قراءة في “مراراً وتكراراً” للشاعر خالد السنديوني

مرارا وتكرارا خالد السنديوني
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

بروفيسور فكري حسن*

جموح اللحظات الشاردة وانتباه الصوفي المتدثر بعباءته، هناك، تحت سفح جبل شاهق ينأى الشاعر بنفسه، الى نفسه.

محلقاّ في سماوات خياله يتردد صدى كل ما تصوره نفسه في الوديان والسهول، في الفيافي والتلال وفي المدينة عربات قطارات بطيئة ومسرعة الى أماكن متباعدة على سطح الكوكب الذي يدور يدور هو الآخر في الفضاء حول نفسه.

لا تدري روح الشاعر الى أين تذهب في ممر كوني يشبه مصير الشاعر، الذي يُرى يرتق حذاءه من وقت إلى آخر خلال الترحال، من مكان إلى لا مكان.

هكذا أقرأ مراراً وتكراراً للشاعر خالد السنديوني وهو يكرر نفسه في تجديد يجعل من التكرار مصيراً خاصا بالكائنات التي تتفرد بالقدرة على التحليق في فضاء الخيال ممسكة بخيط اللحظة الأنية،

 مفرداته هي مفردات الكتب المقدسة والحياة اليومية – ولافرق يذكر بين هذه وتلك -، مفردات من يقضون حياتهم مراراً وتكراراً في محل العمل، في الباصات وفي البيت، يتأملون في آثار الحوائط القديمة أثراً كان يوما ما مخبأً لكتاب يحرم الحب، طريقا للنجاة وملاذاً للآثام الصغيرة.

على طريقة الصبية في الكتاتيب الذين يتلون الآيات حتي يخلدون إلى النوم متعبين من هواجس وأساطير النهار، صباحا ومساء يمشي تحت الظلال على حافة الكون المسكون بالهواجس ويتوقف مبهورا كطفل أمام نافورة في ميدان عام ـ لا يعرف كيف تتلاقي الظلال وكيف تفترق، ظله لا علاقة له بقسماته.

 يمضي من كهف في أحضان الجبال إلى البحر ليجد قاربه وقد ضاع في الرمال – أهكذا ينتهي الامل؟ — الرحلة المرتقبة لأوديسيسوس.

في جيبه كل ماجمعه أثناء الترحال – زهرة ذابله، قطعة من أحجار البراكين، وعمله من عصور غابرة، بجانبه غراب كالح يطير فجأة أهكذا الحكمة ؟ غراب كالح وقارب من رمال.

لا يقرر خالد مصيره، ولا يحتاج إلى تبرير ما يقوله مرارا وتكرارا، في نبرات صادقة كما ثورة الأشجار كل ربيع، يلتقي الأقارب والغرباء، لا يرى نفسه إلا على حافة القرية، في أحضان شجرة جميز عتيقة ضاحكا يحاول أن يتبادل الحديث مع غراب.

يجلس على حجر بينما يقطعون أشجار الطفولة ويغلقون طاحونة القرية ويدفنون الأحلام تحت إسفلت الشارع.

خالد السنديوني طائر مكبل بالأغلال التي يتفنن في حبكها بنفسه على نفسه وإحكام قبضتها على كل ماتراوده نفسه من خيالات.

يسير واقفا يئن تحت أحمال المعارف التي تنوء بها الجبال وكشاعر يأخذ طريقه إلى المنصة ليعلن للعالم أنه شاعر ويصمت وفي صمته أبلغ ما قيل عن الشفرة السرية للعالم.

……………………

*أستاذ كرسي بيتري للأثار – جامعة لندن

 

 

 

 

 

مقالات من نفس القسم