كيف “لا” تحتفل بنصر أكتوبر المجيد!

1لل
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد عبد الرحيم

استردت مصر أرضها المغتصبة، بعد حرب عظيمة ضد العدو الصهيونى، اندلعت فى السادس من أكتوبر سنة 1973، وعلى امتداد 45 سنة من عمر الزمان، يحتفل الإعلام المصرى بالانتصار فى ذكراه سنويًا، بطرق لا أراها صحيحة كل الصحة. إليكم ستة منها..

  • الأفلام المقرَّرة!

أنتجت السينما المصرية عددًا محدودًا من الأفلام التى تناولت حرب الاستنزاف (1967 – 1970)، وحرب أكتوبر (1973) مثل: الرصاصة لا تزال فى جيبي (1974)، الوفاء العظيم (1974)، حتى آخر العمر (1975)، بدور (1975)، واتسم أغلبها بأنها أعمال ميلودرامية لا تشغل الحرب الجانب الأكبر منها، ويغيب عنها إبراز بطولات واقعية من قلب المعركة، بعدها اضطلع التلفزيون القومي بإنتاج أفلام عن الأحداث الواقعية؛ سواء كانت عمليات حربية ناجحة، أو سير ذاتية لشخصيات تتصل بالحرب، مثل الطريق إلى إيلات (1993)، أيام السادات (2001)، يوم الكرامة (2004)، حائط البطولات (إنتاج 1998، وعُرِض 2014)، لكن معظم هذه الأفلام عانت من فقر إنتاجي وفنى، ولم تستطع أن تكون على قدر الحدث الذى تتناوله، الأسوأ من ذلك هو تكرار عرض هذه القائمة من الأفلام فى شهر أكتوبر من كل عام، على القنوات المصرية الحكومية والخاصة، وكأنه موسم هذه الأفلام، التى لا تظهر تقريبًا فى أى شهور أخرى. ومع توالى السنين، ووفاة الفيلم التاريخي والحربى المصرى مؤخرًا، لم يعد يملك إعلامنا إلا عرض أسطواناته المشروخة، على جمهور حفظها “صم”، ليتحوّل الأمر إلى ما يشبه المُقرَّر الدراسي غير المبدع، وغير الجذاب، الذى يتكرّر، ويتكرّر، حتى يزهق منه المتلقي، وينصرف عما يقدمه كلية.

ملحوظة موجعة: فى نهاية التسعينيات، اعتاد التلفزيون المصرى عرض الفيلم الأمريكى-البريطانى المشترك The Guns of Navarone أو مدافع نافارون (1961) للمخرج چى. ليه. تومسون، فى يوم السادس من أكتوبر، وهو الفيلم الذى يتناول إحدى عمليات قوات الحلفاء ضد قوات المحور فى الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945). إما أن هذا كان تباهيًا غريبًا بانتصارات أمم غيرنا (فى يوم انتصارنا نحن!)، أو اقتناعًا بفكرة “أهى كلها أفلام حربية والسلام”!

  • جمعة الشوان ورأفت الهجان!

يتكرّر عرض مسلسلات بعينها فى شهر أكتوبر، من إنتاج التلفزيون القومي، على رأسها مسلسل دموع فى عيون وقحة (1980)، ومسلسل رأفت الهجان؛ بأجزائه الثلاثة (1988)، (1990)، (1992) وكلاهما من تأليف صالح مرسى، وإخراج يحيى العلمى. هذه أعمال رفيعة المستوى، وتقدم بطولات فى مجال الجاسوسية تمت قبل وخلال وبعد الحرب، وتجسِّد هزيمتنا للعدو الصهيوني خارج ميدان القتال، لكن.. هناك مسلسلات وسهرات أخرى تتناول الحدث، عبر مجال الجاسوسية أو غيره، فلماذا لا يتم إعادة عرضها؟! (ولو أن هذا سيكشف عن أعمال أقل من متواضعة، بل كارثية، مثل مسلسل الحفار (1996)، ومسلسل وادى فيران (1999)!), ثم إن هناك بطولات قد تكون أعظم من المُقدَمة، لكن لا يدرى بها أحد، لأنها لم تحظ بعمل تلفزيونى يرويها للمشاهدين أصلًا. كم تمنينا كسر هذا الملل، وهذا الجمود، لسنوات طويلة، لكن لا شيء يتحقّق، لنتوقف عند عملين لنفس المؤلف، ونفس المخرج، مضى على إنتاج أحدثهما أكثر من ربع قرن!

الملحوظة الموجعة: من ضمن المسلسلات التى تحمس لها تلفزيوننا الوطنى فى السنوات الأخيرة، وأنتجها على أكمل وجه، ويفتخر بعرضها المرة تلو المرة بلا توان، مسلسل ابن حلال (2014) للمخرج إبراهيم فخر، وهو عمل ميلودرامى بحت التجارية، يعرض لنا بطلًا فى عالم الإجرام، ويحفل بجميع أنواع الإسفاف!

  • الأوبريتات السنوية!

بعد ثورة يناير 2011، منع التلفزيون القومى إعادة عرض تلك الاحتفالات الغنائية الاستعراضية التى كان ينتجها سنويًا بمناسبة الانتصار، وشارك فيها عشرات المطربين والمطربات، وسبب المنع معروف؛ أن هذه الأوبريتات تشمل حضور رأس النظام البائد، الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك، وزوجته، ورجال دولته؛ لكن المشكلة الفعلية لم تكن فى صورة هذه الشخصيات، وإنما فى تشابه تلك الأوبريتات، وتراكمها على مر السنين، لتردِّد الكلام ذاته عبر قوالب متماثلة، فى فرض سنوى انحدر إنتاجه للتكديس والاستهلاكية. هذا غير مراقبة النظام الإعلامى الغاشم لها، ليقلب – مثلًا– وزير إعلام النظام وقتها، صفوت الشريف، جملة فى إحدى الأوبريتات تقول “عايزين عبور جديد” إلى “عايشين عبور جديد”؛ كما روى الشاعر عوض بدوى بإحدى البرامج التلفزيونية، ويتقلص الاحتفاء بالنصر إلى الاحتفاء بالرئيس؛ الذى غُنّى له فى أوبريت آخر “اخترناه، وبايعناه، وإحنا معاه لما شاء الله”!، وتنحرف الأغانى من طرب محبة الوطن إلى صخب “فرح العمدة”؛ والتعبير للموسيقار الراحل عمار الشريعى – الذى كتب الألحان لهذه الأوبريتات مرارًا – فى حديث صحفي عقب ثورة يناير. 

تُستثنى من هذه الأعمال عدة أوبريتات فريدة الفكرة، بارعة الأداء، مثل مصر البنائين (1990) للمخرج محمد فاضل. وبغض النظر عن إعادة عرض الأوبريتات الأكتوبرية القديمة، فقد تراجع إنتاج أوبريتات أكتوبرية حديثة، وربما يعود السبب إلى عجز ميزانية الدولة عن إحياء تلك الاحتفالية السنوية، كما أن التشبع كفيل بإثارة الملل؛ فقد انزوت أعمال غنائية استعراضية أخرى مثل “فوازير رمضان”، بعد 4 عقود من ازدهارها على الشاشة الصغيرة. هذا إن لم تكن هناك نية – أساسًا– لتناسى هذه الحرب، وتجاوز ذكراها، بالتغاضي عن إنتاج أعمال فنية جديدة عنها، تمامًا كما تم التغاضي عن إنتاج المسلسلات التاريخية، والمسلسلات الدينية، ومسلسلات الأطفال، من قِبل الإعلام الوطنى فى السنوات الأخيرة.

الملحوظة الموجعة: حين فكرت الدولة مؤخرًا فى إنتاج أوبريت، قدمت عملًا قصيرًا بعنوان مصر قريبة (2015)، لاقى هجومًا واسعًا، لكونه إعلانًا دعائيًا مستفزًا يروِّج للسياحة الخليجية – فقط– فى مصر!

  • تجاهل الأعمال المسرحية والتسجيلية!

هناك مسرحيات مصرية تناولت الحرب والانتصار، ولا تزال مسجَّلة على شرائط بالتلفزيون القومى، منها حدث فى أكتوبر (1973) للمخرج كرم مطاوع، والعمر لحظة (1974) للمخرج أحمد عبد الحليم، وإن كان عدد هذه المسرحيات زهيدًا، فإن هناك أعمالا تسجيلية عديدة أرّخت للحرب بيننا وبين العدو الصهيونى، منها المصرى القديم مثل جريدة الصباح (1972) للمخرج عاطف الطيب، وصائد الدبابات (1974) للمخرج خيرى بشارة، وجيوش الشمس (1975) للمخرج شادى عبد السلام، ومنها المصرى الحديث مثل أجنحة الغضب (2012) للمخرج أحمد فتحى، والشهيد الحى (2015) للواء محمد محمود عمر، ومنها الأجنبى مثل The 20th Century Battlefields: 1973 Middle East أو ساحات القتال فى القرن العشرين: الشرق الأوسط 1973 (2007) للمخرج بول ماكيجن، إنتاج BBC أو هيئة الإذاعة البريطانية. السؤال الآن هو: هل هناك إلحاح لعرض هذه الأعمال، على القنوات المصرية فى أكتوبر أو غيره؟!

الملحوظة الموجعة: هل تعلم أنك لو بحثت على موقع اليوتيوب، ستجد أفلامًا تسجيلية عن حرب أكتوبر من إنتاج قنوات “الجزيرة” القطرية، أكثر من هذه التى أنتجتها قنوات مصرية!

  • لوحة يسار الشاشة!

يظن شخص ما فى إدارة إعلامنا العبقري أن إضافة لوحة مكتوب عليها كلمات تشير إلى نصر 1973، مع وضع رقم السنوات التى مرّت عليه، فى يسار شاشة جميع القنوات المصرية، طيلة أيام شهر أكتوبر—تنويهًا لأن هذا الشهر مختلف، واحتفالًا بما حدث فيه يومًا ما، بمعلومية تسجيل رقم السنوات باللغة الإنجليزية دائمًا، وكتابة الكلمات على نحو مضطرب أحيانًا، لتقول – مثلًا– لوحة سنة 2016: “سنة 43 نصر أكتوبر”!! 

عزيزي الشخص المجهول، هذه اللوحة لا وظيفة لها غير حجب تفاصيل تعرضها الشاشة، أي شاشة، مثلها مثل الشريط المخبول الذى يُوضع أسفل شاشات التلفزيون القومي حتى يُكتب فيه ما لا يمكن قراءته بالعين المجردة. الاعتزاز بإنجاز استرد أرضًا مسلوبة، وغيِّر استراتيجيات الحروب، وأثبت للعالم أن مصر ليست دولة عادية، وأن رجالها خارقون بمعنى الكلمة.. لا يكون عبر هذه الطريقة غنية السذاجة. مَن سيتعلّم ماذا من هذه اللوحة؟ لا أحد، ولا شيء. هناك 100 طريقة أخرى أكثر جدوى فى التذكير بالنصر، والتعلُّم منه، غير هذه “الحركات” العجيبة!

الملحوظة الموجعة: منذ عامين، نسى الشخص أن يحذف اللوحة بعد نهاية شهر أكتوبر، ولم يتذكر حذفها إلا بعد مرور 3 أيام من شهر نوفمبر، أترى عزيزي القارئ كيف صار الأمر مفرَّغ المعنى، معدوم الأهمية، ليُنسى على هذا النحو؟!

  • المثرثرون!

حسنًا، أنت تعلم عمن أتحدث، إنهم ضيوف البرامج التلفزيونية، أصحاب البدل الأنيقة والألقاب الفخيمة، من خبراء التحليل وشهداء الشهرة، الذين يحتلون الشاشات فى أكتوبر، كي يكرّروا بيع بضاعتهم من الكلام الإنشائي، ويتحفونا بثرثرتهم حول السلام وليس الحرب! الأفضل والأجدى يا سادة أن تُمنح ساعات الإرسال لأبطال هذه الحرب، كى يحكوا ما سطروه بدمائهم من تاريخ، فتقتدى بهم الأجيال القادمة، ونحظى بألف أكتوبر جديد. وإذا ما رحل عننا هؤلاء الأبطال، فابحثوا عن أولادهم كي ينقلوا إلينا تراث أمجاد آبائهم. وإذا ما رحل أولادهم، فابحثوا عن هذه الأمجاد فى الكتب، والجرائد، والمجلات القديمة، وأعيدوا حكيها علينا؛ فكما يقول الله تعالى فى كتابه الحكيم: “وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ”.   

الملحوظة الموجعة: هل تعلم أن الفنانة فيفى عبده اُستضيفت فى برامج تتعدى فى عددها البرامج التى استضافت رقيب مجند محمد إبراهيم المصرى، أحد أبطال قوات الصاعقة، الذى دمر 27 دبابة فى حرب أكتوبر بمفرده؟! البطل المصرى لا يزال على قيد الحياة بالمناسبة، وفى سابقة نادرة لاهتمام الإعلام به، اُستضيف فى أكتوبر 2018، ببرنامج “ساعة صبحية” للإعلامي عاصم الشندويلى، على قناة مصر الزراعية!

***

..فى النهاية، علّمنا الإعلام المصرى الطرق الخاطئة للاحتفال بهذا الانتصار المعجزة. فهل هناك معجزة ما، فى يوم ما، ستنتصر على هذه السلبيات، وتغيِّر ما نعيشه كل عام؟.. أتمنى. 

………………

نُشرت فى موقع عرب لايت 24 أكتوبر 2018.

 

مقالات من نفس القسم