قصائد من جغرافيا بديلة

الغرام
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

إيمان مرسال

 

شبابيك المصحّة

ذكرى نوم

الجدةُ شبهُ النائمة تغنّي في الغرفةِ العمياءِ

يصطدمُ خفاشٌ بالشُباك ولا يتلوثُ أحدٌ بدماءِ الواقع

ربما لأن الشبابيكَ مجرّد فكرة

تغني الجدةُ،

فيخرج سندباد من مدينةٍ أخرى

وتعود سندريلا على أطرافِ أصابعها إلى البيت

وينادي ديكٌ كسولٌ على قوس قزح

أشباحٌ تتكوّم في الرُّكنِ

فتهبط أجنحةُ الأمن على مراتب القطن

وننام.

 

أشباح

 

صديقتي التي تركتني آخذ ترامَ مصر الجديدةِ القديم،  بقميصٍ مبقعٍ بالدم، لم تكن قاسيةً.

لقد أرادت أن تجعلني قويةً، فحاولتُ ألا أخيّبَ ظنها، وواجهتُ عيون الذاهبين إلى وظائفهم بالجلوسِ على كتفِ السائق، أغني، بقميصٍِ مبقعٍ بالدم، ولا حرج ؛ حيث لا يَجْرؤ على الغناءِ في القاهرة إلا المجانين. نزلتُ في محطةٍ لا أعرفُها واشتريتُ فستاناً مكشوفَ الظهر، وكتبتُ في بارٍ سبع رسائلَ غراميةٍ لشخصٍ أكرهه، ثم خلعتُ حذائي مقلّدةً بطلات أفلام الأبيض والأسود الهاربات من الماضي، وأتذكرني الآن بكارتٍ للتليفون الدوليّ بين أسناني ؛ أطلبُ الرقم الخطأ بآخر قروشٍ معي وأبكي،

ولكني لا أذكرُ من هو الآخر الذي لم أطلب رقمه صحيحاً

وهذا ما يُحزنني بعد كل هذه السنوات.

 

سُلّم إلى القمر

 

أفهمُ أن تبتلعَ الخلفيةُ الخضراءُ الأرضَ والجدرانَ

أن يُثبَّتَ السلّمُ على فراغٍٍ أخضرَ

حيث تبدو أيّة شجاعةٍ في الصعود

قبولاً بأن لا شيء يحمي من التهشُّم

لكن ماذا يعمل قمرُ “جورجيا أوكييف” في لوحتها؟

قمرٌ بلا معنى

إنه حتى لا يصلُح نافذةً على حديقةِ المصحة.

 

الجنس

 

ما يسمونه “الجنس”

المأساة ؛

ربما لو رفعتُ رأسي إلى السماء لفاجأني قمرٌ

لتخيلتُ أسئلتي تمشي مثل حيواناتٍ حيةٍ في غابةٍ

في الخارج،

تعبرُ المدينةُ الجسرَ في إضاءاتِ سياراتها الخاطفة

يمكن للواحدِ أن يؤكدَ أن الدنيا موجودةٌ،

الدنيا تلبسُ قميصَ نومٍ فوق الرُّكبة

ولمساءٍ كاملٍ لم تنظر في ساعتها كأنها لا تنتظر شيئاً،

المأساةُ القديمةُ

ستنتهي هنا لتبدأ خلفَ شُبّاكٍ آخر

 

 

قطة

 

لابد أن العينين اللتين تحدقان بي في العتمةِ هما لقطَّةٍ، قرينتي وتوأمي في العالم الآخر. تنشقُّ الأرضُ وتلفظُها لتتنفس قربي كلما جاء موعدُ تغييرِ أحدِ ملائكةِ الرحمة بأحد ملائكة الرحمة.  لأكثر من مرة اخترعتُ قطةً أدبيةً ؛ مرةً كانت “قطةٌ في المطارِ تُخربشُ رائحةَ الراحلين، لينفصلوا عن خطاهم ويتصلوا بالحقائب والأحزمة”. ومرة كانت “قطةٌ لها أصابع امرأةٍ محبطةٍ، تحاول بهستيريا قلبَ سلّة المهملاتِ المليئةِ ببقايا نهارنا معاً، سلّة المهملات التي أتركها في أعلى السلم؛  لأثبت للجيرانِ أن لديّ عائلةً آمنةً”.

قطةُ هذه المصحة حقيقة ؛ لأنها لا تعرف بالضبط ما الذي يحدث.  لا تفهمُ لماذا تحاولُ دولةٌ حديثةٌ أن تُنقِذ كائناً كان في الأصل قد فشل في أن يكون مواطناً في دولةٍ غير حديثةٍ من المنايا التي تمشي خلفه. قطةٌ هي توأمي الباطن؛ تتفرّجُ.

 

تأبين روائيّ شاب

 

أرسلوا الزهورَ بينما كنتُ ألمُّ شعرَ رأسك من بين طيّات الملاءات وأمزّقُ دعوات الشفاء وأنا أدفعك لعبور العتبة الطويلة بين العذاب والرحمة.

إنهم يقيمون الليلةَ حفلَ تأبينٍ لأجلك يا صديقي،

سيمنحونك كل الصفاتِ النبيلةِ لأنهم متأكدون أنك في مقبرةِ أبيك التي تطلُّ على البحر،

كنت ستضحك كثيراً لو استطعتَ التسللَ إلى قاعة الحفل،

بالطبع أنا لن أذهب إلى هناك؛

لقد سهرتُ ليلةً كاملةً أعدُّ أنفاسك وليالي أخرى أتلصّص على أحلامك.

ربما فشلتُ في امتلاكك حياً،

لماذا أردتُ امتلاكك؟

 

 

غرفة التحرير

 

مرةً عملتُ محررةً أدبيةً وتحوّلَ العالمُ إلى كتابةٍ يغطيها التراب،

أكوامٌ من الرسائلِ مدموغة بثقةِ الدولةِ في نظامها البريدي

وحيث لا أنتظرُ غير الضجر، كان فَصْلُ الطوابعِ هو العملية الأكثر إثارةً، حيث جفَّ لعابُ كتَّابٍ سيئي الحظ تحتها

الوصولُ اليوميّ إلى غرفة التحرير

كان نوعاً من رَكْنِ الأنا على جنب،

مثل وضعِ عدسةٍ لاصقةٍ في محلولٍ مُطهّر.

لم تكن هناك غيرُ كآبةٍ أقيسُ بها حجمَ كآبةِ الآخرين

ولم يكن ذلك مناسباً لمجلةٍ تبشّرُ بالغدِ.

غرفةُ التحريرِ لم يكن بها شرفةٌ

ولكن الأدراجَ كانت مليئةً بالمقصّات.

 

مراد

 

I don’t want to die, mama.

– لن تموتَ الآن، أنت أربع سنوات فقط يا حبيبي.

 

I don’t want to get old, then die, mama.

– ربما ستكون وقتها مستعداً يا حبيبي.

 

But why do we die, mama?

– ربما لأننا، أقصد… ربما لأننا أكبرُ من الحياة يا حبيبي.

 

Tell God that Mourad doesn’t want to die, mama.

– ولكنني لستُ على اتصالٍ به يا حبيبي.

 

د. ليفي

 

يقولُ لي أنه لا ينسى المَرضى الذين يتعذبون بلغاتٍ مختلفةٍ.

أقولُ له إن علاجَهُ لا يحترم وجوداً منشطراً في اثنين،

وأنه لم يجرب جحيمَ أن يتفرجَ على نفسه من كوةٍ في جدارِ ذاته.

لو كان د. ليفي مصرياً لأصبحَ نَجْماً في السينما

لو كنتُ ما زلتُ مصريةً لوقعتُ في غرامه.

لكنه هاجرَ من روسيا لأسبابٍٍ اقتصادية، ومن إسرائيل

لأسبابٍ أخلاقيةٍ، ومن جنوب أفريقيا لأسبابٍ عاطفيةٍ،

ويبدو أنه يتعذب بلغاتٍٍ مختلفة.

 

 

 

لغات مختلفة

 

لم أهتم بأمنا الغولة كما يجب، لقد تقمصتُ دائماً دورَ ستِ الحُسن والجمال، فكنتُ ألقي السلامَ وأدَّعي أن قملَ رأسِها لذيذٌ في فمي ؛ لأعودَ إلى زوجةِ أبي بخدّين متورّدين ومجوهراتٍ تتدلّى إلى خصري.

أنا التي نجتْ من الأظافرِ والأضراسِ عبر سلسلةٍ طويلةٍ من تقمص دور البنات الطيبات…

عليّ أن أقنعَ مرادَ الآن أنه ليس “سبايدرمان” ؛ حتى لا يصعد فوق المدينة ويطير. عليّ أن أُريه قبرَ النمرِ الذي قتله طرزان في فيلم ديزني، والأكثر من ذلك، عليّ أن أصدق أن طرزان نفسَه قد ترك أُمّه الغوريلا في الغابة ليعيش مع حبيبته في ضواحي لندن، حيث لن تعرف النمورُ البريّةُ أبداً طريقَه.

 

ــــــــــــــــ

الطبعة الأولى  2006

الطبعة الثانية 2011

الغلاف: إهداء من المصممة الألمانية: تيجر شتانجل   Tiger Stangl

 

عودة إلى الملف

 

 

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم