عمر بطيشة: يوسف إدريس لم يكن يعترف بثروت أباظة وطلب منى عدم التسجيل معه

عمر بطيشة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاوره: البهاء حسين

لم يكن تتر “شاهد على العصر” مجرد لحن مميز لأحد البرامج، بل كان، بالنسبة لى، تذكرة دخول إلى الحدائق الملكية. فقد استضاف عمر بطيشة، من خلاله، كل العقول الكبيرة.. توفيق الحكيم، يحيى حقى، نجيب محفوظ، زكى نجيب محمود.. إلى آخر طابور طويل عرفنا منه كيف نمسك القلم.

بدءاً بشعار المحطة، مروراً بعمر وهو ينطق الاسم، ثم المقطع الموسيقى الجميل يعلو ويتدرج فى النزول كأنه يقودك إلى نهر. كل هذا، كله على بعضه، كان يأخذنى إلى المستقبل. مستقبلى، فقد كنت، وأنا فى الثانوية العامة، بريف سوهاج، أحلم بلقاء هؤلاء الذين يمنحون رئتى هواء إضافياً كل أسبوع. كنت أنتظر شهادتهم وفى كثير من الأحيان أسجلها على شريط كاسيت، بعد ضراعات لصاحب الجهاز، كى أستعيره منه ليلة الأحد.

هؤلاء كانوا يصنعون لى، عبر البرنامج، بيتاً من صوت، بعد أن صنعوه بالكلمات. لهذا كنت أنتظره وأنا على يقين من أن بيتنا الطينى سيعلو طابقاً مع كل حلقة. أهو شعور اليتم الذى يطاردنى، ما زال. ربما. أهى الرعشة التى كنت أحسها مع كتاباتهم والآن أسمعها. يجوز. المهم أننى كنت أؤرخ لحياتى بهذا البرنامج هو وغيره.

“صاحب الإجابة الحقيقى هو السائل” كما يقال، ولسان بطيشة، المتكئ على نغم رفيع، كان يعرف الطريق إلى الأسئلة، وإلى القلب.

هناك حبل آخر شدنى إليه.. كلماته، كشاعر، خاصة حين تأتى عبر حنجرة فايزة أحمد، غير أنى لا أعرف لم تأخرتُ فى زيارته. حاورت طوب الأرض، لكنه بقى بعيداً عن فضائى، ولما ذهبت إليه فى بيته وجدت سنواته الـ 80 تملى عليه أوامرها. يبدو أن السؤال، هو الآخر، “قسمة ونصيب”. على كل عزائي أن ذاكرته ما زالت بخير، لأن الذاكرة هى الجبهة التى أستهدفها بأسئلتى.

*هل المرض يجبرنا على اجترار الحياة، أم يشغلنا بالمجهول؟

– الحمد لله، أنا لا أعانى من أى مرض، لكنها أعباء السن التى أعالجها بالذكريات

* ما أكثر مرحلة تحنّ إليها؟

– حياتى أشبه بنتيجة حائط تظهر عليها كل الشهور، ولأننى أتمتع بذاكرة قوية فأنا أحن، لكل ما فات. منذ الطفولة فى دمنهور حتى اللحظة الراهنة 

* هل أنت خائف من الموت؟

– أخاف من الله، لكننى لا أخشى الموت. هو نهاية حتمية استعددت لها بالعمل الصالح

* كيف تتخيل هذا العالم المجهول؟

– هناك إشارت يبعثها هذا العالم. أذكر أنى حلمت ببيتنا ينهار، وبعدها بيوم مات أبى، وكنت فى السنة الأولى الجامعية. أنا مؤمن بالغيب وأجيد قراءة هذه الإشارات. هناك رؤى تأتى على حدسى، وسرعان ما أراها تتحقق

* على ذكر الوالد.. هل علاقتك به كعلاقتك بأبنائك؟

– علاقتى بأبنائى أكثر حميمية، رغم أن أبى وأمى كانوا فى منتهى الحنية

* منذ تخرجك فى آداب الإسكندرية، 1964م، هل كانت المسالك أمامك واضحة، بحيث كنت تعرف ماذا تريد؟

– من حسن الحظ لم أنتظر فى طابور البطالة، فعقب تخرجى مباشرة فوجئت بخطاب تعيين من وزارة التربية والتعليم تخطرنى فيه بأن ترتيبى هو الأول فى امتحان لم تعقده ولم أدخله، ( ويكمل بطيشة بعد ضحك مشترك). كانوا بحاجة لتخصص اللغة الإنجليزية. المهم أنا وعباس متولى، المذيع بصوت أمريكا، جاءنا خطاب تعيين فى شركة “الملح والصودا” بالإسكندرية، وفى أثناء العمل بها قدمت فى امتحان الإذاعة ونجحت 

* وأنت قادم من البحيرة إلى القاهرة، من من الرموز كان يحرض خطاك؟

– نجوم الإذاعة المصرية. بابا شارو، فهمى عمر، طاهر أبو زيد، جلال معوض، لأنى كنت عاشقاً للراديو، وكنت أتمنى أن أكون مثلهم

*  فى الرحلة لاكتشاف ذاتك. ألم يداخلك طائف من الشك؟

– كانت تراودنى أسئلة، خاصة أننى كنت قارئاً للفلسفة الوجودية، عن معنى الحياة ومغزى الوجود، لكنى سرعان ما وجدت الإجابة بالعمل على أحلامى

* ما الأحلام التى مشيت إليها برجليك ولم تحققها؟

– ما تحقق منها أكثر، أن أصبح مذيعاً بالإذاعة المصرية، لأنها كانت، فى الستينيات، سيدة الإعلام. أن تصبح مذيعاً كان وقتها بأهمية أن تصبح وزيراً، خاصة لشخص مثلى من الأقاليم ومن أسرة متوسطة. ما لم يتحقق هو أننى لم أجد طريق نشر الكتب سهلاً

* فى كل مسيرة هناك جندى مجهول يسندها، من البطل خلفك؟

– أمى وأبى وزوجتى. أبى بالذات كان ينتظر منى خيراً كثيراً، وأمى حين سمعت صوتى فى الراديو كان سعيدة كأننى فتحت عكا

* ومتى شعرت أن الطريق بدأ يتعرج تحت قدميك؟

– حينما اختلفت مع السيدة صفية المهندس، رئيسة البرنامج العام وقتها. شعرت باليأس

* ما سبب الخلاف؟

– طلبت منها أن يكون لى برنامج خاص بى، بدلاً من العمل فى فريق “إلى ربات البيوت”. قلت لها: هو أنا هفضل لإمتى أشتغل فى برنامج الستات ده؟ جرحتها الكلمة، وقد أسرّتها فى نفسها وبدأت تضيق علىّ، إلى درجة أننى قدمت أوراقى لجامعة الإمام محمد بن سعود بالسعودية لتدريس الإعلام وقبلت، لكن الزميل كرم شلبى، الذى كان يدرس هناك، دسّ لى عندهم، قال لهم: إنتو ما تعرفوش إن عمر بطيشة مؤلف أغانى، وإنه هو إللى كتب أغنية “دلوعة ” لصباح. ولم أذهب طبعاً! لكن أحيلت صفية المهندس للتقاعد وجاء مكانها فهمى عمر، أبى الروحى، لأبدأ على يديه صفحة جديدة لى بـ” شاهد على العصر”

*ما الشعار الذى رفعته طوال المشوار، ولم يكن لديك شك فيه؟

-الصبر. طالما أنك تجبر الخواطر، وتنصر المظلوم. اصبر وانتظر

* وما الشىء الذى كنت تشعر أنه زادك فى الطريق؟

– الإيمان

* لا بد أنك تدندن مع نفسك. آية أغنية ترافقك؟

– كل الأغانى. أنا جهاز دى جى. كل التراث الغنائى تجده على لسانى.. أم كلثوم، عبدالوهاب، فيروز، شهرزاد

* إذن كنت تشعر أن مستقبلك فى لسانك؟

– لم أحلم بشىء سوى أن أكون مذيعاً، لكنى لم أكن، فى الطفولة، على وعى بذلك. كان الناس يشيدون بصوتى، ولما تعرفت على فايزة أحمد كانت معجبة جداً بصوتى، حتى إنها ألحت علىّ أن أغنى، لكن الميكروفون أشبع عندى هذه الرغبة

* أظن أن اتجاهك للتأليف الغنائى كان اختياراً للرائج على حساب الشىء الذى يبقى.. الشعر؟

– كلامك، فى جانب منه، صحيح، لكنه ليس كل الحقيقة. أنا أعتز بما كتبته من قصائد فصيحة، لكن الظروف، فى بداية حياتى، فى مدينة متلاطمة كالقاهرة، مع زواج حديث وطفل أتى للتو إلى الدنيا هو ابنى حاتم، وعندما أجد مكافأة نشر ديوان هى واحد على عشرة من أجر أغنية، مع كل ذلك كان لا بد أن أنزلق إلى كتابة الأغانى، رغم أن الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور حذرنى من هذا الانزلاق، لكن الحاصل أنى وجدت نفسى على هذا الشط

* على ذكر الشاعر بداخلك. هل أفاد من رئيس الإذاعة. هل يمكنك أن تقرر، باطمئنان، أن سجلك لا تمسه شائبة؟

– على الإطلاق. كنت حريصاً، عندما توليت رئاسة الإذاعة، أن أصدر تعليمات لكل رؤساء الشبكات بألا يذيعوا أغانىّ، إلا فى حدود المعتاد، مثلى مثل باقى المؤلفين

* والأغانى التى كتبتها فى مبارك ألم تكن عربوناً لهذا الكرسى؟

– نهائى. وأصدقك القول إن كل ما كتبته فى مبارك كان عن إيمان حقيقى بزعامته ووطنيته، ثم إننى توليت رئاسة الإذاعة بعدها بفترة طويلة، عام 2001م. صفوت الشريف رشحنى أنا وأمينة صبرى وإيناس جوهر والدكتور حسن على ونجوى أبو النجا، ومبارك اختارنى، ثم لا تنس أننى فى عام 2004م سألت الرئيس، فى حوار شهير، عن التوريث. ولو كنت حريصاً على المنصب لما تجرأت وسألته عن هذا الموضوع الشائك؟

* ألم يكن بترتيب مع الرئاسة؟

– لا

* وهل تم من وراء ظهر صفوت الشريف؟

– هذا ما حصل، حتى إنه قبل إذاعة الحوار طلب منى الاستماع إليه، بتكليف من الرئيس، ونزل لى فى الاستديو وبعد الاستماع طلب منى حذف هذا الجزء، لكنى أقنعته بالإبقاء عليه. وهنا، بالمناسبة، أذكر أن الشريف، وهو يسمع مبارك معللاً استعانته بجمال بأن الحزب هو الذى طلب منه ذلك، كى يساعده فى القيام ببعض الأعمال، عقب قائلاً، بسخرية واستنكار: إحنا برضه إللى طلبنا منه؟ إحنا؟ قالها وهو يكزّ على أسنانه، ويتكلم بمرارة

* إذن كان فى نية مبارك شىء يريد أن يمرره بليل؟

* مبارك، فى اليوم التالى، وأثناء اجتماعه برؤساء التحرير، وعمر الليثى هو من أخبرنى بذلك، قال لهم، عندما سألوه عن مكالمتى معه: عمر بطيشة ” زحلقنى “. أما النوايا فلا يعلمها إلا الله، لكن كانت هناك شواهد. أذكر أنه أثناء سفر الرئيس للعلاج فى ألمانيا، أحضر حسن حامد، رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون وقتها، أغنية كان بليغ حمدى قد كتبها عن نفسه وهو فى الغربة ولحنها لعفاف راضى. بعنوان ” رغم البعد عنك “، واقترح حامد، أمامى وأمام فاروق حسنى،وكان يتولى حقيبة الإعلام مؤقتاً، أن نذيعها مهداة للرئيس، ففكر حسنى وقال: طيب، بس أسأل الأستاذ جمال ونشوف رأيه إيه!

* هذا معناه أن كل كبيرة وصغيرة كان لا بد أولاً أن تمرّ على جمال؟

– عندما سألت فاروق حسنى، فيما بعد، عن هذه الواقعة وأنها دليل على تدخل جمال فى عمل الوزراء، قال لى : ولا تدخل ولا حاجة، بس دى مسألة كان لا بد من أخذ رأى العيلة فيها

* أعود إليك.. تعيين شريف، مذيعاً، فى الشرق الأوسط، ألم يكن له علاقة بأنه ابنك !

– على الإطلاق. أنا فوجئت به يقدم الأوراق من ورائى، ولم أعرف إلا عندما تم تعيينه، وكان حمدى الكنيسى وقتها رئيساً للإذاعة

* وكنت أنت رئيساً للبرنامج العام !

– لا. شريف علشان يجنبنى الحرج، لم يخبرنى أصلاً بخطوته

* أى شىء كنت توليه اهتماماً أكبر أثناء رئاستك للإذاعة؟

– خريطة البرامج، وإرساء المهنية

* هل وجدت نفسك فى موقف لا تطيق فيه الصمت ولا تقدر على الكلام؟

– لا، طول عمرى لا يمنعنى شىء من إبداء رأيى

* ألم تطلب منك إحدى الجهات منع ضيف أو برنامج بعينه أو حتى أغنية؟

– كان يحدث. رؤساء الإذاعة كانوا يطلبون ذلك منى أحياناً

* وحكاية آمال ماهر. كتبت أنها استغلت إعجاب أحد الملوك العرب بها، وطلبت منه التدخل عند مبارك لإعفائها من حضور الدراسة. ألم تعاتبك، لأن الإذاعة لغت عقد رعايتها، أو لأنك نشرت هذه الواقعة؟

– هذا الكلام عرفته من صفوت الشريف، لأن مبارك اتصل به، وطلب منه إلغاء العقد، بعد اتصال الملك به، وهى نفت هذا الواقعة، ولم تعاتبنى

* وفى تقييمك لتجربة رئاسة الإذاعة.. هل شعرت أنك أثرت فى هذا المكان البيروقراطى، بأكثر مما تأثرت به؟

– أنا جددت خريطة البرامج فى الإذاعات التى توليتها.. الشباب والرياضة، البرنامج العام، وفى الإذاعة كلها. يكفى أن أذكر لك : غواص فى بحر النغم، عصر من الغناء، صحبة وانا معهم، عازم ولا معزوم، الإذاعة التفاعلية، الفترات المفتوحة.. إلخ. كنت وراء كثير من الأفكار

* أريدك أن تحدثنى عن ابتلاءاتك. كيف تجاوزتها؟

– بالرضا والصبر

* متى اضطررت أن تذعن للأمر الواقع؟

– أصبر عليه، لكنى لا أذعن له

* وفى أى موقف اضطررت لمواجهة ذاتك والوقوف ضدها؟

– فى موضوع التدخين. أقلعت عنه منذ 10 سنوات

* بالنسبة لـ ” شاهد على العصر”. أريد أن أسألك عن الكواليس. لقد استضفت كثيرين جداً، بحيث يصعب أن أتعقب كل الأسماء. إذن.. تفضل.. تذكر أنت وأنا أصغى؟

– جمعتنى لحظات حميمية بكثيرين أفضوا لى خلالها بمكنون أنفسهم. أتذكر أن موسى صبرى فاجأنى باعترافه أنه، وقد وصل لختام العمر، نادم على أنه ظل يردد ما يقوله السادات ومبارك، دون أن تكون له كلمة. وأنيس منصور هو الآخر شبه نظام السادات ومبارك بأفراد قبيلة فى إفريقيا يغيرون أسماءهم كل يوم، فمن كان اسمه أمس شجرة، إذا ناديته به فى اليوم التالى لن يرد عليك، لأنه غير اسمه إلى ” نهر”. يقصد أن السادات يغير قناعاته دائماً، تبعاً لمصالحه، وعلى الكتاب أن يجدوا التبرير لهذا التغيير ويتكيفوا معه. لا قناعة ثابتة. أعداء الأمس قد يكونون أصدقاء اليوم. أما الشيخ الغزالى فقد حدث لى معه شىء غريب أدهشنى. كنت أسجل معه فى بيته، ولما حان موعد الأذان انطلقت مآذن كثيرة فى مكان واحد لرفعه. قلت له: أليس كثيراً كل هذا العدد من المآذن فى مكان واحد. قال: لا لا مش كتير، علشان  يعرفوا أن المسلمين أغلبية وعزوة، وأننا باقون على ديننا !

الدكتور يوسف إدريس فاجأنى أيضاً بشىء غريب. قال لى: برنامجك هايل، فلا تنزل بمستواه. لا تسجل مع ثروت أباظة؟ لم يكن مقتنعاً به.

طارق البشرى، وكنا فى عصر مبارك، قال لى، داخل التسجيل، إننا نعيش فى عصر الديموقراطية كسماح، لا كممارسة. فهمى عمر، وكان وقتها رئيساً للإذاعة. قال لى، فى اليوم التالى، أنا سمعت جملة إمبارح خرمت ودنى. احمد ربنا إنها عدت، بس خد بالك بعد كده

أما جمال بدوى فاعترف لى أنه لا يستطيع مشاهدة مباراة كرة تكون مقامة فى استاد القاهرة، لأنه بُنى على أرض “السجن الحربى”. كان يتذكر تعذيبه فيه

* بماذا خرجت من محاورة العقول الكبيرة؟

– بكثير من الدروس والحكمة

* وبرنامجك ” أهل القرآن ” حاورت فيه أيضاً أعلاماً أفضوا لك، لا بد، بشىء ما؟

– قال لى الشيخ محمود على البنا إن ابنه، وهو مهندس ديكور كبير، استدعى من قبل السيدة سوزان مبارك، وبعد أن رفع المساحات وحدد الألوان، كان فى طريقه للخارج حين وجد الرئيس مبارك أمامه. سأله عن مهمته وحين عرف منه أنه انتهى من كتابة الطلبات قال له : هل مضت لك سوزان على الورق. اندهش المهندس ولم يفهم ماذا يقصد الرئيس؟ فكرر السؤال. هل مضت لك الهانم على المواصفات، فقال: لا. قال له. روح خليها تمضى ! قصده أنها سوف تغير طلباتها بعد التنفيذ !

* حدثنى عن وقع هذه اللحظات على ماسبيرو. نكسة 67؟

– النكسة كانت ضربة أفقدتنا الوعى..( ولم يكد بطيشة يكمل الجملة حتى تهدج صوته وهو يتذكر حال المهجّرين المصريين من مدن القناة، بعد النكسة، وبدورى استدعيت ما يحدث الآن من إبادة للفلسطينيين فى غزة، ولم يفلح دخان السيجارة الذى رحت أنفثه باتجاه البلكونة،التى تطل على مبنى وزارة الشباب والرياضة، فى بيت بطيشة بالمهندسين، ولا أفلحت شمس الظهيرة فى صرف عينى عن التحديق فى السماء، لأنها الجهة الوحيدة التى نتطلع إليها بيدين ضارعتين وفم لا يملك سوى التنهيد والدعاء. ولأنه لا بد لهذا الحوار من آخر، رجعت إلى مضيفى، ورحت أستعيده بسؤال عن حرب أكتوبر، فتنهد وقال :

– أعادت لنا الكرامة

* أظن أن العرب تعاملوا مع إسرائيل، منذ البداية، برعونة، ولهذا ما زالت مطلوقة، كأنها لعنة وقد انهالت علينا؟

– تعاملنا مع قضية فلسطين بشكل خاطئ، كان لا بد أن نفهم، منذ البداية، أنها جزء من أوروبا، أو ولاية أمريكية، لا يمكن لأية إدارة أن تتخلى عنها

* بآية أذن كنت تسمع ” صوت العرب ” أثناء النكسة “. المواطن أم المذيع؟

– المواطن الذى صدق أن أم كلثوم سوف تغنى فى تل أبيب

* ما الأشياء التى تمت من وراء ستار فى ماسبيرو ووقفت منها موقف الرفض؟

– إلغاء الإذاعات الموجهة، وقفت ضد هذا القرار، لدرجة هددت بتقديم استقالتى، وقد ألغى القرار

* كل ما هو حقيقى هو ما كان يصدر عن ماسبيرو. كيف يمكن تحريك ما بقى من ماء فى مجراه؟

– لا أمل

* ما الفارق بين القاهرة التى أتيت إليها عام 1965 م والآن؟

– القاهرة الآن غابة من دخان وغبار. مدينة محتقنة

* وما شهادتك على الراديو. كان له ماض مجيد، فهل له مستقبل؟

– لا يمكن أن ينتهى، لكن سيستمر بصوت خافت

* وشهادتك على الصراع بين وردة وفايزة أحمد؟

– كانت بينهما منافسة قاسية

* وما عيبهما؟

– عيب وردة الكبرياء، حتى إنها رفضت أغنيتى “كبريائى” وغنتها ميادة الحناوى، وفايزة كانت لديها عقدة الاضطهاد

* وبينك وبين نادية صالح؟

– كانت بيننا منافسة

* أين تضع نفسك بين : الأبنودى، سيد حجاب، عبدالرحيم منصور؟

– أنا آخرهم

* لم نتكلم عن: محمد فائق، محمد حسن الزايات، أحمد كمال أبو المجد، يوسف السباعى، جمال العطيفى، عبدالمنعم الصاوى، ممدوح البلتاجى، أنس الفقى؟

– فائق كان السكرتير الإعلامى لعبدالناصر. الزيات حاول ولم يستمر طويلاً. أبو المجد ضيعته شائعة وفاة أم كلثوم، حينما أذاع الخبر قبل وقوعه بيوم، أما السباعى فكان مهتماً بالثقافة أكثر من الإعلام. العطيفى انشغل بالتشريعات الإعلامية، على حساب العمل التنفيذى. الصاوى أعطى مواقع الإعلام لمن لا يستحق وأذكر أنه أقال صفية المهندس، رئيس الإذاعة وأعطى الموقع لضابط شرطة، ولولا تدخل الموسيقار محمد سلطان لدى السادات، وكان يحبه هو وبليغ، ما عادت صفية لمكانها الطبيعى. البلتاجى كان يفهم رسالة الإعلام وهو رجل ممتاز وصاحب فكرة البيت بيتك، وصفوت الشريف بالمناسبة هو صاحب فكرة ” صباح الخير يا مصر”، المهم أن احتضان السيدة سوزان لأنس الفقى أودى بالبلتاجى بعد أقل من سنة على توليه الإعلام. أما أنس نفسه فكانت خبرته فى مجال النشر، لا مجال الإعلام. وكانت معاييره فى اختيار الوظائف العليا غريبة منها، مثلاً، هو اختار إيناس جوهر لرئاسة الإذاعة بعدى، لا لكفاءتها التى أشهد لها بها، بل لأنه صادفها على الأسانسير، الصبح بدرى، الساعة 7، فأبدى إعجابه الشديد بذلك، وقال لها: إنت بتيجى على كده بدرى. وهى فى الحقيقة كانت فى طريقها لتنفيذ برنامج “وشوشات صباحية ” على الهواء، لا فى طريقها إلى المكتب

* الآن، وأنت على عتبة الثمانين. كيف تنظر وراءك؟

– بكثير من الرضا تركت خلفى أولاداً وأحفاداً وقصائد.

 

 

مقالات من نفس القسم