حسين عبد العليم
غادرنا المسرح الصغير، عندما وصلنا إلى ساحة دار الأوبرا – شعرت ببرد أكتوبر المسائي، لم يصمد أمامه قميصي النصف كم، وجدتها تلتصق بي: يا حبيبي.. دا أنت بردان قوى.
– آه.. أصل أنا براد.. وحرار كمان.
أخذت رغم المارين تدلك لي ساعداى.
دائما أعود بذاكرتي إلى اللقاء القديم في التليفزيون الأبيض وأسود – بين سلوى حجازي أو أماني ناشد أو منى جبر – لا أذكر، وبين الممثل رشدي أباظة وزوجته الراقصة سامية جمال في بيتهما.
ذهبت المذيعة بصحبه سامية جمال إليه في حجرته فوجدتاه غارقا في تنظيف البندقية.
هكذا تماما كان يحدث.
أعود من الصيد بعد المغرب بقليل، أفك لأمي الطيور المُصاده – من المشجب فتستعد لعمل شغلها، إما وليمة مشوية بترييش الطيور وقطع رؤوسها وأرجلها وفتح بطونها وتنظيفها وغسلها جيدا، شقها بالطول من ظهورها، تتبيلها ثم دهنها بالزيت حتى لا تلتصق ثم وضعها مفرودة على الصفيحة ( قطعه دائرية – منزوعة من علبه سمن السلطان ) فوق البوتاجاز.
أمي وأنا نميل إلى هذه الطريقة في طهي الطيور التي تم صيدها – خصوصا – أن معظمها كان من اليمام أو الحمام البرى ذو العظام الناشفة ولا يطيب بسهوله، طهيها بتلك الطريقة يعطى نتائج مبهره مصحوبة بروائح تسيل اللعاب.
وأما مُطهاه بإضافة البصل المبشور إلى الطيور في حله كبيرة مع التوابل وبعض السمن وقليل من المياه، كلما نشفت المياه تضيف أمي إلى الوليمة قدرا بسيطا إلى أن تستوي.
الطريقة الثانية كانت تستخدم عاده في ولائم صيد العصافير – وقت أن كنت امتلك بندقية رش صيني نمره 1 ماركة البطة وكشاف بطارية كبير يعمل بحجرين طورش.
بعد آذان العشاء بقليل أخرج أنا وناصر ( أسماه أبيه جمال عبد الناصر تيمنا بثورة يوليو ) كُلٌ معه بندقيته وكشافه، نتوجه إلى فيلا مخلوف باشا المحاطة بالأشجار من جوانبها الأربعه.
العصافير نائمة منكمشة، أضرب كشافي فتبدو بطونها مثل قطع دائرية بيضاء صغيرة وسط الأفرع، طك، طك، طك، و تهبط العصافير مُدماه.
بدون مبالغات كان يصل محصول كل منا إلى 250 أو 300 عصفوره يضعها في كيسه القماشى.
بعد أن تثقل الأكياس وتقل العصافير على الأشجار نبدأ في دلع المحترفين، نبحث على هدى من ضوء الكشافات عن بطون بيضاء صغيره وبعيده وغير واضحة ونتراهن عليها، طك، وتهبط العصفورة مثل طوبه صغيره ملقاة من أعلى.
أمي كانت تقريبا تلطم بسبب ولائم العصافير هذه، يتوجب عليها قضاء أربعة أو خمسة ساعات ( أحيانا تسهر صباحي ) لنزع ريش العصافير وتنظيف بطونها – وهى تبرطم وتتألم من جراء الوقفة أو القعدة الطويلة على كرسي الحمام الخشبي الصغير، يصبرها أبى بتذكيرها بالطعم النهائي للطيور الطاهرة الصغيرة المغموسة في البصل المفرى والسمن والفلفل الأسود ويؤكد على أن الصيد بغير هدف الأكل حرام.
يومين بعدها تظل أمي تقول: ضهرى.. ضهرى.
منذ عدة سنوات عاد ناصر من السعودية، أتى لزيارتي، وجدته يرتدى جلبابا أبيض ويربى لحية مهولة لدرجة أنني تعرفت عليه بصعوبة.
حكى لي عن أنه استقر نهائيا في مصر وأشترى شقه في المهندسين وسيارة حديثه، تجاوره في المسكن مغنية شعبية شهيرة، عندما عرج حديثنا إلى الذكريات والفتيات اللائي كنا نحبهن في نادى فاروق – والى الأسماء المشفرة التي كنا نطلقها عليهن لكي لا يفهم أحد غيرنا من الصحاب – وجدته يقول: أستغفر الله العظيم، ورغم ذلك فقد لمحت إشراق ملامحه مع الذكرى.
استشارني ناصر بصفتي صاحب عمره عن ما هي أهم وأنجح المشروعات التي يمكن أن يستثمر فيها أمواله الكثيرة التي عاد بها، قلت متفاكها: تاجر مع الله.. وزعها على الغلابة، ولم يعلق.
حتى – لم يسألني ناصر عن حالتي المادية أنا الذي أجلس معه أضايفه وليس في جيبي مليم احمر – بعد أن كنا نقتسم اللقمة والقروش القليلة.
ذلك كان بعيدا جدا.
بعد أن أخذ قعدته كتب لي عنوانه ورقم تليفونه في ورقة، تعانقنا ورحل بعد أن اتفقنا على التواصل، بمجرد غلقي لباب الشقة خلفه وجدت نفسي أكرمش الورقة وألقى بها في صفيحه الزبالة وقد تناهى إلى سمعي صوت محرك سيارته الفاخرة.
أختي خبيرة بالطقوس، تصنع لي الشاي وأجهز أنا الترابيزة وزيت السلاح والجاز المدلوق في أغطيه علب الورنيش، أهيىء الحرابى والمقص وعدة قطع من القماش فضلا عن الأدوات الحديدية من مفكات وزراديات وشاكوش صغير – وطبعا فُرش التنظيف.
أشعل سيجاره سوبر وأبدأ في تلمس أسلحتي في حنان وعشق، أفككها قطعة قطعة ومسمار مسمار وأضع كل ذلك في صينية ألومنيوم قديمة كانت أمي تستعملها في صنع المكرونة الباشاميل.
خدعني قسم الشرطة، حتى لو لم يكن خدعني فالنتيجة واحدة، أرسل لي خطابا يدعونني فيه للحضور عندهم ومعي التراخيص وقطعتي السلاح لإتمام إجراءات الفحص والتجديد، لم أخذ خوانة – فشهر أكتوبر هو شهر تجديد الترخيص.
ذهبت، أذهلني الموظف المدني بالخبر، الجهات الأمنية ترفض التجديد وينبغي على في التو واللحظة تسليم الرخصة وتسليم السلاح وتحريزه، أرسلني فاشتريت ثلاثة أمتار من قماش الدمور الأبيض وبكرة دوبار وإصبع من الشمع الأحمر، بدأ يلف قطعتي السلاح في القماش بدربة ومران.
ضايقني مخبر وضيع تواجد بالصدفة، قال: أهم الحلوتين دول بيلبسوا الكفن، لم آخذ ولا أدى معه، اغتظت وقررت أن أستعيد أسلحتي يوم ما.
أكملنا اللف والربط، وضعنا قطعا مكورة من القماش في الفوهات، ختمنا بالشمع الأحمر ولصقنا كارت على كل بندقية يحمل رقم السلاح ونوعه والتاريخ ورقم الحرز، ثم أعطاني الموظف إيصالا باستلامه البنادق.
خرجتُ من القسم بدون سلاحي ودون رخصتي، كانت الدنيا غائمة وثمة غصة أليمة في روحي، تتخايل أمامى كل لحظه أمضيتها مع السلاح وكيف انه تقريبا لم يخذلني أبدا في التصويب وكم منحنى من طيور وحيوانات.
مغرم أنا بالخشب أعتبره عنصرا ما كريم، أبدأ به، الدباشك، أمسكها واحدا بعد واحد، أمسح من عليهما أثار دماء الطيور ولا أقترب بالجاز ناحيتهما، أنقط من بزبوز علبه الزيت عليهما مباشرة، الزيت يتغلغل فتشربه نسائر الخشب، أدعك على الدباشك بيداى الخاليتان في نعومة، تملأ أنفى تلك الرائحة المحببة إلىّ، يعتريني إحساس بان الدباشك تصبح بالزيت موزونة ومقننة بعض الشيء وتستعصي على التشقق وعوامل التعرية، من ناحية الشكل الخارجي تصبح مصقولة.
أترك الدباشك حتى أشرب سيجارتي الثانية، بعدها أقوم بمسح بقايا الزيت من عليها بخرقه قديمة، ثم بخرقة كستور يتم التلميع، أتأملها بوله وأشعر بها ممتنة لي.
في إحدى زياراتي لأبو سليم وجدته يفعل في سلاحه ذات ما أفعله في سلاحي لكن ببعض الغشم وعدم الدراية، أفادنى فقط عندما رأيته قد بدر أمامه أكثر من خمسين طلقه 7,62×54 وقد أمسك قطعة قماش مغموسة في الجاز وراح يلمع كعوب الطلقات وينشفها جيدا ثم يضعها بترتيب جميل في علبتها الكرتونية، يلف العلبة في ورق جرائد مرتين ثم في قماشه مفرودة ثم في كيس بلاستيك.
– على إيه ده كله
– عشان الطلقات ما تاخدش رطوبه وتكدب معايا.. ساعات حياتي بتبقى واقفه على طلقه من دول.
أضع الدباشك على جنب، وأبدأ في التعامل مع الحديد بداية ماسورتي البندقيتين، ينبغي أزاله ما علق وتركز على الششخنه الداخلية لماسورة البندقية الرصاص من بقايا رماد البارود المتخلف عن الإطلاق المتكرر، وكذا إزالته من داخل الماسورة المصقولة للبندقية الخرطوش.
عرفت نوستراداموس للمرة الأولى أثناء ما كنت أقرأ: مائة عام من العزلة – مستلقيا على السرير في شقة زوجتي الأولى، لم أدر وقتها لماذا ربطتُ بينه وبين شخصية ميليكيادس في الرواية، فُتنت به وأخذت أبحث عن ترجمه لنبؤاته، ثم تاه منى، تاه في زحمة تطليقي لناديه وزواجي من سحر.
بعد زلزال 1992 عاد أسمه يتردد كثيرا في الصحف والمجلات، قالوا عنه: ذلك المولود في 1503 بجنوب فرنسا وكان طبيبا وعرافا قد تنبأ ضمن نبؤاته بزلزال مصر منذ حوالي 400 سنة.
قلت: ما بدهاش.
وعثرت فعلا على ترجمة لكتاب التنبؤات، وجدتها مكتوبة بأسلوب مبهم وغامض يمتلىء بمفردات من لغات متعددة مثل الإيطالية والإغريقية واللاتينية، قرأت في مقال: أنه كان يتعمد ذلك حتى يتجنب أن تتم مقاضاته على انه ساحر أو مشعوذ.
أتاني في المنام بملابس احتفاليه كردناليه وسكسوكه شهباء، وقال لي:
سوف تأتيك في أواخر عمرك
بهية ومتألقة
وسوف تمنحك شفتيها ورائحة أنفاسها
غير وجله.. بل متأهبة للعطاء.
تنظيف ماسورتي البندقيتين يتم على مراحل، أضع قطعة فماشية معقولة الطول والحجم ( خشية أن تنحشر ) في الحربي، أجعلها عالقة بالشق الذي في نهايته، أقوم بإدخاله في الماسورة وأظل به داخل طالع – داخل طالع عدة مرات، أجد أن قطعة القماش قد أسودت، أقوم بتغييرها، وهكذا دواليك إلى أن تظل فاتحة اللون ولا تسود، أكرر الحكاية بقطعة قماش مغموسة في الجاز، ثم بقطعة قماش نظيفة أتمم مسح الجاز من الداخل خشية حدوث الصدأ، بعد أن يتم التنشيف تماما أكرر الحكاية بقطعة قماش مغموسة في زيت السلاح الخصوصى – ثم بقطعة قماش نظيفة أقوم بمسح الزيت من الداخل، إلى أن أطمئن لخلو الماسورتين من أية عوالق أو بقايا سوائل.
قلت: جميلة انتى حبانى قوى كده ؟
– أنت عارف
– عارف إيه ؟
– عارف كل حاجه
– ساعات بابقى عارف وساعات ماببقاش عارف.
كنا قد وصلنا إلى باب الأوبرا الخارجي نتأهب لعبور الطريق – لنقطع كوبري قصر النيل في اتجاه التحرير مشيا، وجدتها فجأة تنزع يدها من يدي
– أهه.. شفتي !
– الناس.. أحسن حد يكون يعرفنا ويشوفنا.
– فالحة بس أمبارح: ياااى يا فريد.. أنت راجل.. راجل قوى وحنين.. مين اللي علمتك كل الحاجات دي؟
أرفع كل ماسورة في مواجهة مصدر الضوء، أقرب عيني، ألصقها بالثقب الذي في مواجهتي وأنا أكسر على عيني اليسرى فأجد أن كل شيء تمام، وطبعا بعض نقاط الزيت على الماسورتين من الخارج وتدليكهما باليد، أظن أن الزيت يعطى الحديد بعض المطواعيه، أنشف الماسورتين وألمعهما جيدا وأضعهما على جنب.
كان أبى يقول: هوايه.. الهوايه يعنى حب..
زينب لم تكن تعبأ بكل ذلك، فقط كانت تقول لي: علمني ضرب النار يا فريد.
– البندقية ليها رد فعل يا زوزو – وممكن تتخضى من الصوت
– يا سلام يا خويا.. د نا لسه شايفه في فيلم رعاة بقر.. البطل كان ماسك البندقية مع حبيبته وهو حاضنها من ورا.. ومحاوطها بإيديه بيعلمها ضرب النار.
– أيوه بس دي حاجه بتحصل في الأفلام بس.
– والحضن في الأفلام بس برضوا ؟
– وإيه لزوم أنى أعلمك ضرب النار بقى ؟
– أنا عارفة أهي تلكيكه من الواحدة وخلاص.
بالنسبة للجسم المعدني / الظرف والترباس ومجموعته فتلك أشياء أتعامل معها بواسطة الفُرش البلاستيكية الدقيقة والرفيعة جدا والتي بإمكانها الوصول إلى أدق الأماكن التي لا تطالها يداى – بالجاز والزيت والتنظيف وكله.
أبدأ في إعادة التركيب بأناة وصبر، أتم تركيب البندقية الرصاص، أجذب الأجزاء ثم أضغط على الزناد فأسمع: تك، أضعها في المغلف القماش السميك وأقوم فأضعها في مكانها بالدولاب، أفعل ما فعلته – في البندقية الخرطوش، أجمع عدة التنظيف في نظام وصبر ودقة.
قلت للمحامى: طبعا عندي أسباب..
أنا راجل فوق الخمسين وعمري ما اتوجدت في مواقف طيش أو رعونه.. سني دي راشده وهاديه وتخليني أعرف إزاى أحترم القوانين وما اخالفهاش.
وقلت: أنا مش منتمى لأي حزب سياسي وماليش نشاط من أي نوع في السكة دي.
وقلت: مصدرش ضدي أي أحكام وعندي لياقة صحية وملم بأصول وقواعد التعامل مع السلاح.
انفعلت: نفسي أعرف إيه السبب.. القرار بسحب الترخيص غير مسبب.. إحنا هنعمل زى جحا: قال ضرب ابنه والواد مكانش عمل حاجه.. سأله بتضربنى ليه يا بَا.. رد عليه عشان متعملش حاجه الأسبوع الجاى.. طب قوللي حضرتك.. مين الساذج اللي ممكن يعمل حاجه مش قانونيه بسلاح مرخص.. على إيه يعنى.. ما السلاح البرانى مرمى في كل حته.. دا تعسف وسوء استعمال سلطه من الأمن.. يلغوا لي ترخيص بقى له 27 سنه من غير سبب ؟
– هدى نفسك شويه.. أنت جددت ترخيصك كام مره في ال27 سنه دول ؟
– تسع مرات.. شفت فيهم المرار، وأنت عارف بقى حضرتك.. كل تجديد تحريات أمن دوله وأمن عام ومباحث جنائيه وباطلع زى الفل.
– خلاص.. خليها على الله.. أعمل لي توكيل وهنرفع قضيه قدام محكمة القضاء الإدارى وهنلغى قرار الداخلية ده.
قلت: تفتكر يا أبو سليم هم مش عارفين مكانك ؟
قام: أصلى العشاء وأجي لك.
أخذت أتعجب وأقلب الأمر على وجوهه إلى أن عاد – وبدون مقدمات: طبعا عارفين.. دول الظباط أصحابي ومستجدعنى وبيحبونى.. أنهى ظابط مباحث يلاقى واحد أهبل زيي يخلصه من تلاته عتا وله قالبين له المركز.. أنا مفيش منى قلق.. ساعة ما بيعوزونى بيبعتوا لي العربية البوكس وأنا أروح لهم.
– بس ممكن يقلبوا عليك
ابتسم في سخرية من يعرف هذه المعلومة جيدا: هي مره واحدة.. ساعة ما ضربت سمير دوده وحماده.. اشتركت أنا والحكومة في كمين لدوده عند جنينة عبد الله.. جار منها بشويه.. لبدنا تحت الكوبري.. لقيناه بسلامته جى على وش الفجر يتبصص حواليه زىّ التعلب.. أكنه شم ريحة الكمين والله.. راح مطلع الرشاش من تحت جلابيته.. كان معلقه في كتفه.. وعمل دايرة نار.. ردينا.. ولما عرف أن عددنا كبير دور الجري على الجنينه وإحنا وراه.. فرزناها شجره شجرة ومالوش أثر.. تانى يوم بعت لي رسالة مع الواد الصايع حماده بتاع النسوان.. سمير دوده بيقولك أبعد عن طريقه.. هوّ إمبارح كان لابد في الباكابورت تحت منك وأنت واقف تتنمس تبص ع الشجر وكان يقدر يشيعك من تحت لفوق.
كنت أقول لجميلة هذه الكلمات مقلدا طريقتها أثناء غرقها في لحظة الشبق، وأتعمد مط الحروف، ضربتني بقبضتها المضمومة في صدري مبتسمة، طب أهو، وأخذت كفى في كفها علنا وضغطت عليه بشده.
أحد عساكر حراسة الكوبري نظر إلينا في حسد وهز رأسه وهو يعدل من وضع سلاحه المعلق في كتفه.
– طبعا أنت اتغظت من رسالة دوده.
– شِطت.. أنا شِطت.. الصبح في عز الضهر الأحمر رحت له الخن.. خبطت الباب ودخلت.. لقيته قاعد مع حماده والجوزه شغالة على حشيش.. كل واحد خد له دُفعه ع الماشي.. ولقيت مره كبيره.. أوجه لها الآلي واضرب – البندقية تعطل.. أوجهها للحيط وأضرب تشتغل.. قلت ربنا مش رايد لها تموت.. طلعت على سطح الخن ورحت ضارب دفعه يمة المركز.. وساعتها بقى الظباط قلبوا على شويه.. ما هي كبيره.. دا تحدى للحكومة.. وبعدين إتصالحنا.. وطلعت منها برضوا.
قلت: جميلة أنت جميلة الشكل والعقل والروح.. امرأة واحدة ومتعددة في أن واحد.. فرعونية الكبرياء وفى ذات الوقت فيكى غلب الدنيا.
جاوبتني بترقرق الدموع في عينيها والنظرة التي تلوم وتقول معا.
– مش فاهمه قوى.. بس حاسة انه كلام حلو.. أوعى تنسى.. أنا دبلوم.. فريد أقولك حاجه ؟
– قولي
– سيبنى أحبك زى مانا عاوزه.. والا هطفش
دائما كانت ابنتي تنفعل وتقول: إيه غباء الناس دى.. دحنا بنصطاد.. إيه الخطورة ف كده.. ليه يصادروا البنادق ؟
يبدو أنها لم تنس، وقت أن كانت طفلة كنت أحملها، أركبها على كتفي، وتدلى بساقيها الرفيعتين وصندلها الذي له رائحة صنان على صدري ( ظلت تعملها على نفسها حتى أصبحت في أولى إعدادي )، يبدو أن ذلك شيء في الجينات فأبنة أختي تحترف ترك الفطائر على السرير كل صباح )
أسير وسط الحقول والأشجار وعندما ألمح يمامه أو طائرا لم أكن أنزلها، أظل ماسكا لها بيدي اليسرى وبيدي اليمنى أنشن وأطلق وهب يهبط الطائر مدرجا في دمه، لم تكن البنت تنخض من صوت الرصاص – أو ربما كانت تنخض وتدارى ذلك في صيحة عصبية:
يا واد يا بابا يا حرّيف.
فكرت عدة مرات في شراء أسلحة غير مرخصة والاحتفاظ بها في سرية، يعنى هي دي بلد حد عارف فيها حاجه ؟ مادمت مش مشبوه أو مسجل فين السائل عن المسئول.
– جميلة.. عارفة إيه مشكلتي معاكى.. روحك لسه عصيانه علىّ.
– رجعنا للكلام ده تانى00 ما بفهموش !!
– دماغك فيها يقين مراوغ بتفكرينى بفيلم أجنبي شفته زمان.. خلاص البطل كان في انه حط ماسورة المسدس بين عنين حبيبته وأطلق.. وعلى فكره ده كان خلاصها برضو.
– يوه يا فريد.. يخرب بيت جنانك.
ذهبت أذن لزيارته، كنت متوجسا، ظننته على الشاكلة التي زرعتها في أذهاننا أفلام السينما المصرية القديمة: طويلا وعريضا وقاسى الملامح، متجهم مذموم الفم زائغ العينين عنيف الكلمات، أو على الصورة الأذكى التي وردت إلينا من الأفلام الأجنبية: رقيق ملون العينين وسيم معشوق للنساء – أو خامل ومهدود القوى وعلى شيء من البلاهة لا يترك شكا لدى أحد في انه إنسان طيب.