جوليا ستراير*
ترجمه: رفيده جمال ثابت
لنتخيل أنني سُرقت، لكنني اخترت الاعتقاد بأني أدفع ابنتي على الأرجوحة في المنتزه المقابل للكنيسة الميثودية، حيث الرياح تهب على أوراق الخريف فتحتشد على العشب. ومع كل دفعة تكبر ابنتي عاماً حتى تصبح في مثل سني وأنا مازلت في عمري، لكنها تعرف أكثر مني، لأن كل الأطفال يعلمون أكثر اليوم. تعرف ما سنتناوله على العشاء، تعرف أن المطر سيسقط في الساعة الثامنة من صبيحة اليوم التالي، وتعرف أنني أحتضر. لم يقصد السارق أن يطلق الرصاص، لكني رأيت وجهه: مجرد صبي مضطرب. لم يمعن التفكير في الأمر عندما هم بتنفيذه. حتى أمه تعرف هذا؛ لأنها أخبرته مراراً منذ أن كان طفلاً أنه لن يحقق شيئاً في حياته إلا إذا تعلم أن يفكر مسبقاً بخمس خطوات. لكنه لم يفعل، لم يستطع؛ ولذا أختار السرقة مهنته، والتي لم يكن ماهراً فيها كذلك. وهكذا أطلق الرصاص على صدري ولاذ بالفرار. بذهول نظرت إلى الأسفل، وسددت الثقب بإبهامي محاولة تذكر ما لمسته بهذا الأصبع، وتخيلت جميع أنواع البكتريا المضادة تحتشد في مجرى دمي؛ إذا لم تقتلني الرصاصة، قطعاً سأموت بالعدوى. لم أخبر ابنتي قط بمكان الوصية ولا بوثيقة التأمين ولا الحساب المصرفي السري؛ حيث كنت أدخر للقيام بمغامرة مجنونة مثل تعلم دروس السير على الحبل، أو الطواف بالبلاد لمدة عام بالسيارة، نمكث في مطعم مدينة صغيرة ثم ننطلق إلى غيرها، أو العيش على أرض بها طاحونة، نربي الدجاج ونزرع طعامنا. وددت لو أنني أستمر بدفعها على الأرجوحة، لكني لم أرد أن تكبرني سناً. يوماً ما ستلقي باللوم علي؛ حينما تدرك أن الأرجوحة سلبت من طفولتها سنوات عديدة. أجل، ستغضب. بإمكاني أن أرى الغضب يحتشد داخلها الآن؛ خطوط صغيرة كخيوط العنكبوت تُنسج حول حواف عينيها، بينما يحاول المحققون إخبارها أنهم يبذلون جهدهم للعثور على الصبي المضطرب، والذي تهز أمه رأسها حينما يعود إلى المنزل بيدين مرتجفتين ودمائي تلطخ قميصه. ولأنها تعلم أنه أقدم على فعل أحمق لا يمكن الرجوع عنه؛ تمسح العرق عن جبينها بمنديلها المطرز بورود البنفسج، وتجلس على الأريكة لتعطي قلبها الفرصة ليهدأ وتلتقط أنفاسها، وبينما تجوب عينا الصبي الغرفة وهو يروي القصة برمتها بإشارات مشوشة مرتبكة، أرقد أنا في الشارع أتساءل لو كان دوران ابنتي على لعبة دوامة الخيل سيسحب السنوات التي أضافتها الأرجوحة وتعود طفلة مجدداً، مثلما أتذكرها حينما عادت من المدرسة إلى البيت بمفردها وبدت صغيرة للغاية وهي ترتدي حقيبة الظهر الأضخم من جسدها الضئيل، عندما لم يكن أمامها شيئاً سوى الفرصة. أفكر في الأفكار ذاتها التي تفكر فيها أم الولد المضطرب عندما كان صغيراً، ويمتلك رموشاً سوداء طويلة جعلت الفتيات تلاحقنه، وكانت آمالها ما زالت معقودة. كان كلانا يجرب لعبة (ماذا لو)؛ أتساءل هل كانت الأمور ستختلف لو كنت توقفت عند محل التنظيف الجاف قبل الذهاب إلى المصرف. وتتساءل هي إن كان وجب عليها أن تشجعه أكثر على ممارسة الرياضة أو الالتحاق بفرقة ما أو الاشتراك في نادي العلوم وهل كان الأمر يستحق، هل سيقف أمامها يبكي لأنه أطلق النار على امرأة في ساحة (شارع إيلم) وهرب. تعرف الأم أنه لا يهم ما فعلته أو ما لم تفعله، ما يهم الآن هو هل تتركه يستحم، بينما تحرق ملابسه مع أوراق الخريف التي أزالتها وجمعتها في البرميل خلف المنزل، أم ترفع سماعة الهاتف.
………………………
*جوليا ستراير Julia Strayer: كاتبة أمريكية نُشرت لها قصص قصيرة ومقالات في عدد من المجلات والمواقع الأدبية مثل (إنديانا ريفيو) و (ميد أميريكان ريفيو) و(جليمر ترين)، وغيرها. تعمل بتدريس الكتابة الإبداعية في جامعة نيويورك.