كاواباتا وماركيز ..رواية حية وأخرى ميتة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد فاضل *

ياسوناري كاواباتا وغابرييل غارسيا ماركيز إسمان عظيمان في عالم ألأدب ، لهما روايتان أحدثتا هزة عنيفة في ألواقع ألثقافي ألعالمي لسنوات خلت وأخرى لاحقة ، ألأول ساهم في إنتشار ألأدب ألياباني وتعّرف ألعالم عليه وعلى ثرائه ألثقافي وخصوصيته إثر حصوله على جائزة نوبل للآداب عام 1968 ، ويعد من أبرز كُتاب ألرواية في أليابان متمتعا بأسلوب سلس وطابع بسيط ، ومحاكاته ألروائية تبتعد دائما عن ألزخرفة والبهرجة ، مع وضوح عال في رهافة ألحس ألجمالي

وروح معانيه ألعميقة .أطلق كاواباتا في بداياته حركة أدبية أسماها ( ألأحاسيس ألجديدة ) وأبتدع نوعا أدبيا أطلق عليه ( ألرواية ألمصغرة ) وشغل ألوسط ألثقافي ألياباني بهذه ألأبتكارات ، متجاوزا باقي ألمدارس ألأدبية ألتقليدية ألتي عرفها أليابانيون منذ عقود طويلة .عاش كاواباتا يُتمه ألمبكر ، فتحدى مآسيه ألتي تأسست على ذلك ألقهر بفقدان والديه ، فلجأ للأدب والكتابة وشغل نفسه بأنشطة ثقافية متعددة حيث كانت له مساهمات في إصدار ألعديد من ألمجلات ألثقافية إضافة إلى كتابته للقصة وألرواية ألتي أهلته إحداها وهي رواية ( ألعاصمة ألقديمة ) للفوز بنوبل ، وهي تحكي عن عادات وتقاليد ألأنسان ألياباني بكل ما يتمتع به من أبعاد فكرية ودينية وإجتماعية وضعته في إطار متميز. يقول عن بداياته : ( أضطررت بعد فقداني لوالديّ أن أنتقل للإقامة مع عائلة والدتي / آل كورودا / ولم أكن أتجاوز من العمر سوى سنتان ، وفي سنتي السابعة فقدت جدتي ألتي كنت أحبها بجنون ، وفي ألعاشرة صدمت بفقداني لشقيقتي ولم يبق لي سوى حفنة قليلة من آل كورودا ) (1 ).كانت سنواته أللاحقة صراع من أجل ألبقاء بعد كل هذا ألفناء ألذي لحق ببلده نتيجة للحروب التي شهدتها وأخرها قنابل ألموت النووية على هيروشيما وناكازاكي ، فحزم أمره يسابق ألزمن كي يفوز بالشهادة الجامعية ألتي حلم بها، واستطاع في سنوات دراسته لها من إعادة إصدار مجلة جامعة طوكيو ألأدبية ( إتجاهات ألفكر ألجديدة ) بعد أن كانت معطلة لأكثر من أربع سنوات وفيها بدأ بنشر أولى قصصه ألقصيرة ( مشهد من جلسة أرواح ) ورأى أن له رغبة ملحة في إبدال تخصصه ألجامعي وهكذا أنتقل إلى ألأدب ألياباني وكتب أطروحة تخرجه ألتي حملت عنوان ( تأريخ موجز للروايات أليابانية ) . كان ولعه ألشديد يدفعه دائما ليحقق منجزا ثقافيا جديدا وهكذا بدأ مع مجموعة من ألكتاب ألشبان بإصدار صحيفة أدبية سميت ( عصر ألأدب ) والتي بدأ كواباتا فيها كتابة سلسلة من ألمقالات تناول فيها تأثير ألحركات الفنية ألتكعيبية والتعبيرية وغيرها من ألأنماط على ألفن الياباني،  وإبتكر مصطلحا لغويا هو ( شينكا تكا كوها ) أي منظور ألأحاسيس ألمختلفة في ألكتابة ألأدبية ، ولم توقفه تلك ألصحيفة عن كتابة الرواية فأصدر ( راقصة آيزو ) ألتي كانت لها ألأثر ألكبير في شيوع إسمه واصبحت مباشرة إحدى كلاسيكيات ألأدب الياباني ووصفها ألناقد أدوارج شايد نسترايكر بأنها قد تكون تحفة كواباتا ألأدبية ، لكنها لم توقفه  عن إبداعات إخرى ، بل قدم لنا وبأسلوب حداثي لم تعهده ألأداب أليابانية أو بالأحرى كان ألوحيد ألذي طوّع ألتقاليد ألأدبية اليابانية لكي تتصالح مع معطيات أبطال رواياته ألمنقلبون على ألواقع ألملحمي ألذي أسر ذلك ألأدب سنين طويلة ، وهذا ما أظهره على أبطال رواياته / ألبحيرة / ألصادرة عن دار ألتنوير للطباعة والنشر في بيروت لمترجمها عبد ألرزاق جعفر عام 2007 ورواية / ضجيج ألجبل /  و  / أستاذ آل غو / ألصادرتان عن دار ألتنوير للمترجم صبحي حديدي عام 2007 و / ألعاصمة ألقديمة / ألصادرة عن مؤسسة ألمدى لمترجمها ألأستاذ صلاح نيازي عام 1999 ورائعته / ألجميلات ألنائمات / عن دار ألآداب ألبيروتية لمترجمها بسام حجار عام 1991. ولا تكاد رواية من رواياته تخلو من تأمل عميق ، ثقافي – وطني تارة وشعائري – وجودي تارة أخرى ، في طقوس الشاي أليابانية ألعريقة ، وفي لعبة ال (غو ) ألتي ظلت شطرنج الأرستقراطية ألملكية أليابانية طيلة قرون ، وفي فنون ألفوكلور ألمختلفة ، إلى جانب عادات ألترحال والزواج والشيخوخة وألموت . كاواباتا حاول في ( ألجميلات النائمات ) وهي من ألروايات ألتي حازت على شهرة واسعة ، أن يقدم نظرية فرويد عالم ألنفس ألشهير للقارئ ألياباني على إنها حالة عامة فد تصيب الجنس البشري في كل مكان ، هذه ألرواية تصور سعي ألعجائز متمثلة ب ( إيفوشي ) ألمصاب برغباته ، قال عنها ماركيز ألذي كتب لها ألمقدمة في طبعتها العالمية ومعترفا بأنها ( ألكتاب ألوحيد ألذي وددت لو أكون كاتبه ) وهو ما ظهر تأثره واضحا في روايته ألأخيرة ( ذاكرة غانياتي ألحزينات ) (2 ) إلا ان الفرق بين الروايتين هي هذه ألشعائر وألعادات وألطقوس ألتي تختلف فيها يابان كاواباتا عن كولومبيا ماركيز، وهنا تظهر حيوية هذه ألرياضة ألتي تضع ماركيز في الضفة المقابلة لكاواباتا ونكون فيها نحن ألقراء ألأشد حاجة إليهما معا ونكون بالتالي من أكبر الرابحين . إلا ان رواية غانيات ماركيز سقطت ميتة حين منعت إجازة نشرها في عدد كبير من البلدان ، ذلك لأباحيتها ألمفرطة فعجوز ماركيز في الرواية كان أكثر جرأة في سرد ذكرياته مع الفتاة الصغيرة ألتي لايتجاوز عمرها الرابعة عشر، من عجوز كاواباتا . إلا ان نهاية ألأخير ألمحزنة إنتهت بانتحاره خنقا بالغاز عام 1972 في حادث بقي مبهما حتى الآن ، بينا ماركيز ألحائز على جائزة نوبل هو الآخر عام 1982 بقي متسيّدا ألساحة ألأدبية ألعالمية باحثا عن حياة جديدة لرواية لم يجد كاواباتا آخر يكتبها عنه..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* كاتب وشاعر عراقي

(1) ألسيرة ألشخصية لكاواباتا.

(2) راضية ألعرفاوي / كاتبة مغربية.

 

خاص الكتابة

 

مقالات من نفس القسم