ليل داخلي

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

انزلق من سريره الواطئ فى عمق الليل، عَبْرَ شق الباب الموارب سلط عينيه على رقعة الضوء الخفيفة فى الصالون. هناك على كرسى فى الركن كانت جالسة كما أمرها منذ أكثر من ثلاث ساعات. مسح وجهه ببعض الماء ليفيق، ويكمل ما بدأه مرة أخرى..

(اِنتى عظيمة.. مش زيهم.. بأقدر أقولك كل اللى جوايا ……. كل أحلامى وانا نايم، وانا صاحى.. دلوقتى مثلًا شُفت المدير فى الحلم بيتجوز قِردة فى جنينة الحيوانات، والزفة كانت نعير ونهيق وصهيل.. هو فعلًا شكل القِرد، جبهته حاده ومسحوبة لقدام من فوق عينيه، وعينيه الاتنين مدورين وشكلهم بنى غامق، ووشه مسحوب لتحت، وبقية الزملا طبعًا اللى كان فيل، واللى كان طاووس واللى كان حمار بحق وحقيقى.. بيزعلوا لما أبص لوش الواحد منهم فى الشغل أو اسمع لكلامه وبعدين ألاقينى فجأة بفكر فى حيوان مُعين وبضحك، حتى الناس اللى بتعامل معاهم.. كلهم.. ياما عانيت من خناقات طويلة إذا اعترفت لواحد منهم عن اللى خطر فى بالى وأنا ببص له وأضحك.. حتى هى، وآهى راحت.. وبعدين انسحبت فى ضلمة من غير قرار ولقيت نَفَسى مكروش.. عشان كده صحيت.. خُفت لتكون النهاية)

فكر أن يأخذها معه إلى الفراش بعد مرور أيام على وجودهما معًا تحت سقف واحد، ثم توالت على رأسه لقطات من أفلام أجنبية عن المتحولين فتراجع عن قراره.

جميلة جمال باذخ وفوق ذلك صامتة دائمًا، عيونها الزرقاء كالسماء الرائقة مفتوحة وهو يحادثها فى كل شىء. لا تشبه أيًا منهم أو منهن فى اصغائها له، ولا فى حنو نظرتها، وعدم تدخلها فيما لا يعنيها، وفى رائحتها الحلوة التى لا تتبدل، تلك التى يختارها لها كل مرة.

لا يخجل أن يخبرها أو يفعل أمامها أى شىء، فى اليومين الفائتين بدأ يحب صوته وهو يتصاعد أمامها أثناء بثه شكوى من كلمة غير لائقة تَلَّقَاها وهو يعبر الممر إلى المدير، أو ضحكة هازئة اقتحمت لحظات التأمل وهو ينظر فى مرآة حمام العمل، أو اتهام بجنون الكلام مع النفس تلك التى تلاحقه فى كل مكان يذهب إليه؛ لذلك انقطع عنهم بعدما رفضوا حتى آرائه فيهم، تلك التى ترد إلى عقله دون أن يقصد بها إهانة ما. تجنبهم تمامًا سوى ما يَخُصّ ضرورات الحياة. أما روحه فغارقة فى التأمل حتى منتصف الليل.. وحده، وأحيانًا يمسك بيدها ليجلسها إلى جواره. يفكر فى كونها الوحيدة التى تصلح لأن تكون رفيقته فى الفراش؛ ليشعر بالألفة لو انتابه الخوف أو القلق فى أى لحظة. يتراجع عن قراره مرة أخرى حين يتذكر تلك الأفلام السينمائية الخيالية التى تتحول فيها عرائس الماريونيت فى الليل إلى قاتلات محترفات.

 

خاص الكتابة

 

 

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون