2
يبدو عبد الحميد وكأنه يهرب. يترك الفيلا لصاحبها الذي لا يبدو ودوداً للغاية لكنه على الأقل ودود للدرجة التي تجعله يسأل خادمه عن صحة والده. ولا يظهر وجه عبد الحميد إلا وهو يغادر الفيلا الكئيبة مسرعا كما يليق بهارب.
الرجل المعزول اختياريا يصبح الآن وحيدا إلا من صحبة غامضة لا تظهر إلا في غرفة نومه، بتسريحات شعر وملابس قديمة يعزفون موسيقى قديمة ويدخنون سجائر في غرفة رجل منظم لا يدخن.
3
– مين دول؟ وهم ازاي كده؟ ايه الغموض ده؟
4
في فيلم كتبه محمد الحاج ومحمود عزت لا تتوقع معلومات مجانية. ستتعب قليلا كي تعرف من هؤلاء ولماذا جاءوا ولماذا يهرب عبد الحميد. وستتعرف على حسين ببطء وستحصل على المعلومات في وقتها، وعلى المتعة كذلك.
حسين المريض الذي ينتظر الموت لا يصدق أخته التي تقول إنها جاءت مقيمة ليومين تعيد فيهما طلاء جدران شقتها، لكنه يسمح لهما بالإقامة بشروط يتجاوزونها شيئا فشيئا، ويذوب الجدار بينهما شيئا فشيئا وتعود ذكريات الطفولة.
ابن بنتها الذي جاء معها يناديه (جدو) على غير رغبته، ويلتقي صديقته في منزله، في منزل الرجل الصارم الذي لا يفهم كيف توافق أمها على مبيتها في فيلا “جدو حسين”، وفي الوقت الذي يعتقدون فيه أنهم يغيرون حياته، كان هو يعبث بحياتهم جميعا.
5
– طبعا انتي كده مش هتيجي معايا افلام تاني.
– لا ابدا، الفيلم ابتدا يعجبني فجأة.. عجبني بالفعل والله.
6
حسين لم يغيره أحد ولا يجرؤ أحد على العبث بحياته، حتى إنك تظن في نهاية الفيلم أنه اختار الرحيل بالمرض طواعية بعد أن وصل “الخرا” حوله لدرجة لا يمكن احتمالها فقرر الرحيل بعد أن يعيد بعض المياه للنهر الذي يجري بينه وبين أخته، ويعلم حفيده وصديقته معنى مختلفا للموسيقى، ويعطي للمهندس الصغير فرصة حياته. يرحل حسين لأنه لم يفهم كيف يرضي “الزبون” بعد أن أصبح الزبون دائما على حق، وهو الذي وإن كان لا يدخن الحشيش لكنه إن فعل فسيدخن صنفا نقيا لا مغشوشا كالصنف الذي يدخنه حفيده. يرحل حسين بعد أن يلقي نظرات على القاهرة، هل لأنه سيفتقد “الخرا”؟ أم لأنه يريد أن يتأكد من صحة قراره بالرحيل؟
7
الكاميرا هادئة، والصورة باردة كما يليق برجل يحتضر، والموسيقى لا تعلن عن نفسها كثيرا.
خالد أبو النجا كان عجوزا، ليس فقط بسبب الماكياج، لكن لأنه وضع يده بنجاح على روح شخصية البطل العجوز، لبلبة قدمت دورا اعتياديا لكنه قريب من القلوب، والفتاة في دور الممرضة قدمت أداء ينبض بالحياة على عكس الأداء الميت نوعا للحفيد وصديقته، لكنه يمتلئ بالصخب تدريجيا قرب النهاية بعد أن تتوطد علاقتها بـحسين وبالمشاهد. الحوار في الفيلم جريء كما يليق بفيلم مستقل، الفيلم عموما جريء بحسابات إنتاجية.
8
– تفتكر ليه ما استنوش لحد ما يموت؟
– نفس السبب اللي خلا عبد الحميد يهرب، لا أنا ولا انتي ولا صناع الفيلم نفسهم يقدروا يكونوا موجودين وهو بيموت.
ـــــــــــــــــــــــــ
*قاص مصري