نصوص قصيرة

تشكيل
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

غزلان تواتي

الصديق 

كان شخصا…ليس من البلاغة في شيء تعريف شخص أنّه مجرد شخص! وكان ذوقه شخصيا جدا لا يمكن فهمه او تفسيره، كان-مثلا- يحب مزهرية لم تحمل زهرة واحدة في جوفها منذ اقتناها، رغم ذلك كان يتفقدها يوميا، في اليوم مرتين، ينظفها وهي غير متسخة، يملؤها ماء يحبها لأنها شفافة، يقول. وكان أيضا يحب صديقا واحدا وحيدا، لم يره مرة، لم يلتقه، لكنه حافظ على صداقتهما طيلة أربع وعشرين سنة وثلاثة أشهر، ومازال يفعل… حظ الصديق منه أقلُّ من حظ المزهرية، كان يزوره مرتين كل اسبوع، يحمل وردا، يلبس حذاء من الجلد الاحمر غير اللامع، وبدلته الكاكي، يمشط شعره ويهذب شاربه ثم يرش عطرا نفاذا. وفي الطريق إليه يشتري دوما زنبقتين اثنتين، علبة سجائر وقليلا من الخبز…يصله دوما ظهرا لم تتقدم الساعة الواحدة عن الدقيقة ولم تتأخر.  يسلم، يروي ما حدث بين الزيارتين: أن فريقه المفضل هزم، وأن ضرسه الذي تسوس أخيرا قد سقط، وأن المطعم في آخر الشارع صار لمالك آخر، وأنه لم يقرأ صفحة واحدة منذ آخر مرة…يبتسم، يضع الزنبقتين على جهة مناسبة، والخبز في الأماكن المعتادة ثم يمضي…هكذا فقط، لم يتغير شيء منذ اول مرة قرر فيها فعل ذلك، منذ اول مرة صادق فيها قبرا مجهولا لشخص آخر نسي أهله أن يدونوا اسمه، مكان وتاريخ ولادته…تاريخ وفاته…الأموات لا يتغيرون، والأموات المجهولون أكثر وفاء من غيرهم، فعلى مدار كل تلك السنوات لم يجد عند قبر صديقه أحدا…الأصدقاء الحقيقيون أموات، قال…

**

رجل من ثلج

كان أول رجل في حياتي، كنت سعيدة…وكان الدفء يؤذيه. اخترت سترته الرمادية، كانت مبللة جدا، وقد جففتها وعندما جفت ألبسته إياها، لففت رقبته البيضاء الناصعة بقماش طويل لا يمكنني أن أسميه شالا لم يكن كذلك، كان فقط قطعة قماش خضراء متسخة قليلا من الحواف لكنني أحببتها. اخترت لون عينيه وشيئا لغطاء رأسه، ثمّ ركضت، ركضت، سعيدة، أضحك لي. داخل الغرفة أمي تضع يدها على صدر رجلها أول مرة أراهما بذلك القرب، أوّل مرة لم يتباين صوتها من صوته، أنزلت يدها بسرية تعتقد أني لا أراها، وأنا لم تهمني يدها. أخبرتها أنني أكملت صناعة رجلي، أجاب أبي وتلك اللحظة كان أبي فقط لم يكن رجل امرأته، قال “احتفظي به إلى أن تتزوجا”…بعد يومين ذاب الرجل ذو السترة الرمادية والخرقة الخضراء…كانت أطول فترة أحتفظ فيها برجل…ومنذ ذلك الحين كلّما صنعت رجلا ذاب…. كانوا من ثلج أو ربّما من شمع…

**

بطل صغير

بطل روايتي القادمة قاتل صغير، يحب الجبن الأحمر والكثير من عسل النحل، حنون مع الحشرات، يتأملها، يعاملها بلطف حتى أنَّه يتحمَّل وخز البعوضة، بينما تمتص ما تكتفي به من دمه، يتركها تذهب، يبصق محلَّ عضَّتها، يحكُّها قليلًا، يتخدَّر المكان وتنتهي حرارة اللسعة، ولا فرق لديه بين بعوضة شقراء او بعوضة النمر السمراء لا أهمية للألوان لأنه مصاب بعمى الألوان عالمه رمادي، أبيض واسود، بعد أن ينتهي من ضحيته -وهو يحب أن يقتل بطريقة تسيل الدم- يتلمس منها السائل اللزج بأصابعه يشم رائحته لعل ذلك يعوضه عن عدم ادراك اللون القرمزي…بطلي الموعود لا يحب الأطفال، لا يقتلهم لا يفعل ذلك يراقبهم احيانا وهم يخرجون من المدارس كتلة لحمية هائلة متناسبة الطول والحجم هذا كل ما يراه منهم، لا يحب اللحم ولا السكر يحب فقط الورود وقليلا من العطور يحافظ على حواسه وحاسة الشم واللمس خاصة، بطلي ليس نرجسيا فهو لا ينظر إلَّا صدفة إلى نفسه في المرآة، يفضل لمس وجهه على النظر إلى شيء رمادي… وفي الصباح يتبع حواسه الأربع ليقضي حاجته من الموت…لا ينزعج من طول الطريق

 

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون