مؤمن سمير
“أمورنا المعلقة”
أمورنا العابرة..
ضئيلة الحجم مدببة الحواف..
التي عشنا معها لنشكو
ونجرب صدقنا
مع تنهيدة الخيط الأخير..
نكتشف بعد مرور الحكايات
أننا ما تذوقنا فخ الحياة
إلا من خلالها..
أنها التميمةُ المبعثرة
لنفسِ الطيفِ الملاك..
“ضربةُ روح”
انغلقَ البابُ بعد أن دخلتُ
وكان الآخَرُ
موصَداً أمامي..
تسمَّرتُ مكاني شهوراً
ثم ابتسمتُ
وجلستُ أراقبُ اقترابَ البابَيْن
من حضن بعضهما
و اقتراب روحي
من السجن بين نوريْن..
“ضربةُ جسد”
..بعدها نظَرَ جَدِّي في عَيْنيْ أبي
و قالَ لا تترك عَيْنيْ ولدكَ
تقعُ إلا على كلِ قبيح
حتى إذا أشرقت حبيبتهُ
أشرقَ قلبه
وعرفَ الله..
“ضربةُ بركان”
أَوْلاني أبي ظَهْرَهُ في الحلمِ
فأيقنتُ أن الأشياء ترفضني..
عدوتُ فتحركت شجرةٌ
وتسلَّقَت شقة الجار..
قفَزْتُ إلى الباص فطارَ بنا
وهوى في بركان..
عندما صرتُ رماداً
هَلَّ أبي مبتسماً
وقالَ الآنَ الآنْ..
تَنَهَّدَت روحي
وعادت صورةً
تصطادُ العيونَ
وترتعش..
“بين خطوط كَفِّها الصغير”
هنا مرآةٌ
هنا دهشةٌ دائمة..
” نَفْضَةٌ في الرفات”
إصبعي خجول
لا يكملُ أبداً تحديقَهُ في فَراشةٍ
تَفِرُّ من القسوة
ولا خدشَهُ للكذباتِ
المختبئةِ تحت مقاعد الصالون..
لكنهُ يشبهُ الفرسان الكبار
في نَفْضَةِ سيقانِهم قبل الموت..
وربما يشبهُ الموتْ
وهو يربِّتُ على قمرٍ
يقفزُ من صدر فتاة..
نظرتي خجولٌ وظَهْرها مكسور
لكنها عَدِّاءَةٌ قادرةٌ كذلك
تصل قبل المَطَرَةِ التي تقتلُ
حبيبتي..
و ربما يطيب لها الظلام
ثم يظهر أنها تنتظرُ الفجر
وتصطادُ الحكايةَ
التي تخجلُ أن تعيش..
“عبورٌ في حكاية”
حجرٌ يسقطُ
والأمهات يقتلن الماء في كفوفهن
كي لا يُزهر..
“التخفي في هيئة أقمار”
السحبُ هذا الصباح
كأنها سلاسل جبالٍ
بينها سجادة سوداء..
عندما أعجزُ عن تنفس الآخرين
أختبأ وراءها لأغمضَ عيني
مانحاً إياهم فرصة القفز
بين السهول
ثم التخفي في هيئةِ أقمارٍ
أو حتى إشارات مرور
مطفأة..
المهم أن تفوتَ العاصفةْ
الخبيثةُ لأنها بلا صوتٍ
والكاذبةُ بلا رائحة..
“ستائرُ العائلة”
(*)
أدخل مطبخ أمي وأنا صغير
لأجمعَ الأكوابَ
وأخفيها خلف ظَهْري..
وأدخلُ صورتها اليوم
لأُقرِّبَ فم الكوب من أذني
وأعدو من ابتسامتها
في غرفتي البعيدة..
(*)
تحت بيتنا
دميةٌ لا تتهرَّأُ أبداً
وتهزُّ رأسها على الدوام..
أُحَيِّيها وأتمنى أن تمُدَّ يدها
وأنا أتعثَّر
فتُذكِّرني بأنها بلا جناحاتٍ
ولا حتى أقدام..
أدخلُ طابوراً وأغنِّي بصوتٍ
عتيقٍ
يشّرُّ غباراً..
فيلقونَ عليَّ بأمنياتهم الحرَّى..
ألصقها على ملابسي
وأعودُ بغنائمَ تُغرقُ
السلالم
وتجلو الغرف..
(*)
كانت الأشجارُ تعدو جواري
وتتركُ غمزاتٍ أتلقفها بمهارة
وأستِّفها في الألبوم..
عندما امتلأَ لحد الحافةِ
رسمتُ واحداً آخر
وأخذتُ أستقبلُ سجائر أبي
و أستفِّها على جِلْدي..
في نهاية العرض
اخترتُ أن أظهرَ على هيئةِ ستارةٍ
خبيثة
تكتمُ بكل قوة
وتنسى بكل براعة..
“شَبَحٌ يثقلُ النظرات”
أحدِّقُ جالساً
والبابُ في مقابلتي
يعطي ظَهرَهُ لكنهُ يحكي
عن أسرار الذين قَدَّروا قتلي
في فيلم الأمس
والذين اعتمدوا على عيوني
الميتة
في ترميم مقابرنا المجهولة..
البابُ صديقي في المشاوير
الملونة
والذكريات التي حشوناها بالرتوش
كي نخدع اللصوص..
كلما عَدَوْتُ عبر الباب
ابتسم
وكلما أخفيْتُ الحكايات
في دهانه
بكى أهله المفقودين
و حبيباته المنقوشاتِ في الحريق..
البابُ شبحٌ يثقل النظرات
البابُ ريحٌ تخفف الكثافة..
هو الغريب الذي يلهثُ ويسعلُ
قرب الحانةِ
وأنا الصنمُ العجوز..
يهزُّ رأسهُ وَجْداً
فألتقط أنا عيوني
مفسحاً الفضاء للطيور
وهي تتنزَّل علينا من السطوحِ
وحول وسطها حكاياتٍ
تبرقُ للجائعين..