قراءة في نشيد الجنرال لـ مارك أمجد

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أماني خليل

في ثلاثة عشرة قصة اختتمت بقصة" نشيد الجنرال" التي حملت عنوان المجموعة نفسها. تدور المجموعة القصصية الصادرة عن دار الثقافة الجديدة لـ مارك أمجد ,أغلب قصص المجموعة شخوصها يعيشون  في عوالم رمادية  وقاتمة , في مساحات ضيقة وفضاءات مقفولة مواطنون مسيحيون يعيشون في جيتوهات مغلقة ,مسرح الأحداث كان شقق ضيقة وبيوت عبادة وكنائس تنتهي حياة الشخصيات إما بالموت أو الهجرة أو الانتحار , بينما بدت الشخصيات المسلمة  تعيش في فضاءات أوسع وأرحب ومساحات أرحب رغم الفقر والقمع والتحرش.

تدور المجموعة في خطوط متوازية زمنيا وسردياً تبدأ بقصة “أحلى من الشيكولاتة “ التي تسير فيها  قاطرة السرد على  قضبان متوازية, الأول هو حكاية المراهقة ” سوسنة “ وصديقها “كلينتون” وخالها المحامي السكندري رافائيل الذي يحمل لها شغفاً  حسياً لا تؤطره سطور الحكاية ولا تضغط على إبرازه بل تدعه يتسرب للقارئ بخفة من ناحية ومن ناحية أخرى حكاية البرت الجواهرجي الذي يمتلك محلاً للمجوهرات ورثه عن ملاك أجانب في المدينة الكوزموبوليتانية تلك التي تضغط المجموعة على إبراز ذلك الجانب في تاريخها الممتد,ألبرت ارمل نزق يهوى اصطياد الفتيات  من خلال محله, تحرض سوسنة خالها وصديقها ذوي الملامح الشقراء كلينتون على سرقة جوهرة هامة من محل البرت, سوسنة تريد في النهاية أن تصل لقلب ألبرت  لكنها في الرحلة لقلبه تسيطر  الفتاة المراهقة على قلب الخال الشغوف. القصة ارهقها بعض التطويل لكنها تميزت بحس بوليسي مغامراتي مكتوب بحبكة جيدة وتفاصيل ناعمة
تنطلق معظم قصص “نشيد الجنرال” من منطقة شديدة الوعورة وهي “ وضع الأقلية المسيحية  في مصر” في مجتمع  يرزح تحت وطأة الطائفية الدينية, أبطال القصص أغلبهم من الذكور المسيحيين لكن “مارك” أختار التحرر من سيطرة هذا البطل في قصتين هما”شي جابي” و”عذراء من الجحيم” ففي القصتين البطلتين هما فتيات مسلمات محجبات في عذراء الجحيم تعاني البطلة المراهقة من من ضغوط مجتمعية مثل الحجاب والتحرش, وفي “شي جابي” تعاني البطلة المسلمة من الفقر ومن شبح العنوسة
تميزت القصتان بخفة ورهافة اكبر في السرد  واقتصاد في التفاصيل وان كان القارئ قد يخرج بسؤال لماذا اختار “مارك” مطعم” شي جابي” الذي يعرف في الأسكندرية بانه من ميراث الجالية الايطالية ويعد علامة على تاريخها الذي امتزجت فيه الثقافات والأعراق؟ في المدينة,المطعم برغم أناقته هو مطعم طبقة وسطى ولا يعد دخوله علامة ثراء طبقي,  هدير الفتاة الفقيرة التي دخلته مدعوة لحفل  عيد ميلاد بكل خلفياتها البسيطة وتاريخها الذي يضم أمًا تدفعها لرجل متزوج لتهرب من شبح الفقر والعنوسة (هل كان شي جابي هو المكان المناسب لصنع مسرح الأحداث دون مطعم أفخم أو قاعة فندق خمسة نجوم أو حتى فيلا خاصة!)
اختار امجد بطلتين فتاتين مسلمتين ربما بوعي أو بدون وعي وكأن المجموعة تنتصر للفئات التي تعاني قمعاً اجتماعياً وسياسياً بسبب الدين أو الجندر ,الحلقات الأضعف في المجتمع النساء والأقليات الدينية.
في قصة “هابي نايت”  يبني مارك دراما القصة  على لقاء عابر بين شاب مسيحي و سايس سيارات مسلم وفقير يتضح لنا من خلال  حوار قصير بينهما أنه مثقف وقارئ لتولستوي, هنا اختار أمجد أن يكون البطل مسيحياً في مقابل البطل الآخر المسلم الذي يعاني قمعاً اجتماعياً هل هي عودة للقاء الفئات المسحوقة اجتماعيا بسبب الظرف الاقتصادي والوضع الطائفي..ربما ما أضعف السرد في هابي نايت هو ضعف الحوار ومباشرته.
لكن يتخلص “مارك” من ميراث القمع الاجتماعي والسياسي  في قصة “أنت تكرهني لأننا واحد ” الفائزة بمنحة ليتبروم الألمانية  البطل فيها إنسان مجرد من كل السمات الفاصلة والتمييزية بين البشر من حيث اللون والدين والمستوى الإقتصادي البطل  مجرد كاتب يخلق أبطاله على الورق ويقتلهم متى يشاء!

يرصد مارك العلاقة الحميمة بين الكاتب وشخوص  كتابه التي تتخلق عادة مع طول معايشة الأحداث والاندماج فيها.

أما من القصص المميزة جدًا والتي تعتبر  قاطرة جر المجموعة قصة “ألوان ماتيلدا “والتي تدور حول أرملة متوسطة العمر تمارس مشاعر تسلطية وقمعية تجاه ابنها الشاب، الذي تبدأ القصة بمشهد معه وهي تحممه . الشاب الناضج الواقع تحت سطوة الأم . فقد والده صغيراً ليصبح بمثابة الإبن والزوج في نفس الوقت تحمل ماتيلدا مشاعر أنثوية تنافسية .كما تحمل مشاعر تسلطية وغيرة كونها اما لشاب تمارس ماتيلدا  عدوانيتها التي تحمل شكلاً طائفياً تجاه عاملة المحل المحجبة التي تعمل في تجارة والد ابنها أشرف, كما تحمل مشاعر غيرة تجاه الأرملة التي تراقص ابنها في إحدى الحفلات.
المنطقة الآخري التي لعب عليها مارك وهي منطقة شديدة الوعورة أيضاً هي العلاقة بين شاب مسيحي وفتاة مسلمة علاقة الحب التي تحمل كل تعقيدات المجتمع نفسه , في مجتمع لا يتسامح مع الحب ولا يعترف بالعلاقات الحرة ولا يقنن الزواج المدني يلعب مارك علي تلك التيمة في قصتي الآلهة الصغار ونشيد الجنرال الشابين مختلفي الديانة يواجهان الحصار الاهلي  في قصة”الآلهة الصغار”  في حارة صغيرة  والضبط الإجتماعي من خلال شخصية”الضابط “ في”نشيد الجنرال”.
في الآلهة الصغار يختبئ الشابين في شقة صغيرة لممارسة الجنس  بينما تتم ملاحقتهم من سكان الشارع مسلميه الذين يتجمهرون للقبض عليهما  , ومسيحيه من خلال الجارة المتلصصة عليهم, ينتهي المشهد بالشاب المسيحي يتظاهر بالصلاة والفتاة تغطي شعرها هروبا من الناس في مشهد أحكم “مارك حبكته وبناؤه . في نشيد الجنرال يحتضن الشاب المسيحي الفتاة المسلمة بينما ينادي عليهم  ضابط الشرطة . يتفحص الضابط بطاقات الشابين ليكتشف أنهما مختلفي الديانة , يوبخ الضابط الفتاة التي تجادله وتتبجح  فيه , أما الشاب ــ والذي يحمل ميراثاُ من القمع والخوف يثقل كاهله  وكأنه صليبه ــ فيصاب بخوف شديد أن يتم الانتقام منه من خلال ضابط الشرطة, العلاقة بين الشابين ــ وبعكس الآلهة الصغارــ تتوتر جدا وهي التي تبدا بشكوك عميقة من الشاب تجاه فتاته ,فهو يحلم بها تخونه مع صديقيه, تخرب علاقة الشابين تماما ويشعر الشاب المسيحي بحقد تجاه فتاته التي لا تخاف ضابط الشرطة!
في النهاية يطرح السؤال هل ما ظهر في مجموعة “مارك أمجد” هو تعقيدات وضع الأقلية المسيحية في مصر؟ هل أفاد ذلك السرد القصصي أم حاصر انطلاقه لعوالم أوسع ..المؤكد أن المجموعة  تعبر عن روح ساردة تقدس “الحكاية” بكل بساطتها وعفويتها وطزاجتها. 

مقالات من نفس القسم