قناص أمريكى

قناص أمريكى
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

الطاهر شرقاوى

فى فيلميه الذين تناولا معركة واحدة فى الحرب العالمية الثانية بين الجيش الأمريكى واليابانى، وهما "أعلام آباؤنا" و "رسائل من ايوجيما"، أراد المخرج والممثل  الأمريكى كلينت ايستوود أن يبين لنا مدى بشاعة الحرب، لكنه فى فيلمه الأخير "قناص أمريكى 2014" يتبنى وجهة نظر مختلفة، تصب فى صالح مشروعية الحرب والقتل، مقدما تبريرات مغلوطة لأسباب غزو العراق فى 2003، والتى ربما لن يهتم المشاهد الغربى بالتدقيق فى مدى صحتها وسيستقبلها باعتبارها الحقيقة.

الفيلم مقسم على أربع جولات لحياة كريس كايل القناص فى الجيش الأمريكى وأدى دوره الممثل بريدلى كوبر، ويوميات الحرب فى الفالوجة بالعراق، متبنيا طوال الفيلم وحتى مماته، وجهة نظره السلبية تجاه جميع العراقيين، وأنهم وحوش يجب قتلهم وسحقهم، لمنع اعتدائهم مستقبلا على أمريكا، موضحا لزوجته أن ذهابه الى العراق هو حماية لها.

وجه النظر المغلوطة تلك أبرزها وأكد عليها كلينت ايستوود منذ بداية الفيلم، وظهرت واضحة فى تألم البطل أثناء مشاهدته فى التلفزيون لآثار الاعتداء على السفارة الأمريكية فى دار السلام بتنزانيا ونيروبى بكينيا، وبعدها أحداث برجى التجارة بنيويورك، وهو ما دفع كايل الى التطوع فى الجيش لمحاربة العراقيين الأشرار، وهنا تأتى المغالطة الكبرى، فلا العراقيين فجروا السفارات فى شرق إفريقيا ولا هم خطفوا الطائرات وفجروا برجى التجارة، من فعل ذلك هو القاعدة، والقاعدة ليست هى العراق، حتى أنها لم تكون متواجدة بأرضه إلا بعد أن غزاها الأمريكيون، معطين لها مبررا قويا لوضع أرجلهم بها، وهو ما أنتج فى النهاية وليدها داعش.

العراقيون فى قناص أمريكى ثلاثة لا رابع لهم، إما منضمون الى القاعدة أو متعاونون سرا معها بمدها بتحركات أرتال القوات الأمريكية، أو طماعون يرغبون فى بيع معلومات عن الزرقاوى مقابل آلاف الدولارات، وهو ما يجعلهم لا يستحقون أى تعاطف من قبل المتفرجين، بل أن قنصهم كما يوضح الفيلم منع جريمة كانوا على وشك ارتكابها ضد المارينز.

القناص الذى أطلق عليه زملاؤه لقب الأسطورة والحامى، والذى قنص 165 عراقيا، سيبدو بهذا الشكل متوحشا وغير محبوب من المشاهدين، ويتطلب الأمر منحه بعدا إنسانيا، وهو ما قام به كلينت ايستوود، خاصة فى لحظات قنصه الأولى لطفل صغير وأمه، وتعبيرات الألم التى ظهرت على وجهه وتردده فى الضغط على زناد البندقية، أو ترقرق الدموع فى عينيه فى مشهد آخر، كل ذلك لا يغفر له قيامه بالقتل والذى يصل فى بعض الأحيان الى الاستمتاع به وكأنه يمارس هوايته المفضلة، خاصة وأن هناك سؤالا لم يتم طرحه، وهو من الطرف الذى يدافع عن نفسه فى الفيلم؟ العراقيون يدافعون عن أرضهم وبيوتهم فعن ماذا يدافع الأمريكان؟ وما الذى دفعهم الى القدوم الى أرض أخرى وقتل أهلها؟ وبنفس المنطق الذى استخدمه كايل لتبرير ذهابه للحرب وهو الدفاع عن وطنه ضد الإرهابيين، فإن العراقيين أيضا يدافعون عن وطنهم ضد غزاة.

أخو كايل الصغير والذى دائما ما كان فى حمايته بالمدرسة تطوع هو الآخر فى الحرب، وقد بدا مذعورا وزائغ العينين عندما قابله القناص مصادفة فى مطار عسكرى بالعراق، منهيا حوارا بسيطا بينهما بان هذه أرض ملعونة وإنه يرغب فى العودة الى الوطن، ربما كان مظهر أخيه ووجهة نظره فى الحرب الدائرة مخيبة لأمال كايل، فهو لم يتوقع ذلك منه، كان يتوقع شيئا آخر، نسخة مصغرة منه ومن أفكاره،  ومن شعوره بأنه الموكل بحماية الجنود من العراقيين.

ما الذى يريد أن يقوله كلينت ايستوود فى قناص أمريكى؟ هل يريد تبرير الحرب على العراق، أم تقديم تبرير للمتفرج عن سبب قتل جنود المارينز الذين سقطوا هناك؟ وهل يعتبر الفيلم بداية لتغيير وجهة نظر الدراما تجاه العرب والتى بدأت تتحسن بعض الشيء بعد أحداث 11 سبتمبر، وتبرير ذلك بظهور داعش وآثار الربيع العربى فى دول المنطقة، ولماذا يمجد المخرج الأمريكى الكبير من دور قناص قاتل دون إدانة واضحة أو مستترة لأفعاله، وهل يصنع الأمريكيون الآن شخصيتهم الأسطورية من خلال القناص، كبديل لشخصيات روكى ورامبو؟ كلها أسئلة ستتضح إجاباتها فى الأيام المقبلة.

مقالات من نفس القسم