كن لصّا أيّها الشاعر

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

الشّعر الحديث لم يعد يخضع لأيّ سلطة سوى سلطة الإبداع. لقد مضى زمنُ الوزن والقافية وقصيدة النثر والشّعر الحرّ والغير الحرّ والقصيدة الكلاسكية الفيروزية القديمة، وأصبح فقط الشّعر وجهاً لوجه أمام الإبداع وأمام الشعراء الأفذاذ بأشواك الصبّار في أيديهم وأمام المجاز والخيال الشاسع الكبير. القصائد لم تعد لها أبداً نوع أو جنسٌ بل أصبحت هكذا فقط: قصيدة، دون نسب أكثر من الشّعر. ألاف القصائد تكتبُ يومياً دون أن تنسبُ لا لقصيدة النثر ولا الشعر العمودي ولا للشعر الحرّ، إنّها قادمة من أب واحد هو: الشّعر. حنون، وعطوف، وجميل، وحزين طوال الوقت، وعيناه ذابلتان، لكنّه مازال يرى في العالم مكاناً صالحاً لزرع أشواك الصبّار، خاصّة على جبين الحكّام وعلى جبين الفقر والبؤس والسعادة الخاطفة مثل إبر الحقن.

سيستمرّ الشّعر إلى الأبد دون أن يمرض أو يتأوّه أو يصرخ أو يزور طبيب المفاصل أو أن يدقّ أبواب المستشفيات والأضرحة ومخافر الشرطة، ودون أن يصاب بالسرطان، إنّه معافى طوال الوقت، ووحيد ومعزول ولا يتعرّف على أحد غير الشعراء، ولا ينجبُ سوى القصائد دون أيّ نسب. لا يلد ولا يبيض ولا يقوم حتّى بالإخصاء الذاتيّ، لكنّه مع ذلك ينجبُ بغزارة كبيرة شبيهة بما تنجبه العقارب، يكتبُ شاعر واحد في يوم أو أسبوع أو شهر أو على مدى مسيرته الشّعرية الأدبيّة مئات القصائد، لكنّ أمام الغربال الشعريّ، لا تظلّ سوى قصيدة أو اثنان أو عشرة، صالحة لأن تنسب للشعر. قصيدة واحدة أو اثنان أو عشرة لها شوكة حادّة مخفيّة في مكان ما مثل لغم، تنغرزُ هذه الشوكة في جسم الشعر. إن كانت حادّة وصلبة يكون انغرازها شبيها لدّق مسمار على الخشب، من الصعب إزالته كما من الصعب أيضاً مقاومة غريزة الدّق. أمّا، حينما تكون غير حادّة، فسرعان ما تعود إلى الخلف أو تسقط إلى الأرض منقسمة إلى شطرين دون أن تحدث حتّى خدشاً بسيطاً على جلد الشّعر الصّلب.

حين تكون شاعراً عليك أن تأخذ صوراً حزينة، ضع يديك على خذك أو على قلبك أو حاول أن تُظهر عينيك كئيبتين. كن دائماً في حالة بكاء متوالية ورتيبة كدّقات قلبك، وكن متأهباً لأن تبكي أمام أيّ كان. لوحة صغيرة بها نبتة صبّار مرسومة بقلم الرّصاص ودون ألوان كثيرة، لن ترى أبداً ألوانها الخضراء الفاقعة ولا الألوان الصفراء المشعّة للأشواك. أنت كشاعر عليك أن ترى اللّوحة بعيون قلبك الذابلتين، نبتة الصبّار ستبدوا لك كما في الطبيعة وحتّى إن كانت وسط حقل كبير من نبات الصبّار، عليك أن تتخيّلها دائماً وحيدة. ركّز على لون الأشواك أكثر من كلّ شيء آخر وأكثر من ذلك على قمّة رأسها الحادّة، تخيّلها صلبة أكثر من اللاّزم وموّجهة صوب كلّ شيء. تخيّل سلاحاً رشاشاً ذخيرتهُ هي أشواك الصبّار وصوّب مباشرة نحو قصائدك، لا بدّ أن تصاب بالجدام وتُصبح قابلة لوخز القرّاء، حتّى إن لم تؤلمهم ستتركُ لهم ندبة في مكان ما داخل قلوبهم. اللّصوص أيضاً يفعلون هذا مع ضحاياهم حين يتأخرون في منحهم متاعهم أو حين يقاومون فعل السّرقة إما بالصراخ أو بالهرب، تكون ردّة فعل اللّص صارمة وقاسية ولا تمحى أبداً: ندبة بنصل حادّ أو بشفرة حلاقة التي تصبحُ معها الندبة غير قابلة حتّى للشفاء.
كن دائماً لصّا أيّها الشاعر، قراءك استدرجهم إلى الظلام وإلى الأمكنة الخالية وهدّدهم مراراً بالنصول والشفرات، ضع ذلك داخل قصائدك، واتركهم يقرأون بصوت عالٍ أو بأصوات أرواحهم مخافة أن تصل التهديدات أيضا لعائلتهم وجيرانهم وللعالم.

 

 

 

مقالات من نفس القسم