د. رضا صالح
اتجهت عيناى إلى صفحة المياه ، ونحن على قارب النزهة الذى وعدت به زوجتى ؛ أمسكت زوجتى بالفنجان بعدما انتهت من قهوتها هزته وقلبته على الطبق لتحرك الذبالة العالقة به، قالت وقد اتسعت ابتسامتها :
– أنا لا أومن بالبخت .
– وما الداعى لقولك هذا؟
انقلبت سحنتها ؛ ردت بعصبية ظاهرة:
– تذكرت وأنا صغيرة هذه السيدة العجوز ؛ التى تربطنا بها مودة وصلة قربى؛ فقد تعودت أن تزور أمى من حين لآخر ، يحتسيان القهوة سويا ، كنت أحيانا أقلدهما ؛ بعد أن فرغ فنجانى؛ أمسكته السيدة نظرت إليه مدققة ؛ وقد اكتسى باطنه باللون الداكن الذى لم يترك مكانا لبياض ؛ حركت الفنجان بين أصابعها ؛ واتجهت بعينيها ناحيتى قائلة :
– قلبك أسود ! ؛ ولم تكمل القراءة !! .
قلت لزوجتى ضاحكا:
– من أبلغها بذلك ؟
اتجهت بنظرها إلى البحر ، كانت الريح تحرك القارب ؛ ظل يميل يمينا ويسارا ، عبثت بنا الأمواج ، أمسكت زوجتى بأهدابي خوفا وفزعا .
بدا عليها عدم الارتياح ؛ وكالعادة أوقعتنى فى الفخ ، قالت وقد اكتسى وجهها بكآبة مباغتة :
– هل تعتقد فى هذه التخاريف؟
حافظت على ابتسامتى قائلا :
– أحيانا !!
—***—
سحبت نفسا من سيجارتى ، بالأمس كنت قد عرفت بمحض الصدفة ؛ أن زوجة خالى محجوزة بالمستشفى ؛ فقد اتصلت به لأشكره على فرصة العمل التى وفرها فى شركته لحسام – أخو زوجتى – ، كان حسام يريد الاتصال به أو الذهاب إليه ؛ و جاءنى – منذ فترة- لأتوسط له فى هذا الطلب .؛ اتصلت بالخال – وهو صاحب شركة تجارية – عرفت أنه يحدثنى من داخل المستشفى ، تساءلت :
خيرا..
رد بصوت مرهق:
فى إحدى المستشفيات التخصصية
قلت بقلق:
لماذا؟
زوجتى تقوم بعمل بعض الفحوصات ؛ وسوف تجرى لها عملية جراحية
رددت بإهتمام ملحوظ:
لا بأس عليها ؛ سوف نكون قى زيارتكم قريبا ..
—***—
نظرت إلى الأفق وإلى صفحة المياه الرائعة ، قلت لزوجتى :
زوجة خالى مريضة..
تحرك هواء الصيف ، ورفرف خمارها؛ فداعب وجهى بأطرافه ؛ بعد فترة صمت وجيزة قالت :
هل سمع خالك عن حادث السيارة الذى حدث لأبننا شادى منذ عامين ؟
قلت :
لا أذكر أننى أبلغته ..
قالت غاضبة :
لا تذكر ! هل سأل عنك ؟ هل يسأل عن أولادك؟
قلت صائحا :
مهلا مهلا !!الحمد لله أن الحادث مر على خير … ما الذى فكرك بهذا الكلام الآن ؟
قالت :
ألست تقول إن زوجة خالك مريضة وستدخل غرفة العمليات ؟
نعم .. وماذا فى هذا ؟
هم يسارعون فى إبلاغنا بأخبارهم السيئة ؛ وإذا حدث العكس ؛ فلا نرى منهم شيئا !
—***—
تذرعت بالصمت والصبر ؛ بحثت عن رد يطفىء فورة الشياطين التى تطل برؤوسها ؛ ارتفع صوتها تدريجيا وزادت عصبيتها؛ قلت مهدئا :
لم يطلب منك أحد شيئا ؟!
قالت:
خالك سارع بإبلاغك بمرض زوجته
قلت:
لقد عرفت بمحض الصدفة كما قلت لك, نسيت أن أقول إنها ربما تجرى الجراحة بالمنظار ..
التقطت زوجتى الخيط وقالت :
المنظار أصبح سهلا ؛لا يعتبر عملية ، ولا داعى لتضخيم الأمور ..
أردفت وهى تحدق فى :
لا داعي لأن تجعل من الحبة قبة ؛ المشرحة لا ينقصها قتلى ..
***
صاح البحر مزمجرا- مرة أخرى – بأمواجه الهائلة ، تدافعت المياه إلى سطح القارب ؛أصيبت زوجتى بالهلع والرعب ، تناثر رذاذ المياه على وجهينا ؛ بعد قليل كان يضربنا بعنف ، ظل القارب يسير الهوينى تتدافعه الأمواج ؛ فجأة سكن سطح المياه ، تعجبت من أسرار البحر ؛ جاءني هاجس قوى ؛لابد أن البحر يحس بنا ؟
على الأفق؛ وفى حضن الجبل ؛ كانت تبدو شعلة مصفاة البترول ، واكتست صهاريجها باللون الفضى اللامع و انعكس عليها ضوء الغروب ؛ تركزت عيناى على شعلة النار التى- على مدى السنين- لم يخمد لها أوار ؛ ظللت ساكنا والقارب يشق الماء ؛ تطلعت إلى جبل عتاقة صامتا، مازال يحوى أسراره ، متحليا بالصمود ؛ بالرغم من الأخاديد العميقة التى اجترحت فى جسده ؛ مناجم وكسارات وحفارات لا تهدأ ، تعمل ليل نهار بالبلدوزرات والديناميت وخلافه .. لا يشعر أحد بآلام الجبل وجروحه النازفة .
حمدت الله على السلامة ، قامت زوجتى من جلستها؛ متجهة الى الداخل ؛ حاملة صينية كانت مليئة بقشر اللب والبندق واللوز،الذى ظلت منذ قليل ؛ تقزقزه ، حتى اقتربنا من الشاطىء “.