في ديوانه الثاني..محمود خيرالله يجرح المطر بقصائده

بهيجة حسين
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

بهيجة حسين

لمن يكتب الشاعر قصائده؟ ولمن كتب محمود خيرالله ديوانه الثاني “لعنة سقطت من النافذة”، وهل أدهدى ديوانه لأمه ..أم لأمي، أم لكل الأمهات، يقول:

“يا أمي

ضعي هذه الجُمل على صدرك

فلأسبابٍ كثيرة

أكره الصاغة”

كتب للطفل الذي كان وللأطفال في أول قهر، مع أول خطوة في الشارع، في قصيدة يضرب كأنه يغني:

“في حسرتي الأولى

وقفتُ أمام “ممح”،

رفع قبضة قوية إلى الجدار

قابضاً ملابس طفل أنا داخلها”

“ممح” الذي يقهر الأطفال في الشارع يعاني القهر في القصيدة نفسها، هل كان “ممح” بمفرده في القصيدة أم كنا جميعاً مَن انتهِكت آدميتهم في أقسام الشرطة هنا وهناك، وفي وحدات عسكرية هنا وهناك أيضاً:

” لكنه عاد

كاشفاً في الجسد

أكثر من مبرر للهروب من المعسكر،

سجحات

إطفاءات سجائر

كسور عظام”

وفي قصيدته “يخرجون إلى الشوارع منكفئين” يصيغ قروناً من القهر الواقع علينا رجالاً ونساء:

“كل صباح

تطالبه الزوجة بالجنيهات الأربعة،

فيصفعها نجار البنايات،

المتزوج حديثاً من ابنة الخالة”

هل أراد تعرية واقع نعرفه، ووضعه أمامنا في إطار صادم، ربما توقفنا عن كل هذا التواطؤ، في قصيدته”إلى تراب العالم” يُكمل المشهد:

“رووا غرامياتٍ شجاعة

عن عاهراتٍ يسحبن أطفالهن

إلى غرف مراهقين

كشرط للتمومس”

حتى للدعارة شرطها الطبقي، فتلك “داعرة” تسحب أطفالها إلى الغرف، وأخرى تنقلها طائرة خاصة، وبينهما بيع للجسد بعقدٍ شرعي، في قصيدته ” ابتسمت لبرميل نفط”، ضحية هذا العقد الشرعي:

” لعلها استيقظت الآن

وهي تقف أمام مصلحة الأحوال المدنية

أنها كانت تستطيع أن تتزوج حبيباً

وأن تبتسم بسعادة للمصور العجوز

لكي يفرح مطر

ظل يتساقط أعواماً

فوق رؤوس المارة

مجروحاً بابتسامتها”

لماذا تغيرن بعض من أحبهن محمود خيرالله إلى هذا الحد، يقول في قصيدة عنوانها “أحببتهن فصرن أمهات”:

“صرن كبيرات الأنوف ومحجبات

مجدفات بعنف إلى الحرملك،

ناسيات ذكريات بعيدة

ودمعاتٍ فوق قمصاني الرخيصة،

حيث كن آنساتٍ جداً

وأنوفهن صغيرة،

لبتني ما أحببتهن”

هل كان يكتب نفسه، أم يكتب ألام حب انزوى، وواقع رفض ” أن يذوبا إلى الأبد كجسدين” في قصيدته “الآن غضبا”:

“مر وقت طويل

قبل أن يُغلق أحدهما باباً ليدخن

ويُغلق الآخر باباً ليبكي”

أما في قصيدته”عاش الهلال مع الصليب”فلم يتوقف الشاعر أمام المقولات الكبرى حول “عنصريْ الأمة” لكنه ببساطة التنفس رسم الواقع الذي نشاهده يومياً، فأدهشنا:

“في الشارع

تلاوات وتراتيل،

في الشارع مواسير مجاري،

وصباح كل أحد وكل جمعة

تصب المواسير ماء

في عرض الشارع،

فتكون البركُ

على صلبان وأهلَّة”

وفي القصيدة يحكي خيرالله الحكاية: هل كانت حكايته أم حكاياتنا؟ تفاصيل قصصية وروائية هي تفاصيل الحياة كما نسجها في قصيدته” رقصة مدرس صارعته النظافة”:

” في الطريق إلى شارعٍ جانبي

قرر الزواج

وابنة الجيران بيضاء كإخوتها

ونقية ككتاب القراءة”

ويواصل رحلة المدرس الذي ينهار جدران بنيانه بتمرد الأبناء.

ويظل السؤال مطروحاً: لمن كتب الشاعر قصائده ؟ كتبها لكل المسكونين بحلم الحرية والعدل.

هل كتب نفسه فكتب الدنيا والبشر في قصائد جارحة، كابتسامة المرأة التي قال عنها:” إنها تجرح المطر”.. ربما.  

…………….

*الأهالي 25 أبريل 2001

عودة إلى الملف

 

 

 

مقالات من نفس القسم