ض المرتزقة والمريدين حول أصنام صنعوها بأيديهم وقدسوا وجودها ؛ فظهرت آفات نقدية عميقة وزحفت جحافل التعصب لموجة أدبية علي حساب الموجة الأخري ؛ مما ترتب عليه احتدام الصراع المزمن بين المتشبثين بالقديم دون علم والمتشدقين بالحداثة دون وعي ، الأمر الذي تأكدت معه ضرورة إعادة النظر في الكيفية التي يتم بها التعامل مع النص من خلال الكشف عن أسراره وجمالياته وفك شفراته وطلاسمه ؛ دون محاولة استئناسه أو تفويض مشاكساته الدلالية .
ومن هناك كانت رغبتي في تتبع الكتابات الجديدة التي ظهرت علي الساحة الأدبية في الأونة الأخيرة ؛ وهي لفرسان أتوسم فيهم خيراً كثيراً ؛ ورغبة حقيقية في إعادة تكوين خارطة الإبداع الروائي العربي .
وتعتبر رواية كيرياليسون للكاتب هاني عبد المديد(2)من أبرز هذه الأعمال التي استطاعت أن تشق طريقها وسط هذا الضباب الكثيف.
وكيرياليسون ( عنوان الرواية ) هو نداء استغاثة انطلق إلينا عبر بنية روائية غير تقليدية ليحيطنا علماً منذ الوهلة الأولي بوجود مستغيث ؛ ويضعنا علي عتبة اللحظة الشعورية الآنية في بداية احتكاكنا بالنص ؛ كي نتساءل . بشكل تلقائي . تري من يكون ذلك المستغيث ؟ وما أسباب استغاثنه ؟
ولكنه لم يجب في اللحظة ذاتها ؛ بل أطلق خيوطه وتكنيكاته الفنية المتداخلة لتحيط بنا كالشرنقة ، ثم أتي بأطروحاته اللغوية الأولي التي استثمرت تقنية التناص(3) لتعطي نغماً إيقاعياً يدق ليعلن بداية السجال ويستمر حتي نهايته متخذاً أنماطاً وأدواراً عديدة ومتباينة داخل العملية السردية ، من خلال ذلك التركيب الدلالى الذي أطلق عليه المستغيث ذاته . صدي صوت . والذي كانت أولي فقراته هي اقتباس لمقولة الشاعر المتمرد أمل دنقل (المجد للشيطان معبود الرياح .. من قال لا في وجه من قالوا نعم) ثم أتي برافد لغوي آخر يحمل نفس درجة الحرارة وحدة الانفعال ليتضافر مع التركيب السابق في جديلة واحدة (شيطان يا ابن الكلب يا بايظ) (4).
وهنا يتجلي وجه آخر من وجوه الهيكل البلورى وينكشف النقاب عن صراع محتدم خلق هذا السجال الودي بين قضبين متقابلين هما القهر والتمرد اللذان يمثلان معاً بؤرة انطلق شررها لتؤثر علي جميع عناصر البناء الفني للنص ؛ كما تمخض عنها ظاهرة الثنائيات المتقابلة والمتضادة عبر آفاقه فإذا دفعتنا الحيرة إلي البحث عن هوية ذلك المستغيث الواقع بين قوتين متصارعتين متوازيتين ومتداخلتين أيضاً وجدنا الكاتب قد نعته (بالمتغيب) وما يوحي به اسم المفعول من الفعل غاب من زخم دلالي مزدوج حيث الغياب والعدم وافتقاد الإرادة معاً؛ أي أن المستغيث الذي يستعين بنا هو ذاته المتغيب مما يشى بوقوعة تحت وطأة قوة مجهولة خارقة أدت به لهذا المصير، فانطلقت صرخاته عبر الآفاق مخترقة حدود الزمن والمكان لتصل إلينا محطمة كل القيود المادية والمعنوية ولكن الجواب السابق لم يرو ظمأناً ؛ بل دفعنا إلى محاولة اختراق تلك الحجب الكثيفة التي أحاطت بشخصه المجهول ؛ وانحدر بنا لمنعطف جديد أكثر وعورة كي يتبادر لأذهاننا سؤال آخر هو من يكون ذلك المستغيث المتغيب ؟ وهنا يلقي لنا المستغيث بإثبات للشخصية يحمل في طيه – في غمرة اتساع دوائر التناقضات – نفي لهذه الشخصية أو تصريح شرعي بأحقيتها في مغادرة العالم فتأتي عبارة – ( خرج ولم يعد ) وهي تركيب لغوي يحمل الكلمة ومرادفها التركيبي ؛ وكأنه امتداد مشروع للحظة التقاء المتناقضين السابقين أو نتيجة تشي بتقهقر الـ ( هو ) من حلبة الصراع قبل أن نعلم متي بدأ وكيف انتهي نزاله ؟
وما القوة المجهولة التي قهرته ؟ وهل كان ذلك الخروج المباغت لذلك المتغيب هو وجهاً آخر من وجوه التمرد السلبي ؟ وهنا يلقي المستغيث بخيط ثالث يعيننا علي اختراق الحجب الكثيفة والأطر المنيعة للوصول إليه فيكشف لنا تدريجياً عن معالم الـ (هو) المجهولة التي تمثلت في (ابن الكلب البايظ) وتطالعنا بؤرة صراع جديدة انبثقت عن التناسل الدلالي للثنائيات المتكررة؛ أو لنقل دوامة جديدة ولدت من إحدي الدوامات السابقة حين ألقي بحجر ثقيل في بحيرة راكدة فأنجبت تلك الثنائية العجيبة (ناجح – تيسر) .
فناجح اسم فاعل من الفعل نجح؛ وما يوحي به اسم الفاعل من ذات فاعلة وأنا قادرة ؛ ومصدر فعلي وهو النجاح ذاته وما يتركه داخل النفس من إيحاءات إيجابية تشي بالتميز والتفوق والتفاؤل ، أما التيسير فهو مصدر صريح يمكن أن يترك في النفس انطباعاً بالسهولة والبساطة وربما الميوعة التي تشي بالاستسلام والركون وافتقاد التميز و الاختلاف ، وفي تقديري أن الكاتب قد نجح في استثمار إمكانيات اللغة لأبعد حد في ذلك التعريف .
ثم يأتي الرداء الخارجي للمستغيث من مفردتين متجانستين ليضفي طابعاً حسياً علي الأشياء المعنوية ويكون دائرة جديدة موازية للدوائر السابقة ؛ فالرداء الذي يتشح به المستغيث يتكون من اللونين (الأسود ؛ والرمادى) مما يضفي نوعاً من الجهامة والقتامة في فضاء النص؛ ويجعلنا ننساق دون إرادة منا لترقب مصير ذلك المتغيب ؛ ثم يأتي العنوان وهو (مسجد التوبة – حى الزرايب) ليشارك في هذه المنظومة المتداخلة العناصر .
ولكن وفي غمرة استسلامنا الحائر لمشاكسات النص نكتشف أن كل ما سبق ذكره – كان تنبؤاً وحسماً للصراع الذي امتد عبر رحلة الكشف عن هوية الـ (هو) المجهول وملامحه؛ وذلك حين قال (هكذا سيتم الشيخ تيسير محوك؛ والسخرية من كيانك ؛ ولتأكيد ذلك قد يضيف؛ ويعاني من حالة نفسية أو متخلف عقلياً) (5) .
وهنا يتبادر للذهن سؤال تلقائي آخر هو ما أسباب كل ذلك الشقاء الذي يعاني منه المستغيث ؟ وهنا تبدأ كوي الإيضاح الفنية في الكشف عن شفرات الاستفهام من خلال روافد ثلاثة هي السرد بأنماطه المختلفة (6) والفلاش باك(7) والخلفيات المكانية التي تعتبر أطراً له .
وكأن المستغيث يريد مؤازراتنا وتأييدنا له ليستعين بنا علي محاسبة ذاته مع معرفة الأسباب التي أدت به لهذا المصير المجهول ؛ ونحن بدورنا نريد أن نعرف كنه هذا المصير وأسبابه أيضاً .
إذن فنحن أمام شخص متغيب يطلق استغاثاته عبر الأفق باحثاً عن يد تمتد إليه متشبثاً بذكرياته وكأنها طوق النجاة وبصيص الأمل الذي يؤكد له أنه لا زال موجوداً ؛ وأن اللحظة الراهنة لا يمكن أن تنفي عنه نفحات الماضي وآمال المستقبل حتي وصل به الأمر أن جعل استمرار وجوده علي قيد الحياة مرهوناً بقدرته اجترار ذكرياته والوقوف أمام كل مرحلة بالتأمل والتساؤل عما إذا كان ما اقترفه من آثام في تلك الفترة هوالذي أدي به لذلك المصير.
وقد تجلي ذلك في قوله (الآن لا أستطيع ولا يبقي لي سوي التذكر والحكي لنفسى بنظام التسميع فما أنساه سيمحي ؛ وسيتقلص وجودي بقدر ضعف ذاكرتي) (8) .
ولعلنا نلاحظ تعدد الأنماط السردية داخل النص ووقوف المستغيث أمام كل مرحلة ؛ مر بها وروايتها بضمير سردي مخالف لغيرها مما أدي إلي انتقالات سردية بارعة ورشيقة داخل النص أضفت عليه حياة فنية حافلة ، فقد بدأ المستغيث روايته من خلال حديثه إلي نفسه بضمير المخاطب فقال (لعل ما كنت تخشاه قد حدث بالفعل أن تصبح ذاكرتك صدئه كحصالة طفل فقير تتزاحم بداخلها أرقام لأحداث لا تذكرها) (9) .
وربما كان استخدام الراوي لضمير المخاطب نابعا من شحنة انفعالية مصدرها شعوره بالندم علي ما اقترفه من آثام لم يذكرها بعد اقتضت العقاب الذي أدي به لما هو فيه ؛ أو ربما كان تقريعا للذات علي خوضها غمار صراع غير متكافئ خاصة بعد ما مالت دفته إلي الاتجاه المعاكس؛ أو ربما أراد هذا المستغيث أن ينفصل عن ذاته في لحظة السرد جاعلاً إياها شخصاً آخر يؤنسه في وحدته الطويلة أو ربما كل ذلك جال بخاطره في تلك اللحظة .
إذا انتقلنا إلي دائرة الأرقام التي تداعت وكأنها محركات لعملية الفلاش باك وإرهاصات لها ؛ وجدناها رموزاً لأهم المؤثرات البشرية والزمنية التي أثرت علي مسيرة حياته وشكلت ملامح ذكرياته ؛ ثم يلتقي الرافدان الماضي والحاضر ، عند لحظة السرد الراهنة في المكان المجهول الذي لا نعرفه ولا نعرف أسباب وجوده فيه ؛ وكل ما لدينا من زاد في تلك الرحلة الطويلة هو معرفة مدي قدرة هذا المستغيث علي اجترار ذكرياته بل رسمها ونقلها من عالم الخواطر والأفكار إلي العالم المادي المحسوس بشتي الوسائل حتي النقش علي الجدران كما في قوله : (في موقف كهذا يبدو جلياً أهمية ما سبق فعله بالمسامير وأعواد الكبريت التي تكرر وجودها في عجينة خبزك …؛ بجانب الصور كل التفاصيل منقوشة تصلها ببعضها أسهم ورموز طلسمية ؛ … الآن سنقف مبهورين كيف نقشت في السقف وأعلي الجدران بكل هذه البراعة ؛ وأنت لا تملك سوي قامة قصيرة ؟ الآن سنتساءل كبلهاء هل من الممكن أن يقف رجل علي أحزانه بهذا الشكل ؟) (10) .
ولعلنا نتساءل من هم الـ (نحن ) الذين ( سنقف – ونتساءل ) ؟ ولماذا استخدم المستغيث ضمير الجمع في قفزته السردية ؟ هل تأكد من قدرته علي تحقيق الرجفة الانفعالية المطلوبة بداخلنا ؟ أم تأكد من نجاحه في جذب انتباهنا وإثارة مشاعر الدهشة والحيرة التي أدت بنا إلي المشاركة الفعالة والفعلية في رحلة البحث عن السبب الذي أدي به لهذا المصير ؟ أم أراد أن يضعنا في بؤرة الأمر الواقع ويحكم شرنقته حولنا بحيث لا يمكننا أن نعود ونتركه وحيداً ؟ أم لهذه الأسباب جمعياً كان استخدامه لضمير الجمع ؟
ومهما يكن من أسباب فقد تأكدت لدينا رغبته في التوحد معنا حين انتقل من السرد بضمير المخاطب إلي السرد بضمير المفرد المتكلم ؛ وكأنه أراد أن يقدم دليلاً فنياً علي أنه قد استأنس بناءه وبرسومه التي تحمل ذكرياته علي جدران معقله المجهول ؛ مما أدي إلي هدوء حدة انفعاله وكأن استخدامه للأنماط السردية المختلفة يسير في تناسب طردي مع حالته النفسية والانفعالية الأمر الذي دفعنا نحن إلي نشد الرحال راغبين في معرفة ما ستسفر عنه رحلة التأمل والذكريات ومحاسبة الذات وهنا بدأ المستغيث في إلقاء الضوء علي المحيطات المكانية التي شكلت أطراً لحكاياته ؛ وكيف أثر كل منها علي تشكيل عوالمه الداخلية والخارجية .
فبدأ بالحديث عن نشأته في حي الزرايب تاركاً إيحاءات الكلمة تصل إلينا بشكل تلقائي حيث الشعور بانعدام صلاحية المكان لحياة آدمية سوية ؛ وربما أراد المستغيث من خلال ذلك وعلي امتداد رحلته أن يكسب نقطة لصالحه كي نؤازره في تمرده الذي أدى به لذلك المصير فقال (بحي الزرايب أثرياء يتخذون مساحات كبيرة لبناء مساكن لهم ؛ الدور العلوي رفاهية تحوي كل شيء ..
الأرضي : يفرغ من الحوائط الداخلية يحول بالكامل إلى مكان لفرز القمامة . قمامة الفرزة ، ليست مجرد ورق متسخ ، ولا تشبه تلك المخلفات التى بسلال المكاتب ، هى قشر بطاطس ، مصارين طيور ، زجاج ، قطع ذهبية ، دم حيض .. فرحة عازر وهو يدس كيس الدولارات المتسخ بين ملابسه ، ألم مريم من شكة سرنجة ، يكمن بها عار الإيدز . عوالم امتزجت ؛ فأنجبت عفنا ، يقف فيه النساء والأطفال ، سيقانهم مزروعة إلى ما قبل الركبة ، بأيديهم ينبشون ، لتجميع خامات للسبك ، لا يبقى سوى أكوام عديمة القيمة ، تنتظرها مزارع الخنازير (11).
ولعلنا نلاحظ إيتان المستغيث بمعالم أماكن وأشلاءها متناثرة في أرجاء النص ومتداخلة مع أشلاء أخري لوحدات مكانية مختلفة حيث الفوضي المكانية أتت ثمارها واتضح تأثيرها علي فنية النص مما أدي إلي تداخل واضح بين الأزمنة والأمكنة وهو تداخل مطلوب فتراه يقول في موضع آخر بضمير سردي مختلف (عرفت كل شئ ، ولم تصل لشئ واحد ، متى وكيف ولماذا جئت إلى هذا المكان ؟ تكاد تجن حتي تصل لسبب مقنع لوجودك وحيداً ؛ وإن كان المنطق يقول إن وحدتك هذه أرحم بكثير من مكان إقامتك يالزرايب التي طالما أحرجت من نطق اسمها أمام الغرباء فتدعي تارة أنك من المقطم وأخري من القلعة ؛ الحقيقة أن إنتسابك لمنشأة ناصر بالضبط حي الزرايب الذي يطلق عليه الغرباء ظلماً منطقة الزبالين… لكن بالحي أيضاً موظفون وحرفيون غضب الله عليهم فأسكنهم الزرايب) (12) .
ولم يقتصر الأمر لدي المستغيث علي الرواية عن ماهية المكان الذي نشأ فيه بل أمتد ليصف نمط الحياة داخله والنماذج البشرية التي تقطن هذا المكان والتي تمثلت في المهمشين والمعوقين لتشكل من ملامح هؤلاء خلفية بشرية موازية ومجاورة لهذه الخلفية المكانية كي تكتمل منظومة العجز الذي دفعه لتمرده (لأن نسيج الأمكنة متناغم مع النسيج الاجتماعي ؛ وإذا اعتري النسيج الأول أي خلل فإن هذا الخلل سينعكس لا محالة علي النسيج الثاني ؛ سيصاب بعناصر التدمير ويتهدد بالزوال) (13) .
وقد تجلي ذلك عند المستغيث عندما تحدث أولاً عن الشاب الأعور الذي أمره بنسخ إحدي الرسائل التي تحمل ابتهالات دينية وتهديد ووعيد عشر مرات (14)مع التحذير من سوء عاقبة عدم تنفيذ هذا الأمر ليضيف بعداً أخر لثالوث البطالة والعجز والركود وهو الخرافة المتدثرة بثياب التقوي والتي يمكن أن تحمل في طياتها نمطاً خفياً من أنماط التطرف الديني وهنا يعود بنا الراوي لنقطة البداية حيث محور التماس والانطلاق ليتساءل هل كان عدم تصديقه لهذا الأعور هو السبب ؟ وهل تقاعصه عن تنفيذ ما أمر به هو الذي أوجب عليه ذلك العقاب ؟
ثم يتحدث عن مخيمر الكسيح الذي استطاع أن يحيا حياة كريمة من جراء استغلال عاهته للاحتيال علي المراهقات (15). ووليم الفتي الشاذ الذي اقتحمت زوجته خلوته لتجده يئن تحت جسد ضيفه (16). وعكرش بلطجي الزرايب الذي يعيش علي استنزاف الآخرين واستغلالهم ويستحل لنفسه كل شيء دون حياء حتي انتهاك الأعراض الأمر الذي جعل مغامراته الجنسية والإجرامية هي محور الرواية وبؤرة الحدث عند سكان الزرايب (17).
وهنا نلاحظ أن ثمة خيطاً خفياً من خيوط التداعي تجلي من خلال الانتقالة السردية التي قام بها المستغيث من الرواية عن مغامرات عكرش الجنسية إلي الراوية عن مغامراته هو ؛ ليفتح لنا آفاقاً واسعة وكوي مشعة تكشف عن بعد جديد من أبعاد شخصية المستغيث ومرحلة جديدة من مراحل حياته تجلت في مجتمع المدرسة بكل أعضائه ؛ والخلل الذي اكتنف هذا المجتمع وامتد ليصيب شخصياته (18). ولكنه في غمرة هذه الفوضي الفنية التي مكنته من الانتقال بمرونة وتلقائية عبر أركان البنية الروائية المتداخلة وأنماط السرد المختلفة لم ينس العودة إلي الحديث عن خلفيته المكانية التي شكلت العناصر الأولية في شخصيته كالشيخ تيسير الذي لا يزال حتي الآن شخصية غامضة بالنسبة له ولنا أيضاً … ولعل أوضح الأمثله علي ذلك هو صدي الصوت الذي تردد في فضاء النص وكأنه خلفية صوتية أتت موازية للخلفيه المكانية والبشرية كما أتي بوصفه معادلاً موضوعياً لتلك الهواجس التي تمور في عالمه الداخلي فتراه يردد (الحق يالا؛ الواد ناجح ميعرفش إن (أبوه) بيروق؛ شريفة في المخزن) (19) .
فإذا أعدنا صياغة التركيب وقمنا بتحليله تحليلاً فنياً دلالياً وجدناه علي النحو التالي
الحق يالا = نداء استغاثه ساخر استمد مفرداته اللغوية من البيئة المحيطة
الواد ناجح ما يعرفش = الجهل بحقيقة الشخص الذي أثر علي مسيرة حياة هذا المستغيث والذي أحيط بسياج غامض لا يعرف كنهه .
إن (أبوه ) = المثل الأعلي
بيروق=فعل مضارع كتب بأسلوب عامي ومبتذل ولكنه يدل علي استمرار وقوع الحدث، ويعكس بعداً آخر هو تأثير البيئة في النظر إلى العلاقات الحسية من منظور غير آدمى .
شريفة = تناقض بين الصفة وحاملها
في المخزن = إيحاء بالظلمة والرهبة التي تلازم عادة الأفعال المشينة
كما نلاحظ تناقضاً بين الصدي الأول والصدي التالي له ففي الصدي الأول كان الشيخ تيسير محوطاً بهالة من الوقار والتقوي جعلته ينهر إبنه الوحيد حين وجده يقرأ في شيء لم يرقه فقال (شيطان يا ابن الكلب يا بايظ ؛ الناس تقول إيه ابن الشيخ تيسير من عبدة الشيطان (20) هذه التعددية التي اتسمت بها شخصية الوالد (الشيخ تيسير حافظ القرآن ؛ وإمام مسجد التوبة)(21) الذي كان (في العلن مستفيداً بأنه يحصل علي أعمال النقاشة للعربات التي تخرج من تحت يد (أبو عامر) وفي الخفاء تردد أنه ينام مع إحدي بناته) (22) ، كل ذلك وشي بوجود تشوش وتشوه في عالمه الداخلي وافتقاد للقدرة علي التمييز والتقييم .
أما سلوي الأخصائية الاجتماعية فقد كانت همزة وصل بين مرحلتين زمنتين مختلفتين فى حياته كما كانت همزة وصل أيضاً بين خلفيتين مكانيتين عاش فيهما؛ فهي سلوي الأخصائية الاجتماعية التي كانت تداعبه وهو طفل وتحاول انتشاله من بيئته الموبوءة في حي الزرايب(23) وهي المرأة التي ارتوي من نبعها بعدما صار رجلاً وعين كمدرس بإحدي المدارس التجارية وقتها اعترف أنه نفس الطفل الذي كانت تعلمه النظافة ؛ إزداد منها قرباً واستحلب من شفتيها المتعة والحكايات ؛ فكان يرسم أول حروف اسمها تحت نهديها ؛ ويرسم أول حروف اسمه تحت سرتها (24)، وفي النهاية عاد ليبحث عن ضالته المنشودة ؛ ويتساءل عن نفس السبب الذي أدي به لمصيره الآنى (هل من الممكن أن يعذب إنسان طوال حياته لكتابة حرفين) ؟! (25) .
لكن هذه الذكريات علي دقتها وتشعب روافدها لم تستطع أن تحقق رغبته المنشودة في الشعور بالأمان والطمأنينة ؛ وأن ثمة خيطاً يربطه بالحياة والأحياء ، لذا أخذ يفكر في لحظته الراهنة ويتأمل ذلك العالم الرهيب الذي يحيط به ، وفي غمرة هذا التأمل نقل لنا تفاصيل المكان المجهول الذي يقطنه فقال (وحيداً أنا مع تفاصيل المكان ؛ الباب الحديدي الغبي تلفه المسامير ذات الرءوس الغليظة الأكثر غباء … مائة وتسعة مسمار بالضبط بينهم سبعة رءوسهم مكشوطة، في منتصف الباب فتحة بعرض شبر ؛ وارتفاع يزيد بثلاثة أصابع يؤمنها ثلاثة أسياخ طولية ؛ وكأن من الممكن أن يفر من شراعة باب بهذا الصغر . أعلي الحائط المقابل للباب كوة مستديرة ؛ قطرها لا يتعدي الثلاثين سنتيمتراً ؛ تقترب من السقف الذي يزيد ارتفاعه عن أربعة أمتار . من الكوة يلقي له بطعامه داخل كيس بلاستيكي يليه كيس آخر لمياه الشرب ؛ يركز حتي يلقفه . وإلا اصطدم بالأرض وفقده ؛ عند قضاء الحاجة يلجأ للأكياس ؛ ثم يحاول إلقاءها من نفس الكوة … من الكوة والشراعة تتسرب إضاءة كهربائية شحيحة ؛ تثبت الزمن ؛ فلا شعور بليل أو نهار ؛ ولا يعرف منذ متي وهو في وحدته هذه . أين باقي المخلوقات ؟ ولماذا تخلي عنه الذباب والنمل) (26) .
ولعلنا نلاحظ استخدام المستغيث لضمير الغائب عند روايته عن ذاته داخل معقله المجهول ونمط الحياة الذي يحياه ؛ وفي تقديري أن استخدام هذا الضمير السردي بالذات في تلك اللحظة كان توفيقاً بارعاً يشي بانسجام أكثر براعة بين حالة الشخصية وظروفها والضمير السردي الذي استخدم في الرواية عنها بيد أن إيقاف المستغيث لبندول ذكرياته الذي كشف عن هوية اللحظة الراهنة قد أدي به إلي حالة انفعالية حادة دفعته إلي الكشف عن هوية المكان الذي يقطنه وهو السجن في وقت غير مناسب وفك شفرات اللغز الذي جعلنا نلهث خلفه في لحظة واحدة اختلت فيها كل المعايير؛ وذلك في قوله (بالتأكيد جميعهم بالخارج مستمتعون؛ أنا الوحيد الذليل السجين أنا الشريد) (27) .
ولم يقتصر تأثير هذه الحالة الانفعالية علي سرعة الكشف عن السر الدفين بل ارتفعت حدة النشيج السردي لتفلت كثيراًَ من الخيوط الفنية من بين يديه ؛ وذلك حين اتخذ سبيلاً آخر للبحث عن ذاته الممزقة بين الماضي والحاضر ؛ وهو الرواية عن مصائر الآخرين الذين عاشوا ظروفاً مشابهة لظروفه والذين التقي بهم في مراحل متباينة من حياته ولكنه نسي حين خرج من إطار ذاته أن يقف عند لحظة التماس التي اعتدناها منه عند نهاية كل مرحلة .
بيد أنه عاد يائساً ليقارن بين مصيره ومصير أهم الشخصيات التي أثرت في حياته ؛ مثل أيمن فايد الفتي الثائر الذي كان صديقاً له أثناء تجنيده (28) وسامر مهدي – الشخصية المقابلة له – والذي كان كائناً نفعياً لا يشغله سوي المتعة والسيطرة (29) .
ومن بين النقيضين تولد صراع ضار استفحل في أعماق المستغيث الذي وقع علي الحافة بين النقيضين دون قدرة منه علي أن يكون أياً منهما فقال (كنت ضائعاً … غريقاً يستنجد بقشة؛ لا أستطيع أن أكون أيمن فايد ؛ ولا أستطيع أيضاً أن أكون “سامر مهدي” الذي لا تغادر سيجارة البانجو فمه (30) .
وهنا تجلت حالة التشوش والتخبط التى يعيشها وبرزت نتوءات التشوه التي شابت عالمه الداخلي من خلال تندمه علي إيجابيته التي ظهرت مرة واحدة في حياته حين خرج تمرده من محيط ذاته إلي الآخرين (31) وتندمه في ذات الوقت لأنه لاز بالصمت واستسلم حين رأي الخلل ممتداً ومتغلغلاً حتي النخاع في مراحل حياته (32) .
وهو تارة يتساءل هل كان اعتراضه سبباً في عقابه ؟ وتارة أخري يتساءل هل كان صمته سبباً في محنته ؟ وفي النهاية اعترف بعدم قدرته على الصمت أو البوح وقد انبثق عن هذه الهواجس التي اجتاحت جحافلها نفسه تقنية أحلام اليقظة (33) فكان يتأمل هذا المجهول الذي أحاط به (يبعد . يقف في ركن الحجرة ؛ ليتاح له أكبر قدر من الرؤيا العامة للأرضية . أوقات الشتاء يري امرأة دافئة ترنو إليه ؛ أحياناً تكون مشنقة ورجل يتدلي منها (34) .
ولعلنا نلاحظ تأثير ذلك الصراع الذي يدور في أعماق المستغيث بين متناقضات متناثرة علي نظرته المزدوجه للمكان والتي حملت في طياتها ظاهرة الثنائيات التي أشرنا إليها سالفاً والتي امتدت لتؤثر علي جميع عناصر البناء الفني للعمل ؛ فالحجرة أحياناً تكون امرأة حانية دافئة في ليالي الشتاء وما توحي به هذه المفردات من معاني المتعة والخصوبة والحياة التي يبغيها وأحياناً أخري تكون هى ذاتها المشنقة رمز الموت والعدم أي أن الأمر لم يقتصر علي الهواجس التي تسيطر عليه إنما يعكس أيضاً رغبته عن الحياة ورغبته فيها.
ولكن وفي غمرة هذه التناقضات نلاحظ أن ثمة خيطاً خفياً يربط بين هذين المتضادين ويشي بوجود تجانس أو ربما ترادف مجازي ألم تلقب المشنقة مجازاً بالعروس ؟
وقد تجلى تأثير ظاهرة الثنائيات أيضاً عند المستغيث علي تكنيك أحلام اليقظة في جميع المواضع التي ذكرت فيها ؛ وليس أدل علي ذلك من تخيله مصر وكأنها أنثي جميلة ضعيفة ثم تخيله إياها في نفس اللحظة ذكراً ذا عضو ذكري عملاق (35) .
ويمكن إيضاح ذلك علي النحو التالي :
المرأةç المقصلة ç الحياةçالموت
الأنثي ç الذكر ç الضعف ç القوة
وفي تقديري أن ذلك التوظيف للتقنية كان توظيفاً جيداً وجديداً.
ولم يكن المنولوج الداخلي إحدي روافد تيار الوعي بمعزل عن المشاركة في هذه الأزمة الفنية ؛ فقد تجلي في العديد من المواضع ؛ واجتاح برفق العملية السردية وتلاحم معها ليعطي جديلة لغوية جيدة تعكس من خلال أنماطها المتعددة وأساليبها الأكثر تعدداً حالة المتغيب في سجنه ؛ وقد تجلي ذلك في قوله (تري كيف أصبح شكلي الآن؟ هل تغيرت ملامحي؟ في الفترة الساقطة من عمري؛ هل فعل بي شيء ؟ لو عدت هل سيكون لدي نفس القدرة علي الأكل والنوم والسكوت؟ قد أكون مازلت قادراً علي التذكر؛ وأحتفظ حتي الأن بالكثير من تفاصيل حياتي؛ لكنني إذا رأيت الذين أحكي عنهم هل سأعرفهم ويعرفونني؟! (36) ثم يستطرد قائلا (بدأت أكره كل من أذكرهم ماذا قدموا لي ؟ جميعهم لا يذوقون ما أذوق ؛ وربما نسوني تماماً…) (37) وفي هذه اللحظة كانت نهاية الرحلة في عالم الواقع بأزمنته المتداخلة ؛ وأماكنه المختلفة .
وهنا تجلت لحظة الكشف التي انبثقت عن محاسبة الذات ووصل المستغيث الذي أعيته رحلته إلي نتيجة واحدة هي أنه لا يزال سجيناً ولن تتلاشي قيوده وأن كل ذكرياته لم تشفع له ؛ فانسلخ من كينونته وواقعه وحلق في آفاق أخري هارباً من عالمه إلي عالم آخر مثالي بدائى وبسيط حيث لا قيود ولا قهر ولا اضطهاد وكان ذلك في حلمه الوحيد الذي حمل في طياته عصارة آرائه وآلامه ورؤاه التي التقت جميعاً في لحظة واحدة وبؤرة واحدة فقال (آرانا نعيش في باطن الأرض ظهورنا محدبة ؛ عظامنا هشة ؛ هلامية أجسادنا ؛ نتغذي علي الديدان وقت الرخاء ؛ والأحجار اللينة والرمال المتكلسة وقت الشدة) (38) .
ولعلنا نلاحظ أن المرحلة الأولي التي اتخذها الحلم هي الحديث عن أسطورة البداية والعالم الهلامي الكائن في باطن الأرض الذي يعد إرهاصاً فلسفياً لوجود الإنسان الآدمي علي سطح الأرض حيث الخروج من إسار القوانين المنطقية العقيمة التي تحكم العلاقات بين المخلوقات والتعامل البدائي الذي لا يخلو من الاستسلام لمفردات الطبيعة ومظاهرها ثم صيحة التمرد التي أطلقها ذلك المستغيث بعدما ما خرج من سياج كينونته وتوحد مع أجداده الأقدمين في كيان واحد كما في قوله (نفس الشعور كان لدي أحد أجدادي البعيدين ؛ كان يأتيني في صورة جدي عبد الواحد ؛ ظل يعاني حتي توصل إلي (يوم الطين) دافع عن فكرته بكل قوة ؛ وكنت أحياناً أجده يأخذ صورتي وكأنني أنا الذي أتكلم وأدافع (39) .
وهنا يتجلي ذلك التطور الذي أراده المستغيث من الكائن الأول إلي نشأة الإنسان الأول بعدما خرج من إسار عالمه الهلامي اللا محدود الكامن في باطن الأرض حيث تشيأت الأشياء وصارت محسوسة وملموسة . أما الطين – أساس الإنسان ومنتهاه – فقد جعله المستغيث عنصراً فعالاً في هذه المنظومة بدافع عن رغبته في عودة الجزء للكل حيث الدفء والالتحام والتوحد فالطين هو (راعينا نتنفسه؛ نأكله؛ ننام عليه لولاه ما عرفنا مصيرنا) (40).
وبعد رحلة العودة والالتحام تأتي رحلة التوحد مع الآخر؛ والثنائية التي قام عليها الكون وهي ثنائية الذكر والأنثي التي اتخذت خطاً موازياً لأسطورة الإنسان الأول في غمرة تعدد الأساطير والرموز فقال (عندما رأيتها في ذلك اليوم لم أعرف أين كانت تختبيء من قبل؛ وكيف لم أرها ؟! كيف فتنت إلي حد الهوس ؟! اقتربنا اقترابنا زادنا بعداً عن الآخرين؛ حاربونا لم نؤذ أحداً لم نكن نريد سوي وجودنا معاً (41) … هاجمونا بقسوة . كلما رأونا شاطت قلوبهم استشاطوا غضباً؛ أطلقنا عليهم الشيّاطين ؛ حرفت إلي الشياطين وأصبحت تطلق علي كل شرير كريه) (42) ولعلنا نلاحظ استلهاماً خفياً لقصة آدم وحواء ؛ وما فعله الشيطان الرجيم من غواية لهم وإيذاء ؛ رغم تحول دفة الأحداث وانحدارها لمنعطف آخر مغاير لأحداث القصة الحقيقية .
ولكن العاشقين لم يستسلما؛ بل قاوما وتشبث كل منهما بالأخر فقال واصفاً لحظة النصر واللقاء وفرحة النجاة “وإذا بنا منتصبى القامة؛ الأشياء من حولنا تحولت؛ لا طين؛ لاجوع؛ اختفت الديدان والعظام والروائح الكريهة. من حولنا كل المصدقين؛ فرحين. أصحاء. احتضنها؛ نعلو. أضمها بشدة؛ نعلو بشدة؛ المصدقون بأسفل ربما لم يلتفتوا لاحتفائنا(43) .
وبعد هذا الحلم الجميل عاد لذاته وواقعه ثانية واستفاق من غفوة الحلم الذى يمكن أن نربط بين مفرداته ومفردات الواقع الذي يعيش فيه على النحو الآتى :
الحياة البدائية في باطن الأرض ç الحياة البدائية في حي الزرايب
التمرد والبحث عن حياة أفضل دون استجابة من أحد ç التمرد والبحث عن حياة أفضل دون استجابة من أحد
الرغبة في التوحد والالتحام والدفء ç الرغبة في البحث عن الذات لمعرفة كنهها وماهيتها للتوصل إلى معرفة الذات
ظهور العديد من القوي القاهرة والجبارة التي تهدف إلي محو هذا الكيان السوي المتمردç ظهور العديد من القوي القاهرة و الجبارة التي تهدف إلي محو هذا الكيان السوي المتمرد
البحث عن ملاذ وملجأ يعصمه من هذا السطوç البحث عن ملاذ وملجأ يعصمه من هذا السطو
فرحة النجاة والسمو فوق الجميع التي أدت إلي ترك العالم المحيطç النجاة والسمو الذي أدى به إلي ترك العالم المحيط ؛ ولكنه في هذه المرة أتي به إلي السجن.
وهنا يتساءل المستغيث (هل من الممكن أن أكون أتيت إلي هنا بهذا الشكل ؟!!! رفعت من وسط كل القاذورات ؛ وألقي بي وحيداً (44) أنه لم يجد جواباً علي سؤاله في عالم الواقع فبحث عنه في حلمه الطويل ثم أدرك أخيراً أن نجاته تحتاج لمعجزة مصدرها قوة خارقة ؛ فاستعاد أسطورة ؛ نقل جل المقطم التي ظلت قابعة في ذاكرته علي مدار الرواية حتي تجلت له في اللحظة الأخيرة والمحاولة الأخيرة أيضاً .
وحكاية نقل جيل المقطم هي أسطورة قديمة كانت من أهم الأساطير التي تجلت داخل النص وفحواها أنه في أيام الدولة الفاطمية أثناء حكم المعز تم نقل جبل المقطم من الحلمية الجديدة إلي مكانه الحالي حين صعد سمعان الخراز خلف البابا آبرام – الذي ظل يردد حسب أوامر الخراز أربعمائة مرة (كيرياليسون) أي ارحم يارب حتي حدثت المعجزة (45) فظل المستغيث بدوره يرددها آملاً في أن تكون هى طوق النجاة لكنها لم تكن ولم تستطع أن تفك أسره ولم نستطع نحن أن نفعل له شيئاً .
وفي النهاية ؛ وبعد أن أغلقت جميع السبل أمامه استسلم أخيراً لقدره في لحظة واحدة ربما لا يتناسب قصرها مع رغبته في انفراج القيد التي ظلت ممتدة منذ بداية الرواية
ولكنه استسلم وكفي !!!!
(وظل ينتظر بفرح سلاسل غليظة تقيده علي وضعه هذا ؛ وطوقاً من الشوك القاسي يكلل(46) رأسه في فخار ؛ بينما ابتسامة رضا مضيئه تملأ تفاصيل وجهه ؛ يستقبل بها الهوان فرحاً مستبشراً )
أخيراً وليس آخراً فإن الهوة لا تزال سحيقة فهل آن لنا أن نكسر الأصنام التي صنعها المريدون والمرتزقة ؟ هل أن لنا أن نعيد نبض الحياة لذلك الجسد المسجي الذي يسمي بالنقد الأدبي ؟ أن نستخدم حقنا المشروع في أن ننعت هذا النص بالجيد ؟؟؟!
ـــــــــــــــــــــ
(1) انظر د . شفيع الدين السيد ؛ نظرية الأدب دراسة في المدارس النقدية الحديثة ؛ دار الآداب ؛ ط2 سنة 1423هـ – 2003م
(2) كيرياليسون ؛ رواية ؛ هاني عبد المريدد ؛ الدار للطباعة والنشر والتوزيع ؛ ط1 ؛ سنة 2008م
(3) التناص في أبسط تعريفاته هو إعادة للموقف القديم برؤية جديدة تجعل الوحدة العضوية تواصلاً جديداً بين الماضي والحاضر ؛ وتعيد تشكيل الموقف أو الشخصية بمعاصرة حقيقته علي مستوي الخطاب والمستوي الفني . د خالد الكركي الرموز التراثية العربية في الشعر العربي الحديث دار الجبل بيروت سنة 1989م ؛ ط1 ؛ ص26
(4) هاني عبد المديد ؛ السابق ؛ ص7
(5) المصدر السابق ؛ نفس الصفحة ؛ ص7 .
(6) السرد الروائي هو الطريقة التي يصف أو يصور بها الكاتب جزءاً من الحدث أو جانباً من جوانب الزمان أو المكان اللذين يدور فيهما أو ملمحاً من الملامح الخارجية للشخصية ؛ أو قد يتوغل إلي الأعماق فيصف عالمها الداخلي . أنظر د . طه وادي ؛ دراسات في نقد الرواية ؛ الهيئة المصرية العامة للكتاب ؛ ط1 ؛ 1989م ( والذات الراوية في هذا النسق تروي أحياناً عن ذاتها وفي الحين الآخر تروي عن الذات الغائبة ؛ وفي الحين الثالث تروي عنهما معاً ) د. مراد عبد الرحمن مبروك توظيف الشخصية الغجرية في الرواية العربية في مصر سنة 1967م – 1991م ؛ عالم الكتب ؛ ط1 سنة 1992م
(7) الفلاش باك مصطلح روائي حديث يعني الرجوع بالذاكرة إلي الوراء البعيد أو القريب ؛ أنظر د. آمنة يوسف تقنيات السرد دراسة في النظرية والتطبيق ؛ دار الجوار للنشر والتوزيع ؛ سورية ؛ اللاذقية ؛ ط1 سنة 1997م ؛ ص72
(8) هاني عبد المديد ؛ السابق ؛ ص90
(9) المصدر السابق ؛ ص8
(10) السابق ؛ ص9
(11) السابق ص45
(12) نفسه ؛ص45 .
(13) د. عادل عوض ؛ تعدد الأصوات في روايات نجيب محفوظ دار الهاني ؛ط1 ؛ سنة 2004م ؛ ص221
(14) انظر هاني عبد المريدد ؛ السابق ؛ ص10
(15) المصدر السابق ص93
(16) انظر السابق ص46
(17) انظر السابق ؛ ص52
(18) انظر السابق 57- 58- 59
(19) انظر السابق ؛ ص17
(20) المصدر السابق ص7
(21) السابق ص19
(22) السابق ص20
(23) انطر السابق ؛ ص104
(24) نفسه ص 109
(25) أنظر السابق ص110
(26) المصدر السابق ص41
(27) السابق ص43
(28) انظر السابق ص31
(29) انظر السابق ص29
(30) السابق ص29
(31) انظر المصدر السابق ؛ ص42؛43 .
(32) نفسه ص27
(33) أحلام اليقظة هي أن تتخيل شخصية ما أن ثمة شيئاً تمناه أو تخشاه سوف يحدث ؛ د . طه وادي ؛ دراسات في نقد الرواية السابق ص37
(34) انظر هاني عبد المديد السابق ص34
(35) المصدر السابق ص 89
(36) السابق ص110
(37) السابق ص11
(38) نفسه ص 112
(39) نفسه ص112
(40) المصدر السابق ص113
(41) نفسه ص113
(42) المصدر السابق ؛ نفس الصفحة ؛ ص113 .
(43) المصدر السابق ص114
(44) السابق / نفس الصفحة ؛ ص114
(45) انظر السابق / ص117
(46) المصدر السابق / ص 119