عنف الغوغاء في روما

مدينة تيمقاد في الجزائر
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد الغني محفوظ

في فبراير 56 ق م، وجه بوبليوس كلاوديوس، الزعيم الأرستقراطي للبروليتاريا الحضرية في روما، اتهامات لعدوه، تيتوس أنيوس ميلو، بالتحريض على الفتنة أمام الجمعية الشعبية.

(كان ميلو قد عارض بنجاح سيطرة كلاوديوس على الشوارع من خلال توظيف المصارعين وغيرهم). تعهد بومبي بالظهور نيابة عن ميلو في جلسة أولية. تحدث بومبي وفقا لما كتبه شيشرون أو كان يعتزم الحديث، عندما أثارت جماعة ضجة، وطوال الوقت قاطعت حديثه ليس فقط بالصراخ ولكن بالإهانات والشتائم المقذعة.

كان هذا مشهدا هادئا نسبيا في الخمسينيات. في 58 ق م، عندما كان كلاوديوس يقود شيشرون إلى المنفى المؤقت، قُتل أحد أعضاء مجلس الشيوخ في قتال في الشوارع. في اليوم التالي لمغادرة شيشرون لروما، قبل أن تتم إدانته بالقانون، تم نهب منزله في بالانتين وإحراقه، وسار الغوغاء للتعامل مع فيلته في توسكولان بنفس الطريقة.

في وقت لاحق من ذلك العام، ظل بومبي في منزله خوفا على حياته. في 57 ق م قوبلت جهود ميلو وسيستيوس لإعادة شيشرون بالعنف. ترك سيستيوس ميتا في الشارع. جلب كلاوديوس المصارعين إلى مجلس الشيوخ. صد ميلو وسيستيوس القوة بالقوة، حتى وصل أخيرا طبقة النبلاء والبرجوازية في عموم إيطاليا للتصويت لصالح عودة شيشرون. في نوفمبر، طردت عصابة مسلحة العمال الذين كانوا يعيدون بناء منزله، وهدمت رواقا مجاورا وأضرمت النار في قصر شقيقه بالمدينة والمدينة كلها تنظر.

بعد أسبوع، كان شيشرون يمضي في ساكرا فيا، الشارع الرئيس في وسط المدينة والذي يمتد من الكولوسيوم إلى مبنى الكابيتول وكانت تصطف على جانبيه منازل كبيرة ومتاجر فاخرة، عندما هاجمته جماعة كلاوديوس. كانت هناك صيحات وحجارة وهراوات وسيوف وكل ذلك دون سابق إنذار. تم إنقاذ شيشرون على يد مرافقيه. في اليوم التالي حاول كلاوديوس اقتحام منزل ميلو في حي سكني أنيق.  في منتصف الصباح، جلب رجالا يحملون دروعا وسيوفا مسلولة وآخرين يحملون المشاعل. تم تنفيذ هجوم مضاد ناجح وهرب كلاوديوس لإنقاذ حياته.

وصل هذا العنف إلى ذروته في أوائل عام 52 ق م عندما نجح ميلو أخيرا في اغتيال كلاوديوس خارج روما وأحضرت مجموعة مسعورة الجثة إلى مجلس الشيوخ، وهدمت المحكمة والمقاعد، واستولت على أوراق الكاتب وأحرقت كل شيء، مجلس الشيوخ نفسه وبازيليكا بورسيا، في محرقة جنائزية كبيرة. تكرر مشهد مشابه إلى حد ما في 44 ق م عندما تم حرق جثة قيصر، ومزق الغوغاء الشاعر هيلفيوس سينا، اعتقادا منهم انه تعاطف علنا مع قتلة قيصر. لم يكن العنف بحد ذاته شيئًا غير مسبوق في روما؛ منذ ما يقرب من قرن من الزمان كان يتزايد بشكل متكرر.

كان الجهاز الحاكم الحقيقي للجمهورية الرومانية هو مجلس الشيوخ، الذي كان يتصرف من خلال قضاة سنويين ينتخبهم الشعب ولكنهم ينتمون إلى صفوفه. سيطر على مجلس الشيوخ عدد قليل من العائلات النبيلة التي استقرت سلطتها على ثرواتها وعدد من يعولونهم، وعلى المكانة التي اكتسبوها من خدماتهم السابقة للدولة. ونادرا ما توقف المرشحون للمناصب عند البرامج، ولم تكن الأحزاب المنظمة موجودة. كان الرجال يُعادون إلى مناصبهم من حين لآخر لمزايا شخصية (يمكن للموهبة أن تحمل الغرباء مثل شيشرون إلى أعلى المواقع)، وفي كثير من الأحيان بسبب كرمهم ورشاويهم الباذخة، وبشكل عام بسبب أسرهم وعلاقاتهم. عادة ما يمضي المولد والثروة معا. يصف شيشرون لوسيوس دوميتيوس أهينوباربوس بأنه رجل مهيأ لمنصب القنصل منذ ولادته. في عام 49 ق م، كان بإمكانه أن يعرض مزارعا تبلغ مساحة كل منها ثلاثين فدانا على آلاف الجنود. كان لدى هؤلاء النبلاء العديد من المعالين أو العملاء كان من المتوقع منهم دعمهم اقتصاديا. لقد استخدموا قوتهم لزيادة ثرائهم من أرباح الحرب والإمبراطورية، ولمعارضة كل إجراء لإعفاء الفقراء أو توفير الحبوب الرخيصة أو توزيع الأراضي أو الإعفاء من الديون. هنا حصلوا على دعم الطبقة العليا بشكل عام، التي أعلن شيشرون المتحدث باسمها أن الواجب الأساسي للحكومة هو ضمان “أن يحتفظ كل رجل بما يملك”. ويمكن رفض الهبات العامة، التي لا تنتهك حقوق الملكية، على أساس أنها أكثر مما يمكن أن تتحمله الخزانة، وهي الخزانة التي كان أعضاء مجلس الشيوخ يحصلون منها علاوات كبيرة لأنفسهم.

شيشرون
شيشرون

من الناحية النظرية، كان الناس في روما يمتلكون قوة عظمى. لقد انتخبوا القضاة وأعلنوا الحرب وصدقوا على المعاهدات وأصدروا القوانين، وحتى وقت إنشاء المحاكم الدائمة في أواخر القرن الثاني، كانوا يقررون أهم القضايا الجنائية، وحتى نهاية الجمهورية نظروا في بعض الاتهامات السياسية. منذ أواخر القرن الثاني صوتوا بالاقتراع. وقلص هذا السيطرة الأرستقراطية.

كان هناك أكثر من جمعية شعبية. من بين هؤلاء، تم تنظيم الجمعية المئوية comitia centuriate مع جعل القوة السياسية للأكثر ثراء. تم اتخاذ القرارات بأغلبية ليس من الأفراد، ولكن بأغلبية وحدات التصويت التي تسمى مئويات.  يمكن للأثرياء، إذا كانوا يفكرون بنفس الطريقة، أن يقرروا القضايا، أما المواطنون الذين لا يملكون أي ممتلكات على الإطلاق، والذين قيل إنهم قد تجاوزوا كل البقية في ايام أغسطس، فقد شكلوا مئوية واحدة فقط، والتي قد لا يكون لها تأثير. الجمعية كانت لها أهميتها الكبيرة، لأنها تنتخب رؤساء القضاة وهم رجال شغلوا المناصب العليا وسيطروا على مجلس الشيوخ نفسه.

كانت روما، حتى بالمعايير الحديثة، مدينة مكتظة بالسكان، ولم تكن فيها حامية ولا شرطة للسيطرة على الجمهور.

لا توجد شهادة مباشرة عن الحجم الإجمالي للسكان. لكن عدد المستفيدين من إعانة الحبوب المجانية ارتفع إلى 320 ألف في الأربعينيات قبل الميلاد. كان الذكور البالغون فقط هم المؤهلين عادةً للحصول عليها، وبالتالي يتعين علينا تقدير عدد النساء والأطفال في هذه الفئة. كان متلقو الحبوب أحرارا جزئيا، وعبيدا تحرروا جزئيا.

الفقراء لم يتمكنوا من تربية الأطفال

يشير المؤرخ الروماني أبيان إلى أن الفقراء لم يتمكنوا من تربية الأطفال في عام 133م. لم يحظر القانون الإجهاض والتخلص من الأطفال، ويجب أن يكون العديد من الآباء قد تخلصوا من أطفالهم، وبعضهم قد يتم تربيتهم على أنهم عبيد من قبل من يعثرون عليهم أحياء. ولا شك أن قتل الفتيات كان شائعا حتى في طبقة مجلس الشيوخ، التي فاق عدد الرجال فيها عدد النساء في عهد أغسطس. إذا افترضنا أنه كان لا يزال أكثر انتشارا بين الفقراء، فإن معدل المواليد قد انخفض أيضا بسبب ندرة النساء في سن الإنجاب. غير أن هناك بعض الأسباب للاعتقاد بأن العوام الحضريين كانوا يتألفون في الغالب من الأشخاص المحررين، وخاصة بعد أن جعل كلاوديوس توزيعات الحبوب مجانية في 58 قبل الميلاد، كان ملاك العبيد مستعدين لإعتاق العبيد، الذين لا يزال من الممكن أن يطلب منهم العمل لديهم، مع الحصول على حصص غذائية من الدولة.

في أوائل عهد الزعامة، كان لدى الحكومة ما لا يقل عن 12 ألف جندي في روما، ناهيك عن سبع وحدات تبلغ نحو 700 جندي، كرسوا للتعامل مع الحرائق، ولكنها كانت مفارز عسكرية ويمكن استخدامها أيضا كشرطة. ومع ذلك، كان من الصعب الحفاظ على النظام. في عام 39 قبل الميلاد، على الرغم من وجود القوات في متناول اليد، كاد أوكتافيان (أغسطس فيما بعد) أن يُعدم على يد الغوغاء، لولا تدخل القوات لإنقاذه ولم ينقذ الامبراطور كلاوديوس لاحقا سوى الجنود من حشد جائع. الشوارع الضيقة والمتعرجة والمباني العالية لم تساعد في قمع أعمال الشغب. في عام 238 بعد الميلاد، حاصر السكان، المسلحين من قبل مجلس الشيوخ، الحرس الامبراطوري في معسكره. وعندما خرج الجنود وطاردوهم في الشوارع، صعد الناس إلى المنازل وضايقوا الجنود برميهم بالبلاط والحجارة والأواني من جميع الأنواع، ولم يجرؤ الجنود على الصعود وراءهم وهم لا يعرفون طريقهم نحو البيوت. ولكن بما أن أبواب المنازل والورش كانت مغلقة، فقد أشعلوا النار في العديد من الشرفات الخشبية، ولأن المساكن كانت متقاربة، وكانت أجزاء كبيرة من المباني خشبية، فسرعان ما دمرت النيران جزءا كبيرا جدا من المدينة.

حدث شيء مماثل تقريبا في عام 88 قبل الميلاد، عندما زحف سولا إلى المدينة. لا شك في أن هذه الأخطار هي التي جعلت الأباطرة مستعدين لإنفاق مبالغ كبيرة على “الخبز والسيرك”. في مدن أخرى لم يكن لديهم مثل هذا الدافع لرعاية الفقراء ولم يفعلوا ذلك.

لم يكن لدى الحكومة الأرستقراطية للجمهورية شرطة متوفرة. لم يكن لدى المسؤولين الإداريين سوى عدد قليل من القوات. كما لم يتم العثور على القوات عادة في المدينة، على الرغم من أن القنصل كان لديه في عام 121 وتحت تصرفه رماة كريت الذين استخدمهم في قمع أتباع آل جراكسي. كيف يمكن للنبلاء أن يسيطروا على الغوغاء، عندما يحتدم غضبهم ضد الحكومة؟.

الغوغاء غير مسلحين

كان الغوغاء عموما غير مسلحين ويعتمدون على العصي والحجارة. كان حمل السلاح جريمة عقوبتها الإعدام، وعلى أي حال، لم يمتلك الفقراء شيئا ما عدا السكاكين. علاوة على ذلك، حيث كان يتم تجنبد الجحافل من الريف، وليس من المدينة، لم يتم تدريب فقراء الحضر على استخدام السلاح.

كان للأثرياء عتادهم الخاص، بما في ذلك الدروع الواقية للبدن، وشهدوا في الغالب الخدمة العسكرية، ويمكن لمجلس الشيوخ أن يأذن بتسليح أتباعه. في بعض الأحيان، وزع القادة الشعبيون الأسلحة بشكل غير قانوني على الغوغاء، ولكن حتى مع ذلك، ربما كان أتباعهم غير متساوين مع خصومهم. على الرغم من تسليحهم، إلا أن أنصار جايوس جراكوس في 121 أظهروا مقاومة ضعيفة. غالبا ما مكن العديد من عملاء الأسر الكبيرة في المدينة نفسها الطبقة الحاكمة من اتخاذ موقف ضد الغوغاء، أو الرد بالمثل أو حتى الشروع في العنف.

أسباب سخط الغوغاء

وكان من أبرز أسباب اضطراب سكان المدينة هو البؤس والقذارة التي عاشوا فيها، ما جعلهم بطبيعة الحال يستجيبون للسياسيين الذين وعدوا بتحسين ظروفهم وأثاروا العداء (ولو بشكل متقطع) للطبقات العليا الذين أظهروا القليل من الاهتمام بمصالحهم.

بسبب نقص وسائل النقل الحديثة، حشر الناس في منطقة بناء صغيرة، بكثافة عالية للغاية. كانت الشوارع متعرجة وضيقة، حتى أن الشوارع الرئيسة كانت أقل من عشرين قدما.

بينما كان للأثرياء قصورهم الفخمة على هضبة البالاتين أو في حدائق واسعة في الضواحي، كان معظم السكان محصورين في شقق صغيرة في مساكن، والتي كان لابد من بنائها على ارتفاع. فرض أغسطس حدا من الارتفاع يبلغ سبعين قدما (ما يوحي بأن هذا قد تم تجاوزه)، وأعلن تراجان أنه خطير، وخفضه إلى ستين قدما. تعرضت الأجزاء السفلية من المدينة لفيضانات دورية، وكان الانهيار والحريق في المباني من الحوادث الشائعة، ويقال إنه في عهد الزعامة لم يمر يوم دون حريق خطير، ومع ذلك كان هناك 7000 من رجال الإطفاء لإخمادها. في الجمهورية كانت فقط قوة صغيرة من عبيد الملكية العامة.

فساد الانشاءات في روما

كان لدى كراسوس مجموعة مكونة من خمسمائة عامل بناء، واشترى منازل نشب فيها الحريق أو مجاورة للحريق بأسعار زهيدة بهدف إعادة البناء على المواقع. تفاقمت هذه الأخطار بسبب أساليب البناء السيئة. لم يستطيع المالكون أو لم يريدوا تحمل تكاليف توظيف معماريين ماهرين أو مواد مناسبة. تصدع الحجر الجيري المحلي في الحرائق، لكن جلب الحجر الأفضل حتى على بعد خمسين ميلا عن طريق البر كان مكلفًا للغاية. قد تخفي الواجهة الحجرية الرفيعة حشوا من الركام الناعم. للحفاظ على المساحة، يجب ألا تزيد سماكة الجدران المشتركة عن قدم ونصف. بالنظر إلى هذا الحد، كان الطوب المحروق فقط قويا بدرجة كافية للمباني العالية، ومع ذلك غالبا ما كان يتم استخدام الطوب المجفف بالشمس. في عام 44 أبلغ شيشرون أتيكوس أن اثنين من مساكنه قد سقطا، وأن الشقوق ظهرت في مبان أخرى، ما أدى الى هرب المستأجرين والفئران.

كانت منازل الفقراء أيضا سيئة الإضاءة وسيئة التهوية وغير مُجهزة، وكانت مرافق الطهي غير كافية، وكان لابد من جلب المياه من النوافير العامة، ولا يمكن أن يكون الإمداد وفيرا حتى تم إصلاح القنوات القديمة وبناء قنوات مائية جديدة في ظل أغسطس. علاوة على ذلك، لم تكن المساكن مرتبطة بالمجاري العمومية. قد نفترض إلى حد ما أن معظم سكان روما عاشوا في أحياء فقيرة مروعة. لقد قدم لهم المأوى، ولكن أكثر من ذلك بقليل. أما بالنسبة للأثاث، فتحدث شيشرون عن الفقير على أنه ليس لديه أكثر من كرسي وسرير حيث يعيش ويعمل وينام.

من هذه المساكن، كان الرجال مثل شيشرون يجنون دخلا جيدا كملاك. كانت ممتلكات شيشرون في أفنتين وفي أرجيليتوم، وهما على الأرجح منطقتان من الطبقة الدنيا، في عام 44 ق م تجلب له ثروة طائلة تكفي لدفع راتب 160 جنديا لمدة عام كامل بمعدلات الأجور التي كانت سائدة في ذلك الوقت. لقد خصص الإيجارات لابنه الذي كان يدرس في أثينا، وكان حريصا على أن يدفع المستأجرون في الحال ودون إبطاء. ربما لم يكن ضمان الدفع سهلاً. وربما كانت العائدات على الممتلكات المنزلية عالية على وجه التحديد لأن المخاطر كانت كبيرة.

في الأربعينيات قبل الميلاد كان هناك جدل مطول بشأن الإيجارات الحضرية. في 48 اقترح المسؤول ماركوس كايليوس، إعفاء من الايجار لمدة عام، ما أدى بالقنصل إلى طرده من المدينة، ولكن فقط بعد إراقة الدماء. ومنح يوليوس قيصر ذلك الإعفاء في نفس العام، وربما تم تمديده في عام 47، بعد مزيد من الاضطرابات، عندما تم وضع الحواجز واستدعاء الجنود ومقتل 800 من مثيري الشغب. طبق الإعفاء على الإيجارات الي تبلغ 2000 سيسترتيوس في روما، و500 في أماكن أخرى، في إشارة إلى أن تكلفة المعيشة في روما كانت مرتفعة بشكل استثنائي. قبل ذلك بجيل، ذكر شيشرون أن أجر العامل غير الماهر اليومي يبلغ ثلاثة سيسترسات، ومن الواضح أنه لم يكن بإمكانه دفع 2000 مقابل إيجار عام.

لا يمكننا أن نقول ما إذا كانت الأجور قد ارتفعت خلال تلك الفترة، أو ما إذا كان الهدف من الإعفاء هو إفادة الناس على مستوى أعلى إلى حد ما، مثل أصحاب المتاجر.)

كان تعليق شيشرون على الإعفاء: “لا عدالة في إلغاء أو تعليق الإيجارات. هل أشتري أنا وأبني وأصلح وأنفق، وأنت تجني الفائدة رغما عني؟. ألا يعني هذا أن ينتزع ملكية البعض وأن يعطي للآخرين ما لا يخصهم؟”.

خلق إمداد هؤلاء السكان طلبا كبيرا على تجار الجملة والتجزئة، وعمال الموانيء، وسائقي عربات النقل وهلم جرا. لذلك كان لابد من توظيف أعداد كبيرة جدا في تجارة البناء: تم الآن إنشاء المزيد من المباني العامة الراقية. كان الأغنياء يبنون باستمرار منازل أكثر فخامة وفيلات بالقرب من روما، وتطلب ازدياد عدد السكان في حد ذاته المزيد من المساكن والمحلات التجارية، وهو الطلب الذي زاد مع تواتر الحرائق والانهيارات. في عام 1586، كان هناك ما يصل إلى ستة آلاف عامل يعملون في المباني العامة في روما، من بينهم 800 مع 150 حصانا كان عليهم نقل المسلة إلى ساحة القديس بطرس. في ذلك الوقت، يبدو أن إجمالي عدد السكان كان أقل من 100 ألف. في عام 1791، كان ثلث جميع العاملين بأجر في باريس مشغولين في صناعة البناء. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك حرفيون وأصحاب متاجر من جميع الأنواع، ولابد أن العديد منهم قد باعوا سلعا صنعوها بأنفسهم، ربما لتلبية طلبيات من العملاء. من الغريب أنه لا يرد ذكر للمتسولين على الإطلاق، ربما لأن الرومان (على عكس اليهود والمسيحيين من بعدهم) لم يعترفوا بأي التزام خاص بإغاثة الفقراء على هذا النحو. كانت مسألة أخرى أن تدعم البيوت الكبيرة المعالين العاطلين، الذين يمكنهم استخدام أصواتهم وأذرعهم القوية. لقد منحوا لهم مزايا وفقًا لمبدأ الأخلاق الروماني المعتاد: do ut des اي “شيء مقابل شيء”.

بداية النقابات والجمعيات

وفقًا للتقاليد، نظم الملك نوما (715-672 ق م) الحرفيين في جمعيات أو مؤسسات من عازفي الفلوت وصاغة الذهب والنجارين وعمال صباغة وصانعي الأحذية والنحاس والخزف. ولا شك أنه في تلك الفترة كان هناك العديد من عمال الحديد، وخاصة لصنع الأسلحة للجيوش التي كانت تجهز بانتظام خارج المدينة. القائمة أيضا لا تشمل الخبازين. وفقا لبليني لم يكن هناك جمعية للخبازين حتى منتصف القرن الثاني، اعتادت النساء على الطحن والخبز في المنزل، من المفترض أنهم توقفوا عن القيام بذلك، عندما كان الكثير من الفقراء يسكنون في منازل بدون أفران مناسبة. مع مرور الوقت ظهرت العديد من المؤسسات إلى حيز الوجود. كان للصيادين الذين يصطادون في نهر التيبر مهرجان قديم. يذكر بلوتوس عرضيا عشرات المهن الأخرى. أوصى كاتو في القرن الثاني بشراء العباءات وقطع قماش والأحذية الخشبية من روما (على الرغم من أن بعض هذه الأشياء كان تصنع في ضياعه) وكذلك الجرار والأوعية والمحاريث والأقفال والمفاتيح وأجود السلال.

الإيطاليون الأحرار، وبعضهم من الفلاحين النازحين، لم يكن لديهم بعد ذلك أي وسيلة للتوظيف باستثناء العمل العرضي غير الماهر. يمكنهم الخروج إلى الريف من أجل الحصاد، وقطف الزيتون. وهذا موثَّق جيداً ويمكن تفسيره. فضل مالك الأرض الروماني الاعتماد على قوة عاملة دائمة من العبيد، ولكن كما أوضح كاتو، لم يرغب في إطعام أفواه عاطلة.

يتحدث سالوست وآخرون عن انجراف سكان الريف إلى روما، ويتحدث عن شباب كانوا بالكاد يكسبون رزقهم من خلال العمل في الحقول، وقد اجتذبهم السخاء الخاص والعام إلى المدينة، ويمكن أن يحث شيشرون عوام المدن الذين حققوا بعض النجاح في عام 63، على عدم التخلي عن مزايا الحياة هناك، – فأصواتهم (التي يمكن بيعها بالطبع)، والألعاب والمهرجانات وما إلى ذلك،  – من أجل مخصصات الأرض في الأماكن القاحلة أو الموبوءة بالملاريا. ربما يكون ما يقوله سالوست عن السخاء الخاص مهما حيث يمكن للمنازل الكبيرة أن تتحمل الإنفاق على العملاء، وقد يتم إعطاؤهم مساكن مجانية.

شراء الشعبية بحبول والزيت

في بعض الأحيان، يوزع المسؤولون الإداريون الحبوب لتعزيز شعبيتهم أو الزيت بأسعار منخفضة، مع تحمل التكلفة بأنفسهم. فوق كل ذلك كانت هناك إعانات الذرة العامة المجانية التي أنشأها القادة الشعبيون بشكل عام، ربما جزئيا لتقليل اعتماد العوام على الرعاة النبلاء. غير أن توزيعها لم يصبح مجانيا حتى 58 ق م، وسرعان ما تم تقليص حرية التوزيعات الرخيصة التي تم توفيرها بموجب قانون جايوس جراكوس في 123 ق م ولم تتم استعادتها حتى 100 ق م، وكانت التوزيعات معلقة من 80 إلى 73 ق م واقتصرت على حوالي 40 ألف مستلم فقط من 73 إلى 62 ق م. “علاوة على ذلك، لم يكن بإمكان الرجال العيش على الخبز والألعاب وحدها. كانت هناك أطعمة أخرى وملابس يتعين دفع ثمنها وإيجار. كان على أغسطس تقديم طريقة أسرع لتوزيع الحبوب المجانية التي لا تبعد المستلمين عن عملهم كثيرا كما كان في الماضي.

اعادة توزيع الاراضي

في 133 ق م اقترح تيبيريوس جراكوس إعادة توزيع الأراضي العامة التي يسيطر عليها الأغنياء بين الفقراء. اعترض زميله أوكتافيوس. سعى جراكوس إلى خلعه عن طريق التصويت، وهو عمل غير مسبوق ألغى أهم الضوابط الدستورية. تم تنفيذ مشروعه. لم يتم استخدام العنف الفعلي، ولكن قد يفسر الموقف المهدد للفلاحين الذين احتشدوا لتأييد جراكوس سبب عدم تجرؤ أوكتافيوس على الاعتراض على التصويت على عزله. في وقت لاحق من العام، إتهم أعضاء مجلس الشيوخ جراكوس بالتطلع إلى الاستبداد وقاموا بإعدامه في الأماكن العامة. جاء أول عمل علني للعنف السياسي غير القانوني من طبقة النبلاء. في 123-2، قام جايوس جراكوس بالعديد من الإجراءات المناهضة لمجلس الشيوخ. (في 123، لم يكن لدى مسؤول آخر الإرادة أو الشجاعة لمعارضته، حيث كان يحظى بدعم كل من العوام في المناطق الحضرية والريفية والفرسان، الرجال الأغنياء خارج مجلس الشيوخ، الذين منحهم مزايا مهمة. لم يكن بحاجة إلى استخدام القوة). لكنه خسر في النهاية شعبيته ومنصبه، وبصفته شخصا عاديا في 121 سلح أتباعه لعرقلة إلغاء أحد قوانينه. ذبح هو وهم على يد قوات مجلس الشيوخ بشكل قانوني تماما.

في عامي 103 و100 قبل الميلاد، لم يتورع التربيون ساتورنينوس، الذي اقترح أيضا توزيع الأراضي وأعاد إحياء إعانة الحبوب على مقياس جراكوس، عن اغتيال المعارضين والمنافسين، وتعرض هو أيضا للقمع على يد مجلس الشيوخ. في 88 ق م قام التربيون سولبيسيوس، الذي عزز مصالح الإيطاليين الذين تم منحهم حق التصويت مؤخرا، وكذلك العبيد المحررين الذين اقترح إعادة توزيعهم بين جميع القبائل، بطرد خصومه من الساحة بالقوة. ناشد سولا الذي كان يشغل منصب القنصل جيشه فسار إلى روما أجبر سولبيسيوس هو وأصدقاءه على الفرار حيث قتل بعدها في لافينوم على بعد 19 ميلا جنوبي روما. كانت هذه هي المناسبة الأولى التي تم فيها توظيف الجيش لإلغاء القرارات المتخذة في روما. ومرة أخرى، كان نبيلا ومحافظا هو الذي اتخذ الخطوة القاتلة. أعاد خليفة سولا، سينا، إحياء مقترحات سولبيسيوس.

كانت الشوارع تجري فيها الدماء في صراع بينه وبين زميله أوكتافيوس. بعد هزيمته في المدينة، قلد سينا سولا في مناشدة الجيش ليحقق نجاحا مماثلا. حرب أهلية كبيرة هي التي أنهت هذه المرحلة من الثورة ومكنت سولا من استعادة وتوطيد سيطرة مجلس الشيوخ على الدولة.

ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت البروليتاريا الحضرية، على الرغم من أنها مدينة بالحبوب الرخيصة لقادة شعبيين، قد لعبت دورا قويا ضد مجلس الشيوخ، الذي قيل إنه حظي في 100 و87 ق م بتأييد سكان المدينة. اعتمد جراكوس وساتورنينوس بشكل رئيس على الفقراء الريفيبن

أما سينا وربما سولبيسوس فقد اعتمدا على المواطنين الإيطاليين الجدد. غير أن سولا حد بشدة من سلطات التربيونات وقضى على إعانة الذرة. وقد أصاب هذا الإجراء الأخير فقراء الحضر بشكل مباشر، كما حرمهم الإجراء الأول من الأمل في الحصول على الإنصاف في مظالمهم. في السبعينيات، بدأ انتشار القرصنة يؤثر على إمدادات الذرة. في 75 كان سعر الحبوب قاسيا، وهاجم الغوغاء القناصل الذين كانوا يمضون في الطريق المقدس (أكبر شوارع روما) وأجبروهم على الهرب. لا يبدو أن أعمال الشغب هذه قد حرض عليها الديماجوجيون. أعاد مجلس الشيوخ نفسه فرض حصص الذرة في 73، ولكن على نطاق محدود بشكل بائس. أعاد بومبي في 70 صلاحيات التربيونات، ربما تصور أن تشريعات التربيونات يمكن أن تكون مفيدة له (كما ثبت)، ورغباته لا يمكن رفضها، حيث كان لديه جيش كبير ومخلص خارج المدينة. بعد ثلاث سنوات، ساعد التربيون جابينيوس في تكليف بومبي بقيادة عظيمة للقضاء على القرصنة. عارض أعضاء مجلس الشيوخ كلهم تقريبا مشروع القانون، فاقتحم الغوغاء مجلس الشيوخ وأجبروهم على الفرار. التربيونات الذين حاولوا استخدام حق النقض روعهم تهديد الاستبداد. لم يكن الناس ليتسامحوا مع أي معارضة لإجراء قد ينهي الندرة. أدى مجرد تعيين بومبي في الواقع إلى انخفاض فوري ومفاجئ في أسعار الحبوب، وفي غضون أسابيع قليلة قام بتطهير البحار من القراصنة. كانت هيبته من هذا القبيل بحيث لا يمكن حرمانه من قيادة عظيمة أخرى في الشرق. وكان من الممكن توقع أنه عند عودته بجيش كبير، من المحتمل أن يصبح سيد الدولة. وهذا هو السبب في أن مجلس الشيوخ قاوم الاقتراح في عام 67 ق م بمنحه سلطات استثنائية.

سنوات مليئة بالعنف

كانت السنوات من 67 إلى 62 ق م (عندما عاد بومبي) مليئة بالعنف والتهديدات بالعنف. في 63 ق م حمل كاتيلين السلاح ضد الحكومة مع عصابة من الفلاحين الساخطين. كان عوام الحضر يفضلونه في البداية، ربما لأن اقتراحه بإلغاء الديون كان سيعفيهم من بعض مدفوعات الإيجارات المتأخرة. كسبهم شيشرون إلى جانب الحكومة بزعم أن أصدقاء كاتيلين في المدينة كانوا يعتزمون إحراقها وحرمانهم من مأواهم البائس وممتلكاتهم الشخصية القليلة. لكن إعدامه دون محاكمة لشركاء كاتيلين انتهك المبدأ الذي يعتمد عليه أكثر الرومانيين تواضعا من أجل حماية شخصه. جلب شيشرون على نفسه الكراهية الدائمة للجماهير. عندما نفاه كلاوديوس في عام 58 ق م، أقام ضريحا للحرية في موقع منزل شيشرون في المدينة، لقد دافع عن حرية المواطنين ضد سوء المعاملة التعسفية من قبل القضاة.

في وقت مبكر من عام 62 ق م، وسع ماركوس كاتو نطاق توزيع الحبوب الرخيصة بشكل كبير. لقد كان أقوى نصير لسلطة مجلس الشيوخ. يبدو من المفارقة أنه يجب أن يكون صاحب هذا الإجراء. لكن الجماهير الحضرية كانت متقلبة، وكان من الضروري تهدئة استيائهم، عندما كان كاتيلين لا يزال مسلحا وكان هناك اقتراح لإعادة بومبي للتعامل مع الأزمة.

ثبت أن المخاوف التي اثيرت بشأن بومبي غير مبررة. لدى عودته حل جيشه. لكنه احتاج إلى أن يكافيء قدامى المحاربين بمخصصات من الأراضي. دفعته عرقلة مجلس الشيوخ لمشروعه إلى التحالف مع قيصر، الذي وقف دائما إلى جانب الأهداف الشعبية، وبصفته القنصل في 59، طبق قيصر القوانين الزراعية بمساعدة الأذرع القوية لمحاربي بومبي القدامى. في المقابل، نال القيادة في بلاد الغال. للتحقق من رد فعل مجلس الشيوخ، بمجرد مغادرة قيصر لمقاطعته، روج بومبي وقيصر لانتخاب بوبليوس كلاوديوس لمنصب التربيون، وكان كلاوديوس هو الذي جعل توزيعات الحبوب مجانية. كان هذا هو المصدر الرئيس للشهرة الهائلة التي تمتع بها مع العوام طيلة حياته. هناك إجراء آخر، يجب أخذه في الاعتبار حاليا، وهو أنه، على عكس الديماجوجيين السابقين، يظل قوياً في المدينة حتى عندما يكون خارج المنصب.

قال شيشرون أيضا أكثر من مرة إن ممتلكات وثروات الأغنياء عرضة للخطر من قبل عصابات كلاوديوس، ولا يمكن الشك في وجود الكراهية الطبقية في روما. من الجدير بالملاحظة أنه في عام 52 ق م، قتل الغوغاء أي شخص قابلوه وهو يضع في يديه خواتم ذهبية أو يرتدي ملابس فاخرة. لكن لم يشعر جميع الفقراء هناك بذلك حيث يعتمد عدد كبير منهم على الطبقات العليا.

اعتقد سالوست أن العوام كانوا في وضع غير موات ضد النبلاء من حيث أنهم كانوا أقل تنظيما. لم يكن بإمكانهم فعل أي شيء سوى بقيادة من داخل الطبقة الحاكمة. كان العوام أيضا متقلبين بشكل سيء، ويمكن إقناعهم بالتخلي عن قادتهم من خلال ديماجوجية المتحدثين باسم مجلس الشيوخ، كما حدث في عام 122 و33 ق م. ولم يسع أي زعيم شعبي قبل كلاوديوس إلى تنظيم مؤيديه بطريقة تجعلهم يدعمونه بشكل فعال بعد الفترة القصيرة التي شغل فيها المنصب.

تكوين الجمعيات

من الواضح أن الجداول الاثني عشر، القانون الروماني القديم، سمحت بحرية تكوين الجمعيات، إذا لم يكن ذلك يتعارض مع القانون العام.

يكتب شيشرون عن أتباع كلاوديوس مثلما كتب معاصرو الطبقات الأفضل عن الغوغاء الذين قاموا بأعمال شغب في باريس في 1789-95 أو 1848، أو في المدن الإنجليزية في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. كانوا كما قيل لصوصا ويائسين وصعاليك ومدانين وما شابه. تحدث شيشرون ذات مرة عن “الحرفيين وأصحاب المتاجر وجميع الحثالة في المدن الذين يسهل إثارة حماسهم”. يصف اتباع كلاوديوس بأنهم معدمون، لكن محنتهم لم تثر رأفته. لقد اعترف أن العوام كانوا “بائسين ونصف جائعين”، لكنه أضاف على الفور أنهم “مصاصو دماء الخزانة”.  كانت مثل هذه المواقف من جانب الطبقة الحاكمة هي التي أعطت كلاوديوس فرصته.

في إبريل 56 ق م، كانت هناك مناقشات متجددة حول ارتفاع أسعار الحبوب، وتم التصويت لبومبي على المزيد من المال. في أغسطس شجب شيشرون ارتفاع التكاليف وعقم الحقول وضعف الحصاد. كانت الندرة المستمرة هي الخلفية لاستمرار العنف.

لقد أظهر جورج رودي أنه في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كانت أعمال الشغب في فرنسا وإنجلترا غالبا (ليس دائما) مدفوعة أو مرتبطة بالندرة، مهما كانت أهدافها المعلنة. في أكتوبر 1789، عندما ذهبت حشود باريس لإحضار العائلة المالكة من فرساي، قالوا إنهم سيحضرون “الخباز وزوجة الخباز وصبي الخباز الصغير”. لقد ظنوا أنه سيكون لديهم وفرة والملك بينهم. إذا كانت لدينا بيانات عن تقلب أسعار الحبوب في روما، فمن الممكن أن نرسم علاقتها باندلاع عنف الغوغاء. لكن يجب أن يظل هذا مجرد تكهنات.

عدم ولاء الجنود للجمهورية

إذا نظرنا إلى ما وراء طموحات ومكائد الشخصيات الكبيرة في أواخر الجمهورية، فإن السبب الرئيس لسقوطها يجب أن يكون في السخط الزراعي، كان الجنود الذين جاءوا من أصول قروية، وكان عدم ولائهم للجمهورية قاتلا. كان حكم الغوغاء في المناطق الحضرية أكثر تقييدا. ومع ذلك، كان صراخهم هو الذي أعطى بومبي قيادته غير العادية في عام 67 ق م وأطلق الأحداث التي أدت إلى تحالفه مع قيصر في عام 59. والعنف في المدينة من عام 58 إلى 52 ق م، والذي كان في حد ذاته نتيجة لذلك التحالف، أنتج مثل هذه الفوضى التي جمعت بومبي وقادة مجلس الشيوخ معا مرة أخرى، وساعدت على قطع علاقته مع قيصر. ومن هنا جاءت الحروب الأهلية التي انهارت فيها الجمهورية. أعلن القادة الشعبيون أحيانا عن سيادة الشعب. لكن الأشخاص الذين يمكنهم بالفعل حضور الاجتماعات في روما لم يكونوا ممثلين حقا وكانوا غير قادرين على حكم إمبراطورية. كان البديل العملي الوحيد لحكومة القلة هو حكومة رجل واحد. أدت ٍإلى تدخلات الشعب في الشؤون الملكية.

بالنسبة إلى البروليتاريا في المناطق الحضرية، لم يكن هذا عيبا. كانت الأرستقراطية هي التي عانت من فقدان الحرية. يقول تاسيتوس إن أغسطس كسب الناس بالخبز، وكانت هذا هو الاحتياج الأكبر. لقد استفادوا أيضا من التحسينات في إمدادات المياه، من تحسين الحماية من الحرائق، وتحسين الحفاظ على المياه، والمزيد من الألعاب الرائعة، والمزيد من الإنفاق على المباني ما جعلهم يحصلون على العمل. كان على الأباطرة من أجل أمنهم إبقاؤهم راضين، وتم تقليل بؤسهم إلى حد ما. كان هذا كل ما يمكن توقعه في عالم ظلت موارده المادية محدودة.

عندما نُفي شيشرون، كانت هناك ندرة في المواد الغذائية، وكانت السخرية من أن العصابات التي هدمت منزله لن تشبع شهيتها بتناول البلاط والأسمنت تشير إلى أنهم كانوا جائعين. ربما أدى قانون الحبوب الخاص بكلاوديوس إلى زيادة الطلب الفعال، والذي يفوق العرض بالتأكيد. في يوليو 57 ق م كان هناك شغب بسبب الغذاء. بعد بضعة أيام، عندما صوّت مجلس الشيوخ على إعادة شيشرون، انخفض سعر الحبوب بشكل مؤكد. كان مجرد تحسن مؤقت. على مدار عدة أيام، ناقش مجلس الشيوخ عرض الذرة. قدم شيشرون ثلاثة تفسيرات محتملة للنقص: المقاطعات المصدرة ليس لديها فائض، أو أرسلوه إلى مكان آخر للحصول على أسعار أعلى، أو أن الموردين احتفظوا بالحبوب في المخزن توقعا لمجاعة. في الخامس من سبتمبر تفاخر شيشرون بأن الكثير قد عاد معه.

كان هذا مجرد وهم. استمرت الأسعار في التذبذب (ظاهرة مألوفة في العديد من العصور). في اليومين التاليين، ارتفعت ارتفاعا كبيرا، وخرج الغوغاء. اعترف شيشرون بوجود معاناة وجوع. لم يجرؤ هو وآخرون على دخول مجلس الشيوخ.

————————

  1. A. Brunt, the Roman Mob, Past & Present, Volume 35, Issue 1, December 1966, Pages 3–27.

 

مقالات من نفس القسم