فيلم قديم

مريم سمير
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

مريم سمير

قالت شادية: حمدي حبيبي.. الشمس… ثم ماتت بين يدي محمود ياسين، وخرجت كلمة النهاية مع قرص الشمس في لحظة الشروق.

أغلقت التلفاز فعم الظلام، وخرجت منها تنهيدة شقت السكون، تنهيدة تخرج دوما بعد كل فيلم قديم. تحب هي أفلام الأبيض والأسود فهي ترى أنها تحمل نسمات زمن راق رائع وبراءة خلابة موجودة حتى في أشد المشاهد جرأة، فلا تخدش الحياء.

أحبت شادية وذابت في رقة ماجدة، وأعجبتها شخصية صباح القوية، أما سعاد فكانت مثلها الأعلى، رشدي كان فتى أحلام مراهقتها، ورمزي تعجبها دوما ابتسامته الطفولية الجذابة… ولكن لم تلتفت أن تلك الأفلام قد ألقت بداخلها سما زعافا؛ لم يقتلها وإنما أفسد عليها حياتها، سم اسمه الرومانسية.

تحركت بخفة في الظلام حتى وصلت إلى الشرفة، وقفت قليلا تستنشق الهواء وتفكر.. لطالما حلمت دوما بحب قوي يغزو حياتها كما في الأفلام التي تشاهدها، فكثيرا ما تخيلت نفسها ترتدي فستانا رقيقا مزينا بالورود كالذي كانت ترتديه فاتن حمامة أو ماجدة وهي تسرع في شارع مشجر نظيف كي تلحق بموعد مع حبيب يكون في وسامة عمر الشريف أو رقة عبد الحليم.

ابتسمت لهذا الخاطر، ثم مسحت وجهها بيدها، وتمتمت قائلة لنفسها: والآن، انظري لنفسك أين أنت؟ بعد كل هذه الرومانسية والأحلام أصبحت امرأة مطلقة من رجل لا تعرفي حتى الآن السبب الحقيقي الذي جعلك تتزوجيه، بل ولديك منه ابنة.. تمتمت مرة أخرى: يا إلهي!

رجعت من الشرفة إلى الصالة وهي تنظر إلى التلفاز بنفاد صبر مفكرة أنها ربما من الأفضل أن تتخلص منه حتى تتوقف عن مشاهدة الأفلام التي طالما كفرت بها، وتعهدت أن تتوقف عن متابعتها، وطالما نكثت بتعهدها ورجعت فيه.. وبين التعهد ونقضه تتعذب هي، تتعذب بإحساسها المكبوت ورومنسيتها التي استحالت بفعل الزمن والعمر والمسؤولية الملقاة على عاتقها إلى شيء مستحيل..

أصبحت صورتها بفستان ماجدة المشجر تتضاءل أمام عينيها مع الوقت حتى أيقنت أنها يوما ما لن ترتدي مثل هذا الفستان أو تقابل من تحب أبدا… مسحت دموعها التي انسابت على خديها هامسة بانكسار: نصيب!

ومن غرفة نومها سمعت خطوات صغيرة تدق على الأرض، ثم أطلت ابنتها برأسها منادية: ماما.. ماذا تفعلين؟

فردت بصوت جاهدت أن تخفي الحزن منه قائلة: لا شيء يا حبيبتي، كنت أشاهد.. فيلما قديما..

مقالات من نفس القسم

تشكيل
تراب الحكايات
موقع الكتابة

ثقوب