فاروق حسني في أول حوار عقب عودته للقاهرة :لن أستقيل

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاوره : مصطفي بكري

في حوالي الثالثة من ظهر الأربعاء الماضي حطت الطائرة القادمة من باريس وعلي متنها وزير الثقافة المصري السيد فاروق حسني، في الرابعة ظهرًا اتصلت به، وتواعدنا علي اللقاء في السادسة من مساء ذات اليوم.

كان وجه الوزير يبدو مرهقًا، لكن إرادته كانت قوية وصلبة كالعادة، حكي لي تفاصيل ماجري، وكشف أبعاد المؤامرة، وعندما تحدث عن دور الرئيس مبارك والجهود التي بذلها، اغرورقت الدموع من عينيه، لكنه استرسل بالقول: 'لن أنسي هذه الوقفة ماحييت، بالضبط كما لن أنسي مواقف هؤلاء الذين مارسوا العنصرية وحملة شديدة من الكراهية.

أمضيت حوالي اكثر من ساعة استمع للوزير وأحاوره، وكنت علي يقين انه لن يستسلم للدعاوي الصهيونية المغرضة التي تطالبه بالاستقالة بعد خسارته في الانتخابات أمام المرشحة البلغارية.. قال: الرئيس أبلغني بضرورة تجاوز الأزمة، لأنه يعرف كل التفاصيل والتكتلات المشبوهة التي أدارها السفير الأمريكي في اليونسكو ووصلت إلي قمتها بالاتصالات المكثفة التي أجرتها واشنطن علي هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

عاد فاروق حسني إلي مصر مجددًا، ليواصل دوره رافضًا الاستسلام، ومتجاوزًا كل محاولات جره إلي معارك فرعية.. يرفض الرد علي الشامتين الذين يقفون في ذات الخندق مع الذين تآمروا وسعوا إلي اسقاطه، ليس بسبب مواقفه كما يدعون ولكن كراهية في الجنوب والعرب والمسلمين.

وفي حواره يؤكد فاروق حسني أن العالم كله أصبح أمام الحقيقة العارية، وأن العنصرية لاتزال هي التي تحكم ثقافة الآخر الذي يصر علي ضرب كل جذور التواصل مع الجنوب، ويسعي الي استمرار اخضاعه لسطوته وثقافته وجبروته.. وهذا هو نص الحوار..

> سيادة الوزير هل تشعر أن هناك خيانة قد حدثت في اللحظات الأخيرة؟

>> بالقطع، هذا مؤكد، لقد كنت منذ الجولة الأولي أقوي المرشحين، لقد حصلت في هذه الجولة علي 22 صوتًا، بينما حصلت المرشحة البلغارية علي 8 أصوات، والبقية لم يزد أي منهم علي ذلك، لقد سيسوا الانتخابات منذ البداية، وجهوا ادعاءات كاذبة، سخَّروا الإعلام الذي تعهد بنشر الاكاذيب، خرجت إحدي الصحف الفرنسية الكبري، وعلي صفحتها الأولي صورة كبيرة لي واسفلها كتبت 'الرجل الذي يريد أن يحرق الكتب، كانت حملة شرسة وظالمة، وكاذبة، لم أشعر أنني مرشح ضد مرشح، بل أدركت ان هناك دولا تحاربني، ولا تريد للمرشح المصري ـ العربي ـ الجنوبي أن ينجح.

> لكنك اقتربت من الفوز، وفجأة صعدت المرشحة البرتغالية لتصل الي 29 صوتًا في مواجهة 29 صوتًا، ثم في الجولة الخامسة والأخيرة فقدت صوتين، وفازت هي بـ 31، مقابل 27 صوتًا، من أين جاءت الخيانة؟

>> المؤامرة أكبر مما تتصور، والمعركة في مرحلتها الأخيرة وكانت تدار من نيويورك، نجحوا رغم الأداء المتميز والجهود التي بذلها السيد احمد ابو الغيط وزير الخارجية في نيويورك، وهنا أتوقف أمام ما نشرته صحيفة 'الليموند' الفرنسية صباح الأربعاء الماضي، من أن الدولتين اللتين سحبتا تأييدهما في الجولة الأخيرة هما فرنسا وايطاليا، ليس لدي معلومات مؤكد في ذلك، ولكن هذا هو ما نشرته واحدة من أهم الصحف الفرنسية.

> اتهموك بالعداء للسامية، وروجوا هذه الاتهام.

>> ليس الأمر كذلك فقط القضية أكبر من كل ذلك، انهم لا يريدون جنوبيًا، خاضوا حربًا عنصرية، وخربوا بكل شعارتهم عن حوار الثقافات والحضارات عرض الحائط، عن أي ديمقراطية يتحدثون- وعن أي حقوق انسان- لقد اثبتوا أن حقدهم علني دفين، انهم عنصريون حتي النهاية.

كثيرون منهم أصروا علي أن يصموا آذانهم عن سماع الحقيقة وانصاعوا لأكاذيب وأطروحات المندوب الامريكي الذي عقد اجتماعين مع السفراء الاوربيين في المنظمة يوم الانتخابات في الجولة الخامسة، كانت أكاذيبهم تتردد في الإعلام صباح مساء، بشكل لم أكن أتصوره.

لقد أرسلت لي إحدي الشخصيات اليهودية المرموقة ايميلاً سألني فيه، هل انت تصدق المحرقة التي أقامها النازيون لليهود، فقلت له: نعم أصدقها، بعدها أرسل لي يقول: انت رجل محترم، وأنا سأدعمك إعلاميا بكل ما أملك، ارسل العديد من المقالات التي يرد فيها علي الاكاذيب، لكنهم رفضوا وبكل شدة نشر مقالاته، أرسل ورقة إلي سفراء المنظمة، قال لهم فيها: أمامكم مثالان في العالم الاسلامي: فاروق حسني وأحمدي نجاد فعليكم ان تختاروا، لكنهم صموا آذانهم.

> اتهموك ايضا، بأنك تمارس الرقابة علي الافكار وتصادر الكتب، بل وتحرقها!

>> لقد رددت عي ذلك في تصريحاتي، وفي خطابي امام اليونسكو، كان عليهم أن يقرأوا مواقفي جيدًا، لقد سمحت بنشر رواية 'وليمة لأعشاب البحر'، رغم المعارضة الشديدة وخروج تظاهرات عارمة تندد بي، بل وتستبيح دمي، ووافقت علي منح د. سيد القمني جائزة الدولة رغم أنني كنت أدرك ردود الفعل الرافضة، قررت عودة مجلة إبداع ورفضت مبدأ المصادرة، هكذا أنا أؤمن بحرية الفكر والثقافة والاعتقاد.

كانت الدعاية التي يقومون عليها مغلوطة ورخيصة، وفي المقابل رفضوا نشر أي مقالات للدفاع عني، بل إن أحد الصحفيين الإيطاليين المرموقين، حاول كتابة مقال في صحيفة إيطالية شهيرة، تحدث فيه عن تجربة ترميم المعابد اليهودية التي تمت في مصر إلا أنهم رفضوا نشره، ليؤكدوا بذلك أن النية مبيتة، وأن اللوبي اليهودي كان هو المتحكم في الإعلام والصحافة، ولذلك عندما كانوا يقولون لي أنت متهم بمعاداة السامية، وستقوم بمهمة الرقيب في اليونسكو إذا ما انتخبت كنت أقول لهم: ان نصف العالم قد انتخبني، وهذا أبلغ دليل علي كذب هذه الادعاءات.

> الكيان الصهيوني يعتبر أن المرحلة القادمة في اليونسكو هي مرحلة تسجيل القدس كأثر صهيوني، بعد أن جري تغيير واقعها فعليًا، هل تعتقد أن الإطاحة بكم جزء من هذا المخطط؟>> نعم لقد قلت منذ البداية ان تهمة حرق الكتب اليهودية ومعاداة السامية هي ستار لأشياء أخري وقضية القدس والموقف منها، هي واحدة من أهم هذه القضايا، انظر إلي الايميلات التي وصلت إليّ منذ إعلان خسارتي، أغلبها جاء من تل أبيب، أحدها يقول: ـ أمسك الوزير بورقة وراح يقرأ ـ 'نحن سعداء جدًا انك لم تنجح، وسعداء انك التزمت بيتكم، عليك ان تعمل أكثر وأكثر لكي تستطيع حرق المزيد من الكتب اليهودية، انت إنسان من بقايا الماضي'.

إذن هذه هي لغتهم: شماتة وأكاذيب وادعاءات انهم يكنون حقدًا أسود لكل صاحب فكر أو رأي، ويكنون حقدهم للمصريين.

> وهل تعتقد أن هذا الموقف مرتبط فقط بفاروق حسني ومواقفه أم هو موجه ضد مصر وضد العرب وضد الجنوب عامة؟!

>> بالقطع هم استندوا بادعاءاتهم إلي حقائق مغلوطة حولي وحول مواقفي، أخذوها حجة، وعندما راحوا يقولون هاتوا شخصًا مصريًا آخر ونحن نقبله، فقد كانوا يعرفون ان مصر لن تخضع لأي إملاءات، وكنا ندرك في الوقت ذاته ان كل ذلك مجرد أكاذيب وأن القضية بالنسبة لهم أكبر من فاروق حسني، إنهم لا يريدون إلا أنفسهم.

> قالوا: إنك معاد للتطبيع معهم.

>> إذن عليهم أن يبحثوا عن شخص علي مقاسهم، ويبحثوا عن التطبيع مع أي شخص آخر، أما أنا فموقفي واضح، لا تطبيع إلا بعد تحقيق السلام الشامل والعادل .. أما عن مواقفي المبدئية فلا مزايدة عليها، ان مثل هذه الرسائل التي بعثوا بها إلينا، تنم عن كره عنيف، وحقد أسود مرير .. أين التسامج الذي يتحدثون عنه، أين السلام الذي يسعون إليه، إنها أكاذيب وأوهام، والوقائع أثبتت ذلك.

> إذن لن تستسلم لهم، لن تستقيل وتعتزل العمل في منصبك كوزير؟

>> سوف استمر في أداء رسالتي، ولن يثنيني عنها أحد، وأنا رهن إشارة السيد الرئيس الذي وقف معي ودعمني بكل قوة، ورفض منطق الابتزاز، وفي آخر اتصال معي قال ارم بكل ما جري خلف ظهرك، ولذلك أنا مستمر في دوري، ولن استجيب لمطلبهم ونواياهم الخبيثة.

> إذن القضية بالنسبة لهم أنك مرشح عربي مسلم جنوبي!

>> نعم هذه هي الحقيقة.. مهما ادعوا ومهما قالوا، الحرب التي شنوها ضدي كانت نتاج تآمر وأكاذيب، لقد نسي هؤلاء أننا نحن الذين رسخنا قيم السلام والتسامح والحضارة، لكنهم لا يزالون عند أفكارهم البالية أن الشمال هو الذي حكم الجنوب، وأن الجنوب يجب أن يبقي خاضعًا للشمال. لقد كانوا يرتعدون خوفًا من نجاح مرشح عربي مسلم جنوبي وتولي هذا المنصب المهم كمدير عام لليونسكو. ولذلك أقول لهم رسالة واضحة عبر صحيفتكم: 'إذا كانوا يظنون أنني سأبقي في بيتي واعتزل دوري فهم واهمون، سأبقي في الساحة وسأواجههم ويبقوا يقابلوني'!!

لقد قالوا إن الضربة الثانية التي يجب أن يتلقاها فاروق حسني هي أن يجبر علي الاستقالة وبعد كل ما حدث أقول إنني لن استقيل وسأبقي أؤدي دوري الذي كلفني به الرئيس مبارك وله وحده حق اصدار القرار باستمراري من عدمه، لكنني سأبقي حتي اليوم الأخير أمارس دوري بكل قوة من أجل استمرار مسيرة النهضة الثقافية التي شهدت انجازات حضارية كبري في عهد الرئيس مبارك لم تشهدها من قبل.

> هل يؤجج الموقف الذي أتخذ ضدك الصراع بين الشمال والجنوب؟ وهل يعني ذلك أن المشروع الذي تتبناه فرنسا للحوار بين الجانبين سوف يلفظ أنفاسه الأخيرة؟

>> لقد وقف العالم عاريًا أمام نفسه، وثبت أن الحوار مجرد وهم، وأن أمامهم فاتورة كبري يجب أن يسددوها لمحو هذه الصورة الذهنية التي علقت في ذاكرة أبناء الجنوب.

> لماذا لم توظف إحدي شركات الدعاية الكبري لمواجهة تلك الحملات الشرسة والظالمة؟!

>> يؤسفني القول إن كافة شركات الدعاية الكبري في فرنسا رفضت القيام بهذه المهمة،. بالقطع الأمر لا يخلو من ضغوط واغراءات كان يمارسها اللوبي اليهودي، ومع ذلك خضت والفريق الذي كان معي حربًا إعلامية كبري لتوضيح الحقائق، ولم تزد مصاريف هذه الحملة عن 24 ألف يورو في حين حصلت شركات الدعاية من بعض المرشحين الآخرين علي الملايين. لقد كان هناك جهد كبير للرئيس مبارك لن أنساه ما حييت، كان هناك جهد متميز للدكتور أحمد نظيف ولوزير الخارجية أحمد أبو الغيط ولوزير التعليم العالي د. هاني هلال ولسفيرتنا في اليونسكو شادية قناوي وسفيرنا في باريس ناصر كامل وحسن نصار ومحمد غنيم ومحمد سلماوي وكثيرين آخرين. أما موقف النائب محمد أبو العينين فهو يستحق كل الشكر، لقد جاء إليّ في باريس ووضع كل إمكاناته تحت تصرفي وأبدي كل استعداداته لتنظيم حملات الدعاية ويكفيني مبادرته الكريمة وجهده الدءوب الذي لن ينسي والذي أكد اصالة معدن الإنسان المصري.

> والموقف العربي؟

>> كان موقف العقيد معمر القذافي في مقدمة المواقف المساندة لي، لقد ظل الأخ الأستاذ أحمد قذاف الدم يتابع معي المعركة أولاً بأول ويجري الاتصالات بالأفارقة والأطراف الأخري، وكان موقف الامارات رائعًا، وكان موقف الجزائر عظيمًا إلي جواري رغم أن هناك مرشحًا جزائريًا، لقد كان الموقف العربي حقًا عند مستوي الحدث.

> هل أنت نادم علي خوض هذه التجربة؟!

>> بالقطع لست نادمًا، صحيح أنني منذ بداية خدمتي لهذه المعركة اعتراني شعور بالقلق، كيف سأغترب مرة أخري وأترك مصر؟ كيف أترك رسومي ولوحاتي، إلا أن استعدادي لتحمل المسئولية الجديدة كان كبيرًا. وعندما جاءت نتيجة الانتخابات في المرحلة الأولي قوية، شعرت أنني علي أبواب النصر الكبير، ولكن أطراف المؤامرة وفي المقدمة منها المندوب الأمريكي كانت تعد لحرب قذرة تقوم علي الخداع والأكاذيب وتزييف الحقائق، فاستطاعوا قلب الموازين بفعل فاعل، ليكشفوا بذلك عن وجههم الحقيقي وعدائهم السافر للجنوب وللعرب وللمسلمين. صحيح أنني خسرت جولة الانتخابات ولكنني اعتقد أنني كسبت أشياء عظيمة، وتعلمت دروسًا كبيرة، بعد أن سقطت الأقنعة وظهرت الوجوه علي حقيقتها.

> هل كنت تتوقع أن تكون المرشحة البلغارية هي منافسك الرئيسي؟!

>> رغم أنها حصلت علي 8 أصوات في بداية الجولة الانتخابية الأولي فانني توقعت منذ البداية أن تكون هي وليست المرشحة النمساوية لأنها كانت تخوذ علي تعاطف داخل المنظمة، باعتبارها سفيرة بالمنظمة ووزيرة خارجية سابقة، ولكن المساندة الغربية لها كان لها الدور الأساسي.

لقد ذهبت إليهم بأفكار جديدة وخلفي تاريخ طويل من الانجازات الثقافية والحضارية وعقل منفتح علي الآخر، وأكبر متحف في العالم، والقاهرة التاريخية، ولكن كل ذلك لم تكن له قيمة، أمام الأصوات العنصرية المعادية لثقافة الآخر وحضارة الآخر، بل وحق الآخر في الحياة والوجود.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عن جريدة الأسبوع القاهرية 

مقالات من نفس القسم