليزيه الرئاسى، ولم يكن يتوانى عن وضع مستشارى الرئيس الفرنسى أمام مسؤوليتهم وفق ما كانوا قد وعدوا به الحكومة المصرية.

الصفحة البيضاء الثانية هى صفحة الدكتور هانى هلال، وزير التعليم العالى، الذى ترأس الوفد المصرى الرسمى فى اجتماعات المكتب التنفيذى لليونسكو، بحكم أن اليونسكو تتبع فى النظام المصرى وزارة التعليم العالى، وقد كانت الانتخابات واحدة من بنود أجندة الاجتماع الأخير.

لقد قامت اجتماعات المجلس التنفيذى لليونسكو قرابة الشهر فجاءت متزامنة تقريباً مع شهر رمضان الكريم، وقد رأيت بنفسى كيف كان د. هانى هلال، الذى أصر على الصيام رغم سفره، يمضى يومه فى اليونسكو منذ الصباح الباكر حتى المساء فى لقاءات ومفاوضات من أجل ترجيح كفة المرشح المصرى، ورأيته يتناول إفطاره فى معظم الأيام بعد أكثر من ساعة من مغرب الشمس الذى يحل فى فرنسا فى حوالى الثامنة مساءً.

لقد بذل الوزير جهوداً مضنية مع الفريق الذى صاحبه فى هذه الرحلة من وزارة التعليم العالى، وقد وصف ياى، رئيس المجلس التنفيذى، د. هانى هلال بأنه صاحب وجه لاعب «البوكر» الذى لا تستطيع أن تتبين من تعبيرات وجهه ما قد يكون فى يده من أوراق، فهو هادئ لا تفارق الابتسامة وجهه لكنه حاسم فى مواقفه.

أما المندوبة الدائمة شادية قناوى فقد كانت هى النحلة التى لا تهدأ، فهى دائمة التنقل لم تترك رئيس وفد من الوفود إلا وتباحثت معه، محاولة استكشاف موقفه ومحاولة كسبه إلى جانب المرشح المصرى.

وهنا ينبغى الإشادة أيضاً بمنسق حملة المرشح المصرى والمتحدث باسمها، وهو حسام نصار، الذى عايش القضية بكل كيانه واستطاع أن يفتح قنوات اتصال مع جميع الأصوات المؤثرة فى الانتخابات، وكانت رؤيته دائماً صائبة بحكم قاعدة المعلومات التى تجمعت لديه والتى أعدها بكل دقة منذ بداية الحملة، وكذلك توقعاته التى كثيراً ما استبق بها الأحداث.

على أن القاعدة الأساسية التى اعتمدت عليها كل هذه الجهود كانت المرشح نفسه الذى طغت شخصيته وغطى حضوره على جميع المرشحين الآخرين بلا استثناء، فما كان يظهر فاروق حسنى فى مبنى اليونسكو حتى يتحلق حوله أعضاء الوفود ويتدافع الصحفيون بأجهزة تصويرهم إلى حيث يقف، وكان هذا مما أثار حنق المدير العام اليابانى الذى أصدر فى اليوم التالى مباشرة قرارا بمنع دخول الصحفيين تماما إلى المبنى، فأصبحوا ينتظرون بكاميراتهم وصول المرشح المصرى أو خروجه على الباب الخارجى للمبنى.

لقد استطاع فاروق حسنى كسب كل من التقى به وجها لوجه بشخصيته المحببة، وقد حدثنى طويلاً مندوب النيجر الدكتور أحمدو مايليلى عن «الكاريزما الشخصية الآسرة» التى يتمتع بها وزير الثقافة المصرى، وقال: لو لم يعتمد الوفد المصرى إلا على ترتيب مقابلات شخصية لفاروق حسنى مع أعضاء الوفود من الـ ٥٨ دولة أعضاء المجلس التنفيذى، لكسبت مصر المعركة بلا حملة انتخابية ولا برامج.

أما على مستوى المضمون فقد جاء البرنامج الذى طرحه فاروق حسنى متميزا عن باقى البرامج، حيث كان أعضاء الوفود يعقدون المقارنات بعد البيانات التى كان يلقيها المرشحون التسعة متضمنة برامجهم، وكان هناك شبه إجماع بين مختلف الوفود على التميز الواضح لبرنامج المرشح المصرى إلى درجة أن الصحافة المعادية لترشيح مصر –

وسنتحدث عنها بالتفصيل حين نأتى فى المقالات التالية للصفحات السوداء – لم تستطع مهاجمة بيان وزير ثقافة مصر، فقال بعضهم إن المرشح كان يقرأ ما أعده غيره، بينما يعرف القريبون من حملة الوزير أن كل كلمة فى البيان وكل فكرة فى البرنامج كانت من بنات أفكار فاروق حسنى نفسه، وكانت كثيرا ما تقدم له كلمات مدبجة فكان يستبعدها قائلا إنها لا تنبع منه، ولذلك فهو لن يستطيع إلقاءها.

لقد استطاع فاروق حسنى، بشخصيته وبما قدمه من برنامج متميز، أن يكون هو «المفضل»، حسب وصف الصحافة الفرنسية، وإذا كانت بعض الأطراف قد تكتلت للحيلولة دون وصوله إلى موقع المدير العام، فإن الأغلبية التى حصل عليها بين دول العالم هى بلا شك رصيد لمصر لا يمكن إغفاله.

باختصار.. لقد أردت بهذا المقال أن أنصف مصر.. تلك الدولة الكبرى التى أكدت وجودها على الساحة الدولية بشكل بهر جميع من تابعوا معركة المدير العام الأخيرة وحاز احترامهم، فى الوقت الذى سطرت فيه بعض الدول والأطراف الأخرى صفحات سوداء سنتحدث عنها واحدة واحدة فى المقالات القادمة.

لقد خرج فاروق حسنى من معركة اليونسكو وقد خسر صوتين، لكنه مع كل من تعاون معه فى المعركة وممن ذكرناهم عاليه كسب لمصر رصيداً هائلاً من الاحترام الدولى بمعركة الشرف التى قادها.. أكتب هذه الكلمات وترن فى أذنى أصداء كلمات دمنيك بوديس، رئيس معهد العالم العربى المتابع عن قرب للنشاط الثقافى المصرى، والذى قال لى فى بداية الحملة الانتخابية: «قد ينجح فاروق حسنى فى الفوز باليونسكو لكنكم بذلك تكونون قد خسرتم وزير ثقافة قل أن يوجد مثله»، وقال لى رئيس أحد الوفود العربية: «فاروق حسنى شخصية غير عادية»، ثم أضاف بلهجته المحلية: «ديروا بالكم عليه».

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

* روائي مصري

عن المصري اليوم

 

مقالات من نفس القسم