علبة كبريت محكمة الغلق

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 102
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ناهد السيد

صرت كالفراشة.. جميلة، زاهية، مبهجة.. لكنني هشة، لم يلحظني الهواء حتي، لم تعبأ بوجودي الأزهار، ولم تعد تأتمنني علي رحيقها وتتركني أتجرع منه ما يسد رمقي، لم تعد همساتي وتضرعاتي لها مجدية، تحتضن رحيقها وتخبئه لنفسها حتي يجف، لا أدري هل صارت الأزهار تجتر رحيقها طعاما كالجمال؟

لماذا غضبت الأزهار وانقلبت علي فراشاتها؟ وأين ذهبت باقي الفراشات؟

يبدو أنني ضللت طريقي ، أو ربما تم تهجيني بهرمونات الحشرات الضارة، فصرت لا أنجذب إلي الأزهار ولا أشتم عطورها، وصارت لا تهتم هي لوقفتي علي  كتفها ضاربة جناح بجناح علي تلك الأيام الخوالي التي كنا بها صديقين، لا لم نكن صديقين أبداً.

كنت أجيد الأخذ فقط. بما استفادت هي؟. آن الآوان لعطائها أن يتمنع علي، آن الآوان أن ترفض. أن تفكر في أن تكون الأخاذة ولو  لمرة  علي الأقل حتي لو لم تحتج  إلى ذلك.

ماذا سأفعل إذن. بعد سلبي لمهمتي التي خلقت من أجلها؟ ماذا أعطي؟ لا أملك إلا ألواني وعشوائيتي في الطيران بلا جدوي.. لمن أتعاجب؟ وأستعرض جمالي الهش؟ لا أحد

أضرب بجناحيّ لعل الهواء يلتفت إليّ، يشعر أني أمر عبره. ربما ينفعل علي لأني أستغله. لم أقو علي لفت انتباهه ولو مرة رغم أني لا أحيا بدونه، لأنني ببساطة لا أمثل بالنسبة له كيانا، نعم أنا لست كيانا !

اعترف الآن بذلك،  لهذا انقرض أمثالي.. لم تعد الفراشات ذات موطن محدد.. لا تلقاها إلا بمحض صدفة، تائهة..ضالة.. ولم تعد العيون تكتفي بالنظر إليها لتسعد ،بل تستلذ  بمهاجمتها  وتعدو خلفها.

لتزداد عشوائيتها في الطيران وتتخبط وتتشتت وتحلق عالية حتي تبتعد، فتقع فريسة لخيوط العناكب التي لا تسكن سوي الأركان العالية في بيوت ضحلة، أو تسترد أنفاسها علي شجرة لا تنبت سوي الأشواك….فتفجر معدتها الفارغة إلا من الوجع أو تقذف عليها السحب أمطارا ضالة تثقل جناحيها وتضطرها للسقوط.

هكذا تتأرجح حياتي بين أشواك ومهاجمات وتشتت  وعشوائية وسقوط، رغم أني أبدو سعيدة، جميلة، زاهية، معطاءة. أسير بكل حب نحو هلاكي علي يد  طفل بائس يصطادني ليحتفظ بي في علبة كبريت محكمة الغلق.

مقالات من نفس القسم