لأول مرة.. مسرحية “البيرق الأبيض” المفقودة لنجيب سرور

نجيب سرور
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

تحرير وتحقيق محمد فرحات

…(على سبيل المقدمة)

من دراسة  أحمد رشدي صالح، رحمه الله.

“..ولكن الشئ الخطير حقًا هو أمر الدراسة والمكانة والإحساس.. كل ذلك يوحي بأن تغريبة بني هلال ليست فقط تعبيرًا عن مأساة العرابيين..! وإنما هي من تأليف الزعيم الروحي للعرابيين..الشيخ عبد الله النديم!..

نفس الروح..نفس الأسلوب..نفس الكلمات..نفس التراكيب..نفس الشحنات، شحنات الألم..وشحنات التحدي..نفس التردد بين اليأس القاتل، والأمل الصلب..مئات الإشارات..مئات الرموز..مئات الحيل..مئات “السقطات” اللاشعورية التي تفلت في لحظات الضيق من كاتب عانى الضيق بعد تصفية الثورة فوق ما يطيقه إنسان!..

والمُستقر عليه أن عبد الله النديم كان من أغرز الكتاب إنتاجًا، وخاصة في فترة الاختفاء، ثم فترة في المنفى، وأن أكثر مؤلفاته  قد فقدت..وإن كثيرًا من أعماله، كما يقول الدكتور علي الحديدي، موجود في المكتبات العامة والخاصة، بتركيا-منفاه- وغير مباح للجمهور، وليس له قوائم مضبوطة منتظمة..إلى ضياع الكثير من أعماله، وهي مازالت مخطوطة..إلى عدم طبع كل ما بقيَ، وأُنقذ من الضياع..وقد ذكر صديق حياته”أحمد سمير” أن لعبد الله النديم”من المؤلفات الكبيرة والصغيرة ما يُعد بالمئات” وقال أيضًا-مما يورده الدكتور علي الحديدي”دراساته الأدبية، ومؤلفاته تبلغ نحو مائة مؤلف في فنون مختلفة، فُقِد أكثرها، سرقةً أو اغتصابًا أو رميًا في مياه”النيل”.

وكتب إسماعيل باشا البغدادي في كتابه “هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين” أن “تصانيفه الصغيرة والكبيرة تزيد عن المئة..”.. وفي سنوات المحنة..محنة الاختفاء عن عيون القصر، وعيون المحتلين، كتب النديم إلى صديقه”فتراني فكري كليمي، وقلمي نديمي..وقد تم لي الآن عشرون مؤلفًا بين صغير وكبير. فانظر إلى آثار رحمة ربك، اللطيف الخبير، كيف جعل أيام المحنة وسيلة للمنحة والمنة.”

وإذا كان المُستقر عليه أن “تغريبة بني هلال” هي أصدق تعبير شعبي عن الهزيمة العرابية! وإذا كان المستقر عليه أن عبد الله النديم هو أصدق ممثل لعصر الثورة العرابية..وأصدق معبر عن جميع مراحها منذ مقدماتها..حتى اندلاعها..حتى معاركها..حتى الهزيمة..فمن يكون مؤلف “تغريبة بني هلال”..إن لم يكن هو عبد الله النديم؟!

لو لم يكن هو كاتبها، لوجب أن يكون!!..بل ولو لم يوجد عبد الله النديم، لوجب أن يوجد، ويكتب  “تغريبة بني هلال”، معبرًا عن مآساة الثورة العرابية، وما آلت إليه.

هل كتبها في سنوات الاختفاء التسع وهو يجوب البلاد متنكرًا..؟ فهو على حد تعبيره”كالكركي تارة شامي، ومرة تركي، وآونة مصري، وآخرى بصري..”إذ كتب، فيها “الدر النفيس في تاريخ بني إدريس”، و”نيل الأَرب في أخبار العرب”، مما يقربنا من عالم شخوص تغريبة بني هلال!..ففضلًا عن التشابه بين أبي زيد وعبد الله النديم نفسه خصوصًا في التنكر!!

..أم كتبها في سنوات المنفى بتركيا؟!..إنني أرجح الأولى.إنني لم أكتب هذه الرسالة لأثبت أو أنفي نسبة “التغريبة”  لعبد الله النديم، بل راجيًا فيكم العون والإرشاد من كل من له اهتمام بتراثنا الشعبي..فإذا أثبت البحث حيثيات نسبة “تغريبة بني هلال” إلى عبد الله النديم..فإننا نكون قد رددنا الأمانة إلى أهلها..ونكون قدمنا الكثير لتاريخنا وشعبنا..وتراثنا..من واجب الوفاء، وفاء الأبناء للأباء..وربما ساعد هذا على الكشف عن الكثير من ألغاز تراثنا الشعبي.

وقبيح بنا وإن قدم العهد..هوان الآباء والأجداد..

ولكم مني بالغ الحب..وأطيب التمنيات.

****

1-هل هناك مصدر آخر-غير المتداول شعبيًا- رجع إليه عبد الله النديم، وطوره، وأنماه وأسقط عليه أزمة العرابيين؟!

2-إذا أثبت التحقيق نسبة “تغريبة بني هلال” إلى عبد الله النديم، ألا يرغمنا هذا إلى إعادة النظر في الكثير من منابع تراثنا الشعبي؟

3-البحث في تراثنا الشعبي حديث العهد..ألا يمكن أن يكون لعبد الله النديم أعمال شعبية آخرى غير “تغريبة بني هلال” تتداولها الجماهير مغفلة اسم الؤلف.

4-البديهة العلمية المستقرة الآن والتي تزعم عدم وجود المؤلف الشعبي يجب أن يُعاد النظر فيها فربما كانت خدعة.

نجيب سرور.

**

آن لنا أن نحتفل باكتشاف مسرحية البيرق الأبيض التي طال التحدث عنها، ثم التعلل بفقدها في كل بيبلوجرافيا أعمال نجيب سرور، رحمه الله، ولقد كان اكتشاف المسرحية على مراحل استمرت قرابة العام، منذ اللقاء الأول بالأستاذ فريد نجيب سرور، في جنازة أمه العظيمة “ساشا كورساكوفا” الاثنين السابع عشر من يناير سنة 2022، في ظروف أقل ما يقال عنها إنها كانت ظروفًا عصيبة، فقد حضرت السيدة ساشا بناءً على رغبتها من الهند، لتدفن بجانب زوجها الخالد نجيب سرور بقريته إخطاب، أجا، دقهلية. وكانت ظروف نزوح الأسرة السرورية؛ ساشا، شهدي، فريد، لا تقل مأساوية، فقد حُكم على شهدي نجيب سرور بالسجن عامًا سنة 2002 ، في قضية غريبة هي من سوابق القضايا التي ينظر إليها برثاء لما آلت إليه أمور الفكر وما يلازمه من قضايا نشر في وطننا العربي المجيد، فقد نشر شهدي رباعيات أبيه، المشهورة ب”أميات” وهي قصيدة طويلة، تنتقد أحوال الثقافة والفن والسياسة في الحقبة الممتدة من 1967 إلى 1977 بداية من الهزيمة المريرة إلى التسليم الذي لا يقل مرارة، القصد أن شهدي نجيب سرور نشر القصيدة بصوت أبيه على اليويتيوب، وكان قد ألقاها في شقة الفنان زين العشماوي بحضور مجموعة من الفنانين والمفكرين كالسيدة سعاد حسني، محسنة توفيق، منير مراد، كرم مطاوع، سهير المرشدي،  سميرة أحمد، شريفة فاضل علي بدرخان، ميرفت أمين، حسين كمال وعصام تليمة  وغيرهم، وكان وقتها رهن الاعتقال بمستشفى العباسية للأمراض العقلية، وكان قد بارحها لمدة ليلة بتدبير ورفقة من طبيبه النفسي المشرف على حالته وبصحبته.

ولما حُكم على شهدي غيابيًا بالسجن عام 2002،  سافر إلى روسيا، ومنها سافر إلى الهند، لظروف عمله، فكان مهندسًا ببرمجيات الكومبيوتر، وتصميم المواقع، وفي الهند اجتمع شمل الأسرة السرورية 2011، حتى أصيب شهدي بسرطان الرئة عام 2017، وفي صراع شرس ومرير مع المرض سلم شهدي الروح لبريه تعالى في يوليو 2019 ، لتستمر حياة الأسرة السرورية ساشا وفريد، وقبل ذلك وفي عام 2014 تصاب السيدة ساشا بأمراض الشيخوخة تنسى السيدة كل شئ إلا نجيب سرور، ورغبتها بإعادة كل ما كتبه نجيب سرور، ثم أن تدفن بجانب نجيب سرور، ولما اشتد المرض بساشا وشعر فريد بدنو أجلها، استطاع أن ينقلها من الهند إلى مصر، في ظروف صعبة ، وبتدخل الحكومتين المصرية والروسية لدى الحكومة الهندية، حضرت ساشا مصر سبتمبر 2021، ثم رحلت  ساشا عن الدنيا يوم 15 يناير 2022 وأخذ فريد في تنفيذ وصيتها بدفنها بجانب زوجها الراحل نجيب سرور، إلا أنه قد واجهته  عاصفة من الاعتراضات من قبل جماعات الوهابية المتفشية في القرية، وبدعوى أنها مسيحية وكيف تدفن في مقابر المسلسمن، فيباغت فريد الجميع بإعلان وثيقة إسلامها، فقد أشهرت ساشا إسلامها بالأزهر الشريف عام 1979، بعد وفاة زوجها، على إثر خلاف حدث بينها وبين شقيق زوجها على حضانة فريد وشهدي، المهم أنها قد دفنت بإخطاب بجوار نجيب سرور 17 يناير 2022.

فكان الشق الثاني من تنفيذ الوصية وهي إعادة كتابة تراث نجيب سرور وحوسبته تمهيدًا لنشرة إلكترونيًا وورقيا وبكل ما تيسر من صور النشر، فأعلن فريد عن حملة تطوع للمساهمة في المشروع.

تطوع الكثير، ولكن انفض زخم حماستهم بعد قليل جدًا، ولمَّا يستمر إلا واحدٌ فقط في المشروع، وكان بدايات البحث في أوراق نجيب سرور أسطورية حقًا، فقد بوغتنا بوجود أكثر من خمسين ألف صفحة ما بين مسودات لأعمال نُشرت، أو لم تنشر، وكان الاتفاق على إعادة تحريرها إلكترونيًا، وكانت مسرحية “البيرق الأبيض” من جملة ما تم العثور عليه، وقد وجدناها على مرحلتين الأولى كانت مسودة بخط يد نجيب سرور وكانت مسرحية من فصل واحد ومقدمة بحثية في إثبات أن التغريبة الهلالية كان عبد الله النديم كاتبها أو على الأقل من المساهمين في كتابتها، كشأن كل الأعمال الشعبية المتناقلة عبر الأجيال بآلة المشافهة، وإن جزءً منها كان موضوعه الحديث عن أحداث الثورة العرابية ونهايتها المأساوية، وقد اعتمد نجيب سرور على دراسة للناقد والمؤرخ أحمد رشدي، رحمه الله تعالى، وكانت تلك المسرحية بعنوان “سكة أبو زيد.” بطلها كان عبد الله النديم وخادمة حسين رحمهما الله، ثم تتداخل الأحداث والشخصيات تمهيدًا لمسرحية ما، علمنا في رحلة بحث آخرى أنها كانت تمهيدًا، لمسرحية “البيرق الأبيض” ولذلك أدرجناها مع نص البيرق الأبيض، وهي مسرحية تاريخية، عنونها نجيب سرور “كوميديا مسرحية” من ثلاثة فصول وعلى مدار ثمانية مشاهد، أنهاها نجيب سرور أيضًا بنهاية مسرحية ما بين الكورس وأعضاء محاكمة عرابي، في شكل مسرحي متكامل، أتركه للنقاد المسرحيين لدراسته.

دراسة ظاهرية لمخطوطة “البريق الأبيض”.

1-تتكون المسرحية من مقدمة عبارة عن مسرحية من فصل واحد عنونها نجيب سرور ب”سكة أبو زيد” “ملهاة ملحمية مأساوية غنائية”. وعليها أستيكر بخط شهدي نجيب سرور معنون” مشروع نص مسرحي باسم سكة أبو زيد “7”” وهي عبارة عن واحد وثلاثين صفحة مكتوبة بخط اليد، اعتبرناها برولوج للمسرحية الأم “البيرق الأبيض” لتماهي الشخصيات والأحداث بينها وبين المسرحية الأم. وقد أدرجناها في مسرحية “البيرق الأبيض” كمقدمة، وأترك البحث التنظيري للشكل المسرحي للنقاد المسرحيين المتخصصين.

2- المخطوطة الأولى بخط نجيب سرور، وهي عبارة عن مخطوطة، مكونة من تسع وتسعين صفحة بخط يد نجيب سرور، عنونها نجيب سرور، ب”البيرق الأبيض” “كوميديا في ثلاثة فصول”، “تأليف نجيب سرور.”.

 وعليها استيكر بخط المحرر الرئيسي في المشروع، مكتوب عليه” نص مسرحية البيرق الأبيض كاملًا، مع ملاحظة وجود أحد الفصول غير المضافة، بعنون “سكة أبو زيد.”.

دون فيها نجيب سرور الشخصيات حسب الظهور، وهي ثلاث عشرة شخصية ما بين محورية ورئيسية وهي “رئيس المحكمة، عضو المحكمة، أحمد عرابي، عبد الله النديم، حسين، عبدالعال حلمي، الشيخ الأزهري، علي فهمي، الشيخ الهمشري  محمود سامي البارودي، الشيخ محمد عبده، يعقوب سامي، جابر.”.

ثم أحداث الفصل الأول التي تبدأ بالمشهد الأول وهو بمحاكمة عرابي، ثم المشهد الثاني وهو ظهور شخصية “عبد الله النديم، وتابعه حسين.”، ثم المشهد الثالث وهو عبارة عن “محاكمة عبد العال حلمي.” والملاحظ أن نجيب سرور لم يعنون إلا المشهد الأول، والمشهد الثاني والثالث وضعه المحرر من عندياته، لاختلاف الشخصيات والأحداث في كل جزء، وذلك لأن نجيب سرور كان يكتبها كمسودة، سوف يقوم بتبيضها بخطه المنمنق الجميل، شأن كل أعماله، قفد يكون للعمل أكثر من مسودة مكتوبة بخط عادي، إلا أنه حينما كان يقرر تبيضه في صورة نهائية، كان يكتبه بخط بديع منمق جدًا، كأبرع خطاط موهوب. وهذا ما سنجده في أخر عشر صفحات من الجزء الثالث من المخطوطة كما سيأتي.

3- المخطوطة الثانية عبارة عن سبع وتسعين صفجة بخط الأستاذ نجيب سرور تحتوي على بقية الفصل الأول، والفصل الثاني من المسرحية ويتكون الفصل الثاني من المشهد الخامس وهو محاكمة علي فهمي، والمشهد السادس، وهو بنفس كيفية المشهد الرابع من حيث السيميوجرافيا، والشخصيات هي عبد الله النديم، وتابعه حسين.

ثم المشهد السابع وهو محاكمة محمود باشا سامي البارودي، ثم المشهد الثامن من المسرحية وشخصياته عبد الله النديم، وتابعه حسين، والشيخ الهمشري، ثم يكمل الأستاذ نجيب سرور الفصل الثامن بملحوظة غاية في الأهمية لكونها تدلل على تاريخ كتابته، والظروف المحيطة به، مما سيكون له أثرٌ بالغ من إسقاطات بارعة من حاضر الكتابة على أحداث المسرحية، والملحوظة أو الهامش الذي كتبه الأستاذ هو ” تكملة المشهد الثامن في تاريخ 6 سبتمبر 1967، وما ما يمثله هذا التاريخ، أي ما بعد الهزيمة المرة بأربعة أشهر، من تأثير بالغ في سير حياة نجيب سرور، حيث كانت الهزيمة السبب الرئيسي في مأساة نجيب سرور الشخصية المعلومة، من فقدان للاتزان النفسي والوجداني، واختلال نظام كتابته والتداخل الواضح في الأحداث بين حاضر الكتابة، وموضوعها وهو انكسار الثورة العرابية، وما تحمله من إسقاطات على انكسار ثورة يوليو 1952 ومشروعها الإنساني والاجتماعي والاقتصادي الطموح.

ويتجسد ما قلته في نص جديد محتلف تمامًا يتحدث عن أحداث هزيمة يونيو 1967 بشخصيات جديدة وأحداث مختلفة موضوعها الهزيمة المريرة وأحداث ما بعد الهزيمة من محاكمة الطيران، والحراك الطلابي الساخط على النظام، وذلك من صفحة 72 إلى صفحة 97، وسوف يتم تحرير هذا المشروع المسرحي على حدة. وهذا يدل على أن ما بحوزتنا هي المسودة الأولى للمسرحية.

المخطوطة الثالثة وهي عبارة عن ختام للمسرحية من تسع  صفحات، ويتداخل الكورس والمجموعات في السرد وحوار هيئة المحكمة.

والعشر صفحات هي إعادة كتابة للمسرحية من بدايتها، ولكن في صورة العمل الأخير ويميزة الخط الواضح المنمق الذي يميز أعمال نجيب سرور في طورها النهائي، ولكنها تنتهي في الربع الأول من محاكمة عرابي، ولم يكمل التبيض لظروف الاعتقال بالعباسية وما مر بحياة نجيب سرور من أحداث تراجيدية عصيبة إلى موته عام 1978.

المحرر.

محمد فرحات.

15 فبراير 2023.

الشهداء.

****

-المشهد الأول-

على دقات دفوف وطبول وصاجات ومزامير يُرفع الستار عن ساحة كبيرة في إحدى القرى المصرية تعبرها مواكب وافدة من جهات مختلفة ببيارق وأزياء وشارات مختلفة الألوان لتشترك في إحياء مولد أحد أولياء الله، ووسط الساحة، أو في جانب منها تقوم سارية كبيرة عليها بيرق أبيض كبير يلتف حوله البائعون والمداحون والحواة ولا عبو الثلاث ورقات والنشان ورفع الأثقال والقراداتية وما إلى ذلك من الصور والملامح التي تحفل بها الموالد عادة بما في ذلك الخفراء الذين يباشرون الرقابة على المولد.

قبل أن تهدأ ضجة المواكب والاستعراضات يدخل رجل في الخمسين من عمره تقريبًا، ولكنه يفيض حيويةً ونشاطًا وهو يرتدي زيًا أشبه بزي الأراجوز، وخلفه صبي في حوالي الخامسة عشر أشبه بالأراجوز الصغير، يبدوان تائهين في خضم الزحام كقشتين وسط وموج هائج هادر..

الصبي: طب واحنا نروح فين في الهوجة دي يا معلم؟..دا مولد..مولد وصاحبه غايب زي ما بيقولوا..وحتى مالوش صاحب..مين يقرا ومين يسمع..مين يسمعنا هنا؟!

المعلم: معلهش..ننصب نصبتنا هنا ويفرجها ربنا!

الصبي: ننصب نصبتنا هنا؟

المعلم: أيوه!

الصبي: في قلب المولد؟..وف وسط دول كلهم؟ واحنا نضيع..تلاته بالله نضيع!

المعلم: مش ها نضيع..بس اتوكل انت على الله!

الصبي: ودي معقوله يا معلم؟..معقول حد يسيب الغوازي وحلقات الذكر والمداحين والحواة وبتوع التلات ورقات وغيرهم وغيرهم وييجي يتفرج علينا؟ علينا احنا؟ يسمع حواديت؟ وحواديت قديمة كمان؟ حواديت في مولد يا عالم؟

المعلم: ما لكش دعوة..شوف انت شغلك..يالا..هِم!

الصبي: يا معلم الناس زهقت..زهقت من أبو زيد والملك سيف والظاهر بيبرس وحسن راس الغول وعلي الزيبق..آه..الناس عايزه حاجة طازة..حاجة لسه سخنة..سخنة كده زي لحم الغازية اللي هناك دي..طب تلاتة بالله لولا الملامة لاسيب الشغل واروح اتفرج على الغازية..

المعلم: طب اتفضل روح للغازية بتاعتك!

الصبي: الله..انت زعلت ولا إيه يا معلم؟

المعلم: إنت فاكرني ما اقدرش اشتغل لوحدي؟

الصبي: وانت برضو ترضى تشتغل لوحدك؟

المعلم: ما انت اللي عايز تسيبني..

الصبي: أنا..أنا اسيبك يامعلم؟ ليه؟ أنا سبتك إمتى لما اسيبك دلوقتي؟..الله يسامحك..الله يسامحك يا معلم!

المعلم: مش بتقول عايز تروح للغازية؟

الصبي: كلام..كلام..وانت من امتى بتاخد لي على كلام؟ أنا قصدي بس أقول..أقول..

المعلم: تقول إيه؟

الصبي: إننا بننفخ في قربه مقطوعه..بندن في مالطة..بنقول ونرد على روحنا..شايف؟ شايف اللحمة اللى حوالين الغازية؟ شايف الناس أد إيه؟ الناس يامعلم عايزه من ده..”بتعالم”..الجمهور عايز كده!

المعلم: عايز إيه؟

الصبي: عايز لحم..لحم ملظلظ..مربرب..مظفلط ..زي القرموط..زي العرسة..زي تعبان السمك..إدي للجمهور لحم وسيبه..عمره ماها يشبع..عمره ما هيقولك بس..آدي البضاعة الرايجه صحيح..البضاعة اللي تفتح النفس..تخش في النخاشيش..مش تيجي في عز المولد..في عز المسمط..وتقول حواديت!

المعلم: برضو بنلاقي اللي يسمعنا..كل بضاعة ولها زبون..

الصبي: أيوه بس مش في مولد..! احنا جربنا الموالد ما نفعناش!

المعلم: نجرب تاني!

الصبي: أراهن إن حد جالنا..ولا عبرنا..ولا قال بتعملوا إيه..بتقولوا إيه..غيرش يكونوا غفر ولا عساكر..وانت عارف..ومش كل مرة تسلم الجرة!

المعلم: ربنا يسلم!

الصبي: المرة اللي فاتت ربنا سلم..مين عارف المرة الجاية ها يحصل إيه؟

المعلم: إنت بس تخليك صاحي..تاخد بالك م الغفر والعساكر واحنا بنشتغل وأول ما تشوف حد منهم تديني إشارة..

الصبي: ما اديتك يومها إشارة وإشارة وانت ولا هنا..

المعلم: معلهش..كنت اندمجت في الشغل..

الصبي: طب اعمل معروف ماتندمجش تاني لا نروح في داهية..

المعلم:وانت أول ما تديني الإشارة..على طول تغير..اللى أقوله رد عليه..قول أي كلام يمشي مع كلامي..أديك حافض الحواديت كلها..

الصبي: البركة فيك يا معلم!

المعلم: معلم إيه بقى؟..وانت بقيت معلم..يلا بقى وريني شاطرتك ولمّ ليا الناس..

الصبي: هو فيه لمه أكثر من دي؟

المعلم: لمهم هنا..حوالينا!

الصبي: طب ودول يتلموا ازاي؟

المعلم: انت بقى وحداقتك!

الصبي: حداقتي؟ اتحزم وارقص ولا إيه؟

 المعلم: اعمل أي حاجة..لو لمينا اتنين تلاته بس ها يتلموا عليهم عشرة والعشرة يبقوا عشرين والعشرين يبقوا ميه..الناس كده..بس عايزه فهلوه..والباقي عليّ أنا..فنن لنا تفنينه كده تلوح الناس!

الصبي: “يفكر”..إيه رأيك يا معلم؟..إيه رأيك لو وقفنا احنا الاتنين تحت البيرق ده..وقلعنا ملط!

المعلم: انت انهبلت؟..حد يقلع ملط في قلب المولد؟!

الصبي: طب تلاته بالله المولد يتقلب على رجل، وتبقى ترش الملح ما يقع!

المعلم: يا بني انت عايز تودينا ف داهية؟

الصبي: مش بقولك الناس عايزه لحم؟..نديهم لحم!

المعلم: والله كانوا يقطعوا لحمنا!..ثم احنا لو قلعنا ملط الناس هاتعرف احنا مين..ولو عرفوا..يبقى رحنا بلاش!

الصبي: يبقى بلاش دي..نفنن تفنينه تانيه..طب إيه رأيك..إيه رأيك نقول لهم إنك المهدي المنتظر!

المعلم: يا داهية دقي..المهدي المنتظر؟!

الصبي: هو فيه مهدي مش منتظر؟

المعلم: في مولد؟

الصبي: أمال ها ينتظروه فين؟!

المعلم: ما حدش ها يصدقنا!

الصبي: ليه؟

المعلم: الناس انتظروه كتير..وزهقوا م الانتظار..وبعدين صرفوا نظر..ونسيوه..!

الصبي: نفكرهم..

المعلم: لأ..اصرف نظر..دي ورقة انحرقت من زمان..يا ما ناس لعبوا بيها وطلعوا في الآخر دجالين..يعني قليل إن ما خدنا فيها علقة نفتكرها طول العمر..دا إن فضل لنا في العمر بقيه..انت عارف الناس بتنتظر المهدي ليه؟

الصبي: ليه؟

المعلم: عشان يقتلوه..

المعلم: ويا كلوه ني..

الصبي: أعوذ بالله..ليه؟

المعلم: عشان يرجعوا تاني ينتظروه!

الصبي: دي ولا حدوتة الدبانه!

المعلم: لأ..داهيه دي حدوتة الدبانة!                                                 

الصبي: قلت لي!

المعلم: منين لنا تفنينه غير دي!

الصبي: كل تفانيني بتنتهي بعلق..والأخرانية انتهت بقتل..فنن انت اعمل معروف!

المعلم: خلاص غلب حمارك؟

الصبي: لأ..حماري ما غلبش..أنا اللي غُلبت..

المعلم: بقى الغازية تغلبنا؟

الصبي: حد يقدر يغلب الغوازي..

المعلم: الرجاله يقدروا..

الصبي: طب إيه رأيك لو قلنا للناس..تعالوا شوفوا الراجل اللي اتقلب ست؟!

المعلم: قديمه! فيه رجالة كتير في الزمان ده اتقلبوا نسوان..يعني حصلت وبتحصل وها تحصل!

الصبي: طب الست اللي اتقلبت راجل!

المعلم: برضوا حصلت.. ثم ما حدش ها يصدقنا!

الصبي: ليه؟

المعلم: نثبت لهم إزاي؟

الصبي: ودي عايزه إثبات؟

المعلم: أيوه..ازاي نثبت لهم إن الراجل كان ست!

الصبي: يعني قليل إن ما كلنا فيها علقة!

المعلم: عليك نور!

الصبي: طب ونروح بعيد ليه؟ ما تضربني انت علقه؟

المعلم: أنا اضربك علقه؟..

الصبي: آه..

المعلم: طب وانت برضوا تهون عليا؟

الصبي: لأ..قصدي علقه كده وكده..حبي يعني..تعمل إنك بتضرب وأنا اصرخ..صلبطه يعني..الناس ها تتلم..ونخش ع الشغل!

“صرخة من الغازية تحدث على إثرها ضجة..الناس يهرولون..الخفير يشد الغازية من شعرها وهي تواصل الصراخ..يهرع إليها المعلم والصبي.

الخفير: انجري يا غازية ع التليفون!

الغازية: “تفلت من الخفير”..الحقوني يا رجاله..الحقوني يا رجالة!

أصوات: إيه؟ فيه إيه؟ حصل إيه؟

الغازية: بقى ما فيش هنا راجل يوقف الغفير ده عند حده؟

الخفير: اختشي يا غازية ولمي لسانك!

الغازية: بقى ما فيش في عروكم نقطة دم؟!

الخفير: انجري معايا يا غازية!

أصوات: إيه بس..حصل إيه بس يا حضرة الغفير؟

الخفير: الغازية دية بتخسر رجالة البلد!

الغازية: أنا اللي بخسر رجالة البلد ولا انتو اللي مخسرين البلد.. البلد والمولد..

الخفير: اتحشمي يا غازية وانجري معايا!

الغازية: يا ناس يا ناس..وليه غلبانه ووحدانية..بتجري على رزقها..وده مستقفيني من أول ليلة في المولد..كل ليلة قال إيه..عاوز بريزه!

أصوات: بريزه؟..بريزه بحالها؟

الغازية: هو أنا باكسب في الليلة كام بريزه..كام بريزه يا ناس؟

الخفير: يا غازية ما تفتريش ع الحكومة!

الغازية: الحكومة؟ شي الله يا حكومة..والحكومة تفتري عليّ ليه؟ تفتري ع الغلابة ليه؟ تلهف مني كل ليلة بريزه ليه..يا عالم وانا بربي أيتام..بجري على أربعة يتامى..هم أحوج لمليم..مش بريزه!

الخفير: البريزة دي غرامه!

الغازية: وتغرموني كل ليله ليه؟

الخفير: عشان عامله مخالفه؟

الغازية: مخالفه؟ مخالفه إيه يا ابو بريزه؟

الخفير: مخالفه للأوامر..الأوامر قايله ممنوع الرقص في الموالد..الموالد دي للعبادة..للذكر..مش لهز البطن والذي منه..الرقص يبقى نجاسة..إيوه نجاسة جنب المقام الطاهر!

المعلم: عندك حق يا غفير!

الغازية: حق مين كسر حقك انت راخر!

المعلم: والشتيمة كمان مخالفة..مش كده ياحضرة الغفير؟

الخفير: كده تمام!

المعلم: والمخالفة لازم يكون لها غرامة..مش كده يا غفير؟

الخفير: كده تمام!

المعلم: والغرامة بريزة..يبقو بريزتين..مش كده يا غفير؟

الخفير: كده تمام!

المعلم: اتفضل..آدي البريزتين”يناوله الريال” حلال ع الحكومة..احنا ما نكونش إلا خدامين الحكومة..الناس لازم ينفذوا الأوامر..اللي يعمل مخالفة يدفع الغرامة من سكات..مش رقص وكمان طولة لسان؟

الخفير: أنا هاسيبها المرة دي عشان خاطرك!..باين عليك راجل طيب..

المعلم: دا من أصلك بس!

الخفير: لكن لو شفتها بترقص تاني في المولد..

المعلم: بريزه على طول..ولو سمعتها بتشتم تاني..

الخفير: بريزه على طول..

المعلم: على طول!

الخفير: طب بقى سلامو عليكم!

المعلم: مع السلامة!

“يخرج الخفير بينما يلتف الناس حول الغازية وهم يتحدثون ويشيرون إلى المعلم الذي انتحى به الصبي جانبا”

الصبي: إيه اللي انت عملته ده؟

المعلم: عملت إيه؟

الصبي: بريزتين مرة واحدة؟..ريال يا مؤمن؟

المعلم: طب واللمة دي ما تسواش ريال؟

الصبي: لكن احنا مالنا ومال الغازية؟

المعلم: مالنا ازاي؟ احنا كسبنا الغازية وزباين الغازية..

الصبي: قوللي كده!

المعلم: ولا تقلع ملط!

الصبي: ولا نقول المهدي ظهر..

المعلم: و لا نقلب الراجل ست!

الصبي: و لا الست راجل!

المعلم: و لاناخد عُلق!

الصبي: وكل ده..بريال..والله يا بلاش!

المعلم: شفت بقى تفانيني من تفانينك؟

الصبي: دا انت معلم..هيه العين تعلى عن الحاجب!

المعلم: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا؟!

الصبي: صدق الله العظيم!

    “الغازية تتقدم نحو المعلم والصبي ووراها جمع كبير من وراء المولد..

الغازية: مش برضو واجب نتشرف بالمعرفة؟

المعلم: زعيط..المعلم زعيط!

الصبي: وانا معيط..صبي المعلم!

الغازية: وانا لواحظ..الغازية..

معيط: ما هو باين..

الغازية: مشهورة في الجيرة وجيرة الجيرة..

زعيط: تشرفنا يا ست لواحظ..

لواحظ: داحنا اللي زدنا شرف..ويا ترى بتشتغلوا إيه؟ لبسكم كده غريب لا مؤاخذه ولا بتوع الأراجوز..

زعيط: ما احنا برضو حاجة زي كده..

لواحظ: زي كده ازاي..؟

زعيط: يعني بتوع أراجوز..

معيط:وبتوع كله!

زعيط: أصلنا لا مؤاخذه..بنشخص!

لواحظ: مشخصاتيه يعني..قلتولي..أهلا وسهلا..ويا ترى بتشخصوا إيه؟

زعيط: كافة شئ يخطر على بالك!

 لواحظ: زي إيه كده!

زعيط: عندنا روايات على كل لون..

معيط: حواديت من كل صنف..

زعيط: منها اللي يضحك.

معيط: ومنها اللي يبكي..

“يندمجان في الإعلان بالتدريج مع التتابع التصاعدي تمامًا كدلالي المزاد، أو الدلال الشعبي في الأسواق ويزداد تجمع الناس على النداء..

زعيط: ومنها اللي يوقف الشعر..

معيط: واللي يشيب الشعر..

زعيط: حواديت ظريفة ولطيفة..

معيط: وحروب هايله ومخيفه..

زعيط: مغامرات!

معيط: مؤامرات!

زعيط: مقالب..

معيط: حيل..

زعيط: حب..

معيط: خيانه..

زعيط: قتل..

معيط: دم..

زعيط: نوادر..

معيط: عجايب..

زعيط: معجزات..

معيط: ملوك من كل لون..

زعيط: حكام من كل صنف.

معيط: فراعنه..

زعيط: فرس..

معيط: رومان..

زعيط: عرب..

معيط: أتراك..

زعيط: مماليك..

معيط: فرنسيس..

زعيط: انجليز..

معيط: خلفا وسلاطين..

زعيط: زعما ووزرا..

معيط: أبطال وخونه..

زعيط: شهدا وسفاحين..

معيط: ناس وكلاب..

زعيط: عسكر وحرامية..

عسكر وحراميه ألف مرة..

معيط: أبو زيد الهلالي..

زعيط: الملك سيف بن ذي اليزن..

معيط: عنتر وعبلة..

زعيط: قيس وليلى..

معيط: الظاهر بيبرس..

زعيط: حسن ونعيمة..

معيط: حسن راس الغول..

زعيط: علي الزيبق المصري..

معيط: واحمد الدنف..

زعيط: رجوع الشيخ..

معيط: إغاثة الأمة بكشف الغمة..

زعيط: روايات من كل لون..

معيط: حواديت من كل صنف..

زعيط:”للواحظ” ..شبيك لبيك..اللي تطلبيه بين إيديكِ!..

“تصفيق من المجاميع”!

لواحظ: وياترى هتسمعنا إيه؟

أصوات:- حسن راس الغول..

-لأ..علي الزيبق..

-لأ..الملك سيف..

-لأ..الظاهر بيبرس..

-أبو زيد..أبو زيد الهلالي..

“تتابع الطلبات إلى أن تصل غلى ضجة هائلة..”

لواحط: بس..بس..هيه إيه؟ فتة؟..إحنا مش سمعنا الحاجات دي ألف مرة؟..إنتو إيه ما زهقتوش؟ مش يمكن يكون عنده حاجة أحسن؟..انت يا معلم زعيط..

زعيط: يا عيون المعلم زعيط!

لواحظ: إنت..تحب تسمعنا إيه؟

زعيط: إنت تحيبي تسمعي إيه؟

معيط: لازم قيس وليلى..!

لواحظ: لأ..عارفها..وكمان مابحبهاش!

معيط: ليه..؟ دي مليانه حب..حد ما يحبش الحب؟

لواحظ: أصلهم زودوها حبتين..

معيط: وماله؟ مش احسن ماينقصوها حبيتين؟

لواحظ: وكمان فيها شعر..وانا ماليش تُقل عليه!

معيط: والله ولا أنا..غيرش بس الشغل..لزوم الشغل..

لواحظ: ما فيش عندك حاجة جديدة كده..طازه؟

زعيط: زي إيه؟

لواحظ: حاجة غير الحاجات اللي بسمعها في الموالد كل سنة..

زعيط: عندي!

لواحظ: عنك إيه؟

زعيط: حكايه ليها العجب..

لواحظ: طب ما تحكيها لنا!

زعيط: ياريت اقدر..

لواحظ: وما تقدرش  ليه؟

زعيط: أبدا..أصلها..أصلها طويله حبتين!

لواحظ: وماله..إحنا ورانا إيه؟..الليل طويل..والسهر فيه يحلى..ومولد كل سنة وانت طيب..واسه قدامنا ليلتين على الليلة الكبيرة!

زعيط: يلا يا معيط..أنصب نصبتك!

“معيط يضع على الأرض كردونا من الحبال والأعمدة الصغيرة!

لواحظ: إيه؟ هاتشخصوا..ع الأرض؟

زعيط: نعمل إيه..ما فيش دكك!

“لواحظ تسرع إلى حيث كانت ترقص”..تعالوا معايا يارجاله..شيلوا الدكك دي ودوها عند المعلم زعيط..وانت خد الكلوب ده..هاتوا الدكك هنا..”الرجال ينصبون الدكك جنبًا إلى جنب ويضعون الكلوب على السارية الكبيرة” هيه..تعجبك النصبة دي يا معلم زعيط؟

زعيط: دي حاجة ألسطه تمام!

لواحظ: يلا يا معلم مزجنا..مزج الرجالة..سقفة يا رجالة للمعلم زعيط..

“تصفيق”..وكمان صقفه لصبي المعلم..معيط..”تصفيق” بالمناسبة يا معلم!

زعيط:عيون المعلم!

لواحظ: فين تالتكم؟

زعيط: تالتنا مين؟

لواحظ: نطاط الحيط!

زعيط: آه..أنهي واحد فيهم؟!

لواحظ: هو فيه كام نطاط حيط؟

زعيط: ما تعديش..تلاقيهم بالميات في كل مولد..والواحد فيهم زي القط تيجي سيرته  يجي ينط..وكمان بسبع ترواح..هاتشوفي منهم كتير الليلة..كتيبة خرسا ما تنطقش إلا لما نناديها..هي الكورس ده كله..

لواحظ: الإيه؟!

زعيط: الكورس..يعني البطانة..والمولد كله هو الفرقة بتاعتنا..إحنا كده..نطب المولد..الناس يتلموا عشان يتفرجوا علينا..ويادوب نبتدي..ينقلبوا كلهم مشخصاتية زي ما يكونوا متلصمين..ونلاقي روحنا كلنا بنشخص..أمال مين اللي بيتفرج؟..ما حدش عارف..!..إنتي إنتي نفسك..ها تشخصي معانا الليلادي من غير ما تحسي!

لواحظ: أنا؟..أنا عمري ما شخصت!

زعيط: متهيأ لك!..ما هي كلها تهيؤات!..إنتي وانتي بترقصي..بتتفرجي على روحك؟!

لواحظ: طبعا لأ!

زعيط: وده شرحه..طول عمرك بتشخصي لكن عمرك ما تفرجتي على روحك..

لواحظ: بس الرقص حاجة..والتشخيص حاجة تانية!

زعيط: أبدا وحق من قال:” ما غرك بربك الكريم..الذي خلقك فسواك فعدلك..في أي صورة ما شاء ركبك.”..

لواحظ: يبقى احنا بنشخص ولا بنتفرج؟!

زعيط: لحد دلوقتي ما نعرفش..إنما..الأيام دول!..اللي بيتفرجوا علينا النهاردة..بكره..ها نتفرج عليهم..الرقص..الرقص زي التشخيص على أنواع..

لواحظ: منك نستفيد!

زعيط: فيه ناس بترقص فوق، وناس بترقص تحت..وناس بترقص ع السلم..لا اللي فوق شافوهم..ولا اللي تحت شافوهم..مش كده ولا إيه؟!

لواحظ: انا أفهم بس في الرقص البلدي..

زعيط: هو ده الرقص اللي على أصوله!..اللي تعرف ترقص بلدي..تعرف ترقص تركي..وفرنساوي..وانجليزي..وامريكاني..وأول الرقص حنجلة..

لواحظ: وانت..بتعرف ترقص؟

زعيط: قوي..بس ع السلم!

لواحظ: لا اللي فوق يشوفوك..

زعيط: من بقك لباب السما..

لواحظ: ولا اللي تحت..

زعيط: اللي تحت دول بقى..فيهم قولان!

لواحظ: يعني إيه؟

زعيط: يعني ولاد الحرام كتير..

لواحظ: ولاد الحرام ما خلوش لولاد الحلال حاجة..

لواحظ: يبقى لازم ولاد الحلال..يرقصوا ع السلم!

زعيط: ابتدي الشغل يا معيط!

معيط: وجب يا معلم!

“إظلام تام..”

كورس هادر يغني أغنية:

يا محني ديل العصفوره

حنيها بالدم الغالي

وجيوشنا هي المنصورة

ورايتنا دايما في العالي..

“تخفت الأغنية تدريجيًا..وتظل في الباك..مع إضاءة تدريجية على منصة عالية يجلس عليها رئيس المحكمة التركي..”الذي هو منذ الآن لواحظ..”

وفوقها صورة ميزان عددالة..وصورة الخديو توفيق..وعلى يسارها ويمينها قاضيان أجنبيان..وأمامهم ملفات ضخمة..المدعي أمامه أيضًا ملفات ضخمة..القاعة ممتلئة بالحضور من ضباط ومدنيين وصحفيين وأهالي ودبلوماسيين وسيدات ارستقراطيات بنظارت مكبرة وبشوات وذوات بطرابيش عالية..وعلى مقعد في وسط القاعة يجلس المتهم أحمد عرابي!..رئيس المحكمة”لواحظ” تتكلم بلهجة مشوبة بالتركية لدرجة ملحوظة..ولكن بلا مبالغة كاريكاتيرية.إنه”إنها” تركي يحاول أن يتكلم العربية النظيفة لا المصري يحاول أن يقلد الأتراك..ضجة شديدة في القاعة..ثم تسمع دقات رئيس المحكمة:

الرئيس: المتهم أحمد عرابي!

عرابي: أفندم!

الرئيس: بعد انسحابك بالعساكر من اسكندرية لجهة كنج عثمان في أواخر شعبان..صدرت لك إرادة سنية..آدي صورتها”للعضو” إقرا من فضلك صورة الإرادة السنية..

العضو:”بتفاصح”..صورة الأمر الكريم..الصادر إلى أحمد عرابي..رقم 30 شعبان سنة..

“اعلموا أن ما حصل من ضرب المدافع من الأسطول الإنجليزي على طوابي الإسكندرية وتخريبها إنما كان السبب فيه استمرار الأعمال التي كانت جارية بالطوابي وتركيب المدافع التي لما يصير الاستفهام عنها يصير إخفاؤها وإنكارها..

كورس:

-إن كان اللي بيتكلم مجنون..

-يبقى المستمع عاقل..

-الأسطول الانجليزي ضرب طوابي اسكندرية..

-يا ترى ليه؟!

-لأن عرابي لما شاف الاسطول الانجليزي محاصر اسكندرية..أصدر الأوامر بإصلاح الطوابي وتركيب مدافع عليها..

-دفاع شرعي عن النفس..

-حلال ومشروع في كل قانون!

-ده منطق الحمل..الحمل العطشان..اللي بيشرب م القناية م المصب!

-لكن الديب..الديب اللي واقف عند المنبع..له منطق تاني..مبدأ تاني..رأي تاني..

-منطق الذئب..مبدأ الوحش..رأي القوى..

-لقد عكرت علي الماء..

-مش أنا..

-يبقى أبوك..

-مش أبويا..

-تبقى أمك..

-مش أمي..

-يبقى جدك..

-مش جدي..

-يبقى من عهد عاد وثمود..

-ولاَّ من عهد جد الجدود..

-آدم..

-وقايبل وهابيل..

-وحام وسام..

-وست وأوزوريس..

-وإيزيس.

-محمد..

-وعلي..

-والحسن..

-والحسين..

-والحسن أخو الحسين!

-وحسن ونعيمه..

-ويوحنا المعدان!

-والمسيح.. عيسى بن مريم..

-وأدهم الشرقاوي..

-وعبد الله النديم..

-وعرابي..

-والديب..يحب دم الغنم!

-والغنم..بتكره ناب الديب..

العضو: والآن قد حصلت المكالمة مع الاميرال الانجليزي فأفاد بأن ليس للدولة الإنجليزية مع الحكومة الإنجليزية أدنى خصومة ولا عداوة..

كورس: -يا عيب الشوم!

-حد يقول كده؟

-دول كانوا زي السمن ع العسل!

-فرق السمن م العسل..نون..

-ومش بس كده.

-الأميرال..الديب..أفاد كمان..بحاجات تانية..

العضو: وأن ما حصل إنما هو مقابلة ما كان من التهديد والتحقير للأسطول الإنجليزي..

كورس: يا حرام!

العضو: وأنه إذا كان لدى الحكومة الخديوية جيش منتظم وممتثل ومؤتمن..

كورس: زي الجيش الإنجليزي مثلا!

العضو: فهو..

كورس: يعني الديب..

العضو: مستعد لتسليم مدينة الإسكندرية إليه..

كورس: قوم م الشمس جاتك رزية..

-سيبني انت وبلاش الرزية!

-ما فيش كده..

-ومش بس كده!

أم العيال نازله البندر..

على العيال جاية تدور..

وفين؟..في مصر ام الدنيا..

دستة م العناوين..

عيالها.. !..مين؟ هاتوه عنهم؟!

والعدة فيها القرشين..

وشايله برضو الزوادة..

زي العادة..

مع إن الأولاد كبروا خلاص..

واتخرجوا م الجامعة خلاص..

وبقم بهوات..

هنا ينتهي النص للأسف بدون أن يكتمل، وكلنا أمل أن نجده لإكماله.

المحرر..

2 يوليو 2022.

وبالبحث في أوراق الأستاذ وجدت أنا وصديقي العزيز فريد نجيب أن “سكة أبي زيد” تمثل الجزء الأول أو الفصل الأول التمهيدي من مسرحية”البيرق الأبيض” وعليه فمشهد المحاكمة الذي توقف عنده الأستاذ في “سكة أبي زيد” هو  ذاته بداية “البيرق الأبيض”.

المحرر..،

12 يوليو 2022

***

مسرحية البيرق الأبيض

كوميديا

في ثلاثة فصول.

تأليف: نجيب سرور

تحقيق وتحرير محمد فرحات

“لا يكاد المرء يعرف أي الأمرين أسوء في البشاعة الناشئة من تصديق كل أمر ما، أو الاستخفاف النابع عن الشك في كل حقيقة”

برنارد شو.

“لسنا ضد النقد الذكي، ولكن أين هو؟!”

بريخت.

“ليس إبسن رجلًا، بل قلمّا!”

بورنسن

 

 

الفصل الأول

الهزيمة

1- لحظة الهزيمة.

2-لحظة العريضة لأداء الاعتذار.

3-اجتماع عرابي بالقاهرة، (قبل عريضة بطرس غالي).

4-عودة عرابي بعد (…) في حالة الجيش.

5-العريضة.

الفصل الثاني

1-في بيت الشيخ مصطفى البولاقي.

2-محاكمة عرابي!

3-في منية (…)

4-محاكمة علي فهمي.

5-في(…) القبلية.

6-محاكمة عبد العال حلمي.

7- جان.

8- محاكمة البارودي.

الفصل الثالث.

1-بعد موت الشيخ الهمشري.

2-رحلة الموالد!

3-..

**

الشخصيات حسب الظهور.

رئيس المحكمة

عضو المحكة

أحمد عرابي

عبد الله النديم

حسين

عبد العال حلمي

الشيخ الأزهري

علي فهمي

الشيخ الهمشري

محمود سامي البارودي

الشيخ محمد عبده

يعقوب سامي

جابر

 **

الفصل الأول

الافتتاحية الموسيقية:

“الأغنية التالية ترددها مجاميع كبيرة

يستحسن أن تكون من الأطفال..

يا محني ديل العصفورة

حنيها بالدم الغالي

وجيوشنا هيه المنصورة

ورايتنا دايمًا في العالي

يا محني ديل العصفورة

“الأغنية تخفت بالتدريج إلى أن تموت مع رفع الستار عن المشهد الأول”.

المشهد الأول

“في أقصى عمق المسرح، وعلى ارتفاع منصة محكمة تسقط دائرة ضيقة من الضوء الأصفر الباهت على وجه غير محدد الملامح؛ هو وجه رئيس المحكمة الذي يتكلم بلهجة مشوبة بالتركية لدرجة ملحوظة، ولكن بلا مبالغة، وبلا كاريكاتيرية، إنه تركي يجاول أن يتكلم العربية النظيفة، لا مصري يحاول أن يقلد الأتراك!

الأعضاء والمتهمون في هذا المشهد، وفي المشاهد التالية من المحاكمات، يبدون كأشباح ضائعة في الظلام!”.

“ضجة شديدة، ثم تسمع دقات رئيس المحكمة!”.

الرئيس: بعد انسحابكم بالعساكر من إسكندرية، وتوجهكم لجهة كنج عثمان في آواخر شعبان، صدر لكم إرادة سنية ها هي صورتها”للعضو” إقرأ صورة الإرادة السنية!

عضو: صورة الأمر الكريم الصادر إلى أحمد عرابي رقم 30، شعبان سنة 1299هـ :

“اعلموا أن ما حصل من ضرب المدافع من الدوننمة الإنجليزي على طوابي إسكندرية، وتخريبها إنما كان السبب فيه استمرار الأعمال التي كانت جارية بالطوابي وتركيب المدافع التي كلما يصير الاستفهام عنها، كان يصير إخفاؤها وإنكارها، والأن قد حصلت المكالمة مع الأميرال الإنجليزي، فأفاد بأن ليس للدولة الإنجليزية مع الحكومة الخديوية أدنى خصومة، ولا عداوة، وأن ما حصل إنما هو في مقابلة ما كان من التهديد والتحقير للدوننمة، وأنه إذا كان لدى الحكومة الخديوية جيش منتظم وممتثل ومؤتمن فهو مستعد لتسليم مدينة إسكندرية إليها، وكذلك إذا حضرت عساكر شاهانية، فالحكومة الإنجليزية تحترمهم، وتسلم إليهم المدينة! فقد تحقق من هذا أن الدولة الإنجليزية ليست محاربة مع الحكومة الخديوية، وأنه تقرر من كافة الدول المعظمة بأنه لايصير مس امتيازات الحكومة، ولا حريتها، ولا مس حقوق الدولة العلية، بل هي تبقى ثابتة لها كما كانت، لأجل استتباب الراحة بمصر. فلذلك يلزم أن تصرفوا النظر عن جمع العساكر، وعن كافة التجهيزات الحربية التي تجرونها، بوصول أمرنا هذا، وتحضروا حالًا إلى سراي رأس التين لأجل إعطاء التنبيهات المقتضية الشفاهية على حسب أمرنا هذا، وما استقر عليه رأي مجلس النظار”!

الرئيس: هل وصل إليكم هذا الأمر، وما تاريخ وصوله؟!

عرابي: وصل إلينا هذا الأمر، أما تاريخ الوصول فلا أذكره!

الرئيس: لماذا لم تنفذ أمر لحضرة الخديوي الصادر لكم بالصورة المتقدمة، وتوجهتم للأعتاب السنية بناء عليه كباقي النظار؟!

عرابي: إن الحرب التي حصلت لم يسبق لها مثيل، إذ هي خارجة عن حد القياس حيث أن الحرب المذكورة ما صار إجراؤها إلا بمقتضى قرار من مجلس مؤلف من النظار والذوات الاختيارية تحت رئاسة الحضرة الخديوية بحضور أعضاء الوفد العثماني، فكان إجراؤها على مقتضى الحق والقانون، ثم بعد خروج العساكر من إسكندرية، توجه الجناب الخديوي من سراي الرمل إلى داخل إسكندرية التي تركها أهلها والعساكر، فلما بلغنا ذلك الأمر تحقق أن انتقال جنابه العالي إلى إسكندرية مع حصول المناوشات الحربية بين مقدمات العساكر المصرية والعساكر الإنجليزية، إما أن يكون لأخذه أسيرًا، وإما لانحيازه إلى الطرف المحارب. فمن أجل ذلك كتبت لوكيل الجهادية بما حصل للمشاورة مع رجال الحكومة في هذا الأمر الذي لم يسبق له مثيل-وبناء على ذلك صار اجتماع عام من وكلاء الدواوين والمديرين والبرنسات والعلماء وشيخ الإسلام والقاضي والشيخ السادات والشيخ البكري وأعيان التجار والعمد، وتشاوروا فيما بينهم عن هذا الأمر الذي دهم البلاد، واستقر رأيهم جميعًا على إعطاء قرار بعدم سماع أوامر الحضرة الخديوية، وتوقيفها عن الأعمال حيث أنه توجه للطرف المحارب، وأعربوا عن ذلك تلغرافيًا للحضرة السلطانية، ومع ذلك لأجل الاحتياط والوقوف على الحقيقة أعربت للحضرة الخديوية تلفرافيًا عن طلب صورة الشروط المنعقد عليها الصلح حتى نتمكن من الحضور فلم يرد لي جواب بعدها!

الرئيس: بعد صدور الإرادة السنية التي تليت عليكم حررتم تلغرافيًا من طرفكم للمديريات رأسًا بالاستمرار على التجهيزات وجمع العساكر في المداومة على المحاربة، وعدم سماع أوامر تصدر من خلافكم وحررتم أيضًا في التاريخ المذكور لوكيل الجهادية بهذا المضمون، فيعلم من ذلك عدم التفاتكم لأوامر الخديو والإصرار على جمع العساكر والمحاربة قبل صدور قرار ممن ذكرتم عنهم!

عرابي: قد قلت أولًا إن هذه الحرب جرت على غير مثال، وإنه بعد خروج العساكر من إسكندرية وخروج أهلها منها توجه الجناب الخديو إلى إسكندرية التي تبوأها الجيش المحارب للبلاد، خلافًا للقاعدة القانونية والشريعة الإسلامية، إذ أنه كان الذي يلزم حضور جنابه العالي إلى مصر عاصمة البلاد، وهناك يصير تجييش الجيوش للحرب أو المخابرة في الصلح ومع صدور الأمر في هذه الحالة لا يمكن لأي رئيس جيش العمل به إلا بعد تحقيقه، فربما يكون مرسولًا من الطرف المحارب عن لسانه أو يكون مقهورًا عليه إذ الحرب خدعة كما هو معلوم ومن أجل ذلك حررت لجنابه الرفيع بإرسال صورة المصالحة حتى يمكنني التوجه إلى إسكندرية، وقد كتبت للمديريات بسرعة إرسال أنفار العملية لعمل الاستحكام واستمرار التجهيزات الحربية. وفي يوم ورود الأمر المذكور كانت المناوشة حاصلة بين مقدمات الجيش إلى الغروب فلو كان هناك صلح حقيقة لما كانت حصلت مناوشة من مقدمات الجيش، وأي رئيس من أي ديانة كانت، وفي أي بلاد كانت مترئس على جيش مدافع عن بلاده، لا يمكنه أن يجري خلاف ما أجريته في حالة وجود حاكم البلاد بطرف الجيش المحارب لها.

الرئيس: ما هي المناوشة، أوضح لنا معناها، هل كان حصل ضرب نار من مقدمات الجيش أم كيف؟!

عرابي: نعم كان حصل مناوشة بضرب النار جهة كوبري حجر التواتية الكائن على المحمودية!

الرئيس: كان ضرب النار من طرفكم أم من طرف الإنجليز!

عرابي: من الطرفين!

الرئيس: لما لم تنقادوا للإرادة السنية السابق تلاوتها عليكم، وداومتم على المحاربة، صار عزلكم من طرف الحضرة الخديوية وجرى إعلانكم بذلك، فلماذا لم تمتثلوا لهذا الأمر أيضًا، ومنعتم أهالي إسكندرية الذين كانوا خرجوا منها إلى جملة جهات من العودة إلى وطنهم؟!

عربي: تقدم قلتُ بجوابي إني حررت للحضرة الخديوية بطلب صورة من المصالحة للوقوف على الحقيقة، وما كنت أجاب، وهذا لا يعد عدم امتثال، بل هو بحث عن الحقيقة، ولما ورد أمر العزل تذكرت أنه من قبيل ذلك الأمر الأول، حيث أن الخديوي موجود بطرف الجيش المحارب، ولم أقف على حقيقته كما تقدم الذكر، فأرسلته إلى وكيل الجهادية للنظر فيه بالمجلس وإفادتنا بما يستقر عليه الرأي، وأنه لم يحصل ورود أحد من أهل الأسكندرية عائد إليها حتى كان يصير منعه بل الكل كان مهاجرًا إلى بلاد الأرياف مع غاية الازدحام!

الرئيس: لما حصلت مقتلة 11 جونيو سنة 1882، وتعين قومسيون لتحقيقها باسكندرية، وكان من أعضائه وكيل الجهادية، فبدلًا من التنبيه عليه بالتمسك بالعدل والإنصاف وعدم الميل لأي طرف كان نبهتم وأكدتم عليه بأن يجتهد في إبعاد التهمة والشبهة بقدر الإمكان عن الأهالي والعساكر مع معلوميتكم ومعلومية الجميع أن عساكر المستحفظين بإسكندرية كان لهم مدخل كبير في هذه المقتلة، فمن تنبيهاتكم بهذه الكيفية لوكيلكم أعني وكيل الجهادية يعلم أن وقوع هذه الحادثة إما أن يكون بأمركم أو تعليماتكم!

عرابي: هذه العبارة مختلقة لا أصل لها وإن وكيل الجهادية ليس محتاجًا لتعليماتي، ولا يمكنه أن يساعد على غي الحق مهما كانت الحالة، وعلم ما حصل مني من التبيهات والتأكيدات علم اليقين أني اجتهد كل الاجتهاد في حفظ الأرواح والأعراض والأموال حتى لا تسقط شعرة واحدة من رأس أي إنسان كان حرصًا على عدم تسويد صحيفة تاريخ المصريين، والحق أنه لم يتنبه منا على وكيل الجهادية بشئ أبدًا..

الرئيس: قلت إنك لم تعط تنبيهات لوكيل الجهادية في شأن هذه المسألة مع أنه موجود جواب منك إليه مشتملًا على ذلك، فسنتلوه عليك وقل لنا صدر منك أم لا..

عضو: “جهادية وكيلي سعادتلو أفندم، بعد السلام على سعادتكم تعلمون أهمية مركز سعادتكم الآن بالنسبة للجنة التحقيق فإنه لا يخفى أن أعضاء اللجنة ليسوا جميعًا ممن يهمهم شرف العسكرية والأمة وهذا يقضي بأحد الاحتياطات الكلية في سياق التحقيق وإظهار منشأ الحركة، فإن المتداول على ألسنة الخاص والعام هنا أن الفاعل لهذا الأمر رجل مالطي من تبعة الإنجليز تشاجر مع وطني، وضربه بسكين، وأن جماعة من الأروام اجتمعوا للدفاع عن الوطني. فتكاثر المالطية وبعض الأروام، وضربت عليهم النيران من الشبابيك وعظم الخطب، وأن الوطنيين الذين حضروا إنما كانوا يدافعون عن أنفسهم بالعصي، ولذلك لهجت الألسنة بأن بعض الأوروباويين انتهب بعض الدكاكين، ولم يكن للوطنيين يد في ذلك، فليكن اجتهادكم في الدفاع عن جانب الحكومة والأمة وإظهار الفاعل الأصلي من الأجانب، فقد قيل إن المالطي المتسبب كان قبل ذلك خادمًا في قنصلاتو الإنجليز، وهذه أمور نقدمها لتلاحظوها، ولا تقبلوا كل ما يقال في جانب الوطنيين والحكومة من غير تدقيق، وبحث طويل وتحقيق تعرفون صدقه وعدم تصنعه، ولا تميلوا بجانبكم لأحد من أعضاء اللجنة خشية أن يخدع سعادتكم أو يستميلكم لأمر ظاهرة الإصلاح وباطنه الفساد، واعلموا أن الحزم في الأمور يرشد لحسن العاقبة، وصدق العزيمة يوصل إلى المقصود، والعاقل من احترس من صديقه قبل عدوه،ورجل الحرب من لا تخدعه السياسيون، ولا أعمال المنافقين، والله يرشدنا وإيّاكم لما فيه حفظ العباد والبلاد، أفندم.

في 28 رجب سنة 99.

ناظر الجهادية والبحرية.”

عرابي: نعم صدر مني هذا الجواب الذي هو عبارة عن الأخذ بالحزم في إظهار الحقيقة، والعمل بالحق، وليس فيه ما يُنكر عليه!

الرئيس: لما حصلت الواقعة المذكورة طلب محافظ البلد مرارًا من الألايات الموجودة هناك إمداده، ولم يجيبوا في وقت الطلب حالًا حتى تمكن الأشقياء من قتل أناس كثيرين خصوصًا قتل جم غفير من الأوروباويين أمام الضبطية والمشاع في ذلك الوقت أن هذا من تداخل عساكر المستحفظين في القتل وحيث أنك كنت ناظر الجهادية في ذلك الوقت ولابد أنه بلغكم ما قيل في حق العساكر فإن كان لم يكن لكم مدخل في هذه الواقعة لماذا لم تتشبثوا في التحري والحصول على معرفة ضابطان الألايات اللذّين تأخرا في إجراء مأموريتهم وعساكر المستحفظين اللذين قيل إنهم اشتركوا في هذا الأمر بصرف النظر عن اللجنة التي تشكلت في ذلك الوقت من طرف الحكومة باسكندرية للنظر فيما حصل من الأهالي المتهمين في تلك الواقعة!

عرابي: المذكور في الجرائد الأجنبية نفسها أن عساكر الألايات أدت ما يجب عليهم من الغيرة والشرف في تدارك هذا الأمر وحفظ حالة البلد، وأما ما نُسب للضبطية وعساكر المستحفظين تلاحق لسؤلنا عنه إذ أن إدارتهم ليست تابعة لنظارة الجهادية!

الرئيس: منذ كان محمود باشا سامي رئيس مجلس النظار، وكنت أنت ناظر الجهادية، اجتمعتم ليلًا معه، ومع باقي الضباط من رتبة بكباشي فما فوق في قشلاق عابدين، ووضعتم مصحف على ترابيزة، ووضعتم أيديكم عليه، ولقنكم الشيخ محمد عبده يمينًا، فما هو هذا اليمين، وأسبابه، وما هو تاريخ حلفه؟

عرابي: هذه العبارة لا حقيقة لها، وإنما دائمًا في كل مجتمع كان يحصل التذاكر بالاتفاق على تحرير البلاد، وتحسين حالتها، والسعي في جلب المنافع إليها، ودفع المضار عنها، بواسطة تنسيق قوانين البلاد، وأبناؤها في أرغد عيش مثل الأمم المتمدنة في كافة أرجاء المسكونة من السعي في منع جميع الأسباب التي تخل بالراحة العمومية أو ينسب للبلاد ما يشين اسمها في تاريخ العالم بل يعتبر أهل البلاد جميعها، ومن فيها من الأجانب إخوة في الإنسانية لهم مالنا، وعليهم ما علينا، ولا يتعرض أحد لهم بسوء، تلك هي المجتمعات التي كانت تحصل، وليست في تاريخ مخصوص!

الرئيس: أنت تنكر حلف اليمين فإذا حضر الشيخ محمد عبده، وغيره ممن كان حاضرًا، وقال بحصول ذلك أمامك فماذا تقول؟!

عرابي: لم يحصل إنكار شئ. بل إن ما أوضحته بجوابي هو شامل لما كان يحصل في اجتماعاتنا.

الرئيس: حيث أنه صدر لك أمر من الحضرة الخديوية، ومن الحضرة السلطانية بإبطال التجهيزات بالطوابي، وزيادة وضع المدافع بها، فلماذا لم تمتثل لهذه الأوامر، واستمر العمل في التجهيزات، حتى أن جناب الأميرال سيمور لما شاهد وضع مدافع زيادة عما كان موجودًا طلب تنزيلها، ولإصراركم على عدم الإصغاء نشأ عن ذلك الضرب على طوابي إسكندرية.

عرابي: على حسب العادة السنوية كان جاري ترميم بعض طوابي اسكندرية، ولما ورد تلغراف من الحضرة السلطانية إلى الحضرة الخديوية بناء على تبليغات سفير إنكلترا بالأستانة بإبطال إنشاء وتجديد استحكامات إسكندرية، إذ يعد ذلك تهديدًا للمراكب الحربية الإنجليزية، وصدر أمر الحضرة الخديوية بذلك بنفس الحال، صار إبطال العمل. ولما تحقق بطلان العمل بالترميمات كُتب للأستانة بذلك من المعية، ولم يكن حصل إصرار وعدم سماع كما قيل، حتى وأن الطوابي الموضحة بإفادة جناب الأميرال سيمور بأنه جاري وضع مدافع بما قبل الضرب بيوم واحد لم يسبق وضع مدافع عليها منذ إنشائها في مدة المرحوم محمد علي باشا، ومن ضمن ذلك طابية صالح التي لم يكن بها شئ من الأسلحة الجديدة أبدًا، وطابية باب العرب، وطابية قايد بك التي هي على بعد زائد في وسط البحر!

الرئيس: لغاية أي ساعة استمر الضرب من المراكب على الطوابي في يوم 11 يوليو سنة 1882، وأين كنتم في اليوم المذكور؟!

عرابي: ضرب إسكندرية كان الساعة 12 عربي صباحًا، وعلى مقتضى قرار المجلس المشكل تحت رئاسة الحضرة الخديوية لم تصر مجاوبة المراكب من الطوابي إلا بعد إطلاق نحو الخمس عشر قذيفة، وبعدها حصلت المجاوبة من الطوابي، واستمر الضرب من الطرفين إلى الساعة العاشرة والنصف عربي من النهار، وفي أثناء ذلك كنت في طابية الدماس لارتفاعها، ومراقبة الجهات!

الرئيس: هل بقيت في الطابية المذكورة لغاية الساعة 10.30 حتى انتهى الضرب؟

عرابي: نعم!

الرئيس: في أي يوم رفع العلم الأبيض من الطوابي، هل في أول يوم الضرب أو في ثاني يوم؟

عرابي: في اليوم الثاني عند ابتداء الضرب!

الرئيس: في أي ساعة؟

عرابي: في الساعة الواحدة تقريبًا!

الرئيس: هل كان هذا بأمرك؟!

عرابي: رُفع البيرقُ الأبيض عند إطلاق المدافع من المراكب الإننجليزية، كان بناء على قرار من مجلس النظار وغيرهم من الذوات تحت رئاسة الحضرة الخديوية بحضور دولتو درويش باشا رئيس الوفد العثماني!

الرئيس: أين توجهتم في ثاني يوم صباحًا؟!

عرابي: حضر لي طلب من المعية في الساعة 2 تقريبًا فتوجهت من باب شرقي للرمل!

الرئيس: لأي شئ طلبت!

عرابي: طلبت لدى الحضرة الخديوية، وسئل مني عما إذا كان صار رفع البيارق البيضاء أولًا وعن الضرب الذي حصل من المراكب مجاوبته أنه صار رفع البيارق المذكورة واستمر الضرب من المراكب بعد رفعها من خمسة وعشرين إلى ثلاثين طلقة!

الرئيس: هل حقيقة بعد رفع الأعلام البيضاء أطلقت خمسة وعشرين طلقة من المراكب الإنجليزية كما قيل منكم؟!

عرابي: نعم، إنما لم يكن إطلاقها من مركب واحدة بالتوالي بل من مراكب متعددة في آن واحد.

الرئيس: ما هو الزمن الذي مكثتموه في الرمل؟

عرابي: بقينا بالرمل إلى الساعة 10 تقريبًا، حيث كان عقد مجلس تحت رئاسة الحضرة الخديوية عن طلبات جناب الأميرال سيمور بخصوص تسليم ثلاثة قلاع إلى العساكر الإنجليزية، لاتخاذها معسكرًا للجيش الإنجليزي، وتلك القلاع هي طابية العجمي وطابية المكس وطابية باب العرب. وكان أرسل لجنابه من أبلغه بأن الفرمان الهمايوني لا يرخص للحضرة الخديوية بذلك وأنه سيكتب للحضرة السلطانية عند تلك المقترحات!

الرئيس: من أجوبتك السابقة علم أنك حضرت من الرمل في الساعة 10 إلى باب شرقي، وذكرت أن العساكر كانوا وقتها مزدحمين وخارجين من باب شرقي فهل ترك العساكر محلاتهم وخروجهم من البلد كان بأمرك أو بأمر من؟!

عرابي: من أجوبتي المتقدمة يعلم أنه بحضوري من الرمل، وجدت العساكر خارجين من إسكندرية إلى جهة وابور المياه، وأنه بحضوري إلى باب شرقي كنت أمنع العساكر بنفسي عن الخروج، ومن ذلك يعلم أن العساكر تركوا اسكندرية بصورة هزيمة، وفي الحقيقة أن قشلاق “رأس التين” هدمت في محال كثيرة منه، وجميع الطوابي أيضًا، ولم يمكن تجمع العساكر إلا بعد المحاربة بأربعة أيام كما هو معلوم صعوبة تجمع العساكر بعد انهزامهم حتى وإن بعضهم توجه إلى بلاده رأسًا!

الرئيس: قلت إن خروج العساكر من إسكندرية كان بصورة هزيمة، والهزيمة كانت في أول يوم من المحاربة لا في ثاني يوم، فلو كان ما قلته حقيقيًا لحصل خروجهم في يوم الثلاثاء لا في يوم الأربعاء.

عرابي: في يوم الثلاثاء لم يحصل هزيمة أبدًا، والعساكر كانوا ثابتين في محلاتهم، وأما في ثاني يوم بعد الضرب على إسكندرية، وعدم قبول ما أرسل به إلى الأمير الإنكليزي، ووجود جملة مراكب توجهت إلى جهة برج السلسة بقصد الضرب على جهة باب شرقي، وبعد ضرب عدة طلقات جهة البلد خرجوا العساكر منهزمين وبحضورنا من الرمل كما تقدم وجدنا الحالة كما أوضحنا عنها، هذه هي الحقيقة!

الرئيس: العساكر خرجوا إذن من تلقاء أنفسهم من من غير أوامر منكم؟

عرابي: نعم لأن المنهزم لا يحتاج لاستئذان، وقلت إنه لم يمكن جمعهم إلا بعد أربعة أيام!

الرئيس: في وقت وجودك في باب شرقي، ومنعك العساكر من الخروج ألم تر معهم منهوبات، وألم يبلغك أنهم كسروا الدكاكين، ونهبوا البلد؟!

عرابي: المدة التي وجدت فيها في باب شرقي كانت لا تزيد عن نصف ساعة، وكنت مشغولًا بجمع العساكر ومنعهم عن الخروج، وفي أثناء ذلك شاهدت كثيرًا من العربان خارجين من باب شرقي حاملين أمتعة تظهر أنها مأخوذة من دكاكين ووجدت أقمشة مع بعض من أسافل 6 جي ألاي مضار استحضار حكمدار الألاي سليمان سامي وأمرته بجمع الأقمشة الموجودة مع بعض العساكر، وحفظها بقصد إيصالها إلى المحافظة وحيث أنه لم يمكن منع العساكر من الخروج لم أدر ماذا صار في تلك الأقمشة!

الرئيس: ألم يبغلك في ذلك الوقت أنه جاري حرق إسكندرية بمعرفة العساكر؟!

عرابي: كان بلغني أن سليمان سامي حكمدار ألاي بعساكره جهة المنشية عازم المنشية عازم على حرق البلد، فأرسلت إليه بحضوره.

الرئيس: ماذا أجريتم معه لما حضر؟!

عرابي: سألته عما نُسب إليه من عزمه على حرق إسكندرية، فأنكر ذلك كلية، وقال إنه كان موجودًا مع العساكر لمنع خروج عساكر بحرية إنجليزية للبر من جهة الترسانة، ولكن بعض العساكر الذين كانوا داخل البلد بين الألاي المذكور كان معهم بعض أقمشة كما تقدم.

الرئيس: بماذا اشتغلت في الساعة 11 لغاية الغروب من ذلك اليوم؟

عرابي: في أثناء تجمع العساكر تجمع منهم نحو الأف نفس تقريبًا من 4 جي آلاي حكمدارية عيد بك، والآلاي حكمدارية سليمان بك. وحضرت المراكب جهة برج السلسلة التي يمكنها من هذا المكان الضرب على قشلاق باب شرقي بأكمله، ويمكنها قطع خط الرجعة أيضًا، ولم يمكن توقيف حركة العساكر، فتوجهت خلف العساكر المنهزمين كي أصل إلى مقدمتهم، واتخذ لهم موقفًا مناسبًا لتجمعهم، وأسرعت في السير حتى وصلت إلى كوبري حجر النواتية الكائن على المحمودية وكان وصولي إلى هناك الساعة 12 ليلًا.

الرئيس: ألم يبلغك أن سليمان سامي بعساكره حرقوا إسكندرية؟

عرابي: سبق الإجابة عن ذلك!

الرئيس: إجابتكم السابقة كانت عن بلاغكم عزم سليمان سامي على حرق البلد، والآن هذا السؤال هو لمعرفة إذا كان بلغك أن سليمان سامي وعساكره حرقوا البلد بالفعل أم لا!

عرابي: لم يبلغني أن سليمان سامي هو الحارق للإسكندرية حقيقة.

الرئيس: حرق إسكندرية لا ينكر، فمن حرقها؟!

عرابي: محافظ البلد وضبطيتها يعلمان حقيقة الحرق، وإني كنت أظن أن حرقها أن حرقها ناشئ عن مقذوفات المراكب، كما حصل سراي رأس التين وغير ذلك لم يبلغني شئ.

الرئيس: قيل في جوابك إنك كنت تظن، والآن فمن هو الذي حرق البلد على حسب ظنك؟!

عرابي: كنت أظن ولا أزال أظن ذلك حيث لا أعلم الحقيقة لأني ما كنت بداخل البلد.

الرئيس: صدر لكم تلغراف عن دولتو سعيد باشا رئيس مجلس النظار، وخارجية الأستانة وصدر الأمر الهمايوني بتفهيمكم ما هو آت وهو”للعصاة” اقرأ الأمر الهاميوني:

العضو: “إن سوء فعلكم قد أوجب هيجان الملة المصرية، وأوجب تكدير خواطر كافة دول أوروبا، وخصوصًا دولتنا العلية وأشغال كافة الوزراء والسياسين، وليته فعلًا حسنًا تتبادل فيه الأفكار لثروة مصر ورفاهيتها، لكن من سوء الحظ سبب نتيجة الدوار والخراب لغايتكم الشخصية، هذا وحيث أنكم معزولون من تاريخ 4 رمضان سنة 99، بأمر الحضرة الخديوية الفخيمة، وقد وقع لدينا هذا العزل موقع الاستحسان والقبول، فمخالفتكم حينئذٍ لهذا الأمر وباقي ما يصدر لكم عن الأوامر الخديوية، وإقدامكم على سوء الفعل الموجب لدمار البلاد وتلف العباد مما قيد الأفكار السامية عصيانكم وخروجكم عن طاعة الله ورسوله وخليفته في أرضه ومن كان هذا الأمر فعله فسيرى هو ومن تبعه سوء عاقبته وغاية مستقبله.”.

الرئيس: هل صدر لكم هذا ووصلكم؟
عرابي: لم يصلني.

الرئيس: هل لم تكتب لرئيس نظار وناظر خارجية الأستانة المشار إليه؟!

عرابي: كتبتُ للباب الهمايوني!

الرئيس: بأي مضمون؟!

عرابي: بمضمون ما حصل باسكنرية من الحرب، وخروج العساكر، وتجمعها بجهة كفر الدوار، وتوجه الحضرة الخديوية إلى اسكنرية عقب إخلائها من العساكر.

الرئيس: ألم تطلب فيما كتبته عزل الجناب الخديوي؟

عرابي: لا.

الرئيس: تذكر جيدًا..

عرابي: لا أذكر!

الرئيس: الحال أنه وجد ثلاثة تلغرافات محررة منكم إلى بسيم بك من قرناء الحضرة السلطانية خلاف ما يوجد من التلغرافات المماثلة لذلك فيما بعد الثلاثة تلغرافات المذكورة يتضمن القدح والذم في حق الحضرة الخديوية، وتبهته بأمور غير حقيقية وتهمة عساكر دولة الإنكليز أيضًا بما لا يقع منهم مثل القتل والفتك بالأهالي وما أشبه من هذه الأقوال كما في الصور المحررة أدناه..

العضو: صورة تلغراف تاريخه غرة رمضان سنة 1299 هـ ورد فيها:”فهذه الأسباب تعتبر هذه المحاربة واجبة بوجه الحق والشرع حيث أنها صادرة من الإنجليز ظلمًا وعدوانًا، وإن العساكر المصرية الشاهانية ثبتت في مراكزها وبذلت غاية جهدها مدة الحرب التي استمرت نحو عشر ساعات ونصف إلى تخربت الاستحكامات بمدينة اسكندرية هدمًا وحرقًا من مقذوفات السفن ذات المواد الالتهابية، ثم تأخر الجيش خارج المدينة في موقع يصلح للقتال برًا، وفي حال القيام من المدينة دخل إليها الخديوي بحرمه وبرفقته دولتو درويش باشا، وأنزل حرمه في البحر، وأظهر انحيازه للإنجليز، وترتب الحرس عليه وعلى القرة قولات من عساكر الإنجليز، واتخذ المصريين والجيش الشاهاني أعداء له، وأرسل رسله إلى المهاجرين، ينادونهم بالصلح، ويحثونهم على العود إلى المدينة، وبعد أن دخل بعضهم، قام عليهم عساكر الإنجليز يقتلون، ويبطشون بهم وبالعساكر المصرية الشاهانية الذين كانوا خطرًا عليه، ثم صدرت أوامره إلى المديريات بحصول الصلح، وترك جمع العساكر، والتجهيزات الحربية، فكان أمره كأمر باي تونس سواء بسواء، وقد تحقق ماكنا عرضناه على الحضرة الفخيمة السلطانية، فنرجو عرض ذلك إلى أعتاب حضرة أمير المؤمنين، أعزه الله.”.

الرئيس: فهل يجوز لك الدخول في الأمور السياسية والكتابة للحضرة السلطانية، بأشياء مماثلة لذلك؟

عرابي: ما كان ذلك إلا وقت حضور العساكر إلى كفر الدوار، وبعد تقرير المجلس العام بمصر عن لزوم توقيف الخديوي، وعدم سماع ما يصدر من جنابه الرفيع عن الأوامر بمناسبة بقائه بطرف الجيش المحارب، وما كان ذلك إلا لكون البلاد تابعة للسلطة العثمانية، وأصبح حاكمها مع الجيش المحارب لها!

الرئيس: من ضمن التلغرافات الشفرية التي حررتموها للسيد قنديل مأمور منطقة إسكندرية حررتم له تلغراف قبل المقتلة التي صدرت باسكندرية في يوم 11 يوليو سنة 1982، ببضعة أيام تقول له فيه أن يتحد مع سليمان سامي ومصطفى بك عبد الرحيم في إجراء ما نبهتهم عليه به، فهل تتذكر هذا التلفراف، وما هي التنبيهات التي كنت أجريت التنبيه بها على مأمور الضبطية المذكور؟!

عربي: لست متذكرًا ذلك!

الرئيس: ألم يبلغك أن عبد الله النديم كان يتوجه إلى إسكندرية قبل الواقعة المذكورة، ويجتمع مع الشبان، ويلقي عليهم خطبًا مهيجة، حتى أن محافظ إسكندرية أراد أن يخرجه من البلد، ويمنعه من ذلك، ولانتساب النديم ومأمور الضبطية إليكم لم يحصل منعه ولا إخراجه؟!

عرابي: فضلًا عن عدم إبلاغي ذلك فإن عبد الله النديم المقول عنه ليس هو منسوب إليّ، ولا تحت إرادتي، ولا أنا مسؤول عنه، كما أن مأمور الضبطية بإسكندرية كذلك!

الرئيس: معلوم للعموم أن عبد الله نديم كان محرر جرنال الطايف الذي جمع عباراته من منذ نشره، وهي مشتملة على تهييج الأفكار، ومحتويه على الأكاذيب، وصدور الجرنال المذكور معكم في مدة العصيان، ولا بد أن ما حرره في تلك الجريدة كان يجري اطلاعك عليه يوميًا فإن كان الشخص المذكور ليس منسوبًا ومنتميًّا لك فكيف كان يمكنه الإقامة معك بالمعسكر والتجاسر على تحرير الجريدة المذكورة التي فضلًا عمّا كانت تحتويه من التهييج والأكاذيب كما ذكر فإنها مشحونة أيضًا بالطعن في حق الذات الخديوية ودولة الإنكليز الفخيمة وما يماثل ذلك!

عرابي: إن جرنال الطايف جارٍ طبعه ونشره في الحكومة من مدة زمانية، ولم يصل قفله في تلك المدد، أما عن إقامة محررة بالجيش أثناء المحاربة فليس لي حق في منعه،إذ أنه لو أتى أي محرر لأي الجرانيل المحلية أو الأجنبية، فلا حق لي في منعه أيضًا كما جرت بذلك عادة المحررات، وأما إطلاعي على ما هو محرر بالجرنال المذكور يومي فإنه لكثرة أشغالي الدفاعية تمنعني من الإطلاع على الجرانيل بل كانت تمنعني عمّا هو أهم منها.

الرئيس: قبولك لهذا الشخص وإقامته معك بالمعسكر يُستدل منه أن ماتوقع من المذكور من تهييج الأفكار عند الأوروباويين باسكندرية كما هو معلوم للجميع، ونشأ عن ذلك مقتلة 11 يونيو سنة 1882، هو كان بتعليماتك للمذكور واتحادك معه، ولولا ذلك ما كان ينتمى إليكم وتحميه بالإقامة بطرفك حتى يتجاسر على تحرير جريدة مماثلة لتلك، والآن لما علم بالقبض عليك وسجنك قد اختفى عن البصر بالكلية، وهذا أعظم دليل على انتمائه إليك!

عرابي: توضح بجوابي المتقدم بشأن المذكور بما فيه الكفاية، ولا مناسبة لسؤالي عن أعمال شخص آخر لمجرد وجوده بالجيش أثناء الحرب!

الرئيس: ألم يبلغك أيضًا توجه حسن موسى العقاد إلى إسكندرية قبل واقعة 11 يونيو 1882 واشتراكه مع النديم في التهييج الأفكار؟!

عرابي: لم يبلغني ذلك!

الرئيس: إذا كان حسن موسى العقاد المذكور ليس منسوبًا لك أيضًا مثل نديم، فلماذا اختفى هو كذلك بعد أن صار سجنك، ما دام أنه ليس من الجيش، ولا كان موجودًا في المحاربات؟

عرابي: يؤخذ من هذا السؤال أني أسأل عن كل من غاب ولم يوجد مع أني لست بمأمور عليهم.

الرئيس: ألم يبلغك أنه كان جاريًا تختيم عرضحال بواسطة  بواسطة حسن العقاد بطلب عزل الخديوي، وتنصيب حليم باشا؟!

عرابي: لم يبلغني ذلك!

الرئيس: ألم يبلغك البياننامه الصادرة من الحضرة السلطانية في حقك، بأنك من العصاة بسبب ما فعلته؟!

عرابي: لم يبلغني.

الرئيس: بعد هزيمتك بالتل الكبير، ورجوعك إلى المحروسة حررت عريضة إلى الحضرة الخديوية، وأرسلتها مع رؤوف باشا وبطرس باشا وعلي الروبي بطلب العفو من لدن الحضرة الخديوية، وأنك مطيع ومنقاد لأوامرها العلية وبعد سفرهم ابتدأت ثانيًا باتخاذ خطوط نار بالعباسية، وطلبت فرغلي باشا وأمرته بذلك، هل يصح أنه بعد العرض بالطاعة يحصل العصيان؟!

عرابي: التنبيه على فرغلي باشا، باسكتشاف خط تحفظي على مصر كان قبل تحرير العريضة، وتوجه رؤوف باشا، ومن معه، ولما رؤي عدم اللزوم صرف النظر وتحررت تلك العريضة!

الرئيس: يعاد أحمد عرابي إلى السجن!

العضو: يعاد أحمد عرابي إلى السجن!

“إظلام تام”.

**

المشهد الثاني

-على مشارف إحدى القري المصرية.

-الوقت قبيل الغروب.

-يدخل شيخ طويل اللحية والشعر، محفي الشارب يرتدي ثوبًا من الصوف الأحمر، المعروف بالزعبوط وعمامة حمراء مثل مشايخ الطريقة الأحمدية، ويغطي عينيه بمنديل ويتوكأ على عكاز طويل، الشيخ هو عبد الله النديم، يأخذ بيده خادمه الصبي حسين.

-يراعى تمرير مجموعات من الفلاحين العائدين من الحقول بين لحظة وآخرى طوال المشهد، وذلك في أقصى خلفية المسرح. ويمكن أيضًا تمرير مجموعات من الأسرى المصريين منكسي الرؤوس يسوقهم الجنود البريطانيون.

النديم:هي دي منية الغرقى!

حسين: والله يا خوفي لانغرق فيها!

النديم: اللي يتعلم العوم عمره ما يغرق!

حسين: وأنا طول عمري أغرق في شبر ميه، عايزني أعوم في منية الغرقى؟!

النديم: أنا ها علمك العوم، بس تسمع كلامي كويس، وتعمل اللي أقولك عليه بالظبط، وانت تعدي البحر زي الشاطر ولا تنبلش!

حسين: لأ وانت الصادق، زي العجل ف بطن أمه!

النديم: لأ..زي الشاطر!

حسين: يعني اللي زي كده ممكن يكون شاطر؟!

النديم: وأنت هاتبقى أشطر من علي الزيبق!

حسين: علي الزبيق، علي الزيبق؟!

النديم: أمال!

حسين: المصري؟

النديم: المصري!

حسين: والله ما انا مصدق!

النديم: ليه؟!

حسين” علي الزيبق كان لاقي امه، كانت بتجيبه من أي زنقه يقع فيها، إنما أنا؟ أنا فين وامي فين، هي تعرف لي طريق جره، طب تلحقني ازاي، وفين، هو احنا بنكن ف حته، وانت ساحبني وراك زي سيدنا الخضر من بلاد الله لخلق الله!

النديم: اتجدعن امال وخليك راجل، عيب تبقى فحل كده ولسه عاوز تقعد جنب أمك زي اللي ما اتفطمش، وع العموم بكره ترجع لأمك بالسلامة!

حسين: بكره بكره؟!

النديم: إن شاء الله!..المهم..فاكر اللي قلتولك؟!

حسين: طبعًا فاكره!

النديم: فاكره كويس؟!

حسين: طبعًا كويس!

النديم: طب أنا مين؟

حسين: طبعًا انت سيدي!

النديم: سيدك مين؟!

حسين: طبعًا سيدي عبد الله النديم.

النديم: (صاخًا) لأ يا لوح!

حسين: لوح؟!

النديم(يخفض صوته) لأ يا حسين، قصدي لأ ياهباب!

حسين: هباب؟!

النديم: قصدي لأ يا صالح! لا حول ولا قوة إلا بالله، يا ابني لأ أنا في عرض النبي لأ، أنا عرضك لأ، افتكر كويس، أنا قلت إيه؟!

حسين: قلت يا لوح!

النديم: وإيه تاني؟!

حسين: وقلت لي يا هباب!

النديم: يا ابني قلت لك إيه تاني؟!

حسين: ها تقول إيه أكتر م اللي قلته؟!

حسين: ها تقول إيه أكتر م اللي قلته؟!

النديم: يا ابني أنا مش قلت لك إنك من هنا ورايح اسمك صالح مش حسين؟!

حسين: حصل!

النديم: وإني من هنا ورايح اسمي عبد الله الأحمدي مش عبد الله النديم؟!

حسين: حصل!

النديم: طب اعمل معروف ما تنساش تاني لتودينا ف داهية.

حسين: ما انساش إيه؟!

النديم: ما تنساش إن عبد الله النديم خلاص..مات!

حسين” (جزعًا) سيدي عبد الله النديم مات؟!

النديم: وشبع موت!

حسين:(منفجرًا بالبكاء فجأة) آه يا سيدي..يا حبيبي يا سيدي..يا خسارة يا سيدي..يا جملي..يا سبعي..يا سندي..

النديم:  الله..الله إنت بتعيط ليه دلوقتي؟!

حسين: (مستمرًا) وانت مالك، أنا باعيط على سيدي، ياللي ماكانش ليّ غيرك يا سيدي!

النديم: يا ابني ما انا قدامك أهوه!

حسين:(مستمرً) لأ، إنت سيدي عبد الله الأحمدي، إنما أنا باعيط على سيدي عبد الله النديم، آه يا سيدي، ياللي العيبة عمرها ما طلعت من بقك يا سيدي.

النديم: يا واد بطّل عياط ها تفضحنا!

حسين: يا للي عمرك ما قلت لي يا لوح يا سيدي!

النديم: يا هباب بطل عياط!

 

حسين: ولا عمرك قلت لي يا هباب ياسيدي!

النديم: يا صالح بطل عياط!

حسين: ياللي عمرك تقوللي يا حسين يا سيدي! عوضي على الله فيك يا سيدي عبد الله يا نديم، الله يرحمك يا سيدي عبد الله يا نديم!

النيدم: يا ابني ما انا عبد الله النديم!

حسين: انت سيدي عبد الله النديم!

النديم: أمال خياله؟!

حسين: يعني ما متش!؟

النديم: مت وما متش!

حسين: (معاودًا الصراخ) لأه، لأه، ما هو يا مت، يا مامتش، اختارلك خيره!

النديم: مت، كده وكده!

حسين:(صارخًا) لأه، لأه، ماحدش بيموت كده وكده، يا مت بحق وحقيق، يا مامتش، اختارلك خيره!

النديم: ياريت كان بإيدي اختار!

حسين: لأه، اختارلك واحده م الاتنين، عايش ولا ميت؟!

النديم: (كأنما “يحدث” نفسه) والله يا حسين ما اعرف أنا عايش ولا ميت!

حسين: آه، يعني انا حسين مش صالح؟!

النديم: أيوه يا حسين!

حسين: وانت مولانا عبد الله النديم، مش عبد الله الأحمدي؟!

النديم: أيوه يا حسين، لكن لازم أقول لك يا صالح، ولازم تقول لي يا أحمدي، لازم نموت بالحيا، لازم نفضل كده متخفيين لحد ما يفرجها ربنا!

حسين: والاستغماية دي ها تطول؟!

النديم: الله أعلم، كل شئ بيد الله!

حسين: يعني ها تطول!

النديم: إنت عايز تسيبني يا حسين؟!

حسين: أنا يا سيدي؟ دا أنا معاك لطوكر!

النديم: أهو لو غلطت مرة قدام حد، وقلت إني عبد الله النديم ها نوصل طوكر في غمضة عين!

حسين: إزاي؟!

النديم: الحكومة عاملة جايزه ألف جنيه للي يجيب راس!

حسين: يعني إيه؟!

النديم: يعني يسلمني لها حيّ ولا ميت!

حسين: إخص عليها حكومة، ما عندهاش نظر، ألف جنيه بس! دا انت تتاقل بالفلوس، بقى راس مولانا عبد الله النديم، عبد الله النديم على سن ورمح، الراس اللي عامله زي الكشكول، الراس اللي مليانه من كله، من مجاميعه، اللي عامل زي جراب الحاوي، اللي فيها كافة شئ تطلبه ولا دكان العطار، الراس دي يا ناس بألف جنيه، ليه، هيه الدنيا جرى فيها إيه؟

النديم: أمال في نظرك تسوى كام؟!

حسين: راسك؟ والله ولا مال قارون!

النديم: يعني انت، ماترضاش تسلمني يا حسين؟!

حسين: أنا ياسيدي؟ الله يسامحك!

النديم: لكن فيه ناس كتير مستعدين يسلموها بأقل من كده، مستعدين حتى يسلموها ببلاش، هدية، هدية للخديوي والإنجليز!

حسين: طب ودول برضو يبقوا ناس؟!

النديم: عندك حق يا حسين!

حسين: ما قلت يا صالح!

حسين: أيوه والنبي يا مولانا يا عبد الله يا أحمدي! اعمل معروف خد بالك لتودينا في طوكر، المبلغ يروش والأندال كتير!

النديم: فعلًا يا صالح، الأندال كتير، الخنافس!

حسين:(صارخًا كمن لدغته أفعى) أمه! أمه!

النديم: إيه يا حسين مالك؟!

حسين: (صارخًا) ما قلنا يا صالح!

النديم: إيه يا صالح مالك؟!

حسين: هيه فين؟!

النديم: هيه إيه؟!

حسين: الخنافس!

النديم: خنافس إيه؟!

حسين: انت مش بتقول فيه خنافس؟!

النديم: أنا بقول الأندال خنافس!

حسين: آه، طب اعمل معروف ما تجيبش سيرة الخنافس تاني أحسن بكش!

النديم: إنت راخر بتكرها؟!

حسين: عمى، دا أنا أطيق التعابين ولا اطقيهاش، ساعة ما اشوف خنفسة شعري يقف ودمي ينشف واموت في جلدي!

النديم: أهي الخنافس هزمت عرابي يا صالح!

حسين: خنافس إيه؟! دا امي بتقول الولس، الولس هزم عرابي.

النديم: الولس ده اسمه خنفس، علي خنفس باشا، كان ظابط كبير في القيادة، وكان بيسلم خططنا أول بأول للخديوي الخنفس اللي كان بيسلمها أول بأول لسلطان با شا الخنفس، اللي كان بيسلمها أول بأول للانجليز! الانجليز عرفوا أسرار كلها وطبوا علينا بالليل غفلة، وعشان كده اتهزمنا في التل الكبير، يا ما قلت لعرابي، بس ما سمعش كلامي.

حسين: إنت قلت لعرابي؟!

النديم: بس ما سمعش كلامي!

حسين: عرابي شخصيًا؟!

النديم: طبعًا شخصيًا!

حسين: يعني انت قعدت مع عرابي كده، زي ما أنت قاعد معايا! وكلمته وكلمك، زي ما بنعمل دلوقتي؟!

النديم: كتير، كتير يا صالح!

حسين: وكنت تقول له يا عرابي، وهو بيقولك يا نديم؟!

النديم: كتير، كتير يا صالح!

حسين: كنتوا صحاب؟!

النديم: الروح بالروح!

حسين: يا بختك، هيه؟ وقلت له إيه؟!

النديم: مرة جيشنا اتقابل مع الجيش الإنجليزي، وكان علي خنفس على راس قوة كبيرة، كان أميرلاي، وبينا وبين النصر ما فيش، كان النصر زي الوردة بتقول اقطفوني، وفجأة، فجأة شفت خنفس بينسحب، بيرجع ويرجع عساكره، قلت لعرابي!

حسين:(بتأكيد) عرابي؟! عرابي شخصيًا؟!

النديم: الراجل ده خاين يا عرابي، وهو اللي خلي بالعساكر وهرب، يا إما تحاكمه قدام محكمة عسكرية، يا إما تبعده عن الجيش خالص!

حسين:(باهتمام شديد) هيه؟ وعمل إيه عرابي؟!

النديم: لا دي، ولا دي!

حسين: كان مآمن له؟!

النديم: لأ، كان خايف تحصل فركشة في الجيش!

حسين: فركشة إيه؟ والولس مش فركشة؟!

النديم: خنفس كان له أعوان كتير، خاف منه، وعشان كده اتهزمنا على إيده مرة واتنين وتلاته، وأخيرًا فين وفين لما صمم يحاكمه!

حسين: وحاكمه؟!

النديم: مالحقش!

حسين: ليه؟!

النديم: طبوا الانجليز على التل الكبير!

“يتناهي آذان المغرب من بعيد”

الشمس غطست، أنا هصلي المغرب واستناك هنا، تحت الجميزة دي، وانت تفضل ماشي ع الجسر ده على طول لحد ما توصل مكنة الطجين!

حسين: واعرفها ازاي دي؟!

النديم: شايف المدخنة اللي هناك دي؟!

حسين: شايفها، مالها؟!

النديم: أهي دي مكنة الطحين، توصل عندها تسأل فين دار الشيخ الأزهري، ها يدلوك عليها.

حسين: أسأل مين؟!

النديم: أي حد يقابلك!

حسين: وافرض ما حدش قابلني!

النديم: ضروري هايقابلك حد، المكنة لسه دايره، والرجل رايحه جايه، والفلاحين راجعين م الغيطان، اسأل أي حد!

حسين: طب افرض ما حدش دلني!

النديم: يا ابني الشيخ الأزهري راجل عالم، يعني مقامه كبير في البلد، وألف من يدلك عليه!

حسين: ياسيدي ما تفرض!

النديم: وافرض ليه؟!

حسين: ما انت عارف الأندال كتير!

النديم: (بنفاد صبر) يبقى تفضل ماشي لحد ما توصل الجامع!

حسين: وانا ايش عرفني الجامع فين؟!

النديم: لا إله إلا الله، انت سامع الأذان؟!

حسين: سامعه!

النديم: طيب، بص هناك، شايف المأذنة دي؟!

حسين: شايفها.

النديم: (زاعقًا) تدور تحتها تلاقي جامع!

حسين: (بهدوء) لقيناها!

النديم: بيت الشيخ الأزهري ورا الجامع لزق، تخبط، يفتح لك، تديله الجواب ده”يناوله الجواب” وتستنى عليه لحد ما يقراه، وتعمل اللي يقولك عليه!

حسين: طب واعرف ازاي إن كان هو الشيخ الأزهري، ولا مش هو؟!

النديم: تسأله، حضرتك الشيخ الأزهري، ها يقول لك أيوه، تديله ال…

حسين:(مقاطعًا)، ما قالش أيوه، قال لأ!

النديم: يا بني مستحيل يقولك لأ!

حسين: افرض بس..

النديم: ما فرضش المستحيل!

حسين: مش جايز ما يكونش هوه، ونروح طوكر؟!

النديم: لازم يكون هو!

حسين: بأمارة إيه؟!

النديم: بأمارة ما هايدلوك على داره، وبأمارة ما هاتروح الدار، وبأمارة ما هاتخبط، وبأمارة ما هايفتحولك، وبأمارة ما هتسأل فين الشيخ الأزهري، وبأمارة ما هايقولك الشيخ الأزهري أنا الشيخ الأزهري!

حسين: طب افرض ما قالش!

النديم: يابني لازم يقول!

حسين: ما رضيش يقول!

النديم: وإيه اللي يخليه ما يرضاش؟!

حسين: قامت في مخه، وسمى نفسه اسم تاني!

النديم: وتقوم في مخه ليه؟

حسين: زي ما قامت في مخك وسميت نفسك عبد الله الأحمدي، وسمتني صالح!

النديم:(ضاحكًا) لأ، اطمن من الناحية دي،الإنجليز مش طالبين راسه زي ما هم طالبين راسي!

حسين: وايش عرفك؟!

النديم: أنا متأكد!

حسين: وإيه اللي خليك تتأكد؟!

النديم: يا صالح مش ضروري تعرف كل حاجة!

حسين: لأ، من هنا ورايح لازم أعرف كل حاجة، أيوه، الحكاية مش لعبة، دي فيها راس، راس بألف جنية، والخنافس كتير، وأنا باموت في جلدي م الخنافس، قول لي، إيه اللي خلاك تتأكد إن الإنجليز مش طالبين راس الشيخ الأزهري، زي ماهم طالبين راسك، وإنه مش هايغير اسمه، زي ماغيرت اسمك؟!

النديم: الشيخ الأزهري راجل عالم، عالم بس، يعني مالوش دعوة بالسياسة!!

حسين: مالوش دعوة بالسياسة يعني إيه؟!

النديم: يعني مالوش دعوة بعرابي ولا بثورة عرابي!

حسين: طب وده برضو يبقى راجل؟! دا امي اللي اسمها أمي، واسمها مرة وجاهلة، كان لها دعوة ودعوة ودعوة، دا كانت تقوم في عز الليل وتكشف راسها، وتقول اللهم انصر عرابي، اللهم انصر عرابي، وده يبقى راجل، وعالم، ومالوش دعوة؟!

النديم: طب الحق بقى قبل الدنيا ماتليل، نتقابل هنا في آدان العشا، تحت الجميزة دي، هيه، هاتعرف ترجع لوحدك؟!

حسين: متهيألي صالح يعرف يرجع لوحده، إنما بصراحة أنا خايف على حسين!

النديم:(ضاحكًا) طب ابقى خد بالك منه!

حسين: خد بالك انت من نفسك!(يقبل يده)

النديم: “وهو يودعه” مع السلامة!

“يجري حسين خارجًا”

مع السلامة، مع السلامه يا صالح!

“مجموعات من الفلاحين، أو الأسرى تظهر أقصى خلفية المسرح في ذلة وانكسار، على وقع موسيقى جنائزية، بينما تتدرج الإضاءة إلى الإظلام، ثم تسمع ضجة جماهير غفيرة.”.

النديم: يا بني مصر، هذه أيام النزال، هذه أيام النضال، هذه أيام الذود عن الحياض، هذه أيام الذبّ عن الأعراض، هذه أيام يمتطي فيها بنو مصر صهوات الحماسة، وظهور الشجاعة، ومتون الإقدام لمحاربة عدو مصر، بل عدو العرب، لا بل عدو الإسلام، الدولة الإنجليزية خذلها الله، وردّ كيدها في نحرها، يا أهل مصر، إنما آجال الناس محدودة، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، فاخرجوا لحرب عدوكم، ولا تخشوا الموت فلكل أجل كتاب، ومن لم يمت بالسيف مات بغيره، تعددت الأسباب والموت واحد، يا أهل مصر ليس من نصر الله مانع، ما صدقت نيتك بالجهاد في سبيله، لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله، أولئك هم الفائزون، يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم، خالدين فيها أبدًا والله عنده أجر عظيم، يا أهل مصر، إنما الإنجليز نجس فلايقربوا البلاد بعد عملهم هذا وإن خفتم ضعفًا فتآزروا، وتعاونوا ينصركم الله عليهم. والله قوي عزيز، لستم القائمين بالواجبات ولا حامين لأراضيكم وبلادكم وإن يظهروا عليكم، ولا يرقبوا فيكم إلًا ولا ذمة، يذبحون أبنائكم ويستحيون نسائكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم، يا أهل مصر، إن الإنجليز يقولون مصر هي حصن البلاد العربية، من فتحها فقد أخذ بلاد المسلمين، فهبوا للدفاع عن وطنكم، وتقووا واحفظوا حصن بلاد المسلمين مصر، وجاهدوا في الله حق جهادة، لتحفظوا هذا الدين العظيم وتدفعوا عدوًا يريد أن يدخل بالخيل والرجل في بلد الله، يريد أن يدخل الكعبة المشرفة، عن طريق بلادكم، وقد استعان على أغراضه بخديويكم الذي باع الأمة إرضاءً للإنجليز، وجعل بلاد الإسلام مقابل حماية الإنكليز، يا بني مصر، يا أهل مصر، يا أهل مصر، يا أهل مصر..

“يبكي بينما تتسلل إضاءة قمرية.”.

جيت يا مولانا؟! عرابي مضى العريضة، وسلم سيفه والانكليز دخلوا البلد، فيه إيه تاني يا شيخ قصبي، لسه فيه إيه تاني؟! المقادير مخبية إيه؟! فيه إيه لسه؟! قول، اتكلم يا شيخ قصبي، أنا في عرضك قول حاجة؟! أنا في عرض النبي قول حاجة! إيه اللي جابك دلوقتي؟! نذيرولا بشير؟! بلاش منية الغرقى؟! إنت شايف حاجة! اتكلم يا شيخ قصبي، أبوس إيدك إتكلم، أبوس رجلك إتكلم، شايف إيه؟! شايف إيه، أنا مش شايفه؟! ياريتني زيك مكشوف عني الحجاب، قول يا شيخ قصبي، عايز إيه؟!

الشيخ القصبي: يا نديم، إوعى م الجميزة!

النديم: الجميزة؟!

الشيخ القصبي: إوعى م الجميزة، إوعى م الجميزة!

النديم: ليه؟! مالها الجميزة؟!

الشيخ القصبي:وإوعى من اتنين أكتوبر!

النديم: اتنين أكتوبر؟!

الشيخ القصبي: إوعى م الجميزة! إوعى من م الجميزة، إوعى م الجميزة، إوعى من اتنين أكتوبر!

“يتلاشى الصوت.”.

النديم:(صارخًا) يا مولانا، يا مولانا، يامولانا.

“إظلام تدريجي.”

تسمع مجموعات أطفال تغني.

يا عزيز يا عزيز

كبة تاخد لانجليز!

“الأغنية تخفت بالتدريج حتى تموت، مع بداية المشهد التالي.”.

**

“المشهد الثالث”

محكمة

الرئيس: عبد العال باشا حلمي!

عبدالعال: أفندم!

الرئيس: ما هي أسباب تجمع الألايات عند سراي عابدين في يوم 9 سبتمبر سنة 1881، ومحاصرتها مع الألاي حكمداريتكم؟!

عبدالعال: هذه المسألة صدر عنها أمر عالٍ بالعفو فلماذا السؤال منا عنها الآن؟!

الرئيس: السؤال عن ذلك هو لأجل التوصل إلى آخر فأفد عمّا سئلت عنه؟!

عبدالعال: وردت لي إشارة من أحمد عرابي بحضور لآلاي عابدين في الساعة 9 وبناءً عليها حضرت!

الرئيس: حيث أنكما متساويان في الرتبة فلابد أنكما متفقان على شئ حتى أنفذت لأمره!

عبدالعال: بالنسبة للحالة التي كانت حاصلة وقتها، وسبق جنسنا وإهانتنا، وبالنظر لخوفنا، جعلنا أحمد عرابي رأسًا علينا، نحن وجميع الضباط ووكلناه في التكلم بما فيه صالحنا!

الرئيس: ماذا جرى بعد حضوركم عابدين؟!

عبدالعال: لما وصلنا إلى عابدين بالألاي، وجدت العساكر مجتمعة؛ طوبجية وسواري وبيادة. والمكالمة حاصلة بين القناصل وأحمد عرابي في شأن طلبات العسكرية!

الرئيس: ماذا كانت طلباتكم؟!

عبد العال: تكي مجلس الأمة، وإبلاغ الجيش إلى عدد 18000 وسن قانون عسكري!

الرئيس: طلبتم رفع النظار أيضًا؟!

عبد العال: لا أعلم، إذ أن الكلام بين عرابي وبين القناصل!

الرئيس: هل أمر الجناب الخديوي بانصرافكم ووعدكم بإجابة طلباتكم فيما بعد؟

عبد العال: المقابلة كانت مع عرابي إنما في آخر الأمر تقابلنا مع الحضرة الخديوية، وأمرنا بالانصراف، وقال إنه سينظر في طلباتنا!

الرئيس: لماذا استصوبتم توكيل عرابي عنكم، هل حصلت جمعية وقررت ذلك؟

عبدالعال: كثيرًا ما انعقدت جمعيات!

الرئيس: في أية جهة؟!

عبدالعال: في جملة جمعيات، وفي منزلي، ومنزل غيري!

الرئيس: هل تتذكر أين كانت الجمعية المختصة بتوكيل عرابي؟!

عبدالعال: لا!

الرئيس: هل توجد عندك الإشارة التي وردت إليك من عرابي بالحضور إلى عابدين مع اللآلاي؟!

عبدالعال: كانت موجودة عندي في دمياط، ولكنها أخذت مع بقية الأوراق المختصة بي!

الرئيس: هل كان طلبة باشا متفقًا معكم على توكيل أحمد عرابي؟!

عبدالعال: جميع الضباط كانوا على هذا الاتفاق بما فيهم طلبة باشا.

الرئيس: هل كان معكم محمود باشا سامي مشتركًا معكم؟

عبدالعال: محمود باشا كان كلامه مع أحمد عرابي، وكنا نجتمع في منزله في بعض الأيام، إلاا أني ماكنت أطلع على ما كان يحصل بينه وبين أحمد عرابي!

الرئيس: بعد عزل عرابي مع سقوط وزارة محمود سامي باشا في يوم عيد جلوس الخديوي، طُلبتم في الإسماعيلية مع أحمد عرابي، وطلبه وعلي فهمي وباقي الضباط،  وأخبركم الجناب الخديوي بسقوط الوزارة وإحالة نظارة الجهادية عليه، وأنه يجب سماع أوامره من الآن فصاعدًا دون غيره، فأجابه اثنان منكم بأنهم لايسمعون أوامره، مالم ترفض لأئحة الدول فأفدنا عن كيفية ذلك وبين لنا ماحصل في اليوم المذكور!

عبدالعال: لم أتوجه في ذلك للإسماعيلية لا أنا ولا أحمد عرابي إذ تصادف عند وصولي من دمياط لمصر أن طُلبة وعلى فهمي وحسن مظهر ويعقوب سامي، والميرالات الذين كانوا موجودين توجهوا هناك!

الرئيس: بعد ذلك اجتمعتم في منزل سلطان باشا، وحصلت مذاكرة في بعض أمور ووقعت تهديدات من بعض الضباط الحاضرين فأخذنا عن كيفية ذلك بالتفصيل!

عبدالعال: في الواقع كنت موجودًا في تلك الجمعية التي كانت مؤلفة من النواب والعلماء وكثير من الضباط، وحصل كلام من أحمد عرابي ومن سلطان باشا، وبعض العلماء في خصوص مجلس الأمة وإصلاح البلد ووافق على ذلك بعض الحاضرين ولم يوافق!

الرئيس: قال أحمد عرابي في ذلك اليوم إن الجناب الخديوي معزول وإن من يوافقه فليقم واقفًا، ومن لم يوافق على رأيه فليبق جالسًا فهل سمعت ذلك؟!

عبد العال: الذي سمعته فقط هو أنه قال من يوافقني على رأيي فليقم، والذي لم يوافقني فليبق جالسًا!

الرئيس: هل إن رأيه الذي أشار به كان عزل الخديوي؟!

عبدالعال: لا، بل تشكيل مجلس الأمة، وسن قانون العسكرية!

الرئيس: كيف تقول ذلك والمعلوم أن المجلس كان مشكلًا في الوقت المذكور؟!

عبدالعال: الذي تذكره هو أننا كنا بعابدين، وحضر سليمان أباظة باشا وبعض النواب والعمد ودعوا أحمد عرابي للتوجه إلى منزل سلطان باشا، وعند وصوله كان كلام طويل متعلق بإصلاح البلاد وختمها بقوله من كان معنا فليقم فقام أناس كثيرون!

الرئيس: ألم يحصل كلام بخصوص عزل الحضرة الخديوية؟!

عبدالعال: في وقتها أمرني أحمد عرابي بالخروج خارج المحل لمنع الضباط من الازدحام على الشبابيك وخرجت وغاية ما رأيت خروج محمد عبيد وغيره متهورين وإنما لم أسمع عبارة العزل.

الرئيس: ألم تتذكر أن كلام أحمد عرابي كان متضمن القول بعزل الحضرة الخديوية؟!

عبدالعال: لم أسمع ذلك بالنظر لخروجي لمنع الضباط من الازدحام كما قلت آنفًا، فضلًا عمّا كان حاصلًا عن الضوضاء، وغاية ما سمعت هو أنه قال إن من يوافقني على رأيي فليقم!

الرئيس: أحمد عرابي لما توجه لمنزل سلطان باشا كان معزولًا فبأي صفة أتبعتموه؟!

عبدالعال: إني متذكر أنه كان في ذلك الوقت قد عاد لوظيفته!

الرئيس: الاجتماع حصل قبل عودته؟!

عبدالعال: لست متذكرًا.

الرئيس: لم يكن خافيًا عليك ما حصل في شأن الضرب على طوابي الإسكندرية من المراكب الإنجليزية سبب التهديدات التي كانت حاصلة من الطوابي المذكورة، ووقع الضرب بالحقيقة، وبعد ذلك صدر أمر من الخديوي بصرف العسكر وإبطال المحاربة مع الإنجليز إذ كان الغرض فقط الضرب على الطوابي بسبب حصول التهديد منها للمراكب وقطع المواصلات وجمع العسكر حتى ترتب عن ذلك عزله، ولم يمتثل أيضًا فكيف تنقاد لأوامره مع علمك بأنه معزول؟!

عبدالعال: في الواقع أعلم بصدور أمر الجناب الخديوي بعزله ولكن الأمة لم تقبل بذلك، وفضلًا عما ذكر أقول إنه لم يحصل إطلاق نيران في الجهة التي كنت مقيمًا فيها، ولم تحضرني أوامر خديوية وامتنعت عن تنفيذها!

الرئيس: هل اعترفت بعزل أحمد عرابي بصفته ناظر جهادية أم لا؟!

عبدالعال: اعترفت بعزله، ولكن حضر بعد ذلك أمر الأمة بأن أحمد عرابي يبقى في وظيفته، ويستمر على المدافعة، فاعترفت به بصفته ناظر جهادية بناء على أمر مجلس الأمة!

الرئيس: ماهو هذا المجلس، وكيف تشكل، وهل أهالي مصر مرخص لهم في تشكيل مجلس؟!

عبدالعال: لا علم لي بذلك إذ أني كنت في دمياط!

الرئيس: كيف علمت أن هذا المجلس معتبر؟!

عبدالعال: من الأوامر التي حضرت لي.

الرئيس: هذا لا يعقل!

عبدالعال: حيث أني كنت غائبًا عن مصر، لم أعلم كيفية تشكيل المجلس إذا كانت مخالفة أم لا، وظننت أنه معتبر!

الرئيس: هل كنت تعلم أن المحاربة بين العساكر المصريين وبين الإنجليز ضد أمر الخديوي أم لا؟!

عبدالعال: الذي أعلمه أنه تشكل مجلس باسكندرية وقرر رأيه على المحاربة!

الرئيس: ألم تعلم بعد ذلك أن الغرض فقط كان الضرب على الطوابي وحصل وانتهت المسألة؟

عبدالعال: لا أعلم ذلك!

الرئيس: كيف لاتعلم ذلك وجميع ما ذكر نشر في الجرائد بما فيه أمر الخديوي بانتهاء الضرب على الطوابي؟!

عبدالعال: علمت بذلك بعد حضور أمر مجلس الأمة بالاستمرار على المدافعة، ومع ذلك لم يحصل شئ بالنقطة التي كنت فيها!

الرئيس: وإن لم يحصل شئ في بالنقطة التي كنت فيها! ولكن تعلم أن المحاربة كانت مستمرة في نقط آخرى، وتعلم أنه صدر أمر الحضرة الفخيمة الخديوية بإبطالها، وبقيت مع ذلك بدمياط مع أنه كان يجب عليك التحرير للجناب الخديوي بإظهار الامتثال إليه والخضوع لأوامره؟!

عبدالعال: حيث أنه اجتمع مجلس الأمة، وقرر الاستمرار على المحاربة ما أمكن إجراء ذلك!

الرئيس: موجود منك تلغرافات تبلغ بها ناظر الجهادية عن أحوال بورسعيد وغيرها!

عبدالعال: التلغرافات التي حررتها كانت بناء على الأخبار التي كانت تصل إلينا من بورسعيد!

الرئيس: حيث قلت إنك لم تكن محاربًا، وبلغك أن العساكر في التل الكبير انكسرت والعساكر الذين في كفر الدوار تفرقوا، فلماذا لم تسلم حتى حضرت إليك قوة إنكليزية؟!

عبد العال: انتظرت حتى يحضر لي من سيتلم مني بناء على الأمر الذي صدر من الحضرة الخديوية!

الرئيس: إن كنت مستعدًا للتسليم فلماذا حررت الجواب الذي كتبته لمصطفى عبدالرحيم بكفر الدوار بأنك مازلت مستعدًا لمقاومة، وأنه يلزم أن يكون مستعدًا مثلك؟!

عبدالعال: ورد لي تلغراف من أحمد عرابي أن العدو هجم على التل في الساعة عشرة ونصف، ولم تدافع العساكر إلا قليلًا، ثم تشتت، وأن أحترس، وحيث أنه اختلقت الأخبار التي بلغتني من كفر الدوار، وأبي قير من حيثية التسليم، وعدمه، إذ قال البعض إنهما سُلما، والبعض الآخر قال إنهما محررتان، فحررت هذا الخطاب للاستفهام عن الحقيقة، وقلت له أن يكون محترسًا مثلي!

الرئيس: يعلم من ذلك عدم استعدادك للتسليم، ولا سيما أنه لما حضر لمصر سعادة سلطان باشا، حرر لك تلغرافًا بالاستفهام عن امتثالك من عدمه فلم تجاوب؟!

عبد العال: لما كتب إلىَّ سلطان باشا بالاستفهام عن امتثالي أو عدمه جاوبته بالامتثال!

الرئيس: لما انتشبت الحرب مع الإنجليز هل كان حاصلها كلام واتفاق مع الضباط الرؤساء وأحمد عرابي بشأن حرق البلاد، وتخريبها لمنع عساكر الإنجليز من تبوئها؟.

عبدالعال: إذا كان حصل كلام أو اتفاق مثل ذلك فيكون بين أحمد عرابي وبين الضباط الذين كانوا معه باسكندرية!

الرئيس: قلت إنك ملتزم الحيادة فلماذا حررت في حق إسماعيل باشا زهدي المحافظ حتى ترتب على كتابتك عزله وعزل الوكيل؟

عبدالعال: أنا لم يكن لي صفة لعزلهما!

الرئيس: لم نقل لك إنك عزلتهما بنفسك بل تشكيت في حقهما وفي حق شكيب باشا حتى ترتب على شكواك عزلهم جميعًا؟!

عبد العال: الذي عزلهم هو مجلس ديوان الجهادية!

الرئيس: أفد عمًا إذا كنت تشكيت في حقهم أم لا!

عبدالعال: ورد لي أمر من الجهادية بإصلاح ثلاث طوابي بدمياط، وخفر المنزلة، وصدرت عن اللوازم للمحافظة بطلبها، فكانت المحافظة تجاوبني بأنه طلباتي زيادة عن اللزوم فحررت بذلك للجهادية!

الرئيس: لو لم تكن بالحقيقة من حزب العصاة لتوجهت للخديوي بأي طريقة كانت؟!

عبدالعال: لم يطلبني الخديوي وحصل مني تأخر!

الرئيس: هل حضر لك إعلان من دولة الإنكليز بأنك إذا كنت من حزب الخديوي فسلم، أم لا؟

عبدالعال: لم يحضر لي شئ!

الرئيس: علمت بأن الخديوي عزل أحمد عرابي، ومع ذلك فإن المجلس الذي تقول عنه أبقاه بوظيفته، ففي أثناء وجودك في دمياط المدة المديدة، فماذا كان فكرك هل اتباع الجناب الخديوي أو عرابي والمجلس المذكور؟!

عبدالعال: لو قلت إني من حزب الخديوي لما صدقتموني، ولذلك لا حاجة للسؤال عن ذلك!

الرئيس: حيث أنك إنقدت لأوامر عرابي، وأوامر المجلس المذكور الذي انعقد بكيفية غير قانونية، فيعلم من ذلك أنك كنت من حزب العصاة، ومستعدًا للمحاربة!

عبدالعال: لم تحصل محاربة في نقطتي حتى يقال ذلك!

الرئيس: لكنك كنت مستعدًا وجامعًا عساكر، فلو حضرت قوة كنت تضرب عليها أم لا؟!

عبدالعال: لا أنكر ذلك!

الرئيس: طابية الجميل التي كانت تحت حكمداريتك كان موضوعًا عليها بيرق أبيض في مدة العصيان، فهل كان جاريًا فيها مع ذلك تصليحات؟

عبد العال: نعم مع وضع البيرق الأبيض كان جاريًا وضع ردش في تلك الطابية، وطوابي آخرى خلافها أيضًا تحت ملاحظة واحد بكباشي.

الرئيس: الردش والتعمير الذي كان جاريًا كان بأمرك؟

عبدالعال: كان بأمر المهندسين!

العضو: يعاد عبد العال حلمي إلى السجن!

“إظلام”

**

“المشهد الرابع”

“حجرة مظلمة بلا نوافذ يوصل إليها سرداب طويل في الصدر وتوحي جدرانها برشح الرطوبة، محتواياتها كنبة، مائدة صغيرة، مصباح زيتي صغير كثير الدخان.”.

الأزهري: لا حول ولا قوة إلا بالله!

النديم: طلعت م التل الكبير، أنا على حصان، وعرابي على حصان.

الأزهري: والمعركة لسه دايره!

النديم: كانت قربت تنتهي، ماكانش فيه أمل، وكنا عملنا اللي نقدر عليه، بص لي عرابي وبصيت له، والدموع فاره من عنينا، كان واضح إن مافيش فايدة، وكان لازم ننسحب لموقع تاني جوه البلد، نقدر نواصل منه المقاومة، وكنا ناويين نلم العساكر من بلبيس وضواحيها، ونبعت نجيب عساكر العباسية، ونقطع سكة حديد الزقازيق، وقناطر الشرقية بينا وبين الإنجليز، لكن!

الأزهري: لكن إيه؟!

النديم: لكن علي الروبي لحقنا في السكة وقال لنا مانقدرش ع الإنجليز بالشوية العساكر اللي هانلمهم، وأحسن لنا نسافر مصر ونشاور أهل البلد، ونشوف هم مستعدين للمقاومة ولا لأ، وفعلًا ركبنا القطر من محطة أبوحماد، ووصلنا مصر، كان المجلس العرفي مجتمع، بلغهم عرابي بهزيمتنا في التل الكبير، وبعد أخد ورد اتفقنا على المقاومة، ونزل عرابي يمر على مواقعنا واستحكاماتنا، لقى الجيش خربان، والعساكر قليلين، والسلاح شوية، والذخيرة مش كفاية، والروح المعنوية منهارة، كنا محتاجين تعزيزات كبيرة، وعساكر كتيرة، محتاجين تجنيد عساكر تقدر تشيل السلاح، رجع عرابي للمجلس، وبلغه حالة الجيش، وقال ما فيش فايدة، واتفق المجلس على التسليم، وقرر يكتب للخديوي عريضة اعتذار، واعتراف بالذنب، والتماس العفو والرحمة، ومين يكتب العريضة؟! أنا!!

الأزهري: نعتذر لمين؟ للخديوي الخاين؟! ونعتذر عن إيه؟ عن كونا أدينا واجبنا؟ ونعتذر ليه؟ هو إحنا ارتكبنا جريمة؟ عملنا ذنب؟ ذنب إيه؟ الدفاع عن وطنا؟ ثم احنا اعتدينا على الإنجليز، ولاهم اللي اعتدوا علينا؟

الأزهري: يعني ماكتبتش العريضة؟!

النديم: لأ كتبتها، بس بطريقتي!

الأزهري: يعني من غير بوهارات!

النديم: وعشان كده المجلس ما وافقش عليها!

الأزهري: طبعًا، ما هي ضروري مش ع الفرس!

النديم: شافوا إن لهجتها شديدة حبتين!

الأزهري: يعني ماتفتحش النفس!

النديم: ملاهم بطرس غالي عريضة تانية!

الأزهري: وحطّ فيها البوهارات اللازمة؟

النديم: تصور يا شيخ أزهري، عرابي مضى على عريضة بطرس غالي، عرابي اعتذر عن الثورة، واعترف بالذنب، وأقر بالعصيان، وطلب الرحمة والعفو من الخديوي، تصور الثورة تنقلب عصيان يا شيخ أزهري، الجهاد ينقلب جريمة، الدفاع عن الوطن ينقلب تمرد، الزعما اللي رفعوا راية الجهاد يدسوها برجليهم، اللي ولعوا الشعلة يرجعوا يطفوها بإيدهم، الشرف، البطولة، التضحية، الكرامة، المعارك، الشهداء، الدم، كل ده ينتهي النهاية الذليلة دي بعريضة اعتذار للخديوي يكتبها بطرس غالي، يا ما قلت لعرابي إوعى تمضيها، إنت مش عاصي، إزاي تكون عاصي وإنت قُدت شعب عايز حريته، إوعى تمضيها، إزاي تكون عاصي، وإنت تمسكت بشرفك العسكري، إوعى تمضيها، إزاي تكون عاصي، وانت مافكرتش في نفسك قد ما فكرت في مصر ومستقبل مصر؟ إوعى تمضيها، إزاي تكون عاصي والبلد اختارتك قائد لجيشها عشان تدافع عن شرفها، إوعى تمضيها، إعمل معروف، إوعى تمضيها، أبوس إيدك إوعى تمضيها، أبوس رجلك إوعى تمضيها، أبوس سيفك ياعرابي إوعى تمضيها!

الأزهري: وبرضو مضاها!

النديم: مضاها، إعتذر عن الثورة، واعترف بالذنب، وأقر بالعصيان، وطلب الرحمة والعفو من الخديوي، وبعدين فاق، وحس بالغلطة، واقتنع برأيي، ورجعت له الثقة بنفسه، ورجع له الأمل، وابتدا يستعد تاني للحرب، وبعت تلغراف للوفد اللي سافر بالعريضة للخديوي عشان يستناني في كفر الدوار، وسافرت كفر الدوار بقطر مخصوص ومعايا عريضة تانية، لكن مالقيتش الوفد.

الأزهري: كان فات الآوان!

النديم: الوفد كان وصل إسكندرية، قبض الخديوي على أعضاء الوفد، ورماهم في السجن، ورفض العريضة، ورجعت أنا تاني لمصر في نفس القطر، ومعايا العريضة التانية! كنت عارف إن ماعادش فيه أمل، كنت متأكد إن الإنجليز هايدخلوا القاهرة، لكن دخولهم القاهرة ماكنش أقسى م اللي حصل في المحاكمات، الهزيمة مش أقسى م اللي حصل بعد الهزيمة، لأ، الهزيمة ما تمتش إلا في المحكمة، لما الزعما إعتذروا عن الثورة علنًا، زي ما اعتذروا عنها في عريضة بطرس غالي!

الأزهري: علي الروبي ما اعتذرتش!

النديم: هو الوحيد اللي طلع راجل!

الأزهري: وعشان كده نفوه للسودان!

النديم: المصيبة مش في النفي ولا الشنق، المصيبة في الرجالة اللي انهارت في المحكمة زي النسوان، مش عيب الضعيف ينغلب، مش عيب إن الشعب يتغلب، مش عيب إن الزعيم يتهزم في الحرب، يا ما زعما اتهزموا في حروب لكن فضلوا صاينين شرفهم وشرف بلادهم، الهزيمة في حد ذاتها ما تخوفش يا شيخ أزهري، لازم يجي يوم تنقلب فيه الهزيمة نصر، وينقلب المغلوب غالب، الخوف من خيبة الأمل، خيبة أمل البلد في زعمائها خيبة أمل الجيش في قواده، هي دية الهزيمة يا شيخ أزهري، هي دي الخيانة، أيوه زي الخيانة تمام، الهزيمة الشريفة مش هزيمة، أبطال أدوا واجبهم بشرف، لكن الانهيار هو الهزيمة الرخيصة، ناس ما أدوش واجبهم أو أدوه وبعدين اعتذروا عنه زي ما حصل في المحاكمة!

الأزهري: الروح حلوة يا شيخ عبد الله!

النديم: الكرامة أحلى يا شيخ أزهري!

الأزهري: اللي خلاك تستخبى في بولاق عشر تيام، وتقلع لبسك الإفرنجي، وتلبس زعبوط وعمه وتحط منديل على عينك، وتطول دقنك وشعرك، هو اللي خلاهم يغيروا جلدهم في المحكمة!

النديم: لأ يا شيخ أزهري، لأ، دي غير دي!

الأزهري: أبدًا، دي زي دي!

النديم: أنا مستخبي مش عشان خايف م الموت، إنما عشان أواصل الجهاد.

الأزهري: جهاد إيه بس، هي عاد فيها جهاد؟!

النديم: لو قبضوا عليَّ وحاكموني ها يبقى الموت نهاية شريفة لجهادي، لكن مش ممكن يكون الانهيار في المحكمة ولا الخوف من الموت جهاد، اللي انهاروا في المحكمة دول كانوا بيحاربوا يا شيخ أزهري، يعني كانوا معرضين للموت في كل لحظة، وكانوا داخلين الحرب وهم عارفين دي، في كل لحظة، وكانوا داخلين الحرب، وهم عارفين دي، يعني شايلين أرواحهم على إديهم، ليه، ليه ما كانوش خايفين م الموت ساعتها؟ ليه ما يخافوش منه في الحرب، وييجوا يخافوا منه في المحكمة؟! انا أبتديت أشك فيهم كلهم، ابتديت أشك ف إنهم فعلًا مستعدين يموتوا في الحرب، أيوه، دول أكيد كانوا داخلين الحرب، وهم مصرين على إنهم يعيشوا، كل واحد فيهم كان عامل حسابه يعيش بعد الكل ما يموتوا، ويمكن هو ده السبب في إننا انهزمنا في التل الكبير، أيوه هم دول السبب، مش بس الخنافس، دول خونة زي الخنافس تمام، خونة، خونة، خونة!

الأزهري: طب وطي صوتك اعمل معروف، ما تنساش إن فيه نشرة اتوزعت على المديرين والمآمير والعمد وأنا نفسي قريتها عند العمدة، وألف جنيه مش لعبة، خصوصًا في الأيام السودة دي! (بمزاح) أنا مش خايف عليك، أنا خايف على نفسي(كأنما يتلو نشرة) كما تقررت عبوبة الإعدام لمن يخفي عبد الله النديم أو يعلم بمكانه ولا يخبر عنه، أما حكومة مغفلة، هي الناس هاتشم على ظهر إيدها؟ طب مين اللي يقدر يعرف إنك عبد الله النديم؟! وأنا نفسي ما اعرفتكش أول ما شفتك.

النديم: “يضحك” يعني خالت عليك!

الأزهري: أنا لو سلمتك للحكومة ها تقول مش هو، يعني لا هايعدموني ولا هايدوني الألف جنيه، يعني خسرانه خسرانه! وحتى لو ضبطوك عندي وحلفت لهم إني ما كنتش أعرفك، يميني ما يقعش، إنت متأكد إنك عبد الله النديم!

النديم: أهي دي فوايد التمثيل، إنك تكون إنت ومش إنت ف وقت واحد!

الأزهري: طول عمرك غاوي شغلانة التمثيل دية، واهي نفعتك في الزنقة!

النديم: الممثل ده زي الكركي، مرة شامس ومرة تركي!

الأزهري: ومرة مصري ومرة بصري!

النديم: التمثيل ده مهنة مضادة للبوليس!

الأزهري: إزاي؟!

النديم: كنت راكب أنا وحسين مركب رايحة بنها، كانت الدنيا ليل، وكنت أنا بالشكل اللي شفتني بيه، وقبل ما نوصل بنها سمعت المراكبية بيقولوا إن الكبري مقفول على غير عادته، الفار لعب في عبي، وحسيت إن الكوبري اتقفل مخصوص في غير معاده عشان يحجزوا المراكب للتفتيش، وضروري البوليس ها يفتش المركب، فضلت أسبح واتشاهد وفعلًا، طب البوليس المركب، وفتشها حته حته، وواحد واحد، وسأل المراكبية عني، قالوا ماشفناهوش ولا نعرفه.

الأزهري: صادق صادق!

النديم: عنها وطلع البوليس م المركب وقفاه يقمر عيش!

الأزهري: وكنت رايح بنها ليه؟!

النديم: كان أملي أنضم لعبد العال حلمي في الدفاع عن دمياط!

الأزهري: كان لسه ما سلمش؟!

النديم: كان رافض يسلم، لكن عرفت في السكة إنه سلم، نزلت في ميت النصارى، وبعدين ع المنصورة، ومنها على هنا، ما عدش غير إني أهرب للشام، وم الشام أطلع على أوروبا، وهناك أقدر أخدم بلدي!

“طرق على الباب”

ده لازم حسين!

“يهم بالاتجاه نحو الباب فيستوقفه الأزهري”

الأزهري: خليك إنت، أنا ها افتح، مين عارف، مش جايز يكون حد تاني؟

“يصعد السرداب” ويفتح الباب فيسقط منه ضوء نهاري غامر، ثم لا يلبث أن يسود الظلام مع إغلاق الباب ثم يدخل الشيخ الأزهري ووراءه حسين.”

النديم: هيه يا حسين!

“حسين يتخشب كأنما تحول إلى كتلة صماء.”

الأزهري: لقيت الشيخ شحاتة القصبي؟!

النديم: أتكلم يا حسين، لقيته ولا لأ؟!

الأزهري: يا حسين اتكلم!

النديم: الله، ردّ يا حسين!

الأزهري: يا حسين ردّ!

حسين: “ببرود” اللي اسمه حسين يردّ!

“النديم والأزهري يضحكان”

النديم: طب حقك علينا، إتكلم ياصالح!

النديم: طب حقك علينا، إتكلم يا صالح!

حسين: أهو كده الواحد يقدر يتكلم، مش حسين، إنتوا عاوزين تودنا ف داهية؟ هو العمر إيه؟ بعزقة؟! دي مشنقة يا مولانا، مشنقة مش مرجيحة!

النديم: أهي برضوا زي المرجيحة يا صالح!

حسين: “يديرها في رأسه” زي المرجيحة؟! آه والله فعلًا، أتاريني طول عمري بخاف م الخنافس، والمراجيح!

النديم: ما علينا، قابلت الشيخ القصبي؟!

حسين: قابلته.

النديم: هيه، وقالك إيه؟!

حسين: ولا حاجة!

النديم: ولا حاجة إزاي؟!

حسين: يعني ولا أيها حاجة!

النديم: إنت مش إديت الجواب له؟!

حسين: اديتهوله طبعًا، أمال كنت بالعب؟!

النديم: ولما إديتهوله، مش قراه؟!

حسين: قراه طبعًا!

النديم: قدامك؟!

حسين: قدامي!

النديم: هيه وبعدين؟!

حسين: بص لي!

النديم: هيه!

حسين: ودخل الأوده!

النديم: هيه!

حسين: وخرج م الأودة بعد شوية!

النديم: هيه!

حسين: واداني جواب!

النديم: طب وفين الجواب؟!

حسين: معايا!

النديم: معاك فين؟

حسين: في السيالة طبعًا!

النديم: طب ما تطلع الجواب!

حسين: حلوة طلع الجواب دي، حلوة خالص!

النديم: يا ابني هات الجواب وخلصني!

حسين: وإنت عايز الجواب ليه، إنت عبد الله الأحمدي؟!

النديم: أيوه، عبد الله الأحمدي!

حسين: لأ، إنت عبد الله النديم، والشيخ القصبي قايل لي إدي الجواب لسيدك عبد اله الأحمدي، واوعى تديه لحد تاني!

النديم: يا بني أنا عبد الله هباب!

حسين: يبقى برضوا الجواب مش لك! “ينادي في أرجاء الغرفة” يا مولانا عبد الله الأحمدي، بوسطة، يامولانا عبد الله الأحمدي، بوسطة، بوسطة، بوسطة.

“يسرع النديم بارتداء الزعبوط، ووضع المنديل على عينه والإمساك بالعكاز ثم يتقدم من حسين.”.

النديم: هو كده لما يندمج في دوره، فين الجواب ياصالح؟!

حسين: “وهو يخرج الجواب ويناوله للنديم” أهه!

“النديم يخطف الجواب ويفضه ويقرأه في لهفة بينما الأزهري يضحك.”.

حسين: قال عايز يخمني، وأنا صالح والأجر على الله، صالح الزيبق المصري، مش حسين الكرودية، والله عال، بقينا بسطجية على آخر الزمن، وكل ده م الخنافس، الخنافس والإنجليز، والخديوي توفيق، يا توفيق يا ومش النملة مين قال لك تعمل دي العملة؟! يا عزيز يا عزيز كبه تاخد الانجليز.

الأزهري: بيقول إيه الشيخ القصبي؟

النديم: “كانما يخاطب نفسه وهو يناوله الخطاب” بيقول لي أوعى تهرب الشام، وخليك مستخبي عند الشيخ الأزهري لحد ما يفرجها ربنا، مش معقول، مش ممكن، لكن ما أقدرش أخالف كلامه، وأنا من مريديه وواخد عليه عهد من زمان أيام ماكنت بالف البلد، غريبة، إزاي يقول كده وهو عارف إن حياتي في خطر، والخديوي وسلطان باشا ورياض باشا والسلطان التركي نفسه والإنجليز، ما يكرهوش حد قد ما يكرهوني، مش ها أقدر أعمل حاجة طول ما أنا مستخبي، مستخبي، ومطارد، والسيف على رقبتي في كل لحظة، إنما ف أوروبا.

الأزهري: وتضمن إزاي إنك توصل أوروبا؟!

النديم: لو وصلت الشام ها أقدر أوصل أوروبا!

الأزهري: لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع!

النديم: ضروري الشيخ القصبي شاف حاجة أنا مش شايفها، دا راجل صالح وطاهر ومكشوف عنه الحجاب، أنا دايمًا أشوفه ساعة الزنقة، أو بيتهيألي ساعات إني باشوفه، شفته يوم ضرب اسكندرية وشفته يوم كفر الدوار، وفته يوم التل الكبير، وشفته وأنا في المركب اللي كانت واخداني في بنها، شفته ماشي فوق الميه بيشاورلي زي ما يكون بيقولي إرجع، إرجع يا عبد الله، الكوبري مقفول والبوليس هنا، وشفته وأنا قاعد تحت الجميزة بره منية الغرقى مستني حسين لما يرجع من عندك، قال لي إوعى م الجميزة يا عبد الله، إوعى من اتنين أكتوبر، إوعى م الجميزة، إوعى من اتنين أكتوبر، ما فهمتش هو مقصده إيه! لكن بشوفه دايمًا لما أحس إني لوحدي، وإني ضعيف، وإني خايف،وإني محتاج حد جنبي، حد يونسني، يساعدني يشجعني يصبرني  حد يديني أمل، حد ينقذني من الوحدة والخوف واليأس والتشاؤم!

الأزهري: من هنا ورايح مش هتكون لوحدك، من هنا ورايح أنا والشيخ القصبي ها نكون دايمًا معاك.

حسين: (محتجًا) كده، طب بقى سلامو عليكم!

النديم: رايح فين؟!

حسين: مروح لامي!

النديم: ليه؟!

حسين: مادام ماليش لازمة هنا!

النديم: مالكش لازمة إزاي؟!

حسين: كفاية عليك الشيخ القصبي والشيخ الأزهري، خليهم بقى ينفعوك!

النديم: (ضاحكًا) وأنت كمان معايا، وهاتفضل معايا لحد ما يفرجها ربنا، وها اعلمك الكتابة والقراية، وها علمك حاجات كتير، كتير خالص!

حسين زي إيه؟!

النديم: حاجات لازم تعرفها، ولازم تعرفها لولادك، ولازم يعرفوها لولادهم.

حسين: حواديت يعني؟!

النديم: أغرب م الحواديت!

حسين: أقول لك حدوتة الدبانة؟!

النديم: عارفها!

حسين: عارفها، عارفها، أقول حدوتة الدبانة؟

النديم: قولها!

حسين: أقولها ما أقولها، أقول لك حدوتة الدبانة؟!

“الجميع يضحكون”

“إظلام”.

 ****

الفصل الثاني

“المشهد الخامس”

محكمة

الرئيس: علي باشا فهمي!

علي: أفندم!

الرئيس: قد ظهر من التحقيقات أنك كنت ميرالاي اجي بيادة اتفقت مع بكباشية الألاي على أنهم يجرون إفراجك من السجن الذي كنت تتجنب الدخول إليه، وقد حصل أن ضباط وعساكر الألاي المذكور هجموا على قصر النيل، وأجروا ما أجروه، مما هو مثبوت في تلك الواقعة فلمَ كان ذلك؟

علي: أنا ما كنت أعلم أنه سيصير سجني حتى اتفق مع الضباط على ذلك، بل هم الذين حضروا بالألاي وأخرجوني من السجن، وأوصلوني إلى قشلاق عابدين!

الرئيس: إذا كان كذلك فلماذا أقمت الألاي تحت السلاح، ولم تنفض إلا بعد طلبكم طلبات من الحضرة الخديوية وسلمت لكم فيها؟!

علي: لم نقم الألاي تحت السلاح، إنما عملنا تنظيمات للحضرة الخديوية أمام سراي عابدين وقلنا(أفنديمز جوق يشاه) وسعادة خيري باشا يعلم ذلك، فإن الحضرة الخديوية أرسلته يسألنا عن طلباتنا ونحن بصفة عبيد لولي النعم طلبنا عزل عثمان باشا رفقي من نظارة الجهادية، وأُجبنا إلى ذلك!

الرئيس: ما أسباب اجتماع الألايات في يوم 9 سبتمبر سنة 1881 وماذا نظرتم، وما كانت طلباتكم؟

علي: لا أعلم بذلك من قبل، فإني كنت في طنطا مع جناب حضرة الخديوي، ولما وصلنا لمصر الساعة 8، كنت في عابدين، وفي الصباح طلبني الخديوي الساعة 4، وما كنت أعلم بأخبار عزم العساكر على التجمع في هذا اليوم. إذ حضر أحد خدم الخديوي، وأخبر بما كان من ألاي عرابي، فأظهرت عدم التصديق، فأجاب إن هذا صحيح، وإنهم يعملون حصارًا لعابدين، ثم حضر آخر وقال إن أحمد عرابي للألايات بالتجمع في عابدين، وبقيت أنا عند الخديوي، ولما سألني الخديوي عما أنويه، قلت له، إني أدافع عن جنابه بروحي، واستعجلت حضور البلوكات من طنطا، ثم حضر رياض باشا وخلافه، وسألوني عما أجريه، فقلت إني أقاوم بما عندي من العساكر ثم انصرفت، وبالقرب من منزل البرنس محمود رأيت الخديوي يشير إليَّ بالحضور سريعًا إلى الآلايات، فوجدت الخديوي ضرب نفير تجمع العساكر، وعرف أفكارهم من جهة إخلاصهم إليه، ثم ركب الخديوي فاستفهمت من خيري باشا عن جهة توجهه، وأشرت بعدم دخوله بين العساكر لهياجهم ثم حضرت الآلايات.

الرئيس: ماهي الآلايات التي حضرت؟

علي: جميعها ماعدا آلاي القلعة.

الرئيس: هل آلايك كان معهم؟

علي: لما نظرت تجمع الآلايات، ورأيت رياض باشا وخيري باشا تدوالنا فيما نجريه، وأخيرًا استصوبت المحافظة على أبواب السراي، وفرقت البلوكات على الأبواب، وأطلعت واحد يزباشي للتحرز خوفًا من وصولهم من باب موضع الخديوي، ثم أرسلت إلى أحمد عرابي، واستفهمت منه عن نيته فأجابني إنه طالب ثلاثة أمور وهي رفع النظار، وإعمال القانون العسكري، وإبلاغ الجيش 18 ألفًا، ولاشئ خلاف ذلك، ولا يصير سفك دماء. ثم تقدم أحمد عرابي، وأخبرني أن عساكر آلايي عزموا على الضرب من الشبابيك، فتركت له ذلك. ثم حضر من أخبرني بحضور الخديوي ورأيته وأخبرته أن يطلع فوق ولايقف أمام العساكر، فسمع مني ذلك وطلع فوق وتبعته، ثم حصلت المكالمة بين المراقب الفرنساوي والمراقب الإنجليزي، وبين أحمد عرابي بمفرده، فإنه كان المتكلم، وكنت برفقتهما للمحافظة عليها حتى انتهت المكالمة على إجابة الطلبات.

الرئيس: هل كنت معهم في التماس الثلاثة أمور؟!

علي: لم أعلم ذلك من قبل، ولم يحصل اتفاق معهم على هذه الأمور!

الرئيس: هل ملت واستصوبت إجابة الطلبات المذكورة؟

علي: لو أظهرت معارضة لهم لحصل سفك دماء، ولذلك أظهرت الميل للجهتين.

الرئيس: هل بعد حصولهم على طلباتهم انصرفوا؟

علي: بعد استحصالهم على طلباتهم، التي قدمها أحمد عرابي وعبدالعال وعبدالغفار، قبلوا أقدامه ثم انصرفوا بالألايات.

الرئيس: هل أظهرت لهم أنك موافق؟

علي: ما كنت أعلم بحضورهم وبقصدهم وطلباتهم، حتى كنت أوافق عليها، ومع ذلك جميع الناس كانت موافقة على هذه الطلبات!

الرئيس: بعد حضورهم، وعلمك بطلباتهم وافقت أم لا؟

علي: كنت منشغلًا بمأموريتي، وتجنب ما ربما يفضي لسفك الدماء. ومع ذلك ماكان يصح إعطاء إجابة مني فيما سألتموني عنه الآن وما سبق، وقد نلت العفو من الحضرة الخديوية عن جميع ماذُكر.

الرئيس: بعد سقوط وزارة محمود باشا البارودي، قد اجتمعتم بمنزل سلطان باشا، وكان موجودًا هناك جملة ضباط، وقلتم إن الخديوي معزول، وأن من يكون موافقًا لكم في هذا الرأي يقف، فهل كنت موجودًا أنت ايضًا؟!

علي: نعم كنت موجودًا هناك، ولكن لم أقل ذلك، واسألوا سلطان باشا، فإني كنت مُسكنًا ومهدئًا للضباط، ومحبًا لحضرة الخديوي!

الرئيس: حيث أنك محبٌ للخديوي، فقل لنا ماذا جرى؟

علي: اسألوا سلطان باشا.

الرئيس: هل تقبل بما يقوله سلطان باشا؟

علي: اسألوه.

الرئيس: أفدنا عن حقيقة ما جرى في منزل سلطان باشا في ذلك اليوم؟

علي: اجتمع الضباط للمذاكرة في الائحة المقدمة من دولة الإنكليز.

الرئيس: ما هي هذه اللائحة؟

علي: اللائحة متعلقة بإخراجنا من البلد، وعلى ذلك جميع ما ذُكر مختص بالخديوي وهو أصدر أمرًا بالعفو عنا.

الرئيس: لما طلبك الخديوي أنت وطُلبة وذوات الجهادية بالإسماعيلية، عقب وجودكم في منزل سلطان باشا، ونبه عليكم بالاقتصار على إجراءاتكم حصل منكم تهور، فأفدنا عن كيفيته؟

علي: لم أتوجه، ولم يحصل تهور، ولا نظن أننا نرتكب إساءة أدب أمام الخديوي، مع أننا نتمنى تقبيل أقدامه، ومع ذلك، كل هذا من حقوقه أن يفعل بنا ما يريد.

الرئيس: ماهو وجه تداخلكم في اللائحة وفي الأمور السياسية التي تحصل بين الخديوي وبين قناصل الدول الأوروباوية، مع أنك ضابط جهادي ولك حدود خاصة بك؟

علي: لم أقل شيئًا في هذا الشأن سوى إني أخبرت الخديوي الأفخم إن اللائحة تمس حقوق الدولة العلية.

الرئيس: هل هذا من خصائصك؟

علي: نعم، من خصائصي بصفتي ضابطًا جهاديًا.

الرئيس: أنت كنت موجودًا بمصر مع جي آلاي، وصدرت لكم أوامر من الحضرة الخديوية لحفظ البلد ومنع ما يخل بأمنها، فلماذا تركت مركزك، وتوجهت للتل الكبير بالعساكر؟

علي: صدر تلغراف لوكيل الجهادية في أوائل سبتمبر عقب واقعة”المحسمة” يوم الجمعة إن راشد باشا ومحمود باشا فهمي وخالد باشا أُخِذوا أسراء، وقيل أيضًا بالتلغراف المذكور إن أوردي رأس الوادي الذي كان مركبًا من ثلاث آلايات آلايات تشتت في المحسمة، ولذلك أمر وكيل الجهادية بقيام إجي آلاي وبطارية أو اثنين من الطوبجية ثم ورد تلغراف من عرابي بأنه بالنظر لعدم وجود الثلاثة الباشوات السابق ذكرهم، يلزم قيامي مع العساكر سيما وأن اللآلاي قيادتي هو المزمع قيامه فتوجهت.

الرئيس: تعلم أن عرابي عزله الجناب الخديوي، فكيف تنقاد لأمره؟

علي: لم أنفذ لأمر عرابي بل لأمر الأمة.

الرئيس: أين أمر الأمة؟

علي: اسألوا وكيل الجهادية؟

الرئيس: نحن نسألك أنت لا وكيل الجهادية؟

علي: أحضروا المحضر المُوقع عليه من بعض الأمة بالنيابة عن عمدها لما عقدت جمعية بالداخلية، وانظروه.

الرئيس: ألم يُتل عليكم في تلك الجمعية الأمر الصادر من الحضرة الخديوية بعزل عرابي؟

علي: وردت كتابة من عرابي للمجلس العرفي، وصدر أمر من الحضرة الخديوية بعزلة، ورغب في أخذ رأيهم، فاستصوب المجلس جمع الأمة، وأخذ رأيها في ذلك، فاجتمعت، وقررت استمرار الحرب.

الرئيس: أنت تعلم إن الخديوي هو صاحب الأمر، لا الأمة، فلمَ لم تمتثل لأمره، وأذعنت لأمر المجلس الذي عقد بالداخلية مع إنه مجلس غير معتبر مطلقًا؟

علي: أنا امتثلت لأمر الخديوي فإنه أمر بالحرب.

الرئيس: ولكن بعد ذلك أمر جناب خديوي بإبطال الحرب، وعزل عرابي، فلمَ لم تمتثل لأمره؟

علي: نعم، ولكن من حيث إن الأمة كلفتني بالمحاربة، وهي القائمة بمصاريفي، فالتزمت بالإذعان لأوامرها.

الرئيس: إن المجلس الذي عقد بالداخلية لم يكن مجلس الأمة، ولا يعول عليه، لأن مجلس الأمة أي مجلس النواب، لا يُعقد إلا بموجب أمرٍ خديوي، وله رئيس، ويعمل له افتتاح رسمي، كما لا يخفاكم.

علي: نعم، ولكن ذلك المجلس كان مركبًا من عمد البلاد، وأعيانها فأحضروا المحضر، واطلعوا عليه.

الرئيس: من هم أوجه المجلس العرفي؟

علي: وكلاء الدواوين.

الرئيس: ومن أمر بجمعه؟

علي: لا أعلم.

الرئيس: حيث أنك لا تعلم، فلماذا انفذت لأمره؟

علي: ما أنفذت لأمره بل لأمر مجلس العموم.

الرئيس: هل يوجد عندنا مجلس عموم أيضًا؟

علي: الأهالي الذين اجتمعوا من ذوات ورؤساء روحانيين وعلماء وعمد وأعيان هم مجلس العموم ونحن تحت أمرهم.

الرئيس: لو أحضرنا هؤلاء الأهالي، وسألناهم عن ختمهم على ما اجتمعوا عليه لقالوا إنه خوفًا من الطوبجانة التي هددتهم بها كثيرًا من الناس المعتبرين.

علي: لو كانوا كذلك، لقلته أنا أيضًا، أعني لم أتوجه للحرب، إلا خوفًا.

الرئيس: في مدة وزارة محمود باشا سامي البارودي جمعت الضباط بالقشلاق الذي كان تحت حكمداريتكم، وحلفتم يمينًا بحضور الشيخ محمد عبده، فما هو هذا اليمين، وما أسبابه؟

علي: جميعنا حلفنا يمينًا أمام الشيخ محمد عبده وهو أن الذي يكون خيرًا مستقيمًا نصير محازاته، يكون منا، وأن يكون سيرنا حسب القانون.

الرئيس: ما هي كيفية اليمين؟

علي: أننا نكون على كلمة واحدة، ومتيقظين لحفظ بلادنا، وأن بعض الضباط الأصاغر غير المستقيمين يستقيمون، وإلا يجازون، ولا يكونون منا.

الرئيس: ما هو الجزاء الذي كان يترتب؟

علي: بحسب القانون.

الرئيس: ما دام القانون موجودًا، فلأي سبب يحصل التحليف؟

علي: إن حقيقة التحليف أن نكون حريصين على راحة بلادنا، والأخوة بين بعضنا، وأن من لم يكن مستقيمًا يُجازى.

الرئيس: ألم يذكر الضباط في اليمين أن من يخالفه يستحق قطع الرقبة، وشق الصدر؟

علي: لستُ متذكرًا لأنه كان يمينًا طويلًا.

الرئيس: ألم يكن ضمن اليمين أن اتحادكم يكون عموميًا، ولو ضد أوامر الحضرة الخديوية؟

علي: حاشا!

الرئيس: حينئذٍ لو كان صدر لكم أمر من الحضرة الخديوية يخالف أفكاركم كان يُنفذ؟

علي: نعم.

الرئيس: الشيخ محمد عبده المُحلِف لكم، قال إنكم قلتم ضمن اليمين إذا صدر لكم أمر فلا يصير تنفيذه، مالم تكونوا متفقين عليه.

علي: لا، لم يحصل ذلك.

الرئيس: يُعاد علي باشا إلى السجن.

العضو: يُعاد علي باشا إلى السجن.

“إظلام”

***

“المشهد السادس”

“-نفس منظر المشهد الرابع.

-بعد مرور أربعة شهور.

-النديم يجلس إلى المائدة الصغيرة مستغرقًا في الكتابة على ضوء المصباح الزيتي بينما حسين ينهنه كالطفل الذي يطالب أمه بقطعة حلوى.”.

حسين: آه يا امه، آه ياني يا امه، ياحبيبتي يا امه!

النديم: “دون أن يرفع رأسه” يا حسين اعقل، إنت مش عيل صغير!

حسين: آه يا ابا، آه ياني يا ابا، يا حبيبي يا ابا!

النديم: يا حسين بطل عياط!

حسين: آه يا امه، آه يا ابا!

النديم: يا بني الحيطان لها ودان!

حسين: أنا مالي، أنا عايز أروح لامي!

النديم: هانت، هانت يا حسين!

حسين: بقالك أربع شهور تقوللي هانت، ومش ناوية تهون!

النديم: “يرفع رأسه” يهونها الكريم، بس خليك راجل!

حسين: خليك راجل، خليك راجل، لحد إمتى؟ لحد ما شعري يشيب؟ هو الراجل ما يشوفش امه يا عالم؟

هو حتى اللي ما يشوفش امه يبقى راجل يا ناس؟ آه ياني يا امه، أه ياني يا ابا!

النديم: يا بني حد يسمعك تروح طوكر!

حسين: طوكر؟! لسه هانروح في طوكر؟! ما احنا فيها بقالنا أربع تشهر، أربع تشهر يا عالم ورا الشمس، في الرطوبة، والرشح، آه يا ضهري، آه يا عضمي، آه ياني يا امه، آه ياني يابا.

النديم: وبعدين بقى؟!

حسين: قال طوكر قال، والله طوكر أرحم من هنا، آه يا امه آه يا با!

النديم: يا بني كلها يومين ونخرج!

حسين: يعني كلها قد إيه؟!

النديم: يومين!

حسين: واليومين دول يبقوا كام يوم؟!

النديم: اليومين يبقوا يومين!

حسين: بس؟!

النديم: بس!

حسين: بحسابك ولا بحسابي؟!

النديم: بحسابي وحسابك!

حسين: لأه، بحساب مين فينا، أنا ولا انت؟!

النديم: أنا وانت واحد!

حسين: لأه، تفرق كتير، اليومين بحسابك يعني أربع تشهر، شهر ينطح شهر، واليومين بحسابي يعني بعد بكره!

النديم: خلاص، يبقى بعد بكره!

حسين: هم الانجليز هايطلعوا م البلد بعد بكره؟

النديم: ربنا كبير!

حسين: لكن، ربنا خلق الدنيا في سبع تيام، يبقى هايطلع الانجليز في يومين؟!

النديم: قادر يطلعهم في غمضة عين!

حسين: قادر ماقلناش حاجة، إنما ناوى يطلعهم في يومين؟!

النديم: هو أعلم!

حسين: يعني مش ها يطلعوا بعد بكره؟!

النديم: ما انت عارف، الحكاية مش بالساهل!

حسين: يعني بالعربي الانجليز ها يطولوا؟

النديم: طبعًا، لحد ما نقدر نطلعهم!

الحسين: مش ها يطلعوا بكيفهم يعني؟!

النديم: طبعًا، لازم يطلعوا غصب عنهم!

حسين: واحنا نقدر دلوقتي نطلعهم؟!

النديم: لأ، ما نقدرش!

حسين: يعني لو طلعنا من هنا بعد بكره، قبل ما يطلعوا الانجليز م البلد، ومسكوك، هايعملوا فيك إيه؟!

النديم: ها يشنقوني طبعًا!

حسين: يعني بالحداقة كده، طول ما الانجليز في البلد حضرتك ما تقدرش تطلع من هنا!

النديم:(بارتياح) أديك فهمت!

حسين:(صارخًا) فهمت إيه؟!

النديم: فهمت إني ما اقدرش أطلع من هنا طول م الانجليز في البلد!

حسين: (صارخًا) ما هي دي المصيبة!

النديم: مصيبة إيه؟!

حسين: يعني أنا ما أقدرش أطلع من هنا طول ما أنا معاك، وطول ما الانجليز في البلد!!

النديم: بالطبع!

حسين: يعني مش كلها يومين، مش بعد بكره زي ما بتقول، مش بحسابي أنا، إنما بحسابك أنت، تبقى بتغالط في الحساب، بتضحك عليه، آه يا ضهري، آه يا اني يا امه، آه يا عضمي، آه ياني يابا!

النديم: عاوزهم يشنقوني يا حسين؟!

حسين: عاوز أروح لامي!

النديم: تروح لامك، وتسيبني لوحدي؟!

حسين: أروح لامي، والنبي أروح لامي! آه يا امه، آه ياني يامه، آه يابا، آه ياني يابا!

النديم: “يسرع بارتداء ملابس الشيخ عبد الله الأحمدي، ويغير صوته، وفقًا لمقتضى الحال طوال المشهد الثاني، وهو يلعب دوري الأحمدي وصالح، بالتناوب، كأنما يحدث شخصًا منظورًا، مع ملاحظة رد فعل حسين.”

– سامع؟! سامع يا صالح؟ سامع حسين بيقول إيه؟ شاهد بيعمل إيه؟! شايف قلة الخير؟!

– ما له حسين، عمل إيه يا شيخ أحمدي؟!

– مش عارف عمل إيه يا صالح؟! آدي آخرة تربيتي فيه، آدي آخرة العيش والملح، عاوز يسبني، يا سيدي ويروح لامه!

– يسيبك؟!

– ويروح لامه!

– قلة أصل، إخص، اتفو عليه، خير تعمل، شر تلقى، الدنيا ما عدش فيها خير، معلهش، معلهش يا شيخ أحمدي، ما تاخدش على خاطرك منه، عيل وغلط، أهو زي ابنك تمام!

– ابني؟! بقى ابني كان يسبني في عز الزنقة، ويروح لامه؟! بقى ابني كان يقعد يعيط كده زي النسوان؟! والله كنت أقطع رقبته، ابني قال، يا ريته كان بنت!

– معلهش، معلهش، هيه حاجة تزعل صحيح، لكن ما تاخدش ف بالك، فوتها المرة دي، جاهل، طايش، ما كانش ف وعيه، سامحه المرة دي!

– مش ممكن، مش ممكن تطلع من قلبي، أنا عمري ما أنس الأسية!

– برضوا اسمك الكبير، وطول عمرك قلبك أبيض!

– اللي يسيبني في الزنقة يبقى ندل، يبقى خاين، يبقى زي الخنافس تمام، الخنافس اللي سابونا في التل الكبير، وقبل التل الكبير، وبعد التل الكبير، إحنا كده، منكوبين بالخيانة، يا قلة بختك يا شيخ أحمدي، يا شوم ما ربيت وعلمت، عوضك على الله، عوضك على الله، عوضك على الله!

– هدي نفسك يا شيخ رفاعي، يا راجل هدي نفسك أمال لا يجرالك حاجة، ويشمت فينا الخديوي والانجليز!

– عوضي على الله، عوضي على الله فيك يا حسين!

– يا راجل إيه اللي بتعمله ف نفسك ده، يا راجل اهدى وروق وصل على النبي!

– اللهم صل عليك يا نبي!

– كل ده عشان إيه؟ عشان حسين؟ بلاش حسين  يا سيدي، بناقص حسين، يغور في ستين داهية، اعتبره ولد وخاب، ولد ومات، بس اهدى إنت وروق، أنا أهه مطرح حسين، وافديك رقبتي!

– خلاص يا صالح، أنا موافق، خلي حسين يروح لامه، وانت خليك جنبي يا بني، خليك معايا ف محنتي!

– إنما برضوا واجب تعذره، ما انت عارف، ما شافش امه بقاله أربع تشهر، والدم بيحن، وانت اللي اسمك كبير قلقان برضو على أبوك واخواتك!

– قوله والنبي قوله، أصله فاكراني ما ليش أهل، فاكرني غاوي الحبسة دي، ما انا مستنى فرج ربنا زيه، ولا عشان مش باين عليه؟! مش ناقص إلا اننا نقعد نعيط جنب بعض!

– إلا بالمناسبة، ما تعرفش الحكومة عاملة إيه مع أبوك واخواتك؟!

– زمانها مورياهم الويل! ويا عالم إن كانوا عايشي ولا ميتين، هم دول في قلبهم رحمة؟!

حسين: يا ترى الحكومة عاملة فيكي إيه يا امه! عامل فيكي إيه الخديوي يا امه، عاملين فيكي إيه الانجليز يا امه، آه يا امه، آه ياني يا امه!

النديم- “مستطردًا وكأنه لم يسمع حسين.”

– شوف يا شيخ أحمدي، إنت تقول لحسين ع اللي فيها وتخلص ضميرك من الله!

– لأ، يا صالح، ما يعملش، حرام!

– لازم تقوله، وهو حر ف نفسه بعد كده، يقعد يروح يروح، ذنبه على جنبه، أصله فاكر إنك عاوزه يقعد حنبك، غاوي تقعده جنبك!

– لأ، يا صالح ما فيش داعي! غاوي تقعده جنبك؟!

-لأ، يا صالح ما فيش داعي! خليه يظن زي  ما هو عاوز، وبعدين ها يعرف إن بعض الظن إثم! بقى يا صالح عايزني أقوله إن الحكومة عاملة خمس تلاف جنيه للي يجيب راسه؟!

حسين- (مفزوعًا) إيه، راس مين؟!

النديم- (وكأنه يواصل الرد على صالح) راس حسين يا صالح، راس حسين!

حسين- ليه؟ أنا عملت إيه؟!

النديم- وهو يعني عبد الله النديم كان عمل إيه؟! مش حكومة؟!

حسين- والحكومة عايزة راس تعمل بيها إيه؟!

النديم- عايزاها يا صالح، عايزاها والسلام!

حسين- والسلام إزاي؟! هي راس البني آدم إيه؟ راس خروف؟!

النديم- الحكومة ما تعرفش فرق بين راس البني آدم وراس الخروف كله في نظرها روس، وكل راس لها تمن! وراس بألف جنيه، وراس حسين بخمس تلاف جنيه، حكومة ومزاجها كده!

حسين- ليه؟ هي حكومة ولا مسمط؟!

النديم- حكومة يا صالح، بس بتحب الفتة!

حسين- وعرفت منين إن الحكومة عاملة لراسي خمس تلاف جنيه؟!

النديم- م الجورنال، الجورنال ده!

حسين- وراسي مكتوبة في الجورنال ده؟!

النديم- أيوه!

حسين- بالمطبعة؟!

حسين- بتقول الحكومة عامله كام!

النديم- خمس تلاف جنيه!

حسين- خمس تلاف جنيه؟

النديم- خمس تلاف!

حسين- يعني يجيلهم قد إيه دول؟!

النديم: قد من هنا لسراية عابدين!

حسين: يا بلاش، والله الحكومة عندها نظر، مش تقوللي ألف جنيه، راس عن راس تفرق، آه، الروس مقامات، جبهة، مخ، لسان، عين، صدغ، وبخمس تلاف جنيه، حد يطول؟! طب ما اسلم راسي للحكومة، واخد أنا الخمس تلاف جنيه!

النديم: ما ينفعش!

حسين: ما ينفعش ليه؟!

النديم: لازم حد تاني يسلمها!

حسين: والخمس تلاف؟!

النديم: اللس يسلم راسك يا خدهم! حلال عليه!

حسين: طب وانا؟! ما اخدش حاجة؟!

النديم: ولا مليم!

حسين: (يمسك راسه) لا يا عم، يبقى خليها أحسن!

النديم: خلاص يا صالح، ها تفضل معايا؟!

حسين: ها افضل معاك!

النديم: مش ها تسيبني زي حسين يا صالح؟!

حسين: مش ها اسيبك!

النديم: ومش ها تعيط زيه وتقول عاوز اروح لامي؟!

حسين: أنا برضوا أعيط يا سيدي؟!

النديم: ومش ها اشوف الدموع في عينك تاني؟!

حسين: (وهو يمسح دموعه) أبدًا يا سيدي، مش هاتشوفها تاني، من هنا ورايح ما فيش دموع، ما فيش أمي، بس اعزرني يا سيدي، بقالي أربع تشهر ما شفتهاش، اشتقت لها، وزهقت م البسة دي، الدنيا هنا ضلمه، ضلمه خالص، ضلمه ليل ونهار، متهيأ لي مش ها اعرف أشوف حاجة أول ما اطلع من هنا، وأنا طول عمري أكره الضلمة، أخاف من الضلمه.

النديم: الدنيا بره ضلمه أكتر من هنا يا صالح!

حسين: ساعات بيتهيألي إن الأوده كلها خنافس، أصلها بتعيش ف الضلمة، بتكره الضلمة، بيتهيألي إنها ها تزحف علينا، هاتكلنا، ها تردمنا، ها تدفنا بالحيا، وأنا با موت في جلدي م الخنافس!

النديم: ربنا معانا!

حسين: إلا قولي يا شيخ أحمدي!

النديم: أيوه يا صالح!

حسين: راسي في نظرك تسوى كام؟

النديم: راسك؟! والله ولا مال قارون!

حسين: يعني إنت، ما ترضاش تسلمني بخمس تلاف جنيه؟!

النديم: أنا برضوا يا صالح؟! الله يسامحك!

حسين: إنت زعلت؟! دا انا باهزر!

النديم: أنا ما حبش الهزار في الحاجات دي!

حسين: طب حقك عليه! الله، إنت بتعيط؟! أنا عمري ما شفتك بتعيط، كان بيتهيألي دايمًا إنك ما تقدرش تعيط زي كل الناس!

النديم: أبدًا أنا عيطت في حياتي كتير، كتير قوي يا صالح، بس ما حدش شافني بعيط إلا انت، ما باليد حيلة،  محبوسين سوا، في أوده واحدة، ولازم تشوفني.

حسين: وفيها إيه دي؟!

النديم: ما احبش حد يشوفني بعيط، وعشان كده كنت قبل ما اعيط أتأكد الأول إن ما حدش شايفني، أنا عيطت كتير يوم ما جلدوني، بس ما حدش شافني!

حسين: جلدوك؟!

النديم: أيوه، جلدوني!

حسين: هم مين؟!

النديم: كنت موظف في مكتب تلغراف القصر العالي، قصر الأميرة خوشيار خانم أفندي!

حسين: ودي تطلع مين الخانم الأفندي دي؟!

النديم: الوالدة باشا!

حسين: وباشا كمان؟!

النديم: يعني أم الخديوي إسماعيل!

حسين: هيه!

النديم: وكنت ساعات باسيب الشغل عشان أحضر دروس جمال الدين الأفغاني!

حسين: عارفه عارفه، اللي خدامه اسمه عارف، وفضل معاه زي ضله من بلاد الله لخلق الله، يعني زيي أنا وانت كده!

النديم: تمام، أديك فاكر أهه!

حسين: هيه، وبعدين؟!

النديم: في يوم م الأيام سأل عليَّ خليل أغا كبير أغوات الأميرة، قالو له راح للأفغاني، ويومها بعت جابني، وجلدني! وفصلني م الشغل، وطردني م القصر، ومن القاهرة كلها، ولقيت نفسي ضايع في البنادر والأرياف، ولأول مرة ف حياتي عرفت طعم الهزيمة ودقت مرارتها، ما فيش أمر م الهزيمة يا صالح، مافيش ألعن منها، أنا مش قد خليل أغا، مش قد الأميرة خوشيار خانم أفندي الوالدة باشا، مش قد الخديوي إسماعيل، لكن المرارة اللي في قلبي كانت قد الكون كله، كان بيتهيألي إن نقطة منها، نقطة واحدة م المرارة بتحرق قلبي، تقدر تحرق الأغا والأميرة والخديوي والحكومة والسلطان والدنيا كلها! لقيت نفسي قاعد لوحدي على ساقية مهجورة، جعان وعريان وضايع، الدموع فرت من عينيَّ وبعدين رمتني المقادير على عمدة بدوي الشيخ أحمد أبو سعدة، كان غني، كان عنده ألف فدان في في مركز فارسكور، خدني أعلم أولاده الكتابة والقراية، وف آرخر السنة طالبته بأجرتي، ما فيش أجره، ليه؟ إنت بتشتغل بأكلك وشربك ولبسك وسكنك زي كل أتباعي! يعني إيه؟ يعني ناقصاني البردعة، وأبقى بغل، تور، حمار، زعق لي، زعقت له، شتمني شتمته، إزاي وإزاي العين تعلى على العمدة، ع الحاجب؟! سلط أعوانه يحرقوا داري، ويضربوني، هربت م البداوي بالليل، وأنا ف طريقي للمنصورة ولوحدي في الغيطان، وتمت القمراية، لقيت نفسي بعيط! أيوه يا صالح أنا عيطت كتير، كتير، ما عيتطش على ولادي اللي ماتوا كلهم واحد ورا واحد، لكن عيطت في التل الكبير، لما بص لي عرابي، وعساكرنا بتنقتل والانجليز بيعدوا على جتتهم، وعيطت يوم ما مضى عرابي عريضة بطرس غالي، وعيطت يوم ما سلم سيفه، وعيطت يوم ما دخلوا الإنجليز القاهرة، وعيطت والعساكر والأهالي بيهربوا من اسكندرية، من قنابل سيمور، وعيطت يوم ما اترفع البيرق الأبيض على الطوابي بأمر الخديوي!! عيطت كتير يا صالح، وأنت الوحيد اللي شافني بعيط!

“طرق على الباب”

النديم: دا الشيخ الأزهري، افتح له يا صالح!

“ينهض حسين وهو يمسح دموعه، يظهر بعد قليل وخلفه الشيخ الأزهري بيده جريده.”

الأزهري: لسه عايز تسافر الشام؟!

النديم: ليه؟ هو الشيخ القصبي..

الأزهري: (مقاطعًا) بقزل لسه عايز تسافر الشام؟

النديم: ياريت، بس يوافق الشيخ القصبي!

الأزهري: الظاهر إن الحجاب مكشوف عنه فعلًا!

النديم: أكيد مكشوف عنه الحجاب، لكن إيه المناسبة؟!

الأزهري: (يناوله الجريدة) إقرأ ده!

النديم: (يقرأ بلهفة ثم يصرخ فرحًا) مدد!

الأزهري: يا راجل وطي صوتك!

النديم:(يخفض صوته) مدد، مدد يا شيخ قصبي، مش قلت لك إنه كان شايف حاجة أنا مش شايفها؟ كان عارف إن أنصار السلطان التركي هايقبضوا عليّ هناك، زي ما قبضوا على حسن موسى العقاد وسليمان سامي!

الأزهري: بعد ما وصلوا كريت!

النديم: وكانوا هايرجعوني م الشام زي ما رجعوهم من كريت!

الأزهري: ويا إما ينفوك زي حسن موسى، يا إما يعدموك زي سليمان سامي!

النديم: الله يرحمه، كان راجل!

الأزهري: ولا كنت وصلت أوروبا، ولا واصلت جهاد، ولا يحزنون..

النديم: آمنت بيك يا رب!

الأزهري: عرفت إن الخيرة في الواقع!

النديم: قضا أخف من قضا، بصراحة أنا زهقت م الحبسة دي، كان نفسي أخرج، أخرج شوية، ولو لحبل المشنقة، كفاية أشم الهوا، أشوف النور، دا حسين نفسه كان بيعيط من شوية عايز يخرج من هنا!

الأزهري: يخرج؟ يخرج يروح فين؟!

حسين: (وكأنه يتحدث عن شخص آخر)، يروح لامه!

الأزهري: يروح لامه يعني إيه؟ هي لعبة؟!

حسين: بيقولك حسين، حسين، إيه؟ ما سمعتش؟! حسين عاوز يروح لامه، كلمه هوه!

النديم: زهق المسكين!

الأزهري: لكن دا لو خرج من هنا ممكن يودينا ف داهية، البوليس يقدر ببساطة يمسك الخيط اللي يوصله لحد هنا! طب، وحسين صغير، مش فاهم دي؟!

حسين: معلهش، عيل وغلط، جاهل، طايش، ماكنش ف واعيه! بتحصل، بتحصل!

الأزهري: يعني دلوقتي عقل؟!

حسين: وأنا إيش عرفني، إسأله هو!

النديم: باين عليه عقل، حسين برضوا ابن حلال وأصيل، وفيه الخير، زي صالح تمام!

الأزهري: أنا برضو مش مصدق!

النديم: ولا أنا!

حسين: والله ولا أنا!

النديم: لما لقيته بيعيط اضطريت أقول له..

الأزهري: على إيه؟!

النديم: على اللي بالي بالك!

حسين: انتوا هاتخبوا على مين، ما خلاص عرفت!

النديم: عرف يا سيدي، إن الحكومة عاملة خمس تلاف جنيه للي يجيب راسه، حيًا أو ميتًا!

الأزهري: (يفاجأ) ثم يدرك الحيلة، يا شيخ حرام عليك، ما كانش حقك تقول له!

حسين: ماكانش حقه يقوللي إزاي، كنت عايزني أفضل كده، مش عارف مقداري عند الحكومة، مش عارف قيمتي، مش عارف إني شايل فوق كتافي كنز؟! راس بخمس تلاف لحلوح؟!

“طرق شديد على الباب”

الأزهري: غريبة، مين ده؟!

“يشتد الطرق ويتسمر الجميع”

ادخلوا هنا، وهو يشير إلى مدخل جانبي، لا حركة ولا صوت!

“النديم وحسين يستتران، بينما يخفي الأزهري ما على المائدة من أوراق تحت مرتبة الكنبة، وكذلك ملابس النديم، وحسن، بينما يشتد الطرق المستمر، ثم يصعد الأزهري إلى السرداب، ليفتح الباب، يختفي لحظة، ثم يدخل ووراءه الشيخ محمد الهمشري.”.

الأزهري: (بارتباك واضح) أهلًا، أهلًا حضرة العمدة، أهلًا، خير؟!

الهمشري: خير، خير إن شاء الله، فين الشيخ عبد الله النديم؟!

(الأزهري يتجمد لحظة ولا يرد)

الهمشري: فين النديم يا شيخ أزهري؟!

الأزهري:(يتحول تجمده لرعب ظاهر) غريبة، وانا إيش عرفني يا عمدة؟!

الهمشري: يا راجل!

الأزهري: الحكاية هزار ولا جدّ!

الهمشري: أنا مش متعود أهزر، وانت عارف!

الأزهري: أمال بتسألني ليه عن النديم؟!

الهمشري: عشان إنت عارف هو فين!

الأزهري: و أنا أعرف منين يا عمدة؟!

الهمشري: إطلع منهم بقى!

الأزهري: (يرفع صوته) يا عمدة قوللي قصدك إيه من الحدوتة دي، قلت لك أنا ما اعرفش النديم فين، ولا ليّا صلة به، ولا اقدر أدلك عليه!

الهمشري: طب، أدلك أنا؟!”يرفع صوته” إطلع يا شيخ عبد الله، إطلع يا حسين، إطلعوا! عليكوا الأمان! الشيخ الهمشري وصل!

“يخرج النديم ووراءه صالح كالمنومين، ويقف الثلاثة في ذهول، بينما يضحك الهمشري من أعماق قلبه.”.

حسين: الشيخ الهمشري؟!

النديم: الشيخ الهمشري؟! (يسارع لاحتضانه)

الهمشري:(معرضًا) لا سلام، ولا حضن، هي إيه؟ كانت معرفة طياري يا شيخ عبد الله؟ خلاص نسيت أحبابك القدام؟! أنا عارف إنكم خايفين، صحيح أنا عمدة، لكني مش من رجالة الحكومة، عمدة ربطة الفتوة القبلية، مش انا اللي يسلمكوا للحكومة، أنا الشيخ محمد الهمشري، وباعتني مولانا الشيخ شحاتة القصبي!

حسين: (صارخًا فجأة) مدد!

النديم: (وهو يغرق في أحضان الهمشري) على طول المدد!

الأزهري: يا شيخ سيبت ركبنا!

حسين: يا حضرة العمدة دا انا بطني سابت!

النديم: والله زمان يا شيخ همشري!

الهمشري: مسير الحي يتلاقي!

حسين: الحي يا حضرة العمدة!

الهمشري: يا ما لسه ها نفتكر ونحكي، ونقول، قدامنا أيام وأيام، لكن دولقتي يللا بينا!

النديم: يللا بينا فين؟!

الهمشري: ع الفتوة القبلية!

الأزهري: الفتوة القبلية؟!
الهمشري: أيوه، من هنا ورايح ها تقعدوا عندي، في بيتي، ولازم دلوقتي تسيب منية الغرقى!

النديم: دلوقتي دلوقتي؟!

الهمشري: حالًا!

الأزهري: ليه يا شيخ همشري؟!

الهمشري: الشيخ الأزهري شايف كده!

“يناول النديم خطابًا يأخده هذا بلهفة، ويقرأ بصوت عالٍ.”.

النديم: “قم معه، ولا تبرح من عنده حتى يأتيك إذني.”!

الأزهري: وريني كده؟! “يأخذ الخطاب ويقرأ”.

الهمشري: قلتوا إيه؟!

النديم: أنا تحت أمرك، وأمر مولانا القصبي!

الهمشري: على خيرة الله، لم العزال يا صالح!

حسين: عزال إيه يا حضرة العمدة؟!

الهمشري: عزال سيدك!

حسين: ما انا العزال!

“يضحكون”.

النديم: ما عنديش عزال غير الزعبوط والعمة والعكاز والمنديل والشوية الورق دول، مسودة كتاب باكتبه اسمه”كان ويكون”!

الهمشري: إنت من هنا ورايح الشيخ يحى المغربي! جاي من جروان، وقاعد عندي عشان تعلمني العلوم الشرعية، وما بتخرجش من أودتك لأنك راجل صوفي، وبتكره الاختلاط بالناس!

النديم: يعني الزعبوط ما عادش ينفع، عايزين عدة شغل تانية!

الهمشري: قصدك إيه؟!

النديم: لبس المغاربة يعني!

الهمشري: ما تحملش هم، حادبرلك لبس المغاربة، يللا بينا، لم العزال يا صالح!

حسين: لميت أهه! بس ما قلتليش يا عمدة، أنا من هنا ورايح هايكون اسمي إيه؟!

الهمشري: صالح زي ما انت!

حسين: لأ، لازم تشوفولي اسم تاني حالًا، أيوه لما سيدي يغير اسمه، لازم أنا كمان أغير اسمي، ما حدش أحسن من حد، دي فيها راس يا عالم، راس بخمس تلاف جنيه، والأندال كتير!

النديم: من هنا ورايح ها اسميك عارف!

حسين: عارف؟!
النديم: أيوه، على اسم عارف أبو تراب، خدام جمال الدين الأفغاني اللي بتحبه!

حسين: والله فكرة، عارف اسم مش بطال، لكن عارف إيه؟! أنا عارف إمتى ها نخلص م الاستغماية دية!

الهمشري: طب يللا بينا يا عارف!

“يخرج الشيخ الهمشري، ثم النديم، ثم حسين، ثم الأزهري، ويظل المسرح خاليًا، بعد لحظات يُسمع صهيلُ جياد، ثم وقع حوافرها، وهي تنطلق، ثم تبتعد بالتدريج حتى تموت، ثم تسمع ضجة هائلة لأقدام هاجمة، ونداءات عسكرية، يفتح على إثرها باب السرداب، ويتدفق منه رجال البوليس المسلحين، لينتشروا في الغرفة مع الإظلام التدريجي للمسرح.”.

***

“المشهد السابع”

“محكمة”

الرئيس: محمود سامي باشا البارودي!

البارودي: أفندم!

الرئيس: أين كنت في يوم واقعة 9 سبتمبر 1881.

البارودي: كنت حضرت إلى مصر من البلد التي كنت توجهت إليها وأقمت بمنزلي!

الرئيس: كيف بلغتك الواقعة؟!

البارودي: بلغتني الواقعة من الناس!

الرئيس: بلغ القومسيون إن انتهاء تلك الواقعة توجه عرابي، ومر من أمام منزلكم الكائن في عابدين، وطلب ماء، وشرب، وترك لك خبرًا أن المسألة انتهت.

البارودي: أنا أخبرت المجلس أني كنت مقتصرًا في منزلي الكائن في درب الجماميز، ولا أجتمع مع أحد، إنما بلغني أنه حصل ذلك!

الرئيس: من 9سبتمبر سنة 1881، لغاية رجوعك إلى وزارة الجهادية ثانيًا، ألم تجتمع مع أحد؟!

البارودي: لم أجتمع مع أحد!

الرئيس: بعد ذلك كيف كان تنصيبك وزيرًا؟!

البارودي: بواسطة شريف باشا رئيس النظار!

الرئيس: ألم تعلم أن الضباط هم الذين طلبوا تنصيبك؟!

البارودي: لا، وإنما شريف باشا لما كلفني، وقال إني أريد تعينك لنظارة الجهادية، والضباط يريدون أيضًا ذلك، فامتنعت كثيرًا، وبعد كل صعوبة أوجبني للقبول!

الرئيس: إن أغلب الضباط نالوا رتبًا في مدتك، فكيف تتوسط في ترقيتهم، مع علمك بعدم استقامتهم!

البارودي: لم يترق جميعهم في مدتي بل أن ترقيتهم كانت في مدة عرابي!

الرئيس: لكن كان بتصديقك حين كنت رئيس نظار.

البارودي: إن التصديق أمر عادي، أما التصديق فكان موكولًا لقومسيون امتحان مخصوص!

الرئيس: هل كانت أفكارك مطابقة لذلك؟!

البارودي: هذه لا دخل لها في المطابقة!

الرئيس: لكن مسألة ترقي ستمائة ضابط كانت في مدة دخول وجودك رئيس نظار وترقى هذا العدد في آن واحد لم يكن أمرًا عاديًا! فهل كنت تستحسن ترقيتهم مع أن فيهم الميرالات الذين هجموا على عابدين؟

البارودي: لا أدري ما القصد من هذا السؤال؟!

الرئيس: القصد أنك تفيد عن استحسانك بحسب ضميرك!

البارودي: لا لزوم للاستفهام عن الضمائر!

الرئيس: لزوم ذلك هو لأجل أن يعلم المجلس سيرك وضمائرك!

البارودي: أنا في مصر من مدة، ولست حادث الوجود فيها، وسيري واستقامتي معلومان!

الرئيس: لا بأس أيضًا من إيضاح (…)*1 من ذلك أو عدمه!

البارودي: عندي على حد سواء!

الرئيس: هل تعيين عرابي لوكالة الجهادية كان بطلبك؟!

البارودي: نعم!

الرئيس: هل كان تعيينه بعد ذلك ناظرًا للجهادية، وطلب رتبة اللواء له كان بناءً على طلبٍ منك؟!

البارودي: نعم، وضروري أن يُقدم الطلب إلى الحضرة الخديوية حتى يصدر الأمر بالأجابة!

الرئيس: كيف صار طلب مستخدمين من المَلَكِيّة للجهادية دخولهم برتبٍ مع وجود جملة ضباط مستودعين؟!

البارودي: راجعوا التاريخ ليعلم أنه لم يكن في مدتي لأني لستُ متذكرًا!

الرئيس: كيف عينت أحمد عرابي ناظرًا للجهادية، مع كونه من أكبر المخالفين الذين كانوا دائمًا يعملوا هيجانًا، وهجموا على سراي عابدين؟

البارودي: الترقي ربما يكون موجبًا للاستقامة، فإن كثيرًا من الناس الأصاغر المرتكبين مخالفات تحصل استقاماتهم وانتظام سيرهم عندما يبلغون درجة عليا أو يكونون فقراء ويغتنون!

الرئيس: ما أسباب استعفاء الوزارة التي كانت تحت رئاستك!

البارودي: سبب ذلك هو أن قنصلي فرنسا وانكلترا حضرا لديوان الداخلية في وقت انعقاد المجلس، وطالباني وسلماني لائحة اطلعت عليها، وتلوتها على المجلس ثم توجهت للأعتاب السنية لعرضها على الحضرة الفخيمة الخديوية، وكان مطلوبًا بها استعفاء الوزارة، وإبعاد أحمد عرابي وعبد العال وعلي فهمي.

الرئيس: المعلوم أن استعفائكم في ذلك الوقت لم يكن بناءً على اللائحة، بل بناءً على قبول الحضرة الخديوية لها!

البارودي: قبول الحضرة الخديوية لها دليل على أنه يلزم استعفاؤنا، فاستُعفينا!

الرئيس: حيث علم لك أن الخديوي قبل اللائحة فلماذا لم تجمع النظار، وتقبلوها أنتم أيضًا؟!

البارودي: كل إنسان حر في أفكاره. فحتى إن لم أقبلها ما علىَّ سوى الاستعفاء، ومتى تشكلت وزارة آخرى فهي تقبلها، فلم يكن لي صفة في قبولها أو رفضها لأني كنت قد استعفيت من قبل الحضرة الخديوية.

الرئيس: في علمكم أن من ضمن امتيازات الخديوي الحكم فيما يختص بالمستخدمين، فلماذا ذكرتم فيما كتبتموه أن اللائحة تمس حقوق الباب العالي مع أنها مختصة ببعض مستخدمي الحكومة، وزيادة على ذلك أن الخديوي هو المسؤول لدى الباب العالي لا النظار!

البارودي: هذه كانت أفكارنا، وبنينا عليها الاستعفاء!

الرئيس: هل اجتمع الضباط طرفك في أثناء خلوك من الخدمة؟

البارودي: كان أحمد عرابي يحضر لطرفي، ولا يخفى أنه لما كان يتوجه لجهة من الجهات يتبعه كثير من الضباط.

الرئيس: تحررت جملة من عرائض بطلب عزل الخديوي، فهل علمت بشئ من ذلك؟!

البارودي: حصل كثير فيها في منزل أحمد عرابي وهذا معلوم مشهور! ويظهر لي أن بعض الناس يزعم أني عدوًا للأروباويين وعندي دليل لنفي ذلك،وهو أنه قبل دخولي لديوان الأوقاف لم يوجد به إفرنج، ولما تعينت شكلت فيه قلمًا مركبًا من الأورباويين، وزيادة على ذلك إن بعض خدمي الخصوصيين في منزلي من الأورباويين!!

الرئيس: هل بلغك واقعة 11 يونيو 1881 والتي قُتل فيها كثير منهم؟

البارودي: نعم، بلغني.

الرئيس: حيث أن أحمد عرابي كان يحضر لطرفك أحيانًا فما كانت أفكاره في هذا الشأن؟!

البارودي: هذه المسألة شنيعة جدًا، وكل الناس وبالجملة أحمد عرابي استقبحها!

الرئيس: وماذا تظن في شأن منشأها؟

البارودي: لا أعلم!

الرئيس: لما حصل ضرب الإسكندرية نظرت فيها بملابس عسكرية، فهل كان ذلك بناء على طلب؟!

البارودي: لم يكن توجهي بناء على طلب بل في يوم الحرب حضرت تلغرافات رسمية قيل فيها إن الحرب انتشبت بين الحكومة المصرية وبين حكومة الإنجليز فتكون الإرادة عرفية فتوجهت لمجرد الفرجة!

الرئيس: لماذا لبست حينئذٍ ملابس العسكرية؟!

البارودي: لأني عسكري وتوجهت لبلد فيها حرب، ومع ذلك إذا كان شخص عسكريًا يحوز له لبس الملابس العسكرية، وإن لم يكن موظفًا.

الرئيس: لا يمكن لبس الملابس العسكرية إلا بأمر!

البارودي: لا يخفى أن المحاربة حصلت في مصر وكل إنسان يرغب في التوجه، فتوجهت بهذه الملابس لأني كنت عسكريًا!

الرئيس: هل توجهت للفرجة أم للمحاربة؟!

البارودي: للتفرج فقط!

الرئيس: هل كنت بمفردك؟

البارودي: كان معي محمود أفندي صادق!

الرئيس: أين توجهت بعد ذلك؟

البارودي: استرحت بالضبطية، وبعد الاستراحة خرجت ومررت في الشوارع، وفي أثناء مروري تقابلت مع عبد الله النديم، فسألته من جهة قصده فأجابني إنه يمر مثلي، فاستفهمت منه عن محل لقضاء الليلة فيه، فقال إنه إذا وجد أباه في المنزل، يمكننا قضاء الليلة هناك، وقد كان.

الرئيس: ألم يبلغك حريق الإسكندرية؟!

البارودي: نعم، بلغني.

الرئيس: كيف بلغك؟

البارودي: من أفراد كثيرين.

الرئيس: ألم يبلغك كيف حُرقت؟

البارودي: كان موجودًا آلايات بالإسكندرية، فاسألوا أحمد عرابي عمن كانوا هناك!

الرئيس: قل لنا ما تعلمه؟

البارودي: قيلت أخبار مختلفة منها أن بعض أروام كانت مختفية بالمنازل، ولما خلت البلد، خرجوا ونهبوا وأحرقوا، وقيل إن البرابرة اشتركوا معهم في هذا الفعل، وقيل إن العساكر هم الذين أجروا ذلك!

الرئيس: بعد حضورك لمص هل بلغك أن الخديوي عزل أحمد عرابي ام لا؟!

البارودي: لما توجهت لديوان الداخلية في الجمعية الأولى، بلغني ذلك ووجدت  أناسًا كثيرين هناك! وفي تاني مجلس توجهت أيضًا، وتُلي علينا تلغراف بعزل أحمد عرابي من نظارة الجهادية، فقال جميع الحاضرين، بأنه لا يُعزل لاستمرار المحاربة!

الرئيس: وهل كان رأيك ايضًا كذلك؟!

البارودي: كان رأي الجميع!

الرئيس: ماذا كان رأيك الخصوصي؟!

البارودي: لم أتفوه بكلمة، إنما تلوْا ورقة، وختم عليها جميع الحاضرين، وأنا بالجملة!

الرئيس: هل ختمت تلك الورقة برضاك أم بالجبر؟!

البارودي: ختمت لأني رأيت تلك أغلب الناس من عظماء البلد ختموا!

الرئيس: ألم يحصل جبر أو تخويف؟!

البارودي: الخوف كان موجودًا عمومًا من الأصل فإن لنا عيالًا وأموالًا، وربما لو امتنعنا لمسها ضرر!

الرئيس: ممن الخوف؟!

البارودي: من العسكرية بالنظر لما حصل في الإسكندرية!

الرئيس: هل ختمت بسبب ذلك الخوف؟!

البارودي: ختمت بناء على أغلبية الآراء وفي نوادر العسكرية ما حصل لي، وهو أنه بعد سقوط وزارتنا بيوم كنت بمنزلي بالسلاملك بمفردي دخل عليّ محمد عبيد شاهرًا سيفه، وقال لي لماذا استعفيت؟ هل يُستعفى أحدٌ في هذا الوقت الصعب؟ هل ترغب حصول شئ مضر؟!

الرئيس: هذا دليل على أنك ختمت جبرًا!

البارودي: معلوم أن زمرة العسكرية كانت معادية للجميع، ولهذه الزمرة نوادر آخرى كثيرة من هذا القبيل منعتني من السفر مع حريمي بعد أن تأهبت لذلك فإنهم قالوا وقتئذ إن من يخرج من البلد لا نسمح له بالعودة إليها، بل تنهب أمواله وتحرق أملاكه!

الرئيس: وعن تفوه بهذه التهديدات؟!

البارودي: (نفر) من زمرة العصاة!

الرئيس: ما هي أسماؤهم؟!

البارودي: لا يمكنني ذكر أسمائهم ولو عاقبتموني!

الرئيس: كيف تعينت قومندان فرقة الصالحية؟!

البارودي: حضر تلغرفان من أحمد عرابي بذلك!

الرئيس: يعلم من ذلك أنك أجبرت!

البارودي: نعم.

الرئيس: حيث أنك أجبرت فلماذا لم تتوجه لطرف الحضرة الخديوية لما ذهبت للصالحية؟!

البارودي: لا يمكنني ذلك لوجود العساكر فإنهم ربما كانوا يلحقون بي أذًى!

الرئيس: زعم كثيرون من المسؤولين أنهم لم يجروا ما أجروه إلا خوفًا فممن كان الخوف؟

البارودي: من العسكرية!

الرئيس: لا يمكن الخوف من عموم العسكرية، بل لابد أنه كان من الرؤوس، فقل لنا من هم؟

البارودي: قلت إن الخوف كان من الهيئة العسكرية عمومًا فإنها كانت متحدة، ومركبة من الرؤساء، ويتبعهم الخائفون.

الرئيس: في ذات يوم توجهت لقشلاق عابدين، وجمعت الضباط، وأحضرت الشيخ محمد عبده، وحلفتهم يمينًا، فلماذا كان هذا اليمين، وما هو؟

البارودي: لم يحدث ذلك!

الرئيس: ألم تجتمعوا أبدًا في قشلاق عابدين، وتحلفوا ذلك اليمين؟ ألم تجمع الضباط وتحلفهم؟

البارودي: لم أدخل لقشلاق عابدين، لما كنت رئيس مجلس النظار، إلا بعلم الحضرة الخديوية، ولم أجمع في ذلك الوقت الضباط، وأحلفهم يمينًا!

الرئيس: يعقوب باشا والشيخ محمد عبده كانا حاضرين في القشلاق، وقالا إنه صار جميع الضباط، وتحليفهم اليمين بمعرفة أحدهما،(هكذا قال) الشيخ محمد عبده، بناء على أمرك، وطلبك وبحضورك بالقشلاق، فإذا حضرا وأقرا بذلك أمامك، فما قولك؟

البارودي: إذا حضرا وقالا ذلك أكذبهما!

الرئيس: أحضروا الشيخ محمد عبده!

“يدخل الشيخ محمد عبده.”.

لما سألناك عما إذا كنت توجهت لقشلاق عابدين، وحلفت الضباط الذين كانوا مجتمعين هناك يمينُا بحضور محمود باشا سامي أم لا، فماذا قلت؟

محمد عبده: قلت حصل!

الرئيس: محمود باشا أنكر ذلك!

محمد عبده: في مدة وزارته توجهنا للقشلاق، وكان معي محمود باشا، وصار تحليف الضباط، وهو حلف أيضًا!

الرئيس: ماذا تقول يا محمود باشا؟

البارودي: أقول إن هذا لم يحصل، نعم توجهت للقشلاق مرارًا، ولكن لم يكن الشيخ محمد عبده معي!

الرئيس: صار تحليف الضباط أم لا؟!

البارودي: الضباط حلفوا جملة يمينات، لكن بغير وساطتي!

الرئيس: نحن نسألك عن الذي كان بواسطتك وحضورك!

البارودي: لم يحصل ذلك البتة والشيخ محمد عبده يكذب!

الرئيس: ماذا تقول يا شيخ محمد؟

محمد عبده: أقول إنه كان طلبني، وتوجهنا وحلف الضباط اليمين على مصحف كان موجودًا هناك، وجميع الحاضرين وضعوا أيديهم عليه، وبالجملة هو!

الرئيس: أحضروا يعقوب باشا سامي!

“يدخل يعقوب سامي.”.

أنت أخبرتنا أن الضباط توجهوا إلى قشلاق عابدين، وكان محمود باشا سامي هناك، وحلفوا يمينًا، ولما سألنا محمود باشا عن ذلك أنكر فماذا تقول؟!

يعقوب: الإنكار عيب منه، “ثم إلى البارودي” ألم تحلف معهم؟

البارودي: حلفت بدلًا من المرة خمسًا، بعضها في القشلاق، إنما لم يكن بالصفة التي ذكرت!

الرئيس: ألم تحلف، وأنت رئيس مجلس النظار مع الضباط، بالكيفية التي ذكرت؟!

البارودي: لم أتذكر أنه حصل ذلك قطعًا!

الرئيس: لما تعينت بالصالحية، قلت لنا إنك قبلت بسبب تهديد يعقوب باشا، ولما سُئل يعقوب باشا عن ذلك، قال إنه لم يحصل منه تهديد لك، بل أنت توجهت برغبتك فما تقول؟!

البارودي: لم أقل إنه هددني!

الرئيس: هل سافرت إذن متطوعًا برغبتك؟!

البارودي: كانت الحالة وقتئذٍ حالة حرب، وكان موجودًا مجلس عرفي، فهل تعين أحد وتأخر؟!

الرئيس: موجود تلغرافات منك تثبت عدم وجود خوف عندك، بل تثبت الاهتمام الزائد منك!

البارودي: قلت إن عندي خوف من عبيد لأنه أشهر السيف عليَّ في منزلي في إحدى المرات، ونفس عرابي كان خائفًا من ضباط آخرين!

الرئيس: ها هو أحد التلغرافات سيُتلى عليك!

العضو:” من سامي لعرابي، إن وافق يسأل من أحمد عرابي بك، ناشد المهندس، عما إذا كان يمكنه تفريق أراضي الشرقية والقليوبية بواسطة قطع جسور الشرقاوية والترعة الإسماعيلية، كي لا يكون للعدو طريق لمصر خلاف الخانكة.”.

الرئيس: كتبتَ هذا التلغراف أم لا؟!

البارودي: نعم كتبتُ هذا التلغراف!

الرئيس: لمَ كتبته؟!

البارودي: حيث أننا كنا نحارب، ويلزم أجراء جميع ما تقتضيه المحاربة!

الرئيس: قلت إنك توجهت على غير رغبتك فإنك لو تمكنت من الهرب لهربت، فمن كانت هذه أفكاره، لا يجوز له أن يحرر مثل هذا التلغراف!

البارودي: هذا التلغراف حررته جوابًا لأحمد عرابي عن تلغراف سبق وروده إلىَّ منه بالاستفهام!

الرئيس: يعاد محمود باشا سامي البارودي إلى السجن!

العضو: يعاد محمود باشا سامي البارودي إلى السجن!

 

“المشهد الثامن”

“غرفة مظلمة في منزل الهمشري، كنبة استامبولي، وسرير، ومائدة صغيرة، ومصباح زيتي، بحيث تبدو الغرفة أروح نسبيًا من غرفة الأزهري.”.

حسين(كالندابة) رحنا بلاش! رحنا بلاش!

النديم: يا واد طول بالك، هيه، وبعدين يا شيخ همشري!

الهمشري: دخلت ع الخواجة لقيته قاعد في وسط شوية خواجات، ومعاهم تلاتة، تلاتة من مشايخ البلد!

حسين: رحنا بلاش! رحنا بلاش!

النديم: يا واد اخرس، هيه؟

الهمشري: وبعد التحية قدمت له الجواب بتاعك، قرأه واداه لمراته قريته، ورجعتهوله.

النديم: هيه!

الهمشري: قطعه ورماه، وفات كام ثانية، قول كام سنة، وأنا واقف متلبش تمام زي اللي مستنى تنفيذ حكم الإعدام!

حسين: الله اكبر، حي، دايم، رحنا بلاش!

النديم: يا ابني اعمل معروف اخرس، وبعدين!

الهمشري: فضلت متسمر قدامه، إنه ينطق ما ينطقشن والأرض تحتي عماله تعلى وتوطى زي ما اكون واقف على زلزال، وفين وفين على ما بص لي حضرته، وقال لي كلام ولا الفوازير، ما فهمتلوش معنى!

النديم: قال لك إيه؟!

الهمشري: قال لي أقول لك، إيّاك تتصرف في البلغ اللي اداهولك، وبعدين تتحجج وتقول كنت مضطر!

النديم: مبلغ إيه اللي اداهولي؟!

الهمشري: بتسألني أنا؟!

النديم: هيه، وقال إيه كمان؟!

الهمشري: وأي مبلغ ليّ ف ذمة أي إنسان إحفظه عندك لحد ما اجيلك ونتحاسب!

النديم: نتحاسب على إيه؟!

الهمشري: وأنا إيش عرفني؟!

حسين: ودي عايزه نباهه؟ ع الست آلاف جنيه طبعًا!

الهمشري: ست آلاف بتوع إيه؟!

حسين: ثمن راسي وراس الشيخ يحيى المغربي!

النديم: الله لا يكسبك، سيبك منه يا شيخ همشري، هيه؟ كمل، قال إيه تاني الخواجة جان؟!

الهمشري: بيقول لك! إوعى تمد إيدك لأي بنك، أو لأي خواجة غيري، وإلا مش ها تخلص من المحاكم، وضروري هاتحكم ضدك!

حسين: حي، دايم، رحنا بلاش!

النديم: وإيه تاني؟!

الهمشري: وكان الله يحب المحسنين!

حسين: إنا لله، وإنا إليه راجعون!

النديم: يا حسين خليك راجل!

حسين: هو فيه راجل من غير راس؟! ما كنت راجل، وفضلت معاك راجل، لحد ما سلمت راسي للخواجة الفرنساوي بتاعك! كان مالنا احنا، ومال الخواجات؟!

الهمشري: الحق مش عليك انت، الحق عليّ أنا اللي سمعت كلامك، أنا اللي استاهل، ما كانش يصح أبدًا أهاودك في مسألة زي دي، مسألة حياة أو موت!

حسين: آه، آه، آه يا راسي!

الهمشري: دانا مش مآمن عليك أولادي، ولادي اللي ساكنين معاك هنا في نفس البيت، وما حدش فيهم يعرف انت مين، أقوم أآمن لواحد خواجة؟!

حسين: خواجة يا عالم؟!

الهمشري: هو الواحد يآمن في الأيام دي للمصري لما ها يآمن للخواجة؟

حسين: خواجة يا ناس؟!

الهمشري: أروح أنا بجواب منك وأقول له إنك مستخبي عندي، وكمان كنت عايزني أجيبه على إيدي لحد هنا؟!

حسين: أمال، عشان يقبض!

النديم: لكن ده صديقي من زمان، من زمان خالص!

الهمشري: هو عاد فيه في الزمان ده صداقه؟!

حسين: قوله والنبي! هو خنفس مش كان صديق عرابي؟!

الهمشري: داحنا ف زمن إن جالك الطوفان! صداقة إيه يا أستاذ، هم اللي بينهشوا في عرابي النهاردة، مش كانوا أعز أصدقائه؟

حسين: قال وإيه، خد بالك يا حسين، خد بالك يا صالح، خد بالك يا عارف، خد بالك يا هباب، ياللي ما تتسماش، إوعى تغلط لنروح طوكر، الخنافس كتير يا حسين، الأندال كتير يا صالح، ولاد الحرام كتير يا عارف، وبعدين، وبعدين نروح احنا برجلينا للمشنقة، نسلم روسنا للخواجات كده،زي الحلاوة، نبعت لهم جوابات نقول لهم احنا هنا! مستخبين في الفتوة القبلية، في بيت العمدة، اتفضلوا زرونا، زرونا تجدوا ما يسركم، اتفضلوا اقبضوا علينا، واقبضوا الست آلاف جنيه، وابقوا خلونا نشوفكم، حد يعمل كده؟! طب بلاش راسي وراسك، حد يفرط في ست آلاف جنيه؟! بلاش كده، حد يستخسرها في أندال بلده، ويديها لأندال فرنسا؟! للخواجات؟! هم الخواجات محتاجين؟! مش كانوا أولاد بلدنا أولى بالجايزة؟ مش جحا أولى بلحم طوره، ولا احنا كده زي القرع لازم نفرش لبره؟! ع الأقل ولاد بلدنا كانوا ها يقروا علينا قرآن، إنما الخواجة ها يقرى علينا إيه؟!

النديم: يا واد بطل هلضمة!

الهمشري: سيبه، سيبه يفضفض، والله لولا الملامة لأقعد أندب معاه!

النديم: يا شيخ همشري أنا أعرف الخواجه جان كويس!

حسين: اللي تعرفه ألعن م اللي ما تعرفوش!

النديم: أعرفه كويس، ومالي إيدي منه، مش ممكن يسلمنا، مش ممكن، مستحيل، دا ما رضيش يهاجر أيام الثورة زي بقيت الأجانب، وفضل في مصر عشان يبقى قريب م الحوادث ويسجلها أول بأول!

حسين: والله تلاقيه ما اقعد إلا عشان الجايزة، أمال، بخت، قسمة، ونصيب، مكتوباله، ناس موعودة، ناس لها حظ، راسين مرة واحدة، عصفورين بحجر، ألف وخمس تلاف، ست آلاف جنيه! في خبطة واحدة! عوضنا على الله!

الهمشري: أنا قلبي كان حاسس بكده مالأول، شئ جواي كان بيقوللي ارجع، ارجع يا شيخ همشري، ها تودي نفسك وتودي النديم في داهية!

حسين: وما فكرتش فيَّ؟ في الغلبان؟

الهمشري: فكرت، فكرت!

حسين: يا سيدي كتر خيرك!

الهمشري: كنت بقدم رجل وآخر رجل، وأقول في كل خطوة أشهد ألا إله إلا الله!

حسين: وأن محمدًا رسول الله! “وينهض بجدية تامة”، سعيكم مشكور، البقية في حياتكم، لكنها لها، أنتم السابقون، ونحن اللاحقون، لا أراكم الله مكروهًا في عزيز لديكم، الله يرحمنا بقى، كنا ناس طيبين، والله تلاتة كنا ناس طيبين، الدنيا كده، ماتخطفش إلا الطيبين، ما يقعد على المداود إلا شر البقر، ما دايم إلا وجه الله الرجمن، الفاتحة، الفاتحة على روحنا!

النديم: ياهباب انهدّ، انهد واقعد لاحسن أكسر راسك!

حسين: تكسرها؟ ليه؟ ناوي تبيعها قطاعي؟ ناوي تفك الخمس تلاف جنيه؟!

الهمشري: اهدى يا حسين..اهدى يا بني اعمل معروف!

حسين: أهدا ازاي يا شيخ همشري، دا فيها مشنقة!

الهمشري: يا ريت ع المشنقة وبس، كانت هانت!

حسين: آه، بسيطة!

الهمشري: إنما شرفي، شرفي يا شيخ عبدالله، طبّ أقول إيه لسيدنا الشيخ القصبي؟ أقول إيه للعمد والأعيان؟! أقول إيه للناس، لأهالي الفتوة القبلية، والجيرة، وجيرة الجيرة، يقولوا عليّ إيه لما يعرفوا إنك كنت مستخبي عندي، وانقبض عليك في بيتي؟! يا ترى ها يفهموا إنك إنت اللي صممت، وغصبت عليّ أودي الجواب للخواجة! حد يصدق دي؟ حد ها يصدق إنك إنت اللي سلمتني، وسلمت نفسك، ولا هايقولوا الشيخ الهمشري والس مع الخواجة جان عشان طمعان في الجايزة!

حسين: والجايزة تروش!

الهمشري: وعشان عمدة، يعني راجل من رجالة الحكومة، يعني أنا بقيت خاين، يعني العار هايلطمني، ويلطخ ولادي طول العمر.

النديم: الحقيقة يا شيخ همشري، الحقيقة إنت مشيت من هنا وانا الفار ابتدا يلعب في عبي من هنا!

حسين: فار؟! دا انا الخنافس في عبي عامله زار، ذكر بيومي، مولد!

النديم: فضل عقلي يودي ويجيب، وفضلت قاعد مستنيك على نار لحد ماجيت!

الهمشري: وكل ده كان ليه؟ ماكنا بخير!

حسين: ماكنا محبوسين هنا ف أمان الله، وروسنا على أكتافنا وخيرنا كافي شرنا!

الهمشري: ما كانتش مستاهلة يعني، بناقص كتاب، إن شالله يا أخي ما كان عنه انكتب، يعني البخاري!

النديم: زي البخاري يا شيخ همشري!

الهمشري: يا سيدي ولو!

النديم: كان لازم أكمله، لازم!

الهمشري: وهيه يعني كانت حبكت!

النديم: أيوه حبكت يا شيخ همشري، حبكت وحبكت وحبكت، فيه ناس بيحاولوا يشوهوا الثورة، بيحاولوا يزيفوا تاريخها، بيمسخوا صورتها، بيفتروا عليها وعلينا، بيقلبوا الحق باطل والباطل حق، بيصوروا الخونة أبطال، والأبطال خونة، وكان لازم أسجل الحقيقة للناس وللتاريخ ولوجه الله، والحق. ولو عشان خاطر عرابي وزملائه الغلابة اللي في المنفى، لكن الحقيقة محتاجة أدلة، محتاجة وثائق، مستندات، مراجع، وخصوصًا المراجع الأجنبية، والخواجة جان هو اللي يقدر يوفر لي ده كله، لأنه عاصر الثورة يوم بيوم، لحظة بلحظة، ثم، ثم ده فرنساوي، فرنساوي يعني بيكره الإنجيز زينا تمام!

الهمشري: يكره الإنجليز جايز، لكن ده مش معناه إنه بيحبنا!

النديم: لأ، أنا أعرف إنه بيحبنا!! بيحب مصر!

الهمشري: نعجة واتنين ديابه، الديبين بيكرهوا بعض قدّ ما بيحبوا النعجة، ما احنا جربنا الفرنساويين قبل ما نجرب الانجليز!

حسين: أكلك منين يا بطة!

النديم: بتقول قال لك إيه؟

الهمشري: اللي قولتهولك بالحرف!

النديم: أيوه، يعني قال لك إيه؟!

الهمشري: احنا هانعيده؟!

النديم: معلهش!

الهمشري: معلهش إيه؟ هو موال؟!

حسين: أجيب منين ناس لمعناة الكلام يتلوه!

النديم: قالك إيه يا شيخ همشري؟!

الهمشري: “بنفاد صبر وآلية” إيّاك تتصرف في المبلغ اللي اداهولك، وبعدين تتبجح، وتقول كنت مضطر!

النديم: هيه!

الهمشري: وأي مبلغ ليه في ذمة أي إنسان إحفظه عندك لحدّ ما أجيلك، ونتحاسب!

النديم: أي مبلغ؟! ليه؟ في ذمة أي إنسان!

الهمشري: إحفظه عندك!

النديم: لحد ما أجيلك،ونتحاسب، لحد ما أجيلك!!؟

الهمشري: ونتحاسب!

النديم: يعني جاي! الخواجة جان بيقول إنه جاي!

الهمشري: جاي فين؟!

النديم: جاي هنا! الفتوة القبلية!

حسين: تحصل البركة!

النديم: هيه، كمل!

الهمشري: واوعى تمد إيدك لأي بنك أو لأي خواجة غيري!

النديم: أو لأي خواجة غيري، يعني، إنت ما غلطش لما مديت إيدك لي، مع إني خواجة، لكن إوعى تآمن لخواجة تاني غيري، ليه؟! ليه يا شيخ همشري؟!

الهمشري: وإلا مش ها تخلص م المحاكم؟!

النديم: يعني لحسن يسلمك للحكومة، وتتحاكم!

الهمشري: وضروري المحاكم ها تحكم ضدك!

النديم: فيه أوضح من كده؟! أنا مش قلت لك يا شيخ همشري؟ مش قلت لك الخواجات كلهم كوم، وجان لوحده كوم؟ مش ممكن جان يخوني، مستحيل يكون خاين! إنت مش بتقول إنه قرأ الجواب، واداه لمراته تقراه، وبعدين خده منها وقطعه ورماه؟!

الهمشري: أيوه!

النديم: قطعه ورماه ليه إذا كان ناوي يسلمني؟! مش دا كان دليل في إيده؟! اللي يقطع الدليل اللي ضدي مش ممكن يكون ضدي!

حسين: معقوله!

الهمشري: لكن، أنا قلبي برضو مش مطمن!

“طرق على الباب.”.

“يذهب الشيخ الهمشري إلى الباب، ويفتحه فيدخل خادمه جابر، رجل في الستين من عمره.”.

خير يا جابر!

جابر: سعادة البيه المأمور وصل يا سيدي!

الهمشري: المأمور؟!

“الجميع يتبادلون النظر في صمت مذعور.”.

إيه اللي جابه دلوقتي؟!

حسين: الخواجة جان!

الهمشري: معاه قوة؟!

جابر: معاه ضابط واربع عساكر!

حسين: مدد يا شيخ قصبي!

الهمشري: دخلتهم المندرة؟!

جابر: أيوه يا سيدي!

الهمشري: طب يا جابر، أنا جاي حالًا، اسبقني انت واعمل لهم القهوة.

“يستدير جابر ليخرج فيستوقفه الهمشري.”.

إسمع يا جابر.

جابر: أيوه ياسيدي!

الهمشري: هات جلابيتين حالًا، جلابيتين حريمي، واحده كبيرة، وواحدة صغيره، وطرحتين، ومندلين، وبرقعين، بسرعة يا جابر، بسرعة..

جابر: حاضر يا سيدي.

“يخرج”.

النديم: جلابيتين حريمي عشان إيه؟!

الهمشري: عشانك وعشان حسين!

حسين: ليه؟ هاتسموني سوسن؟!

الهمشري: إذا فتشوا البيت ما افتكرش هايفتشوا الحريم، لكن إذا عملوها يبقى لازم ها يدخلوا هنا، والأودة دي بتفتح ع الحريم من هنا، ولو وصلوللها بنبقى عاملين احتياطنا! ما عليك إلا أنك تلبس الهدوم اللي يجيبها جابر، وتغير صوتك وتعمل..

النديم:(مقاطعًا) مفهوم، مفهوم!

حسين: يعمل إيه يا شيخ همشري؟!

النديم: يا واد اختش!

حسين: لأ، ما هو لازم أفهم، الحكاية دي تهمني قد ما تهمك تمام، دا حتى أكتر، أنا راسي بخمس تلاف جنيه، وراسك بألف، يعني تهمني قدك خمس مرات، قول يا شيخ همشري، يغير صوته، ويعمل إيه؟!

النديم: يا واد عيب!

حسين: عيب؟! والجوابات اللي بتبعتها للخواجات في الزمن ده اللي ما يعلم بيه إلا ربنا مش عيب؟! طب أهو الخواجه جاب المأمور والمأمور جاب الضابط، والضابط جاب عساكر، والعساكر هايجيبوا روسنا الأرض!

الهمشري: مش وقته يا حسين، إنت كمان تغير صوتك وتعمل مره!

حسين: أعمل إيه؟!

الهمشري: بنت يعني!

حسين: هم جايين يخطبونا؟!

الهمشري: لأ، يقبضوا عليكم!

حسين: ماتفرقش، دي غويشة، ودا كلبش، بس يا خسارة، لا طبلة، ولا نقطة، ولا حتى زغروطة، فرح سكيتي يا حسرة، زي فرح الأرامل، لو كانت أمي هنا كان زمانها بتزرغط، كان نفسها تخلف بنات، يا ما قالت لي أنا عارفه ليه ما خلفتش بنت؟! وأهه ربنا حقق أملها، إتمخطري يا حلوة يا زينه، يا ورده من جوه جنينه.

“يدخل جابر”.

أهي الماشطة جت!

“الهمشري يتناول الملابس من جابر.”:

روح إنت معاهم يا جابر”يخرج جابر” إلبس دول يا شيخ عبد الله”وهو يناوله الملابس، وإنت يا حسين إلبس دول، أنا راجع لكم حالًا، “يخرج”.

“الشيخ النديم ينزوي في ركن، ويبدأ في ارتداء الملابس الحريمي، بينما يتأمل حسين الملابس قطعة، قطعة.”.

حسين: الجلابية ساتان؟! والله كتر خيرهم، وبكورنيش؟ يا سلام ع الذوق، آخر موضة! ومنديل بأوية كمان؟! والله ولا ألمظ”يتكلم بصوت نسائي فور ارتداء الجلابية”.*2

**

“المشهد الثامن”*2

العضو: وكذلك، إذا حضرت عساكر شاهانية!

كورس: قيام للسلطان التركي!

“الجميع ينهضون”

-مش احنا بس، أنتو كمان لازم تقوموا، لازم تمثلوا معانا، أيوه، لازم تقوموا، يا كده، يا هنقفل الستارة! إحنا مش بنهزر، الهزار بقى جد، والجد بقى هزار، بحق مصر، بحق تاريخ مصر، بحق كل الشهداء، بحق بحور الدم اللي سالت من خمس تلاف سنة، بحق جدودكم، وجدود جدودكم، بحق أمهاتكم، بحق أمهاتكم، بحق أولادكم وبناتكم، بحق أحفادكم، بحق النيل، وأرض النيل، بحق كل الذين قتلوا في سبيل الله، قيام للسلطان التركي، كمل يا جناب العضو!

العضو: وكذلك إذا حضرت عساكر شاهانية، فالحكومة الإنجليزية تحترمهم، وتسلم المدينة..

كورس: كتر خير الحكومة الإنجليزية..

-يعني جيش عرابي، جيش مصر، أم الدنيا، جيش غير منتظم..

-وغيرممتثل!

-وغير مؤتمن!

-منتظم في إيه؟!

-في خدمة الاستعمار!

-وممتثل لإيه؟

-لإدارة وأوامر الديابة!

-ومؤتمن على إيه؟

-يا ترى على مصر؟!

-لأ، على الخديوي!

-ومادام كده، يبقى الأميرال الإنجليزي على حق..

-ما فيش في مصر جيش..

-وجيش عرابي مش جيش..

-مش جيش منتظم، وممتثل، ومؤتمن..

-يبقى إيه؟!

-يمكن غفر!

-وعشان كده!

العضو: فقد تحقق من هذا أن الدولة الإنجليزية ليست محاربة مع الحكومة الخديوية..

كورس: تبقى جاية تحارب مين؟!

العضو: وأنه تقرر من كافة الدول المعظمة..

كورس: ما عدا مصر..

العضو: بأنه لا يصير مس امتيازات الحكومة ولا حريتها!

كورس: حد يقدر!

العضو: ولا مس حقوق الدولة العلية!

كورس: حاشا لله!

العضو: بل هي تبقى ثابتة لما كانت..

كورس: حكم القوي على الضعيف!

-حاضر.

-بس علشان إيه ده كله!

العضو: لأجل استتباب الراحة بمصر.

كورس: راحة مين؟

-ومين اللي تعبان؟!

-تعبكم راحة!

-وراحتكم تعب!

-لكن مين يقرا، ومين يسمع؟!

العضو: فلذلك، يلزم أن تصرفوا النظر عن جمع العساكر، وعن كافة التجهيزات الحربية التي بوصول أمرنا هذا..

كورس: أمركم مطاع..

-وأطيعوا أولي الأمر منكم..

-ما قالش سبحانه، أولي الأساطيل!

-ما قالش سبجانه، أولي الخديوية!

-ما قالش سبحانه، أولي الشاهانية!

-إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها!

-وجعلوا أعزة أهلها أذلة!

-وكان وراءهم ملك!

-يأخذ كل سفينة غصبًا!

-وعشان كده، صدر الأمر لعرابي ورجالته!

العضو: وتحضروا حالأ إلى سراي رأس التين!

كورس: سراي رأس التين في إسكندرية!

-وإسكندرية انضربت!

-والنار لسه مولعة فيها!

-لكن الإنجليز احتلوها!

-وعرابي، انسحب لكفر الدوار!

-يبقى عايز عرابي يرجع إسكندرية ليه؟

-ولراس التين ليه؟

العضو: لأجل إعطاء التنبيهات المقتضية الشفاهية على حسب أمرنا هذا، وما استقر عليه رأي مجلس النظار!

كورس: بالمفتشر، تعالى يا عرابي!

-تعالى سلم!

الرئيس: الأمر ده وصل لك ولا لأ، وامتى وصل؟!

عرابي: وصل الأمر، لكن مش فاكر وصل أمتى!

الرئيس: ليه ما نفذتش أمر الخديو، وليه ما رحتش بناءً عليه للأعتاب السنية، زي ما راحوا كل الوزراء؟!

عرابي: الحرب اللي جرت ما لهاش مثيل، دي مش حرب، دي حاجة غريبة!

كورس: ده كلام عرابي بالحرف!

-بس وارد في الوثائق اللي انتشرت قريب، بالفصحى.

-ومش مهم كان بيتكلم بالفصحى ولا بالعامية!

-المهم قال إيه؟!

-وإيه الحكاية؟!

-الحكاية حكاية حرب!

-ومافيش مدافع بتضرب بالفصحى!

-ولا مدافع بتضرب بالعامية!

-المدافع بتضرب قنابل!

-يا ترى مدافع الأسطول الإنجليزي، كانت بتضرب قنابل بالإنجليزي..

-ولا طوابي إسكندرية اللي اتهدمت، كانت بتضرب قنابل بالعامية..

-يعني ما تدقوش!

-ما احنا ف محكمة!

-لأ، في مولد!

-لأ، في مسرح!

-لأ، لا ف محكمة، ولا ف مولد، ولا ف مسرح!

-أمال في إيه؟

-في آخر زمن!

-يا ترى الزمن له كام آخر؟!

-جدودنا كانوا بيقولوا على زمانهم،آخر زمن!

-وأبهاتنا كانوا بيقولوا على زمانهم آخر ومن!

-واحنا بنقول على زماننا، آخر زمن!

-نصدق مين؟ ونكدب مين!

-اللي له أول له آخر!

-اللي قبلنا قالوها!

-واحنا مش عارفين أوله إيه!

-يبقى إزاي هانعرف آخره إيه؟

-المهم، خلوا الراجل يتكلم..

-راجل من ضهر راجل..

-راجل ولا كل الرجاله..

-بس آه..

-آه من زنقة السبع!

-لما تتكتف للكلاب!

عرابي: الحرب اللي بتقولوا عليها، بدأت بناءً على قرار من مجلس مؤلف من النظار، والذوات، الذوات الاختيارية، وتحت رئاسة الحضرة الخديوية، وبحضور أعضاء الوفد العثماني..

كورس: يا قميص عثمان!

-يا لعبة الاستغماية!

-عثمان بالفصحى، يعني تعبان!

-يا ترى صدفه، ولا اتفاق، ولا معاهدة!

-ولا لعبة التلات ورقات!

-لقد عكرت علىَّ الماء!

عرابي: يعني الحرب أعلنت بناءً على الحق والقانون، وبعد خروج العساكر من إسكندرية!

كورس: يعني بعد ما انضربت إسكندرية!

-وانسحاب جيش عرابي من إسكندرية!

-واحتل الجيش الإنجليزي!

-المنتظم، الممتثل، المؤتمن على عرش الخديوي، وعلى الحكومة الخديوية!

-إسكندرية..

-حصل إيه يا عرابي؟!

-عرابي، فيها شئ من عرابي!

-وعرابي حسيب!

-ونسيب!

عرابي: توجه الجناب الخديوي من سراي الرمل لاسكندرية، اللي أهلها وجيشها هجروها!

الرئيس: هاجروا منها!

عرابي: فلما بلغني اللي حصل إتأكدت من أن انتقال جنابه العالي لإسكندرية…

 

“ستار”

 ………………………………………………………….

هوامش:

1-غير واضحة المعنى، ما كتبه الأستاذ ” لا بأس من إيضاح (مسرورتيك) من ذلك أو عدمها” لا أدري معناها، فكتبتها في الهامش كما هي لعل أحد القراء يكون أكثر فطانة وذكاء من المحرر. “م.ف”.

2- كتب نجيب سرور ملاحظة في هامش صفحة المخطوطة الثانية من المسرحية، “تكملة المشهد الثامن في تاريخ 6 سبتمبر سنة 1967.”.

 

مقالات من نفس القسم