لقطات من المعرض (2)

لقطات من المعرض (2)
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

"خليك في حالك" .. مكتوبة بخط جميل على "التي شيرت" الأسود,, استوقفتني الفتاة بابتسامة وهي تمد يدها ببطاقة ورقية صغيرة : لحظة لو سمحت.

أجبتها ضاحكة وأنا أشير لما ترتديه: مش انتي بتقولي خليك ف حالك.. خلاص هاكلمك ليه بقا

بادلتني ضحكة صافية: لا دا مش لحضرتك دا للولاد الغلسين

دقائق شرحت فيها ما تريد بيعه.. بطاقات للتخفيضات على سلع وكتب...

فتاة شابة في سن جامعية تخرج مبكراً لسوق العمل, مثل الكثير من الشباب والبنات, يخرجون للعمل فيصادفون في طريقهم الغالي والرخيص.. ما أكثر الرخيص في الواقع,  لكنها تكتب بوضوح:  خليك في حالك, وتستمر في المحاولة.

الشباب والبنات الذين يرتدون شعار: “عم أمين” و”إسألني” كانوا يستقبلون استفساراتي بابتسامات مرحبة كصديق قديم فرحت بلقائه مصادفة, ربما كان هذا شعوري أنا والذي انعكس على وجوههم,  في كل الأوقات كانوا مرحبين ودودين ومتعاونين للغاية.

شباب واعد وفنانون من جيل أكبر كانوا يضيئون كذلك بإبداعاتهم على المسرح المكشوف ومخيم الفنون، والذي شهد إقبالاً كبيراً طوال الوقت. كانت السماعات الموضوعة خارجه تحمل اصواتاً عذبة تشدك رغما عنك للدخول أيا كانت وجهتك .

أزعجني قليلاً أن الإضاءة في مخيم السينما كانت غير مناسبة للعرض, حيث كان ينبغي جعل قماش الخيمة وراء شاشة العرض معتماً… لكن هذا لم يقلل كثيراً من سعادتي بعرض هذا الكنز الثقافي الكبير المتمثل في عرض الندوات القديمة لكبار الأدباء والمفكرين .

أزعجني أيضاً عدم وجود صناديق للمهملات على نطاق واسع , المساحة الكبيرة وعدد الزوار الكبير كان يستلزم وجود صناديق أكثر.. في المرتين اللتين أعلنت فيهما دهشتي من الأمر, كان عامل النظافة يبادرني: هاتي بس اللي عايزة ترميه, ويصر على تناول الورقة أو الكوب ليرميها بنفسه رغم اعتراضي الشديد.. هؤلاء أيضاً شباب مصر, لم يكن يراقبهم أحد, كان باستطاعة كل منهم أن يدير ظهره لي في لامبالاة دون أن يلومه أحد أو حتى يلاحظ تصرفاته .. أعتبر هذا نوعا راقيا للغاية من الثقافة تجعلني أشعر بالامتنان لوجوده في ظل كل الإحباطات المحيطة.

رغم محاولات التجريف المستمرة على مدى عقود, لم تخل مصر يوماً من الفن الحقيقي والإبداع.. إذا أضفنا لهذا أنشطة الطفل نستطيع القول أن المعرض كان يصلح لنزهة عائلية رائعة وغير مكلفة خاصة مع وجود المترو .

حاولت أن أشرح الأمر لسائق التاكسي الذي رد باستنكار شديد: هيروحوا يعملوا ايه يعني ؟ يشتروا كتب ؟!

الثقافة فعلاً في المواجهة, ثقافة سائق التاكسي كغيره من الفئات سوف تنعكس لامحالة على المجتمع ككل. الثقافة هي كل مايحيط بنا في الحقيقة منذ أن نخرج من بيوتنا صباحاً حتى نعود آخر اليوم مستهلكين تماماً.

خلال الأيام الماضية انتشرت التعليقات التي تتناول تعيين وزيرة للسعادة في الإمارات بالإضافة لكون الحكومة في غالبيتها من الشباب في بدايات العشرينات. كان هذا بالفعل ما لاحظته بوضوح في المرات القليلة التي زرت فيها دبي. الشباب في كافة الأماكن الحيوية في المطارات والجوازات وخلافه, وعلى قدر عال من المهنية .

إنها ثروة حقيقية تهدر يومياً هنا في بديهيات تحرمهم من كافة أشكال التعبير .

حتى مشاعر الحب الطبيعية للغاية والتي تصطدم بجبال من المعوقات الاقتصادية والموروثات الاجتماعية, تجد من ينتقدها ويقف لها بالمرصاد.

هل هذا احد أسباب السعي للكتابة وإصدار مطبوعات تحمل اسم الواحد منهم كطريقة لقول: أنا هنا ,ربما يجب النظر للظاهرة من هذا المنظور أيضاً. لو أن هناك تحققاً فعليا على أرض الواقع هل يحتاج المرء لغطاء هش ككتاب يحمل عبارات عادية  مما نقوله مئات المرات يومياً  ليثبت لنفسه وللآخرين أنه موجود؟

مقالات من نفس القسم