حسن عبد الموجود
إن كنتَ تبحثُ عن كاتبٍ يشبهُ كتابته أو اسمه فهو بهاء طاهر.
رجلٌ مهموم بحبِّ كل ما حوله، ومن حوله، أسرته الصغيرة، عائلته الكبيرة، الصعيد مسقط رأس أبيه، مصر بلده، اللغة العربية والعالم العربى، القضية الفلسطينية، الكتابة حتى لو كانت مجرد مقال، الأدباء الشباب، والناس فى الشارع، وحتى الحيوانات.
لم يكتب بهاء طاهر حرفاً بدون أن يكون مغلَّفاً بروحه الصادقة، وفلسفته العميقة، ومعرفته بدروب الحياة، وخبايا النفوس، ولذلك استقرت أعماله فى وجدان القرَّاء فى كل مكان. لم يكتب سوى 11 عملاً بين مجموعة ورواية، لكن يمكن اعتبارها كالدُّررِ أو اللالئ، قيمتها فى فرادتها، وحُسنُها فى مظهرها وجوهرها، انحاز للبساطة فوصلت لغته للناس واحتل أبطاله وعيهم وذاكرتهم.
ربما كان بهاء طاهر يبدو من مقالاته شخصاً قوياً، لكنه فى حقيقته كان كالزجاج القابل للخدش، بسبب شدة حساسيته، واحترامه لنفسه، واعتزازه بما يؤمن به، تعفَّف عن المعارك الصغيرة، تاركاً الجمل بما حمل للجميع، لم يصارع على مكسب، ولم يزاحم ليظهر فى مشهد، كان يمرض حين تمر بلاده بوعكة، ويستفيق مع استفاقتها، كان كذلك شديد الوضوح فى مواقفه، حتى وإن تسببت فى تطاول بعض المتبجِّحين و«الأنصاص»، وهو خير إثبات لفكرة أن الزمن هو أكبرُ حكمٍ على القيمة، قيمة الكاتب وكتابته.
تحولت أعماله بمرور الوقت إلى أيقونات، ومن النادر أن تجد لدى كاتب واحد أعمالاً متعددة تحظى بالحب والقبول، فالشائع أن لكل كاتب جوهرة واحدة، لكن بهاء طاهر «الجواهرجى» خلق العديد منها، وقد وُلد كبيراً بمجموعاته «الخطوبة» و«بالأمس حلمت بك» و«أنا الملك جئت»، ثم فى زمن متقدم «ذهبت إلى شلال» و«لم أعرف أن الطواويس تطير» ومن يُردْ أن يتعلم فن القصة القصيرة فعليه بقراءتها، ثم زادت الرواية من بريقه إذ كتب أعمالاً فيها ملامح الشخصية المصرية، وفيها ملامح المكان المصرى، وفيها استدعاء للتاريخ الخاص بمصر وحضارتها المتراكمة طبقة فوق طبقة، بدءاً من العصر الفرعونى ومروراً بالأزمان المختلفة وصولاً إلى الحاضر، مثل «شرق النخيل» و«قالت ضحى» و«خالتى صفية والدير» و«الحب فى المنفى» و«نقطة النور» و«واحة الغروب».
مرَّ عام كامل على وفاة بهاء طاهر، ونحن إذ نحتفى به فإننا نحتفى بروحه الصادقة، وكتابته الفذة، ومواقفه المؤثرة، ونبله الكبير. هذا العدد، بمواده وصوره وتفاصيله الخاصة جداً مهدىً إلى المعلم العظيم الخالد بهاء طاهر وإلى محبيه فى كل مكان.
