عايدة خليل.. لا حدود للدهشة

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حوار: هبة عصام

هي.. فنانة تشكيلية  مصرية، تخرجت من كلية العلوم عام 1981م، وتفرغت لممارسة الفن التشكيلي عام 1989م،  أقامت سبعة معارض فردية، وشاركت في أكثر من عشر معارض جماعية، وخمس فاعليات دولية.

هي.. وخلوتها المقتطعة من زمن صعب، وغيمات تنبت وتتكيء على الحوائط  في انتظار هطول كامل، مرسمها الذي اختارته على بعد خطوات من بيتها في حي مصر الجديدة، لوحات مؤرقة تعم المكان، أثاث يدوي، ونباتات زرعتها في جوانب الشرفة، هنا عالم "عايدة" الحقيقي، وهنا استطاعت أن تصل إلى بصمتها الخاصة التي لا تشبه أحدا.

 مع المبدعة "عايدة خليل" كان هذا الحوار..

 

حوار: هبة عصام

هي.. فنانة تشكيلية  مصرية، تخرجت من كلية العلوم عام 1981م، وتفرغت لممارسة الفن التشكيلي عام 1989م،  أقامت سبعة معارض فردية، وشاركت في أكثر من عشر معارض جماعية، وخمس فاعليات دولية.

هي.. وخلوتها المقتطعة من زمن صعب، وغيمات تنبت وتتكيء على الحوائط  في انتظار هطول كامل، مرسمها الذي اختارته على بعد خطوات من بيتها في حي مصر الجديدة، لوحات مؤرقة تعم المكان، أثاث يدوي، ونباتات زرعتها في جوانب الشرفة، هنا عالم “عايدة” الحقيقي، وهنا استطاعت أن تصل إلى بصمتها الخاصة التي لا تشبه أحدا.

مع المبدعة “عايدة خليل” كان هذا الحوار..

قالت لي:

ماذا بعد الشعاع الذي هاجر

أما من مواسم لتحد من شيء

  قلت: ما الحياة إلا شيء نراه، وشيء نسمعه، وشيء نشعر به

 وشمس ندور حولها جانحين

قالت:

الوطن مجرى بلا سدود

ووطني ينحني مع الضوء وراء الأفق

 قلت: قرأت فيك حياوات ومجراك جامح

 هكذا فاجئتني “عايدة” بسطور من كلماتها في بداية حوارنا، لا حدود للدهشة.. هذا ما أيقنته كلما اشتبكت مع مبدعين حقيقيين مثلها، ولا حدود للخيال.. هذا ما شعرت به عندما دخلت لأول مرة إلى مرسمها. كنت أعرف أنها لا تتعامل أبدا مع الأشياء بشكل مباشر، ولكن كيف؟ حدثتني عن الماوراءوما الماوراء سوى مالا نراه؟ أليست دائما هذه هى منطقة الفن السرية والثرية منذ بدء الخليقة؟ فماذا ماوراء الفنانة التشكيلية”عايدة خليل”؟

ـ  الحياة معين للفن، حدثينا عن همومك الفكرية وكيف شكلت همومك الفنية والتشكيلية بشكل عام؟

 الحياة معين الفن، كما قلت. فمنذ الصغر، كان يتنامى بداخلي اهتمام خاص بأشكال التواصل بين الإنسان وكل ما حوله، بالعلوم الحيوية ، بالقراءة في أشياء شتى، وبكل ما له علاقة بالصورة بالطبع . ومع دخول اهتمامات جديدة،  تطور تلك الاهتمامات، وظلت تتداخل وتتقاطع مع كل شيء في ممارستي للحياة بشكل عام وممارستي للفن بشكل خاص

ـ اشرحي لي كيف يتواصل الإنسان مع كل ما عداه؟

لكي يفهم الإنسان نفسه، قد يحتاج إلى فهم مستويات التواصل المتجلية في علاقته بنفسه، بالآخر، بالحيوان، بالأشياء، وبالطبيعة والتي قد تساعده بدورها على إيجاد التوازن الداخلي.  هناك مثلا من له علاقة قوية بالحيوانات تصل إلى مستوى التواصل الحقيقي الذي يمكن تواجده بين إنسان وآخر، ولكنه لم يجد ضروره لفهمها او التوقف لبحثها، فقط يكتفي بأن يعيشها. أما ما يلعب دورا كبيرا في تفاعل الإنسان مع الوجود فهو قدرته الحيوية وقدرة ما حوله على التحول وصيرورة التغير. ما أقصده هنا هو أشكال التحول في الموقف، في الحالة، في الشكل، وفي الإحساس بالأشياء

ـ وهل الثوابت ليس لها وجود في حياتنا؟

الجسد الأساسي للحياة موجود بالطبع ولكن التحول يحدث في شكله وحالته طوال الوقت. السؤال الذي اطرحه دائما على نفسي هو هل يجب أن انشغل بصياغة أسئلة افتراضيه لأدعم رؤيتي للحياة أم  بإجابات افتراضيه؟ أعتقد أن كل ما تفعله الإجابات هو تجميد عملية التفاعل المصاحبة للأسئله لحساب حالة من الارتياح  المصطنع وهو لن يكون بأي حال غير حالة مؤقتة

ـ لأول وهلة لاحظت في مرسم عايدة خليل مجموعة من الأعمال تتسم بالشفافية وتبدو غير مكتملة!!؟

ليس ضروريا أن تكتمل اللوحة في رأيي. إن تبدي الشيء وظهوره في صورة ما هو هدف في حد ذاته، وهو مقابل للاستبطان. والصورة ليست واضحة تمام الوضوح  في أذهاننا سواء عن الفنان  ذاته أو عن كل ماهو جمعي إنتاجا واستقبالا. من هنا، تشير الشفافية عندي إلى تعدد الأشكال وتماهيها و ظهور الشيء في أكثر من شكل في نفس الوقت بحسب تفاعله مع محيطه

ـ حتى لو كان جسدا فقط لا يظهر الوجه؟

مثلما نستشف الوجود الإنساني من ملمسه أو رائحته أو الحرارة المتخلفة عنه، هناك أيضا استشفافا لوجوده  في المكان بعد أن يتركه ، في أشياءه التي يستخدمها، في أثره، أو في الطاقة المتخلفة عنه . هي إشارات إلي أبعاد أكثر تلقائية لتجسيد هذا الوجود والتعبير عنه . وهي إدراك للحالة الكليه من خلال مساحة أكثر رحابة مما للمساحة التي يحتلها الوجه ـ برغم أهميته ـ  في التعبير عن الكيان الإنساني، يتم كل هذا دون أن ينتبه لوجوده أو يحاول فهمه.

ـ هل تعملين علي الشيء وشكله الافتراضي؟

نعم، يمكن النظر إلى الأشياء من زاوية وجودها البصري الافتراضي مثل السراب والصورة المهزوزة مثلا

ـ وما موقع التجريد من هذه العملية وقد لاحظت بعض التحول في أعمالك من التجريد إلى التشخيص؟

لا أعتبر هذا تحولا ولا يهمنى إلى أي درجة من التجريد أو التشحيص وصلت إليه . ما يهمني  فقط هو الصياغة التي يفرضها الموضوع للتعبير عن عناصره ومكوناته . ولكني قد أكون الآن أقرب إلى التعامل مع ما هو ملموس وما هو أقرب إلى الجسد. دائما تنشغل الفكرة بنفسها بقدر ما تنشغل بعلاقتها بملابسات تجسيدها، أي بما حولها، وقد تغير من شكلها وأسلوبها، وقد أتغير أنا نفسي وتتغير رؤيتي خلال التجربة. ويمكنني القول هنا بأن التجسيد يحتاج أحيانا إلى درجة أعلى من الجرأة في ترجمة مفردات الحياة من أجل صياغنها فنيا. وعلي جانب آخر لا أستطيع استبعاد  الجانب التأملي في أعمالي الآن التي أصبحت مفاهيمية أكثر

ـ ولماذا تستخدمين الطباعة وصورة الآشعة بدلا من الرسم ؟

أستخدم الطباعة في بعض أجزاء اللوحة كالبصمة التي لا يمكن تغييرها وأستخدم صورة للعظام لأنها غير مرئية في المعتاد فتعطيني انطباع بالسلوك التلقائي الثابت أو المتكرر غير المقصود والذي يصعب التحكم فيه في المعتاد، وأحيانا استخدم الطباعة اليدوية ثم أرسم نفس الشيء بجانبه كأسلوب من أساليب تعدد أشكال الشيء ليعطي نفس انطباع الشفافية.

ـ إذن هذه هي قضيتك..؟

وتعتبر قضية ذات بحث خاص بسبب أنها ليست قضية تحتاج إلى حل بقدر ما هي بحث شكل من أشكال إفصاح الإنسان عن نفسه بأساليب تلقائية وغير متعمدة، والبحث بها والإفصاح عنها كأنه اختبار لقدراته الانفعالية ــ غير المدركة  بقدر ما هى بديهية ــ وأحيانا تتبدي في طاقة انفعالية غير مرغوب فيها.

ولأن حركة الإنسان وتفاعله متوقف على ثقافته وبيئته، فأنا أعمل على ما أعيشه وما هو حولي، وكان يجب أن ألاحظ سلوكيات الإنسان التلقائية بدءا من سلوكه اليومي المعتاد في بيته حتي سلوكه أثناء الثورات، ولذلك أعتبر أن الجسد بكل حركاته وإيماءاته، ليس تعبير الوجه فقط، قادرا ومسئولا عن توصيل أشكال  تلك الطاقة الانفعالية.

ـ لماذا لم تحاولي تنفيذ فكرتك بالفوتوغرافيا إذا كان من السهل تحقيقها؟

أستخدم الفوتوغرافيا أحيانا ولكن استخدامها في هذا الموضوع أعتبره حرجا بسبب أن المعالجة بالشفافيات في الفوتوغرافيا والكمبيوتر في الموروث البصري مستهلكة إلى حد كبير في عديد من المجالات.

ـ هل الاستغراق في العملية الفنية هو غاية في حد ذاته  أم ماهى الغاية من العملية الفنية؟

 الخلق الإبداعي كما أراه لا يتم في لحظة، فهناك نمط للتفكير الابتكاري، كما أن هناك نمط للحياة التي تعيشها العين النقدية والتي تري الأشياء من منظورها الخاص. وبذلك تتم إعادة صياغة المدخلات والإضافة عليها. وبذلك فالاستغراق في رأيي هو أسلوب كل فنان على حده في رؤيته للأشياء بعينه النقدية وكيفية تكريس حواسه لمدخلات الحياة وتحليلها للنفاذ إلى ما وراء المباشر والمعتاد.

ـ سأعود إلى علاقة الفن بالمجتمع، الفن التشكيلي هو فن النخب الفكرية، ما سبب ابتعاده عن الذائقة العامة، وهل يرجع هذا إلى محاكاته المدارس الغربية البعيدة عن المفردات المحلية؟

الفن ليس فن النخب الفكرية في رأيي، وإذا كانت محاكاة المدارس الغربية هي السبب، فما رأيك في استخدام المدارس الغربية في فن الإعلان الذي هو غربي صرف والذي يسيطر على الإنسان العربي في نومه ويقظته؟ ولكن عندما ينفصل المجتمع عن الثقافة بالكامل، وعن التعليم في شتى مجالاته وبالتالي عن كل ماعدا الشخصي جدا والخاص وقوت اليوم، يصبح الاغتراب هو الأساس في كل شيء. الاغتراب حالة يعيشها المجتمع مع مناح كثيرة من علوم وفنون وغيره ليس فقط الفن التشكيلي، والفنون عموما تزداد العلاقة بها كلما زادت علاقة الإنسان بنفسه، وفهمها يزداد كلما ازداد اقتراب الإنسان من نفسه ومن ماضيه وحاضره ومستقبله أيضا، وكلما كان ما حوله غير مخيف بالنسبة له، وينطبق هذا على المستوي الشخصي من فنان إلى متلقي، كما ينطبق على المستوي الشعبي والمجتمعي.

ـ ألا يحتاج الفن إلى تبسيط ليقترب من الجمهور؟

اقتراب الفن من الجمهور لا يحتاج إلى تبسيط الفن ولا إلى أن يرتقي الجمهور إليه بالمعنى المتعالي للكلمة، لكنه يحتاج إلى خلق لغة تواصل غير موجودة  في مناح كثيرة في الحياة، حتى بالشكل البسيط بين الإنسان والآخر في بلدنا وهذا ما أنتجه الفقر وضعف التعليم والتربية القهرية.

ـ هل تعتقدين أن هناك تغير ما سيحدث بعد الثورة؟

الثورة من الأحداث العظيمة التي كما أنها تحدث مرة واحدة في حياة الشعوب، كما أنها تحدث تغير حقيقي وإلى الأبد في وجدان تلك الشعوب ، وأعتقد أيضا أنه عندما تستقر الأوضاع ونبدأ في استيعاب ما حدث، سيظهر على مستوي الحس الجمعي في المستقبل ما هو مختلف تماما انتاجا واستقبالا. والتغيرات التي تحدث في الحس الجمعي أو الفردي له علاقة كبيرة بتلقي الفنون وبإنتاجها، ويظهر هذا على عدة مستويات أهمها القدرة على التعبير عن النفس، وأعتقد أنه ستظهر أشكال إبداعية جديدة ومختلفة في المفاهيم مثلها في المعالجات الفنية، كما أن تلقيها سيكون مختلفا . ربما ستتغير تيمة الاغتراب التي تتحكم في كثير من أشكال الإنتاج الفني للشباب مثلا.

ـ نعود إليك، بصراحة شديدة لو خيروك ما بين عرض أعمالك داخل مصر أو خارجها … ؟

العرض في الداخل والخارج ليسو بدائل لبعضهم، وأختار العرض في الداخل بالطبع لأني جزء لا يتجزأ منه، ثم أفكر في الخروج.

ـ كانت لك نشاطات في الورش الفنية، ما هي الرسالة التي حرصت على إيصالها أثناء ذلك؟؟

إذا تقصدي الورش التعليمية، أو شبه التعليمية، فكان نشاطي سببه محاولة لعمل منهج خاص بالتعليم عن طريق الفن، أي استخدام الحواس وتكريسها لعملية الاستكشاف والخلق إلى حد استنباط القوانين. والهدف الأساسي منه هو خلق تواصل مع الحياة عن طريق الفن، كما هو الحال في العلاقة الفطرية بين الإنسان والحياة والطبيعة وكل شيء من وجهة نظري ولكنها طمست لأسباب تتعلق بتعقيد العلاقة بين الحكومات والمواطنين، أي باختصار التشويش المتعمد على تلك العلاقة الفطرية لصالح الإعلان والاستهلاك وبث معطيات لمنظومة تصب في صالح آخرين.

ـ هناك إجماع عند العامة على إلصاق صفات الرهافة بالفنان، وشخصيا أراها رهافة صلبة وواعية، هل تتفقين معي؟

أليست الرهافة، بمعنى يقظة الحواس ، صفة إنسانية أصيلة تطمس، ويقل نشاطها  لأسباب خارجة عن إرادته؟ كل ما يتميز به الفنان أنه ربما ساعدته الظروف على الاحتفاظ بشيء من قدرة حواسه على علاقة أقوى بحياته والمحاولة الدؤوبة في التعبير عنها

ـ في النهاية.. إلى أين يأخذك الجمال وإلى أين تأخذينه؟

إلى حيث تنتهى بي العلاقة مع الأشياء، ومع الناس، أليس الإنسان الفرد مجموعة من البشر مجتمعين في تركيبة حسية واحدة، وهو أيضا مجموعة من الأشياء والأمكنة إذا أصيبت بالاضطراب، كف عن أن يكون ذاته….

 

قالت:

سيظل كوني دائري

ومازال البحر يغويني

يمسدني بلون أرجواني

فليمتد الوهج والشفق والمرجان

حول قرص الشمس لي وطن

والمجرى

بلا سدود

 

 

قلت: ستظل الرحلة ماحيينا، وسيظل لنا مع الفن سؤال..

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عايدة خليل –  فنانة تشكيلية – مصر

اللوحات للفنانة عايدة خليل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هبة عصام

شاعرة – مصر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم