فرانسوا باسيلي
كأني، كأنك، في هلعٍ وفرار
يطاردنا شبحٌ يشبهنا
لا نجاة من كفه أو أمل
لم يبق وقتٌ نضيعه في انتظار
الذي لا يجيء
ولا في انتظار جراحٍ لنا
لا تفيء
ولا تندمل
لم يعد يسع الوقت
سوي لاختلاس القبل
قبل أن تتخاطفنا مركبٌ أو قطار
قولي لمركبة الوقت أن تتمهل
وقولي لنجمٍ يفكر في الانتحار
أن لا يتعجل
حتي ألملم
ما ضاع من سنواتٍ تهرول
وما بقي من ظلي
علي أرصفة بلادٍ بلا طعم
أو رائحة
أخذت مني وأعطتني ثمناً
لما لا يباع ولا يشتري بثمن
فلينتظر البحر حتي أضم الشراع
وأحفظه كفنا
وألملم ما بقي لي
من أجلٍ يضمحل
سأمر عليك
لنحمل سلة خبزٍ ونرحل
ذراعاً مستنداً لذراع
إلي بلدٍ من بلاد الحكايات
ربما شهرزاد ستكمل ليلتها الثانية
بعد ألفٍ للشهريار
أو لعل إيزيس ترقد باكيةً عارية
علي جسدي
لأصعد من رقدة الموت دون إزار
كطفلٍ، فتخطفني الساحرات
ويدفعن بي في سلةٍ للمياه
كأن الحياة تعود بنا للحياة
مرةً، ثم مرات
في شكل أسطورة تتكرر
تفسر لكنها لا تفسر
يسألني حارس النهر عن كلمة السر
فأقول له “العشق”
فيضحك: لا لم يعد في العشق سر
فأقول له “الحق”
فيضحك: لا لم يعد للحق نهيٌ ولا أمر
فأقول له “وطن”
فيضحك ثم يجهش:
لا، لم يعد لي ولا لك
ما يشبه الوطن
ولا باب يفتح لك
فانكفأت علي جبهتي عائدا
إلي لا مكان
أغني لفيروز
سنرجع يوماً إلي حينا
وأمر عليك
فارغاً من أناشيدي القديمة
كفارسٍ أثخنته الطواحين
فأقلع عن سيفه وترجل
قال لم تثمر الحرب شيئاً
إذن فلأجرب الحب
سأمر عليك
لنحمل سلة خبزٍ ونرحل
إلي غابةٍ لم يزرها الجان
أو إلي لا مكان
إلي مدنٍ من دمٍ ودخان
دمنا، ودخان معاركنا،
والوسام المؤجل
مدنٍ تتلوي أنيناً بنا وعلينا
فهل تعرفين طريقاً إلي حينا
أو إلينا؟
لأني ما عدت أعرف
أين الطريق إلي الحلم
وأين الطريق إلي الحزن
وأين الطريق إلي النبع والأنهار
فالطريق الذي جاء بي
لا يؤدي سوي لبلادٍ تموت
مكفنةً بالطلاسم والأسرار
وعواصم كانت لنا وعلينا
وتهاوت بنا الأحجار علي الأحجار
ما عدت أقدر أن أتحمل
ما أري وما لا أري
من بقايا الأساطير التي حملتني
إلي آخر الليل حيث السرير
بساط ريح أحلامنا
حيث نجوع معاً
ونضيع معاً
ونسافر دون سفر
لا مكان سوي معبد يتهاوي
وبيوت بلا أهلها، مدنٌ من غبار
آلهة الأقدمين بها لم تعد تصغي
وآلهة الحرب والحب تلهو بنا
فنهاجر
كأني، كأنك، في هلعٍ وفرار
يطاردنا شبحٌ يشبهنا
لا نجاة من كفه أو أمل
لم يعد يسع الوقت
سوي لاختلاس القبل
فاطبعي قبلةً قبل أن أرحل
إلي لا مكان
حيث لا أتذكر شيئاً
لا حنين يعذبني
لا أنين بلادٍ تعاتبني
وتطاردني
لا ليل أرقد في قاع زورقه
ولا مركبة الشمس
تصعد بي
للنهار