كيف يصبح شاعر مبتديء أميراً للشعراء في أبوظبي ؟

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

رهام محمود*

توالت الانتقادات اللاذعة حول مسابقة "أمير الشعراء" التي تقيمها هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، والتي يفوز فيها "الأمير" أو الشاعر  بمليون درهم، كما يفوز ثلاثة آخرون من الشعراء الشباب بجوائز مالية قيمة ؛ فبينما يشكك البعض في لجنة التحكيم، يرى آخرون أن لقب "أمير الشعراء" هو اللقب الذي أطلق على أحمد شوقي ويجب ألا يطلق إلا عليه ، وفريق آخر يرى أنها تنمي تذوق الشعر لدى العامة . ولأن المسابقة يتابعها آلاف المشاهدين العرب عبر فضائية أبوظبي ، فقد استطلعنا آراء بعض النقاد والشعراء والمثقفين عن جدواها .. وجاءت الردود كالتالي .

الشاعر والناقد العراقي د. مقداد رحيم قال : المسابقة مضمار لا يستطيع كل المتسابقين بلوغه لأسباب كثيرة ليس مِن بينها القدرة والكفاية والإبداع؛ ولذلك فإن في تأمير شاعرٍ على مجموعة الشعراء يعد إجحافاً وظلماً لمن لم يستطع بلوغ ذلك المضمار، وإعلاءً لِمن بلغه وليس هو بأجدر مِن سواه، فضلاً عن إثارة الحساسيات والضغائن في مجتمعات بدوية أو تكاد أنْ تكون!، والقضية أولاً وأخيراً موكولة بذوق الناقدين والحاكمين ومتى اتفقوا في الحكم على فنون الإبداع؟.

ثم ما الذي يحوج الشعراء إلى أميرٍ دون إمارة؟.. أميرٍ يأخذ جائزته ثم يولِّي الأدبار لا يسأل عن رعيته، وليس بين يديه بيت مالٍ غير ما يتقوت به من الجائزة، ولا صلاحيات غير ما يُحب أنْ يُنادَى به الأمير!.

ويدعو رحيم لتغيير نظام المسابقة ، بحيث تكون المشاركة متاحة لجميع الشعراء لتقديم نصوصهم الإبداعية للهيئة المشرفة على مسابقة “أمير الشعراء” ، وتقوم الهيئة بدورها بطباعة ما هو جدير دال على إبداع حقيقي من الدواوين ونشرها على نفقتها، فتحمي وجوه الشعراء المبدعين من مذلة الحاجة إلى طبعها على نفقاتهم الخاصة وأغلبهم غير قادرين، وتحاشي جشع الناشرين ، وفِعْل مثل هذا لأصحاب القصة والرواية، في زمنٍ ينحسر فيه دعم الهيئات الرسمية لنشر الإبداع فيُضطر المبدعون إلى جمع الأموال، إذا توفرتْ، لينفقوها على نشر إبداعهم.

أليس من الجدير بهذه الهيئة أنْ تفعل ذلك بدلاً من تبذير الأموال الطائلة في مثل هذه المسابقات التي تستطيع أي قناة تلفزيونية أن تعتني بها من أجل البراعم؟. هذا إذا كان هدف الهيئة العطاء وليس الأخذ وحسب!.

إمارة زائفة

بينما يقول الناقد الدكتور شوكت المصري: أنا أرى أن مسابقة أمير الشعراء ربما قدمت نماذج وأصوات شعرية جيدة وجديدة وجديرة بالالتفات إليها، وهو أمر كان يمكن تحقيقه بطرق أخرى مقبولة وغير مستهجنة، لكن المشكلة تكمن في فكرة إمارة الشعر في حد ذاتها؛ فهذا اللقب له من التاريخ ما يجب احترامه وعدم المساس بقيمته، فمن المعروف أن أحمد شوقي هو “أمير الشعراء”، وقد مُنِحَ بشارة الخوري بعده هذا اللقب في مطلع الستينات، ثم تحول الأدب والنقد لمقولات ومعايير جديدة فيما بعد.

لكن أن تأخذ مؤسسة ما هذا اللقب وتقحمه في مسابقة إعلامية أكثر منها فنية وأدبية ثم تمنحه لشاعر صغير في السن فهذه فكرة مستهجنة ومرفوضة تماما؛ نظرا لأن إمارة الشعر إن افترضنا استعادتها يجب أن تُمنح لشعراء كبار لهم من التجربة والمنجز الشعري الكثير والكثير، وإلا فأين نذهب بنزار ودرويش ومطر وأمل وأدونيس وسعدي؟!! لكن ما يحدث الآن هو متاجرة ليس فقط بتاريخ اللقب، وإنما بجمهور الأدب ومحبي الشعر بل وبالأدب ذاته.

ويضيف د.المصري قائلاً: فكرة تحويل الشعر أو إعادته لشكله الإلقائي أو الشفاهي الذي كان يقدم به منذ زمن بعيد في سوق عكاظ وغيره من الأسواق الشعرية القديمة التي كان يقف فيها الشاعر وسط الجمهور ليلقي شعره بشكل خطابي، قد تلاشت مع حركة الحداثة .

فالشعر انتقل من مرحلة الخطابة والشفاهية إلى مرحلة التلقي الكتابية، حيث يتحتم على القارئ التواصل مع فضاء النص الشعري ككل وليس مفرداته اللغوية فقط .

وفكرة مسابقة “أمير الشعراء” لا تضع في اعتبارها ذلك التحول الذي طال الشعر الحديث نهائيا؛ وأتعجب تمام التعجب من نقاد كبار ومهمين لهم من التاريخ النقدي والأدبي ما لا تخطؤه عين أن يقعوا داخل هذه التجربة غير المنطقية، حيث قصر الشعر على الحضور الاحتفالي سواء من خلال الجمهور المسرحي أو حتى من خلال المشاهدين، متناسين كل التحولات التي طالت القصيدة العربية منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى وقتنا الراهن.

ويواصل: ولا أعتقد أن فكرة برامج كأمير الشعراء تستهدف بالأساس خدمة الأدب والعمل على شيوعه وتقريبه من الجمهور العربي، فالفكرة تحمل خلف وجهها الإعلامي المزيف رغبةً ما في تحقيق بعض الجهات والمؤسسات لحضور ثقافي مهيمن، بزعم تبنيها للأدب والعمل على ازدهاره، عبر ما تنفقه هذه المؤسسات على مثل هذه البرامج، ناهيك عن المطبوعات والدوريات المبهرة بألوانها وإخراجها الفني والطباعي، وكلي يقين من أن مثل هذه الممارسات المادية لا تصنع ثقافةً وفكراً بشكل حقيقي، بقدر ما تحاول تجميل الرأسمال بقناع ثقافي وهمي، فالثقافة في حد ذاتها رأسمال شعوب .

وأكاد أجزم أن كل هذه الممارسات لا يمكنها مطلقاً صناعة ثقافة، وإنما يمكنها فقط تحقيق إبهار زائف، فالميراث الثقافي لا يشترى بالمال ولا يمكن أن يُصنع بالرأسمال وحده مهما حدث.

وسؤالي وكثيرين غيري – والحديث لازال لـ د. شوكت – كيف يمكن أن يفوز شاعر (مستَجَد) وإن كان متميزا بهذا اللقب ويمنح 2 مليون درهم في مسابقة المليون الشعرية، وبمليون درهم في مسابقة أمير الشعراء، بينما لدينا شعراء كبار على مستوى الوطن العربي يحاولون إيصال إبداعاتهم للقارئ بشكل محترم ولا يستطيعون بسبب عوائق النشر والتوزيع والدعاية؟!!!

فالمشكلة هنا تكمن في فكرة تحويل الثقافة إلى سلعة استهلاكية، والتصويت من أجل الفوز وهكذا. بينما الثقافة تنبني تراكمياً عبر مجموعة من العوامل الاجتماعية والسياسية والحضارية، وهذا ما أنتج لنا العقاد ومحفوظ وجاهين وأدونيس، وغيرهم الكثير ممن يضيق بهم المقام، بل هو ما يمنحنا كل يوم كاتباً جديدا وشاعرة متميزة وما أكثرهم رغم أننا لا نرى منهم أحداً في مثل هذه المحافل المضيئة على شاشات الفضائيات.

ولو قدمت دعاية بـ1 % مما يصرف على مثل هذه المسابقات للمثقفين الحقيقيين سنخلق حالة شعرية قوية عند الجماهير، لكن كل هذه الظواهر المزيفة والمسابقات الدعائية كمسابقة المليون، وأمير الشعراء ستسقط حتماً ويطويها النسيان بأموالها وألقابها، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

محاولة ملء فراغ

ويتفق مع الرأي السابق الناقد أسامة عرابي قائلا : مسابقة “أمير الشعراء” مسرحية سخيفة، الهدف منها اختيار شاعر بعينه، وجميعنا شاهدنا كيف كان يتم تجميع الأصوات بحيث توجه لشاعر معين، وأنا أرى أن هذه محاولة لسرقة دور الشعر المصري الغائب عربيا؛ فمصر حاليا ليس لها أي دور على الساحة العربية سوى دور المؤتمرات التي تقام في المجلس الأعلى للثقافة الخالية من أي محتوى حقيقي .

ما تفعله أبو ظبي هو محاولة لملء الفراغ، والبحث عن موطأ قدم في الساحة العربية، حيث تعددت أدوار الدول العربية الباحثة عن دور، مثل “قطر” التي قامت بما عجز النظام المصري عن تحقيقه في حل مشكلة انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية وحل مشكلة دارفور، والدور الذي قامت به السعودية مع جنوب إفريقيا في حل مشكلة ليبيا مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن سوريا لها دورا كبيرا في حل مشكلة لبنان والعراق إلى آخرة.

مسابقة أمير الشعراء تأتي في هذا السياق الذي تحدثت عنه، فهذه المسابقة لم يكن بها أي نوع من الانتخاب الطبيعي لأمير الشعراء؛ لأن انتخابه يعتمد على الحشد والتعبئة وكيفية شراء قدرة تصويت من الجمهور لتمنحه هذا الموقع بعيدا عن القيمة الشعرية أو الفنية، فالمسألة إذا لم تكن خالصة لوجه الشعر ؛ لأن لعبة الأصوات غير مبرئة من الهوى، تتدخل فيها عوامل وقدرات أخرى بعيدة عن المبادئ والقيم التي نؤمن بها .

عودة لشاعر القبيلة !

يقول الشاعر شريف الشافعي: بداية، إن تخصيص برنامج كبير على هذا النحو للشعر، أو إفراد قناة كاملة، هو أمر طيب المغزى، وفكرة مجردة تستحق التحية. لكنني حتى هذه اللحظة، ورغم انطلاق البرنامج منذ فترة، أشعر بأننا لا نزال أمام أحلام بيضاء، تداعب خيال الشعراء، وعشاق الشعر الحقيقي في عالمنا العربي.

إن الرهان الأصعب دائمًا لا يكون على الأطروحات، لكنه ينعقد على الآليات والإجراءات، فالتطبيق هو المحك الذي يُمكن من خلاله قياس مدى النجاح الحقيقي. وكم من أطروحة نبيلة تتعلق بالشعر أهدرتها الممارسة.

إن الذي قدمه البرنامج، حتى الآن، ليس هو الشعر الطبيعي الحيوي المتشكّل الآن، بل تصورات الجمهور “الجاهزة” المسبقة عن الشعر المكرور، وفقًا لتخطيط تسويقي قائم على بيع ما هو مباع أصلاً، فضلاً عن اجترار الصورة النمطية الهزلية لشاعر القبيلة الإنشادي الشفاهي، المتطلع إلى التصفيق عبر كل تسديدة بلاغية يسددها ببراعة، صوب “الهدف” ـ النبيل بالضرورة ـ الذي يدعي أنه يراه بوضوح أكثر من غيره، بصفته نخبويًّا أو حتى فوق بشري!

إنه أمر مثير للإحباط أن يفكر البعض في النهوض بالشعر، ورفع ذائقة المتلقي، وربطه مباشرة بالشاعر، عن طريق “تحضير أرواح” النابغة والخنساء وسوق عكاظ معًا!

أما “إمارة الشعر” على هذا النحو التليفزيوني الفج، فهي أيضًا من ذيول التصور التقليدي للشاعر المقرب من البلاط، المنعَّم بالأحاظي نظير القيام بدور محدد، المشهود له بالنبوغ من حكام، وجهات عليا، ولجان تحكيم وضعت شروطًا فيزيائية مسبقة للقصائد المرسلة إلى “المسابقة”!

وليس معنى ذلك طبعًا أن الشعراء الحقيقيين لا يتفاوتون في المستوى، لكن انتخاب الشاعر ـ أو الشعراء ـ الأكثر تميزًا في هذه الحياة لابد أن يكون انتخابًا طبيعيًّا شعبيًّا حرًّا، من واقع العلاقة المباشرة بين الشاعر وقرائه، فالشاعر الكبير الحاضر قادر على أن يكون كبيرًا وحاضرًا بكتابته فقط، وبتواصله الدءوب المثمر مع البشر، ومع حركة الحياة من حوله، وساعتها قد يكون “شاعر الملايين” وليس فقط “شاعر المليون”.

كشف المواهب

وعلى العكس يرى الشاعر المصري الكبير محمد إبراهيم أبو سنة أن هذه المسابقة أظهرت على امتداد السنوات الماضية عددا من المواهب الشعرية الشابة في العالم العربي، وهذا الكشف المبكر يثير في نفوسنا الرضا، ويمنحنا الثقة في المستقبل.

وذكر أبو سنة أنه استمع لبعض الحلقات وسعد بها، كما التقى ببعض الشعراء الذين شاركوا فيها من خلال ندوات ومسابقات ومؤتمرات ومهرجانات كان قد شارك فيها بلبنان والكويت، ووجد أنهم بالفعل شعراء موهوبون.

لكن القضية هي ما بعد الاكتشاف، فلهذه المسابقة دور في اكتشاف المواهب، لكن هذا ليس كافيا، فلابد من متابعة هذه المواهب ومنحها فرص جديدة للمشاركة في الحياة الشعرية .

وأنا هنا أرى أن يخصص القائمون على المسابقات جزءا من الجوائز المادية لإصدار مجلة شعرية عربية ذات مستوى عال؛ ليتابع فيها الشعراء المكتشفون طريقهم الإبداعي، وبهذا نستطيع أن نوفر لهم مناخا للاستمرار، كما أننا بذلك سنوفر للحركة الشعرية حصادا مستمرا يضاف إلى تراث حركة الشعر في السنوات الماضية.

يتابع: هناك اقتراح آخر أقدمه للقائمين على مسابقة أمير الشعراء، وهو أن يتم نشر أفضل النماذج التي اكتشفت في هذه المهرجانات. كما أنني منذ البداية ضد فكرة تسمية “أمير الشعراء”؛ لأن اللقب يمثل عبئا كبيرا على الشباب وهم في مرحلة البدايات، وهذا العبء من الممكن أن يفرض عليه وضعا خاصا، فيتصور أنه بالفعل أصبح أميرا للشعراء، وفي السنة التالية يسقط عنه اللقب، فبالتالي يعاني من حسرة فقدانه

ـــــــــــــــــــــــــــــ

نقلا عن شبكة محيط

مقالات من نفس القسم