فاروق شوشة.. الشاعر الذي أنقذ اللغة العربية من الغياب. في ذكرى رحيله

farouk shousha
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حسن غريب

صوت العربية الذي لم يصدأ:
في مثل هذه الأيام من أكتوبر، تستعيد الذاكرة الثقافية العربية صوتًا لا يُنسى، وصورةً ما زالت محفورة في ذاكرة الأجيال. رحل فاروق شوشة عام 2016، لكنه ترك وراءه حضورًا لا يُمحى.
كان صوتُه في برنامج “لغتنا الجميلة” بمثابة بوابةٍ إلى عالمٍ من النقاء اللغوي والذوق الرفيع، حين كانت العربية تواجه خطر التهميش وسط صخب اللهجات والإعلانات واللغات الدخيلة.
من خلال المذياع، أعاد شوشة للغة بريقها، وللناس ثقتهم بقدرة الحرف العربي على أن يُغنّي كما يُغنّى الشعر.

الشاعر الذي كتب بالضوء لا بالحبر:
لم يكن فاروق شوشة مجرد مذيع يجيد مخارج الحروف، بل شاعرًا ذا حسٍّ إنساني عميق.
في دواوينه: “إلى مسافرة”، “العيون المحترقة”، و“لؤلؤة في القلب”، نجد مزيجًا من الحنين والرقة والتأمل الفلسفي في معنى الزمن والحياة.
كان يؤمن أن الشعر يُداوي القبح بالجمال، وأن الكلمة حين تُقال بصدق، يمكن أن تنقذ الروح من التلاشي.
لغته عذبة، وموسيقاه داخلية، وصوره الشعرية أقرب إلى اللمسة منها إلى الزخرف.

لغويٌّ من طرازٍ إنساني:
تقلّد شوشة مواقع مؤثرة في الثقافة العربية: أستاذًا، وإذاعياً، وعضوًا في مجمع اللغة العربية. ومع كل تلك الألقاب، ظل متواضعًا كالماء.
كان يرى أن العربية ليست تراثًا فقط، بل كائن حيّ يتنفس في ضمير الأمة.
وفي برامجه ومقالاته، دافع عن اللغة بأسلوبٍ لا يعرف التعصب، بل بالحجة والحب والإيمان.
حذّر من “الأمية اللغوية الجديدة” التي تسللت إلى وسائل الإعلام والتعليم، ودعا إلى تعليم العربية بطريقة تُشعر الطفل بأنها لغته الأولى لا عبءً دراسيًا.

إرث لا يغيب:
حين غيّبه الموت في 14 أكتوبر 2016، بكت الإذاعة صوتها الأجمل، وبكى الشعرُ واحدًا من أكثر فرسانه صفاءً.
لكن إرثه لم يمت: فبرامجه الإذاعية ما زالت تُدرّس، وقصائده تُقرأ في الجامعات، وكلماته عن الجمال واللغة تتداولها الأجيال كوصايا خالدة.
لقد أثبت شوشة أن اللغة لا تُصان بالقوانين، بل بالقلب الذي يحبها ويعيشها.

فاروق شوشة… ما بقي الحرف:
ثماني سنوات على الرحيل، وصوت شوشة ما زال يتردّد كلما نطق أحدهم بالعربية الجميلة.
لم يكن شاعرًا فحسب، بل كان ضميرًا ثقافيًا وإنسانيًا نادرًا، آمن بأن الجمال هو أصدق أشكال المقاومة.
في زمن تتناقص فيه الأصوات الصافية، يبقى شوشة منارة تهدي الأجيال إلى جمال الكلمة ونقاء الروح.

مقالات من نفس القسم