لاتزعجوا الأموات
سلمى فايد
أحجارُهُم أرواحُهُم..
ونِبالُهم صوتُ الضحيَّةِ..
لم يكُنْ في وُسْعِهِم أن يحسَبوا
ثمنَ الخسارةِ.. كُلُّ ما في الأمرِ أنّ اللَّيْلَ يبدأُ
حينَ يَسكُبُ دمعَهُ فوقَ الجِراحِ..
وينتَهِي في حضرةِ الفُقَراءْ..
يَكفِي جُلوسُ القرفصاءِ
على الرَّصيفِ..
وجنَّةٌ من ظِلِّ أشجارِ الطَّريقِ..
وكوبُ صبرٍ في الصَّباحِ..
لكي يَظَلَّ القلبُ حيًّا..
هكذا كانَت براءتُهُم تُفكِّرُ..
لم يزَلْ في الأرضِ نَعْنَاعٌ وقَمْحٌ
كي نَقُولَ هُناكَ ربٌّ لا مَحالةَ..
لا يُهِمُّ مَنِ الأميرُ..
ولا تُهِمُّ موائدُ الأشباحِ..
أو خَيْلُ الخليفةِ..
نِعْمةُ الفُقراءِ أنّ القلبَ
يضحُكُ لا يزالُ..
ولا يزالُ لَهُم نصيبٌ في الغِناءْ..
سَيُريدُنا الزمنُ القويُّ
لكي يُمثِّلَ دورَهُ القدَرِيَّ..
والْمُدُنُ الكبيرةُ
لن تسيرَ إلى السَّمَا
إلّا على نفَسِ الفقيرِ
زَفِيرُنا سببٌ جليلٌ كي يقولَ
الفيلسوفُ:
"الآنَ يُمكِنُني البُكاءْ.."
أحجارُنا أرواحُنا..
وزمانُنا الهدَفُ الوحيدُ
لكي نُصوِّبُ نَحْوَهُ..
ولَنَا طَرِيقتُنا لنثأَرَ -إن أرَدْنا-
ما الذي سيَكُونُ أبلغَ
حينَما يتبسَّمُ الفُقَراءُ في وجهِ الزمانِ؟
وما الذي سيكونُ أوجَعَ..
حينَ لا يجِدُ الفقيرُ مِنَ الكلامِ
سِوى الحِجارةْ؟
أحجارُهُم أرواحُهُم..
لم يَعرِفوا ثمنَ الخسارةِ..
أو يخافوا الموتَ
كانوا في البدايةِ مَيِّتِينَ..
وفي النِّهايةِ مَيِّتينَ..
وحِكمةُ الأمواتِ مَورُوثُ الفقيرِ..
لذاكَ
كانوا يَصعَدونَ إلى نهايتِهم وهُم يتأمَّلونَ
حَماقةَ الزمنِ الضعيفِ ويهمِسونَ بأُذْنِهِ:
"لا تُزعِجوا الأمواتَ..
فالأمواتُ لم يتعوّدوا أن يحسبوا
ثمنَ الخسارةْ!"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من ديوان "ذاكرة نبي لم يُرسل" ـ صادر مؤخرًا عن دار روافد