في “الحب بمن حضر”.. وحيد الطويلة يفتح “صندوق الدنيا”

الحب بمن حضر
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد السملاوي

لعل التعريف الأنسب للموهبة بالنسبة لي هو “جعل الشيء العادي شيئا  استثنائيا”، ولعل تلك هي ميزة وحيد الطويلة الأهم والأكبر، كما نلمسها في روايته “الحب بمن حضر” الصادرة أخيراً عن دار بتانة بالقاهرة.

بعد تجربة ناعمة مع كاتيوشا الرواية قبل الأخيرة للكاتب، ومع الإعلان عن طرح النص الجديد كان السؤال الأبرز داخلي: ماذا يمكن أن يقدم وحيد الطويلة في نص يتكلم عن الحب؟! هل هناك جديد يقال! الأقلام كلها دهست مروج الحب الخضراء وكتبت عنها حتى صار لا جديد يمكن أن يقدم فيه ! مع ذلك راهنت نفسي على جودة النص ولو لم يختلف، المفاجأة كانت مع أولى صفحات الرواية، هناك كتابة مختلفة فعلاً، بدءاً من اللغة التي أعدها التحدي الأكبر لدي الكاتب في كل نص يكتبه، ووصولاً لزاوية الكتابة نفسها ومستويات السرد المتناغمة.

هنا نجد أن اللغة جديدة كلياً على كتابة الطويلة، إذ يتقمص شخصية حكاء في سوق شعبي يحكي بانسيابية وبتكثيف يدركه جيداً، يصنع من الجمل القصيرة عوالم مديدة، يلعب على موسيقي الكلمة ونغمتها في فصول قصيرة ممتعة تتوالي سريعاً لكنها تترك أثرا كبيرا في النفس، تساؤلات ومشاعر وبلاغة تدفعك إلى تذوق كل عبارة مرات عديدة، اللغة في النص تتشكل كما الفخار في يد بطل الرواية موعود، ترتفع أحياناً لتصير سيمفونية شاعرية، ثم تتخذ حالة أخرى لتصير مروية شعبية، تنكسر أحياناً أخرى ليغلفها الشجن، وتلعب وتمرح في مواضع أخري يكسوها الفرح ؛ الكاتب هنا أسس لقوانين جديدة داخل البناء الروائى فقد أزال الحد الفاصل بين الحكاية والرواية ليمتزج العالمان معا، فكأنك في سوق القرية أمام صندوق الدنيا تشاهد العرائس والحكايات تتحرك أمامك ويتلو عليك الراوي العجوز تفاصيل أخري للحكاية مدهشة، والدهشة دوماً عامل مشترك في أعمال الطويلة عبر كل كتاباته .

تشتغل الرواية على قضية الحب بمفهوم عميق، تعيد تشريح العلاقات والبشر ويشرح عبر نبرة دافئة حينا وقاسية حينا، أسرار عذاب النفس البشرية، خيبات الحب وهزائمه وجماله وروعته، فعلى مستويين متداخلين في السرد نعيش أجواء قصتين متداخلتين متباعدتين طوال أحداث الرواية، تتصاعد فيهما الحبكة بإيقاع سريع بتفاصيل تصف كل تنهيدة وايماءة صغيرة، دون حاجة إلى جمل حوارية طويلة تلتهم صفحات، مع ذلك تكاد أصوات شخصيات العمل تنطق مع كل جملة في النص، الغيرة والشك والتيه والجنون حينا، كيف يمكن لخطاب أن يكون بداية شرارة كبري، إلى أي مدي يكون الحب هشا  والى أي مدي يمكن أن تفتت قطرات الماء جبلا.

ولا يفوت الطويلة في النص أن يصنع شخصية ساخرة كمسعد الحشاش المارق، وعلى طريقة شر البلية ما يضحك تمتزج حكايته الصغيرة مع الحكايات الكبري داخل النص لتتضافر الحكايات داخل عوالم القرية .

رواية ممتعة ومختلفة على كافة الأصعدة وتترك أثرا في النفس وتصنع حالة لا يمكن نسيانها، هي ليست من نوعية الروايات التى تقرأ دفعة واحدة على عجالة ولكنها رواية تقرأ على مهل كما كتبت على مهل وعلى نار هادئة حتى نضجت.

………………

*كاتب وروائي من مصر

مقالات من نفس القسم