” في اليوم السابع .. ثلاثية الحب والموت والسلطة .. عند باولو كويلو

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 ولاء الشامي 

يقال أن الكاتب الجيد هو الذي يدفعك من خلال كتاباته لتكون رأيك الذاتي حول حياتك، والروائي البرازيلي "باولو كويللو" كعادته لا يقدم إجابات  فقط بل يطرح الأسئلة، يأخذ بيدك ليضعك أمام حقائق كبرى عن الحب والحياة والعالم خيره وشره !

كتب كويلو ثلاثية روائية  تخيّر لها عنوان "وفي اليوم السابع" يصف فيها ما حدث في أسبوع فقط لأشخاص عاديين جدا وجدوا أنفسهم في مواجهات مع الحب أو الموت أو الشر .. يرى باولو أن التغيرات العميقة تحدث في فترات قصيرة؛ لأن الحياة تواجهنا بما لا نتوقع ، بتحدٍ يختبر شجاعتنا، فأسبوع واحد كافٍ جدا لنخوض التحدي ونكتشف ذواتنا، ومن خلال ثالوث ( الحب والموت والسلطة ) يتوجب اتخاذ قرار يتحدد من خلاله مصير الشخصية المحورية فبعد معركة تدوملستة أيام ، لابد وأن يكون الخلاص في اليوم السابع ، في مقدمة رواية " الشيطان والآنسة بريم "  كتب كويللو : " تستحضر هذه الكتب الثلاثة ما حدث خلال  أسبوع لأشخاص عاديين وجدوا أنفسهم فجأة في مجابهة مع ( الحب،  والموت، والسلطة ) لطالما اعتقدت أن التغييرات العميقة إنما تحدث في فترات قصيرة جدا من الزمن، إذ تجابهنا الحياة فيما لا نتوقع أو نحتسب بتحد يختبر شجاعتنا ورغبتنا في التغيير لذا فان من غير المفيد أن نتظاهر بان شيئا لن يحدث أو نتنصل قائلين بأننا غير مستعدين بعد، التحدي لا ينتظر إطلاقا والحياة لا تلتفت إلى الوراء أسبوع واحد هو فاصل من الزمن أكثر من كاف لنعرف هل نتقبل قدرنا أم نرفضه "

"الوعي بالموت، يشجعنا على الحياة بكثافة أكثر "

(فيرونكا تقرر أن تموت ) التي صدرت عام 1998 ، استوحاها كويللو من تجربته الشخصية في إحدى مصحات الأمراض العقلية التي دخلها أكثر من مرة ، أسهمت هذه الرواية في إحداث تغييرات في القانون البرازيلي ، حيث تم الإفراج عن مشروع قانون تأخر صدوره عشر أعوام يقضي بوجود طرف ثالث إلي جانب الطبيب والمستشفى للتثبت من حالة أي مريض متهم بالجنون

( كانت متعالية على الأشياء الصغيرة وكأنها تحاول أن تثبت لنفسها كم هى قوية وغير مكترثة في حين كانت في الواقع امرأة هشة )

      فيرونكا فتاة في الخامسة والعشرين تقرر أن تموت في حين كان عليها أن تقرر الحياة .. هربا من الروتين ابتلعت حبوبا منومة ظنًا منها أنها النهاية الأبدية لكنها تستيقظ في مصحٍ للأمراض العقلية ليقال لها بأن عليها مواجهة انتظار الموت لأسبوع . قليل جدا لتتحضر للموت ، كثير جدا لتعي معنى الحياة وقيمة الاستمتاع بالجنون أن تفعل ما تريد دون أن تعبأ كثيراً بالآخرين الذين يتقبلون ببساطة أن يكونوا نماذج لسلوك مفروض عليهم ومعنى أن تجد بداخلها فيرونكا أخرى تستحق أن تحبها غير تلك التي حاولت قتلها ، وكنتيجة حتمية لإدراكها معنى الحياة وقعت في الحب .

 ( أود أن أبقى على حالي مجنونة، أحيا حياتي كما أتخيلها على طريقتي، لا على طريقة الآخرين. هم يعتقدون بأنهم طبيعيون لأنهم يقومون جميعًا بالأمور ذاتها )

رواية تهمس لك بأننا جميعًا مجانين بطريقة أو أخرى .. هل حدث وفكرت أن تقتل نفسك ؟ هل حدث واخترت استضافة الموت بنفسك على أن تنتظره ؟ حسنا ، هل شعرت بأنك مجنون بما يكفي ؟ هل تجد ما هو أجمل من الجنون ؟ هل تستمع إلى مشاعرك جيداً ؟

( الحب أشبه بمخدّر. في البداية ينتابك إحساس الغبطة، بالاستسلام التام. و في اليوم التالي، تطلب المزيد. لم يصبح إدماناً بعد، لكنك استحسنت إحساسك و تظن أنك قادر على التحكم فيه ، الحب هو فقدان السيطرة )

( على نهر بييدرا هناك جلست فبكيت ) صدرت في عام 2000، عنوان الرواية هو اقتباس لعبارة مشهورة وردت في الإنجيل (العهد القديم) على لسان اليهود بعد جلائهم من أورشليم (بيت المقدس) وهو
(
By the river of Babylon, we sat down and wept) .

لم يسبق أن جعلني عنوان رواية متلهفة لقراءتها كما فعل هذا العنوان ، لأول مرة أجد عنوانا يجذبني لقراءة ما يحكي عنه . لأكثر من سنة كان مشروع قراءة هذه الرواية مؤجلاً وضعتها على قائمة ما أود قراءته وظللت " أنتظر " وقتا مناسبا لقراءتها ، كل ذلك بسبب عنوانها فقط . والحق أنها بعد هذا الانتظار الطويل لم تخذلني قط .. فكان للانتظار جدوى 


رواية تحكي عن فتاة غير الحب حياتها في أسبوع واحد ، ففي حين كانت بيلار تظن أنها سعيدة، وأنها حصنت نفسها حيال الحياة والأمل والحب . تواجهت مع الحب من حيث لا تدري فراحت تتساءل هل سينقذها الحب من فراغ حياتها السابقة ، هل تفتح قلبها أم تواصل حياتها الجافة ،  تختار بيلار أن تندفع نحو الحب ، لكنها تتورط في حب بشري مع شخص نذر نفسه لحبّ الله.

 
 ( لأن رحلة سعيهم على الأرض لا تكون مجدية إذا كانت خالية من الحب ) ذلك الحب الذي يدفع صاحبه إلى التساؤل عن جدوى حياته الماضية، فلحظة سحرية خاطفة وصادقة تعبث في عمق الروح كفيلة بأن تقلب الحياة رأسا على عقب، فتكسر الجسر وتحدث المعجزات في لحظة، لحظة صدق حتى النهاية السعيدة تماما كالأفلام أحببتها ، واجهتني صعوبة واحدة فقط وهي تبني الكاتب لوجهة نظر دينية مخالفة تماما لما أؤمن به ما جعلني أقرأ وكأني أخطو على جمر حتى لا تضيع الفكرة مني في زخم هذا الاختلاف .


"فقصة  شخص واحد هي قصه البشرية"

( الشيطان والآنسة بريم ) ختم بها باولو كويللو الثلاثية ، تصور هذه الرواية ذلك الصراع الخالد بين الخير والشر بشكل فلسفي ، وإلى أي مدى يتقبل الإنسان قدره ، وهل يستطيع شخص واحد أن يقول لا في وجه الشر فيكون المخلص كما فعلت الآنسة بريم ..

تبدأ القصة بمحاولة الغريب مستعينا بسبائك ذهب وتحدي شيطاني وسؤال يود لو أجابه عليه أهل القرية: هل الإنسان بفطرته نازعا للخير أم للشر، في التحكم بمصائر أهل قرية " بسكوس " الوادعين عبر لعبة دموية ليبرهن لنفسه أن الشر متأصل في كل إنسان ليستحق معه كل كارثة تقع له ، لينتهي الأمر بتغيير عميق يصيب أطراف اللعبة لتتكشف لكل منهم ذاته الحقيقية


قيل عن باولو أن ما يكتبه يمنح القارئ شعورا بالأمان ، وهذا الوصف تحديدا هو ما كنت أبحث عنه بعد قراءتي لكل رواياته .

من أهم ما يميز كويللو هو استغراقه في  تلك اللحظات الصغيرة التي قد تمر في يومنا ولا نوليها أي اهتمام ،

يقال بأن الترجمة أحياناً تسطح النص، لكن روح النص عند كويللو تستعصى على القتل تطفو على الورق بمنتهى الوضوح ، مع ذلك باولو هو الكاتب الوحيد الذي وددت لو قرأت له بلغته الأصلية ، فكاتب كباولو لن تفهمه بشكل كبير إلا لو قرأت له بلغته !

بعد انتهاء الثلاثية أقول بأنها روايات جميلة أنقذت روحي ، تستحق القراءة ، وباولو كويللو الذي أحبه بلا سبب يستحق أن نرفع له القبعة ككاتب ملهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 كاتبة مصرية






مقالات من نفس القسم