عن علاقة الموسيقى والغناء بالشعب: في كتاب “الشيخ إمام في عصر الثورة والغضب” لأمير العمري

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 د.إبراهيم منصور

  أصدر الناقد السينمائي الشهير أمير العمري عشرين كتابا، أغلبها في النقد السينمائي، فقد نشر أول كتاب له بعنوان “سينما الهلاك: اتجاهات وأشكال السينما الصهيونية” ١٩٩٣م، أما كتابه التاسع الصادر عن مكتبة مدبولي بالقاهرة عام ٢٠١٠م بعنوان “الشيخ إمام في عصر الثورة والغضب ” فقد أصبح “رغم صغر حجمه، من أكثر كتبه نجاحا” وقد عاد المؤلف وأصدر طبعة ثانية منه (دار المرايا القاهرة ٢٠٢١م).

  الطبعة الجديدة من كتاب “الشيخ إمام ..” تحتوي على فصل واحد إضافي، هو الفصل ١٥ ومحتواه  “شهادات ووثائق”.  لكن المؤلف يقول إنه قام “بغربلة بعض ما ورد في الطبعة الأولى من معلومات ووقائع وأحداث” وسبب هذه الغربلة أنه اطلع على تسجيلات نقية، لأغاني الشيخ إمام، لم تكن متاحة من قبل، كما اطلع على شهادات جديدة أهمها شهادة كريم السمعلي، التونسي الذي أصبح أهم قيّم على تراث الشيخ إمام، وحافظا له، كما أضاف المؤلف إلى فصل “شعراء الشيخ إمام” بعض النصوص، وإلى ملحق الصور عددا من الصور الجديدة، وعاد ليتطرق للخلاف الذي نشب بين الرفيقين نجم وإمام وأدى لانفصالهما منذ منتصف الثمانينيات.

ظاهرة إمام ونجم

   الشيخ إمام محمد عيسى ( يوليو١٩١٨م –  يونيو ١٩٩٥م) مولود  في قرية أبو النمرس التابعة لمحافظة الجيزة، وفقد بصره مبكرا بسبب الإهمال والجهل، وقد حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ عبد القادر ندا رئيس الجمعية الشرعية الذي فصله بسبب سماعه للشيخ محمد رفعت، في الإذاعة، فقد كانت الجمعية الشرعية تحرّم الاستماع للإذاعة، والتقى الصبي اليافع إمام عيسى بالشيخ درويش الحريري (١٨٨١- ١٩٥٧م) الذي كان عالما موسيقيا، فأعجب بصوته، وعلمه الموسيقى. لكن المؤلف أمير العمري لم يخصص في كتابه فصولا لحياة الشيخ إمام لأنه كما قال في مقدمة الكتاب “ليس هذا كتابا من كتب سير الأعلام، أي أنه ليس سردا أدبيا أو تاريخيا لحياة المغني الشعبي العظيم الشيخ إمام عيسى، الذي لمع نجمه في مصر والعالم العربي لأكثر من ٢٥ عاما، وأصبح بحق فنان الشعب وخليفة سيد درويش العظيم”

  في الفترة التي درس فيها المؤلف أمير العمري في كلية الطب جامعة عين شمس، من ١٩٧٠ إلى ١٩٧٦م، كانت ظاهرة “إمام – نجم” في ذروتها في مصر، ثم أصبح لها ذروة أخرى خارج مصر، بعد ذلك، وذروة ثالثة أثناء ثورة الشعب المصري في يناير ٢٠١١م. وقد عاصر المؤلف الذروة الأولى وانضم لرواد بيت الشيخ إمام في “حوش قدم” بالقاهرة، واستمع إليه مع الطلاب والمثقفين، في حفلات متفرقة في جامعته، كما اقتنى التسجيلات ومخطوطات الأشعار التي كتبها له الشاعر أحمد فؤاد نجم وغيره من شعراء الثورة والغضب. 

  يقول المؤلف “أصبحت بعض أغاني الشيخ إمام توصف أحيانا بأنها أهم من قراءة مائة كتاب عن مصر، فقد تعلمنا منها كيف يكون لحب مصر معنى حقيقي، مجسد ومصور، وليس مجرد أطياف غامضة لشعار نردده بمعزل عن الناس الموجودين في الشارع وفي المصنع وفي الحقل.” لم تكن تلك الحفلات تقام بدون منغصات، فقد كان الأمن يقوم بقطع الكهرباء عن المكان، لكي يرغم المغني ومستمعيه على الانصراف، غير أن الشيخ لم يكن يبالي، بل كان يستمر في الغناء، ولم يكن الطلاب يبالون معه، كما يحكي المؤلف، ساردا طرفا من سيرته الذاتية مازجا إياها مع سيرة هذه الظاهرة “نجم إمام”  أو “إمام نجم” فالترتيب بينهما يجوز تقديما وتأخيرا لأيهما شئت.

  لم تكن الحفلات كلها  تقام في بيت الشيخ، ولا في حرم الجامعة، بل كان هناك مريدون يقدمون الطعام للمغني مكفوف البصر، وزميله الشاعر متواضع الملابس، وتقام الحفلات في بيوتهم، ومن هؤلاء  المريدين عصمت النمر زميل دراسة للمؤلف، والدكتور خليل فاضل أستاذ طب نفسي، فيما بعد وزميل للمؤلف، ومنهم هاني شعيب، ومحمود الحجري، وكذلك القاص والروائي عبده جبير، وقد حضر هذه الحفلات طلاب ومشاهير من المصريين والأجانب، وكان بعضهم يسجل الحفلات بأجهزة تسجيل لم تكن متاحة في مصر في ذلك الوقت.

 وفي إحدى تلك الحفلات حضر الشاعر نجيب سرور، صاحب المواهب المتعددة، فغنى له الشيخ إمام أغنية “البحر بيضحك ليه” التي يقول فيها:

“بيني وبينك سور ورا سور

وانا لا مارد ولا عصفور

في إيدي عود قوال وجسور

وصبحت أنا في العشق مثل

   فكانت الألحان تولد في الحفلة نفسها، والشاعر حاضر مع المغني، ليس نجم وحده بل كل الشعراء الذين غنى لهم الشيخ إمام، ولم تكن أغاني الشيخ إمام كلها تحريضية سياسية، بل له أعمال متنوعة. يقول المؤلف “حضرت مع عصمت النمر مولد أغنية “حفلة ذكر” التي يسميها البعض “الله حي” وعشنا أجواء الفكر الصوفي والاندماج مع المجموعة المرددة:

الله حي .. الله حي

وسّع سكة يمُرّ الضَيّ”

هذه الأغنية من إبداعات نجم العاطفية الراقية جدا، وقد ارتقى بها غناء الشيخ إمام وموسيقاه إلى آفاق رحبة، كان الكورس يردد:

وأنا اللي في هواكي سبقت المعاد… يا سالمة يا عشق البنات والولاد، فيقول الشيخ إمام مرددا: وطلعت صورتك في كل البلاد… وكبرت فيها الأمل في اللي جاي”  لم يكن التحريض هدفا وغاية لذاتها وإنما كما قال المؤلف بحق “خلقت كلمات نجم وأداء الشيخ إمام حالة وجدانية شديدة الخصوصية، من الانتشاء والطرب، الحماسة والفوران، الحب الصوفي العميق، والرغبة في التعبير عن كل ما يعتمل داخل القلوب من انتماء للوطن، ورفض في الوقت نفسه، لما يرتكب باسمه على صعيد السياسة”

مهنة التّثبُت

  في الفصول من الخامس حتى العاشر، ناقش أمير العمري جوانب من تجربة الشيخ إمام الفنية، فأشار إلى عهد عبد الناصر، وإلى اعتقال كل من نجم وإمام في عام ١٩٦٩م، قبل وفاة عبد الناصر الذي تعهد بألا يخرجهما من السجن مادام حيا. وقد تناول الكاتب والمؤرخ صلاح عيسى جوانب من سيرة هذا الثنائي في كتابه “شاعر تكدير الأمن العام: الملفات القضائية للشاعر أحمد فؤاد نجم” (دار الشروق ٢٠٠٧م) وقد ورد في ذلك الكتاب أن أول لقاء للشيخ إمام بالشاعر أحمد فؤاد نجم كان في عام ١٩٦٧م بعد الهزيمة، حيث لحن الشيخ إمام قصيدة “الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا” “وخلال أسابيع كانت القصيدة تنتشر كالنار في الهشيم، وشد عشرات المثقفين الرحال إلى المنزل رقم ٢ ب”حارة حوش قدم”  يستمعون بإعجاب ودهشة إلى هذه النغمة الجديدة والمختلفة في الشعر والغناء

  لكن مؤلف كتاب “الشيخ إمام في عصر الثورة والغضب” كان حريصا على التحليل الفني للكلمات وللموسيقى والأداء أكثر من حرصه على تقصي السيرة وحياة الشاعر والفنان، لكنه في تحليله للشعر وللأداء وللموسيقى لم يهمل التثبت من بعض الأخبار، فقد شاعت عن نجم وإمام أقوال وأخبار كثيرة متضاربة، ومن المسائل التي ناقشها المؤلف مسألة العلاقة بينهما وبين نظام عبد الناصر، هنا رجع المؤلف لما كتبه الكاتب الصحفي سعد هجرس، وقد دافع المؤلف عن الناقد رجاء النقاش نافيا عنه أية شبهة في تجنيد نجم وإمام ليكونا بوقا للنظام أو يخضعا لضغوطه.

  كما ناقش أمير العمري النقد اللاذع الذي كتبت به بعض القصائد حتى سماه “الهجاء القاسي” هذا الهجاء طال جمال عبد الناصر، وأنور السادات، ومحمد حسنين هيكل، وعبد الحليم حافظ، وأم كلثوم (من قبل نجم) وقد وصف العمري سخرية نجم من عبد الحليم حافظ بأنها غير مبررة. كما توقف المؤلف عند لون من الهجاء السياسي كتبه نجم تحت لافتة “الفوازير” منها فزورة عن سيد مرعي تقول:

“اللورد ابن اللورد ابن اللورد..

متأصل في الثروة..

ولا أوناسيس ولا فورد

حيطبق بسلامته

قوانين اشتراكية

ويدافع من عشمه

عن صوت الحرية”

وعن هجائيات نجم يقول العمري، إنه كان يشتط في بعض مواقفه إلى حد بعيد، ويذهب إلى حد إنزال أحكام قاطعة مانعة على بعض الشخصيات، ويقول إن الشيخ إمام كان يجد بعض الصعوبة في التعامل مع بعض مواقف نجم التي قد تنعكس على أشعاره، فلم يلحن الشيخ إمام مثلا كل ما كتبه نجم في باب الهجاء المرير.

   ومن الأدباء الذين هجاهم نجم يوسف السباعي، والشاعر عبد الرحمن الأبنودي، يقول المؤلف “كان الأبنودي بالنسبة لنا شاعرا موهوبا لا شك في موهبته، يستند أيضا إلى تراث شعر العامية المصرية من أيام الشاعر الكبير بيرم التونسي، أي أنه ينتمي إلى نفس السلالة التي أنجبت نجم” وفي دفاعه عن الأبنودي أورد المؤلف نماذج من شعره، الذي وجه فيها انتقادات واسعة لسياسة الانفتاح الاقتصادي أيام السادات، منها قصيدة “سوق العصر” التي فضحت السماسرة، وكان الأبنودي يلقي أشعاره في حفلات يقيمها حزب التجمع في وسط القاهرة، أيام كان حزب التجمع حزبا معارضا كما يصفه المؤلف. وقد ظل موقف نجم من الأبنودي سلبيا، كما كان موقفه من الشاعر والفنان الكبير صلاح جاهين سلبيا، وقد غالى في هجائه في قالب الفوازير، حتى وصفه السادات يوما في إحدى خطبه ب “الشاعر البذيء الذي كان يذهب عند أولادي في الجامعة، يهيجهم ويحرضهم بكلماته البذيئة” لكن الشيخ إمام امتنع عن تلحين تلك الهجائيات التي اعتاد نجم على إلقائها في سهراته الخاصة، لكن اللافت قول المؤلف “ كان نجم يعتمد في معاركه الشرسة، التي يخوضها ضد خصومه على ألحان وقوة صوت وتأثير الشيخ إمام

مهنة التحليل

   من شعراء الشيخ إمام فؤاد قاعود، ونجيب شهاب الدين، ومحمد جاد الرب، وزين العابدين فؤاد، وسيد حجاب، كما غنى  لعبد الرحمن الأبنودي بعد خلافه مع أحمد فؤاد نجم وانفصاله عنه، وقد توقف المؤلف عند الشاعر فؤاد قاعود، الذي كان عامل تراحيل، ثم عامل طباعة، وكان أميا فعلم نفسه، وأخيرا تزوج زميلة المؤلف في كلية الطب سهام هندي.

   يحلل العمري قصيدتين لقاعود هما “الكمساري” و “العزيق” التي وجدها من أقوى ما لحنه الشيخ إمام، تقول بعض سطور قصيدة العزيق:

“وهبت عمري للأمل ولا جاشي

وغمرت غيطي بالعرق ما عطاشي

وراعيت لمحبوبي هواه ما رعاشي

…….

ياليل يا عين يا أرضي يا معزوقة

يا كاشفة من شوقك خطوط مشقوقة

لما حضنتك والبطون مرشوقة

غنيت وفي المغنى فرضي

للسمرا أرضي”

 ويعلق العمري محللا الأغنية والقصيدة “العزيق من حيث الكلمات، ملحمة في غرام الفلاح المصري بأرضه، كما أنها من الناحية اللحنية والموسيقية أغنية كلاسيكية تصلح اليوم للتدريس في معاهد الموسيقى، فليس هناك أي تكرار فيها للجمل الموسيقية، وإيقاعها يعلو تدريجيا، مع تدرج كلماتها وصولا إلى إعلان الثورة على الظلم”

   ويتوقف المؤلف عند شعر فؤاد نجم أهم الشعراء الذين غنى لهم الشيخ إمام، فيقول إن وصف نجم بأنه شاعر تلقائي يعد من الآراء التي أراها غير علمية، فهو يرى أن نجم بذكائه الحاد، كان اختار الإيحاء بأنه شاعر تلقائي، في حين أنه قدم قصائد فلسفية ، فيها صور موحية مركبة مثل قصيدة “هوشي منه” وقصيدة “الأرغول ” والحالة الوجودية المعذبة في “أتوب ازاي وأنا أيوب” فكلها نماذج تدل على ثقافة نجم، وعلى أنه لا يرتجل حسب الأحوال، بل يفكر ويدرس ، وينظم ويختار ألفاظه عن قصد. وهذه الأحكام لا تنافي ما دأب النقاد والدارسون على قوله عن شعر فؤاد نجم، الذي أصبح موضع دراسة وتحليل في الجامعات المصرية والأجنبية، وقد خصص صديقه الملياردير نجيب ساويرس جائزة باسمه تمنح كل عام لشعراء العامية المصرية.

   ويحلل المؤلف العلاقة بين الثنائي نجم إمام، فيراها علاقة بين توأم منسجم مع بعضه، فكريا وروحيا وفنيا، فقد كان كلاهما ينتمي إلى عالم واحد “إلى بسطاء الناس، ولا يستنكفان أن يعيشا حياة بسيطة متقشفة، يجدان أنها، على نحو ما، شديدة الثراء، بسبب ما يحوطهما به جماهيرهما من الطلاب والعناصر الثائرة التي اعتبرت ضمير الشعب”

 أما الشيخ إمام، الذي كان عازفا بارعا لآلة العود،  فقد عبر في ألحانه عن آلام الناس وآمالهم، لا عن عقيدة وأفكار مؤدلجة، بل عن حب للجماهير، ورغبة في التعبير بصدق وتدفق وجمال. ولم يترك أمير العمري الآراء الشاذة في شأن الشيخ إمام وموسيقاه إلا وناقشها، فرفض رأي الكاتب الصحفي الساخر محمود السعدني، وقد ناقش كلامه في الطبعة الأولى من الكتاب، ثم أورد نص مقاله في الطبعة الجديدة، حيث نشر محمود السعدني مقالا في مجلة المصور في ١٦ يونيو ١٩٩٥، بعد وفاة الشيخ بتسعة أيام، وأورد أيضا رد الشاعر نجيب شهاب الدين على السعدني.

موسيقى فريدة معترف بها

   أشيع أن الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، لم يرض عن موسيقى الشيخ إمام ولا طريقته في الغناء، وأمير العمري الذي يحفظ للشيخ إمام مكانته عبقريا في الموسيقى والغناء، لم يصدق أن يكون لعبد الوهاب رأي سلبي في الشيخ، وما أشاعه بعض المثقفين أن عبد الوهاب قال في استنكار ومَنْ الشيخ إمام؟ لم أسمع عنه!!

 يقول العمري، قضيت سنوات طويلة أرفض تصديق فكرة أن عبد الوهاب تنكر تماما للشيخ إمام، خصوصا أن عبد الوهاب كان من قلائل المشاهير الذين أفلتوا من سخرية وتعريض نجم في قصائده، ولم يتعرض له الشيخ إمام في أغانيه الساخرة، بل اكتشفت أن الشيخ إمام كان من المغرمين بعبد الوهاب. ويدافع المؤلف عن أغنية عبد الوهاب (محلاها عيشة الفلاح) التي أخرجها للناس عام ١٩٤٦م، وهو عام انتفاضة العمال والطلبة،  وقد هاجمه الكاتب صلاح عيسى متهما إياه بالبعد عن الناس، ويقول المؤلف ” أرى كلام صلاح عيسى حكما قاسيا من أحكام المراهقة اليسارية التي يتحدث عنها صلاح عيسى كثيرا”

   أما حكم عبد الوهاب على الشيخ إمام فقد جاء حكما منصفا لا تجاهلا واستنكارا، وقد أورد المؤلف مقاطع نقلها من تسجيل إذاعي منذ الستينيات، وفيه حوار بين عبد الحليم حافظ و الموسيقار محمد عبد الوهاب، كان عبد الحليم يسأل عن الشيخ إمام عيسى فأجاب عبد الوهاب: حين استمعت إلى الشيخ إمام كنت أركز على الألحان، فشعرت من الناحية اللحنية أن ألحانه متحمسة وأنه يحاول أن يعبر عن الكلام بما يليق به من اللحن، ثم استطرد في الكلام على الصوت فقال: شعرت بأنه صوت عريض، فيه تحمس ، خطوطه واضحة… واضح المعالم، جيد وفيه متسع، يعني مسافات كبيرة : عنده قرار ووسط وفوق”

  وفي عدد أغسطس ١٩٩٥م، من مجلة القاهرة، خصصت هيئة التحرير، أغلب صفحات العدد للشيخ إمام عيسى، فجمعوا مقالات ٢٢ كاتبا، منهم الفيلسوف، والموسيقي، والمفكر، والصحفي، والناقد الأدبي، والشاعر، وكان  الدكتور فؤاد زكريا  نشر مقالا في مجلة الفكر المعاصر(عدد يناير ١٩٦٩م) بعنوان ” حول ظاهرة الشيخ إمام”  فوصف هذه الظاهرة بأنها ذات طابع فريد، وقال عنه إنه استطاع بالفعل أن يهز مشاعري، وأضاف قائلا “ربما كان الصواب أن ننظر إليه بوصفه “فنانا” إذ إن ما يقدمه إلى الناس ليس موسيقى أو ألحانا فحسب، بل هو عمل متكامل تتضافر فيه جهود الشاعر المرهف والملحن الحساس، والمنشد المتحمس، في وحدة وثيقة وارتباط عضوي عميق” وهو حكم منصف، لا يخالف ما قاله الموسيقار عبد الوهاب،.

  وكتب الشاعر إبراهيم داوود عن جانب من حياة الشيخ فقال على لسانه: ” كنت أستمع وأنا في السابعة إلى عماتي وأمي وهن يغنين أثناء تنقية القمح، وفي مناسبات الحج والفرح… كان غناء شجيا يأخذني ويجعلني لا أتحرك.. وكان يصل الحال بهم إلى حد البكاء وهم يغنون.. ومن هؤلاء اكتشفت معنى الغناء، وأنني وهبت الموهبة الموسيقية” فمن الشعب جاءت موسيقى الشيخ، وبالشعب عاشت تلك الموسيقى.

 وهذا كله يصدق ويؤكد ما  توصل إليه المؤلف أمير العمري في كتابه هذا “الشيخ إمام في عصر الثورة والغضب” الذي سعدنا بصدور طبعة جديدة منه، بما يؤكد أصالة صوت الشيخ وأصالة ألحانه، ويؤكد أيضا أصالة تجربة المؤلف في رصد ظاهرة إمام – نجم، والتأريخ لها، مع التركيز على الشيخ إمام عيسى وألحانه وموسيقاه، من وجهة نظر واحد من مريدي الشيخ  ومحبي فنه العبقري.

 

مقالات من نفس القسم