قصتان من “أشباح الحواس”

قصتان من "أشباح الحواس"
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

جين..تونيك!

ورحت اتأمل بروفيلها الأيمن محاطا بشعرها البني الناعم المنسدل خلف ظهرها وهي تقف أمام النافذة المفتوحة تحدق بالأفق، وقد عبقت الشقة برائحة التبغ القادمة عبر مصنع السجائر المتاخم.

بدت قدماها المنمنمتان النحيلتان اللتان تنتعلان الشبشب الأزرق المكتوب عليه كلمة  (SPORT)  كقدمي طفلة، بينما اصطخبت الغرفة بصوت “ويتني هيوستن” الملائكي تغني أغنيتنا I Will Always Love You، وحينما انتهت الأغنية قلت لها:

القهوة يا جميل

نظرت إلي وهي تغمغم:

لأ مش عاوزة قهوة دلوقت..تعالى.

وضعت كوب القهوة على المكتب الخشبي المجاور للباب وتوجهت اليها بعد أن أغلقت النافذة. احتضنتها فضمت نفسها إلي باستكانة. خلعت الشبشب ووقفت بقدميها الحافيتين فوق قدمي لنرقص بهدوء شديد على أنغام أغنية هيوستن   I Have Nothing ، ثم إنني بدأت أتحرك بها كأننا جسد واحد

Share my life..

Take me from where I am

أمسكت رأسي بكلتا يديها معتمدة على ذراعي اللذين احاطا بظهرها وهي تحدق بعيني فيما تألقت عيناها السوداوان الصغيرتان القلقتان ببريق مثير.

Take my love

I’ll never ask for too much

Just further you are

And everything you do

ضممتها إلى صدري برفق وكأنني أحاول الرد على ما تقوله لي عبر الأغنية:

Cause I have nothing.. Nothing

If I don’t have you

قالت لي بهمس: حاسة إني دايخة.. عايزه أنام.

سالتها: مش هتشربي القهوة؟

لأ، عايزة أنام.

****

في “الكوفي شوب” الواقع بجوار المدخل الذي يقود لبهو فندق “سميراميس” اخترنا ركنا متاخما للنوافذ الشاهقة المطلة على النيل. طلبت من النادل المبتسم “جين تونيك”، فقالت مبتسمة:

اطلب لي حاجة بس تكون خفيفة.

طلبت لها Screw Driver، وفور أن أحضر النادل ما طلبنا، وضعت قدرا من التونيك في الكأس الذي،التقطته بسرعة، وأخذت تتشمم رائحته بنشوة قبل أن ترشف منه رشفة أعقبتها بجرعات متعاقبة. فقلت لها مستنكرا:

إيه؟ فيه إيه يا حاجة؟ ده غدار .

فردت بابتسامة: دا ريحته حلوة قوي. خد انت اشرب عصير البرتقان اللي انت طلبتهولي.

كنت أحكي لها عن صديقي الذي انتفض راكضا باتجاه مياه البحر على شاطئ “رأس البر” في برد ديسمبر القارس، الساعة الرابعة فجرا، عاريا ليبحث عني في أعماق البحر، ظانا، بفعل هلاوس الخمر، أنني تعرضت للغرق، فأغرقت في الضحك بطفولية . إلا أنها لم تستطع التوقف عن الضحك الهيستيري حتى خروجنا من المكان وهي تستند على ذراعي محاولة كتمان الضحك بلا جدوى.

التفت حولي وقلت لها بتوتر:

إمسكي نفسك شوية يا ماما.

نظرت لي مبتسمة وقد التمعت عيناها بالدموع قبل أن تنتابها مرة أخرى حالة الضحك الهيستيري:

مش قادرة..تعال نروح عندك البيت.. أحسن لو أبويا شافني كده هيطردني بره البيت.

****

عندما استيقظت طلبت القهوة فأعددتها لها بسرعة، وجلست أمامها على الفراش أحدق بملامح وجهها الدقيقة الأليفة. جذبت السيجارة من بين شفتي وهي تبتسم. عندما انتهت من تناول قهوتها اقتربت مني بابتسامتها الشبقة، فأقبلت عليها محتضنا إياها برغبة، قبل أن نغيب في قبة شهوانية طويلة. التقطت مذاق القهوة على لسانها. وراحت تزوم، إلا أنها وعلى غير العادة لم تمارس خدشها الهستيري لظهري بأظافرها المقببة الأنيقة حتى وأنا أقبل ثدييها الكاعبين الخمريين الصيرين، بعد أن خلعت “السوتيان” . لكنها باغتتني بغرز أظافرها في ردفي بشراسة فور أن امتصصت إحدى حلمتيها الورديتين الناعمتين الطافيتين على ثدأتين بنفس اللون والملاسة، ما جعلني، أطلق آهة قوية رغما عني. وبعدها بدأت فاصل الخدش الهستيري لظهري، فيما تتأود مطلقة آهات شبقة وهتافات لاهثة. ثم أتاني صوتها هامسا ومتهدجا:

لو عاوز يا بيبي.. ماعنديش مانع.

تخيلت إيلاجها فيما استدعى ذهني فورا كلماتها عن الليلة الأولى والطقوس الأسطورية التي تعتنقها حولها. كنت أعرف تقلباتها المزاجية، ولو أفقدتها عذريتها الآن فأعرف أنها ستقلب الدنيا على رأسي. تمنيت أن أكون سكرانا لأطرد مخاوفي التافهة هذه. لكن ذهني اليقظ منعني من الاستجابة لها. اكتفيت بالمداعبات الظاهرية، لبظرها الناتئ المتصالب، لكنها كانت على ما يبدو كانت قد بلغت حدا من الشهوة جعل رغبتها في أوجها. وباغتتني لذتي، فيما كانت هي لا تزال في ذروة تقلص شهوتها.

باغتتني في اللحظة التالية بإمساكي بعنف، وتماسكت لوهلة ثم نزعت يديها، ولكني بفعل ارتباك اللحظة وجدتني أبلغ ذروتي بلا قدرة لي على المقاومة، بينما انقلبت على جنبها وهي تتكور وتقرب ركبتيها من بطنها وتصرخ في ألم. وراحت بعدها تبكي كطفلة.

****

حين قررت أن تفيق من نشوتها عادت إلى الدنيا شاحبة، وجهها مصفر، وعينيها ترتسم فيهما نظرة تجمع الرثاء بالألم وبنوع من العداء المبطن تجاهي. رفضت كل محاولاتي لتهدئتها أو لمسها. لم تنطق بحرف طوال الطريق الى بيتها. فقط اكتفت بابتسامة شاحبة رسمتها بعناية قبل أن أودعها.

في الصباح اتصلت بها لأطمأن عليها فأتاني صوتها حملا بنبرة سخرية : صباحية مباركة يا حبيبي!

****

بعد شهر من هذا الاتصال، عقب محاولات فاشلة متصلة للقائها فوجئت بصديقتنا المشتركة تتصل بي لتعلمني بخطوبتها.

اتصلت بها فورا، وردت على غيلر العادة. عاتبتها بغضب المجانين فيما اكاد لا أصدق، لكنها ردت علي بهدوء شديد:

ما انا كنت بين اييك يا حبيبي تقدر تعمل اللي انت عاوزه وما عملتش حاجة!

انتابتني غصة كهذه التي تلاحقني الآن، وأنا أقود السيارة، تجاورني الصديقة المشتركة التي كانت تدعوني بتلذذ مريب لمشاهدة الثياب الداخلية التي اشترتها لتوها هدية لحبيبتي بعد زواجها وهي تقول وبنبرة بدت لي غريبة بعض الشئ:

“لما عِرِفتْ إنني هاشتري الحاجات دي قالت لي آخدك معايا علشان انت عارف مقاسها كويس!

رسمت ابتسامة بلهاء فيما شعرت بتقلص عضلات وجهي بالرغم مني محاولا استدعاء مشاهد ليلتنا الأخيرة معا، واتجهت يدي تلقائيا صوب الراديو لأرفع الصوت إلى أقصاه في محاولة لقمع الأصوات التي أخذت تصطخب في أعماقي تدريجيا.

……………………

Screw Driver!

أحب طريقتها في تدليك ظهري، وهي تمرر يدها برفق وخفة فوق قميص النوم الخفيف. تفعل ذلك عندما تشعر أنني مثقلة بما لا أستطيع أن أحكيه لها. ما الذي سأقوله لها على أي حال؟ كانت قد أبدت عدم ارتياحها لعلاقتي به من البداية، خاصة أنني حين وقعت في غرامه كنت لم أزل مخطوبة لرامي.

شرحت لها مطولا أنني صاحبة الاختيار في الوقوع في الغرام, رغم خطوبتي، وأوضحت لها أنه مصر على ألا تبدأ علاقتنا جديا قبل أن أفسخ خطوبتي. لم أستطع السيطرة على تهدج صوتي وأنا أقول لها “أرجوك .. إفهميني يا خالتي. هوا ده اللي بادوّر عليه من زمان! هيخاف عليّا لأنه بيحبني بجد”.

أطلقتْ خالتي تنهيدة عميقة وربتت على كتفي بمحبة. رغم ذلك كنت أقرأ في عينيها قلقا لم تتمكن من إخفائه. لكنها كانت مقدرة لعلاقتنا الخاصة ولكوني أخصها بكل أخبار ي وأسراري، بسبب المرحلة المؤسفة التي وصلت لها علاقتي بأمي. ولهذا السبب كنت أفضل أن أقيم معها بدلا من أمي، هربا من غضب أبي الدائم وتضامن أمي السخيف معه.

عندما شعرت بيديها تتحسسان أعلى ظهري، تماما عند قبة الرقبة، أغمضت عيني وقد ادكرت أنها أوشكت على الانتهاء. بعد لحظات كنت أنصت لحفيف خطوتها الخفيفة ثم “تكة” الباب الخافتة التي تزامنت مع إظلام الغرفة التام.

استلقيت على ظهري وأنا أشعر بخدر لذيذ يسري في جسدي بالتدجريج وكانت يدي تقترب من أسفل بطني في هدوء. كيف أحكي لها عن هذا الشعور الثقيل بالمهانة؟ كيف أخبرها أني عرضت عليه نفسي ورفض؟ لم أفكر في هذا الأمر مع أحد غيره. هل أستطيع أن أزيح من ذاكرتي ليلة الأمس هذه للأبد؟ هل يمكنني أن أنسى مذاق الـ “جين تونيك” اللاذع الذي خدر حواسي وفجرني بالشبق! ألم يكن من الأفضل الاكتفاء بشرب الـ Screw Driver؟

***

كنت تفهمني دوما، بل كنت أفهم نفسي من خلالك. رغم صمتي الطويل، كنت قادرا على تحليلي، فما الذي حدث؟ صحيح أنني لم أبد أمامك تقبلا لملاحظاتك عن عقدي ومشكلاتي النفسية كما تسميها، ولن أفعل طبعا، لكنني كنت مقتنعة بما تقول بيني وبين نفسي. لم أشكك في ذكائك للحظة. بل إنني لذلك كنت أصر على استخدام هذه الطريقة الغامضة، كما تصفها، في التحدث إليك، وأنا على يقين أنك ستفهمني وحدك من دون العالم.

ستفهمني حتى أكثر من نفسي، فما الذي حدث لك أمس؟ هل أصابك الـ”جين تونيك” بحالة غباء مفاجئة؟

*****

عندما وضع إبهامه في إستي برفق سألته باستنكار:

بتعمل إيه؟

نزعه وتوقف، ثم عاد يمرر اصابعه بين ردفي وهو يقول:

مش هتبطلي الأسئلة السخيفة بتاعتك دي؟

أخفيت ابتسامتي. لم يكن ما يفعله سيئا، بالعكس كان يثير في أحاسيس جديدة لأول مرة، لكنها كانت المرة الأولى التي يضع يده فيها هناك، وكان علي أن استنكر ذلك. كنا عاريين. استلقى على ظهره بينما تمددت فوق جسده الناعم الذي أحب. وبينما يداه تتحسسان ظهري برفق كان صوته يأتيني بنبرة هادئة مثيرة ممتزجة برائحة السجائر المختلطة بما تبقى من عبق الكحول.

عندما بدأت في امتصاص إحدى حلمتيه تذوقت طعمها الحمضي قليلا، فحرك يده متنقلا بها من اردافي ليصل بها إلى شعري.

بتعملي إيه؟

ابتسمت ولم أرد عليه. لم أكن مقتنعة بتأكيده لي مرارا أن “حلمة” الرجال لا تسبب لهم أي إثارة. وإلا فلماذا تبرز “الترمسة” تحت لساني في كل مرة ؟ انا ايضا اكذب مثل هذه الكذبات الصغيرات. لم أمل التأكيد له بأنني لا أمارس العادية السرية وأنني لا أحب الرجال ذوي اللحى. رغم أنني كنت أحب مداعبة لحية رامي كثيرا.

اغمضت عيني . ادركت أن القهوة ازالت آثار الدوار الذي كنت اشعر به قبل النوم. سرت في جسدي رعشة مفاجأة. له طريقة خاصة في إثارة جسدي بأنامله الرشيقة، وعيناه تشعان بتلك النظرةالحانية. لم يكن لرامي يدان خفيفتان كهاتين.

صحيح أنه لم تتح لنا سوى تلك الفرص المتعجلة في سيارته لكني كنت أشعر أثناءها بنفوري منه بسبب تعجله وإحساسي الغامض بثقل يديه المتلهفتين. كانت مداعبة لحيته مثيرة الى حد ما، وربما كنت أشعر بقدر أكبر من الإثارة عندما أداعب شعر صدره الكثيف. لكني كنت أتوقف بعناد حينما ألمح نظرة الرجاء في عينيه. أتوقف فورا عن الاستجابة لرغباته. أكره ضعف الرجل في كل أشكاله.

لم يكن لبيبي لحية. كان جسده ناعما، ذكرني بتوم كروز لا أدري لماذا؟ ورغم نحافته كان جسده مشدودا وصدره عريضا. كانت عيناه تحملان مزيجا من الحسم والرقة. يبدو كأنه لا يبالي تاركا لي القياد، لكنه في الحقيقة كان يعرف كيف يتعامل مع جسدي.

حين سألني عن أكثر لحظات استمتاعي أخبرته أنها حين يقبل وردتي. أحببت أن أعبر عن عضوي باسم الوردة، وقلت أنه سيفهم أنني بهذا أريده بكل ما تعنيه الكلمة. أعرف أنه يفهمني جيدا. ويعرف أنني رغم عنادي ومشاكستي الدائمة أخضع لعينين تأمران في حنان. تماما كعينيه. كثيرون لم يتمكنوا من إدراك ذلك. حتى رامي. خدعوا جميعا في قناع العناد، وبمسلكي الذي أبدو معه متطلبة.

في الطريق إلى شقته أمس تغلبت على كل مخاوفي، حتى خلال الطريق في التاكسي، كنت أمسك يده بشهوانية وأتحسس فخذه بين آن وآخر. كنت في يقيني قد قررت أن أمنح نفسي بلا قيود.

أمسك رأسي بكلتا يديه ووضع شفته على شفتي. بدأت أشعر بذلك الإحساس الشهواني الحارق، وبتقلصات شبقي، وبمسام جلدي تتفتح مع مرور أنفاسه الساخنة الرهيفة على جسدي. كنت أترقب شيئا مختلفا عن كل مرة. ألا يكتفي بمداعبة عضوي بلسانه فقط. أحب ما يفعل خصوصا مع اشتعال جسدي بالرغبة.

غرزت أظافري في ردفيه وأنا أهتف بصوت مبحوح:

لو عايز يا بيبي أنا ما عنديش مانع.

برقت عيناه بالدهشة، ورغم رغبته الممثلة في حركته المجنونة على جسدي، استند بركبتيه حول جذعي. وإزاء شدة التقلصات التي داهمتني أمسكت بعضوه بقوة، ففوجئت به يستلقي بجواري ويتشبث بجسدي فيما اشعر بزخات من سائل دافئ على بطني وذراعي. اعتصرني الألم والإحباط معا. كورت نفسي أقاوم ألم الرغبة المكبوتة. وأحسست أنني في حاجة إلى شرنقة ألفها حول جسدي.

شعرت الآن بالبلل يحيط بأناملي. تنهدت بعمق. لم تستطع تجاوز الطقوس البورجوازية العفنة يا بيبي. أليس هذا تعبيرك؟ ووهم البكارة، هل هو حقا وهمي أم وهمك؟ تخلصت من وهمها لأجلك فماذا فعلت؟ شعرت برغبتي في البكاء. لن أمنع نفسي عن البكاء على أي حال. اتهمتني ذات مرة بالمازوخية. ليكن، بل وليكن فراقنا الأبدي دليل أكبر على هذه المازوخية. وإذا صادفت روحي المثقلة بالمهانة شبهة الحنيني أو الاشتياق لقطعة الشوكولاتة المغموسة برحيق فمك، كما اعتدت أن اتلقطها من بين شفتيك، فسأكتفي بأن أشرب في نخبك، وأنا وحيدة تماما، كأسا من مشروبك المفضل “جين تونيك” وسأهمس بالطريقة التي تحبها – من دون أن تسمعني هذه المرة- في صحتك يا بيبي!

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون