مساء الخير يا أسماء،
بحثت عنها حتى وجدتها، مثل شمس تتخفى وراء الغيوم، صورتنا التي التقطناها قبيل سفرك على نيل المعادي بصحبة شيماء. منذ ورشة الكتابة والموضة، وبعد أن اختلط علي اسمك واسم شيماء مرات، وأنا أجمعكما معا في حضن كبير. كيف تنشأ الصداقات، أخبريني؟ وهل هي امتدادات للروح، تتجول في الكون كلما سنحت الفرصة؟
الرسالة المطولة التي وعدتك بها لن تأتي قريبًا فأيامي منذ العودة لكندا مشحونة بالعمل، والراحة. نعم أشحن الطاقة هنا بشكل مغاير لمصر. أنام ساعات أطول وأقضي معظم النهار في البيت، ألتقي الأصدقاء بعد الثالثة ظهرا كي أخصص الصباح للكتابة، وإن كنت لا أكتب يوميًا. أقول ما جدوى الكتابة في العموم، أكفر بالعمل، يصيبني سأم من مجرد التفكير في إنجاز أي شيء. لو حظي جيد، أتوق لزرع وردة أو التربيت على ظهر محظوظ الأملس. وتمضي ساعة أو بضع ساعة، يمضي نهار جيد. ليست كل النهارات جيدة. بعض النهارات تغرقني في الأسى. أسترجع الخيانات الصغيرة والكبيرة وأتعجب لم لا أغضب؟ لم ألوذ بالصمت؟ ولو كتبت، ترى ماذا أكتب ولمن؟
اليوم كان يوم كتابة وقراءة. الشمس في الخارج تحثني على الخروج. لكني لا أخرج. أكتب مقالا قصيرا لا يتعدى 400 كلمة وأفرح بالإنجاز. سأقرأه بعد يومين وأقرر إن كان صالحا للنشر. ثم أتصفح كتابا عن فلسفة السكن. بدأته منذ أشهر وتوقفت وها أنا أبدأه من جديد وقد نسيت كل ما قرأت في السابق. ذاكرة خائنة أيضا. لا بأس. أتذكر صورتنا تلك وأبتسم. نعم سأكتب لك رسالة قصيرة اليوم وأعيد قراءة رسالتك. أقول إني بحاجة للكتابة على الورق وإرسالها بالبريد. أقول سأفعل ذلك في المستقبل، حين تتوفر لدي شجاعة الإمساك بقلم. والبحث عن الورق المناسب، وعن طوابع، وعن عنوانك في كولومبيا، وعن موضوعات لا يمكن طرحها إلا همسا.
شهد النيل في ذلك الموضع لقاءات كثيرة بيني وبين أصدقاء كثيرين. نلتقط الصور من زاوية التصوير نفسها. والشمس دائما حليف مراوغ. تغيب أو تشرق بضرواة فتعمي الأبصار. هنا، هل كان الوقت شتاء؟ ومتى سافرت يا جميلة؟ ذكريني أن أخبرك في رسالتي الطويلة عن تأثير الفصول والمواسم، الشمس والقمر، الريح والنهر، على موود الكتاب والكاتبات. لا أقصد في عصر الرومانسية البعيد، بل الآن، نعم الآن ونحن نواجه كارثة بيئية تعصف بالبشر. لا نشهد بداية المواسم إلا ونعجب من تقلبها، لا نرى النهر إلا ونرتعب من نقص الماء، لا نتأمل القمر إلا ويعذبنا وجهه المعتم ولا ننتظر الشمس إلا لنحتمي من لهيبها بالكريمات. ومع ذلك نخرج للطبيعة ونبتهل.
الأصحاب ألتقيهم هنا وكأني في ابتهال لعناصر الطبيعة المرتحلة. كما أني أعرف قيمة الصور بعد مرور السنين، ننتظر عشرين سنة، ثلاثين سنة، ونتأملها من جديد. نتمنى أن نفرح في المستقبل قدر فرحتنا في الماضي بالتقاطها. تثبيت الحاضر واستعجال المستقبل صفة من صفات الصورة. أليس كذلك؟
دمت بخير يا أسماء.
وللحديث بقية.