مادي علي حدوث الوقائع من عدمها يكشف عن طرح جديد لهموم جيل جديد . جيل يعيش احداث اجتماعية وسياسية واقتصادية ظالمة متخبطة ويحاول الانعزال عن العالم وخلق اسطورته واستبدال العالم الخارجي بالهواجس الداخلية . وفق منتصر القفاش في اختيار عنوان روايته ” مسألة وقت ” ويمكن أن نعتبر العنوان مفتاح أول لدخول عالم النص ، فشخصية يحي ورنا وناهد ، يحي يعطي الدروس الخصوصة فقط لأنه يعاني من البطالة ولقتل الملل أي للتخلص من الوقت وينتقل للعمل مع ” عبد المجيد ” بشركة التسويق ايضا لحاجته ولا يتطلع لمستقبل فهو مجرد كائن موجود ومرهون للوقت . وبقراءة الرواية بشكل جيد نلاحظ أنها تعتمد علي تهميش القضايا الكبري رغم طرحها وحضورها بقوة ، أقصد أنها هي الفاعل الذي أثر علي الشخصيات وحولها من حتمية التفاعل والصراع من أجل البقاء إلي حالة سكون وانتظار ايضا . نلاحظ ايضا أن الاسطورة التي يحاول يحي فرضها اسطورة ضعيفة تصل إلي حد السذاجة وهذا يجعلنا نتأمل البناء الروائي ونشيد بقوة البناء لعدم وجود اختلاف بين الحدث وتطوره لان الرواية تعبر عن ناتج التخبط السياسي والاجتماعي والاقتصادي تعبر عن الناتج لا عن الاصل . فلم يعرض الروائي مشكلة الخصخصة بل اشار إلي خروج يحي إلي الشارع بعد عملية البيع والتصفية وفرد مساحة لعبد المجيد الرجل العسكري صاحب الشركة التي يعمل بها وهو نموذج مصغر للحكم العسكري الذي يحكم مؤسسات المجتمع المدني الخاصة والعامة ، ورغم التغيرات والقصص الصغيرة التي تولد مع دخول شخصية جديدة لدائرة الرواية الا أن الرواية تأخذ شكل دائرة ، يحي مركزها وتعتمد علي عادية الاحداث العامة واليومية وتكاد تخلو من لحظات التوتر العامة أقصد التوتر الذي يعبر عن الكوارث والأحداث الكبري وهي أحالة لتحويلها الي عادية متكررة ، عندما نقترب من النص اكثر نكتشف أن التوتر والتوهج موزع من مركز الدائرة ” يحي ” الشخصية المركزية صانعة الاحداث والمشتركة في خلق احداث فرعية موزعة علي محيط الدائرة وهي نتاج الصراع الداخلي ومحاولة خلق اسطورة تشغل الفراغ الداخلي وتعمل علي تهميش العالم الخارجي . حقا انها رواية جادة تعتمد علي التلميح والهمس لا تعتمد علي الصراخ والمباشرة . فهي رواية منظمة حافظت علي تفاعل اللغة مع المضمون فنجد الشخصيات القريبة من يحي ” الاب ” ” الاقارب ” ” والد رنا ” ” الاصدقاء ” ” الام ” متشابهون يتأثرون بالفعل في صمت ولا يملكون رد الفعل . هذه الكتابة موجودة وجادة وهي كتابة تحاول ابتكار حداثة تواكب حداثة وتطور المجتمع لا حداثة النظريات . تحاول الكشف عن قضايا الانسان المعاصر بشكل انساني فتضمن الاتصال والتواصل الانساني مع الاخر رغم تمسكها بخصوصيتها ، خصوصية المكان والشخصيات ولكن الفكرة تبحث عن الاخر المتماس مع النص بعيدا عن الرواية الفضائحية فالكتابة هنا متأملة راصدة تحاول كشف هذه المنطقة الغامضة من الروح والاحداث المتشابكة التي خلقت انسان جديد هدفه التخلص من الوقت هو موجود فقط ووجوده مرهون بالوقت لا فعل ولا رد فعل ، هي رواية عميقة تبحث عن لغة تواصل بين الاحداث والكتابة وتقدم العالم بشكله الطبيعي وتحاول اخفاء فلسفة النص لتتكشف عند القراءة الواعية منتصر القفاش بروايته مسألة وقت يثبت بأنه مازال قادرا علي الابتكار ومازال محتفظا بمكانته كواحد من رواد الحداثة العربية.