إنريكي أندرسون إمبرت (1910-2000)
ترجمة: توفيق البوركي
القبلة
صمّمت ملكة إحدى بلدان الشّمال البعيدة، وكلّها غيظ، على الانتقام من الإسكندر الأكبر الذي رفض حبّها له. رُزقت بصبيّة من أحد عبيدها وأرضعتها سُمًّا. شبّت الفتاة، وكانت ذات جمال ساحر وقاتل. شفتاها تحملان الموت لمن سيقبّلهما. بعثت بها الملكة إلى الإسكندر ليتخذها زوجة. عندما رآها هذا الأخير، اهتاجت شهوته وأراد تقبيلها في الحال. لكن أرسطو، معلم الفلسفة، اشتبه في أن الفتاة ليست إلا طُعما مُميتا. وحتى يتأكّد من الأمر، جعل مجرمًا محكومًا بالإعدام يُقبّلها. وبالكاد فعل، حتى خرّ صريعا يتلوّى من الألم.
استنكف الإسكندر حينها عن تقبيل شفتي الفتاة، ليس لأنّهما كان يقطران سمّا، ولكن لأنّ رجلاً آخر قد شرب من تلك الكأس.”
*
الموت
أبصرت سائقة السّيارة (فستانها أسود، وشعرها أسود، وعيناها سوداوان لكن وجهها شاحب جدّا وبالرّغم من انتصاف النّهار إلاّ أن بشرتها بَدتْ وكأنها قد تعرضت لومضة برق) فتاة على قارعة الطريق تشير إليها بيدها لتتوقّف. وتوقّفت.
-أتصحبينني معك؟ إلى القرية لا أكثر- قالت الفتاة.
-اصعدي – قالت السّائقة. وانطلقت السيارة بكل ما أوتيت من سرعة عبر الطريق المحاذي للجبل.
-شكراً جزيلاً – قالت الفتاة بظرافة – لكن ألا تخشين الغرباء الذين تحملينهم معك في الطريق؟ قد يؤذونك. هذا المكان خال من البشر!
-لا، لا أخافهم.
-وماذا لو حملتِ شخصا وهاجمك؟
-لا أشعر بالخوف.
-وماذا لو قتلوك؟
-لا أشعر بالخوف.
حقاً؟ اسمحي لي أن أقدّم نفسي – قالت الفتاة، وكانت ذات عينين واسعتين، صافيتين، حالمتين، وعلى الفور، وهي تكتم ضحكتها، تقمصت صوتا غائرا وكأنه قادم من كهف-:
-أنا الموت، ا-ل-م-و-ت.
ابتسمت سائقة السيارة ابتسامة غامضة.
عند المنعطف التالي هوت السيارة. ماتت الفتاة عند سقوطها بين الصخور. واستأنفت سائقة السيارة طريقها سيراً على الأقدام. عندما وصلت قرب نبات صبار اختفت.”