شعبان يوسف: أرفض ذكورية الأدب وأُناصر المرأة المبدعة

عندما قابلت إبراهيم فرغلى لأول مرة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاوره: صبري الموجي

علي الجانبِ الآخر من النهر، وقف ليأخذ بيد المهمشين والمطحونين من الأدباء؛ فيحول بينهم وبين الغرق في بطون التيه والنسيان.

بفضل ذاكرته الحاضرة، ومعرفته الموسوعية بتاريخ وسير الكتاب والمبدعين، كان ومازال ورقة رهان نجاح أيِّ ندوة وتظاهرة ثقافية، اعتاد أن يتوكأ فيها علي عصا الذكريات، ويهش علي أفكار التشويه والتقزيم لأدباء وأديبات ابتلعهم نفقُ الجحود.

ألف سبعة دواوين شعرية، وكتبَ للمسرح، وأخرج للمكتبة الثقافية كتابات نقدية وفكرية جادة، كانت بمثابة حجر في نهر الثقافة الراكد .. هو مثقف موسوعي، وناقد، وباحث شغف بأرشفة المعلومات وتوثيقها.

أسس ورشة الزيتون فساندت المهمشين، وفرخت العديد من المبدعين . مع الشاعر والناقد الموسوعي شعبان يوسف يدور هذا الحوار .

الأديب شعبان يوسف نموذجٌ للإبداع الشامل .. قطعا وراء ذلك بدايات نودُ التعرفَ عليها ؟

نشأتُ في بيئة ليست ثقافية، كان أبى يشترى الجرائد الأسبوعية فقط، جريدة الجمهورية يوم الخميس، وجريدة الأهرام يوم الجمعة، وجريدة أخبار اليوم يوم السبت من كل أسبوع، ومن خلال تلك الصحف كنت أتلصص على ما يُكتب في تلك الجرائد، مما أشعرني بقوة أن هناك عالما سحريا ومدهشا خلف السطور التي كنت أقرأها بشغف، ومن ثم جذبتني الحكايات إلى مكتبة المدرسة الابتدائية، فكنت أستعير القصص وأقرأها بنهم، وأتذكر أن أكثر ما لفتني في تلك الفترة المبكرة رواية (روبن هود)، التي قرأتها بنهم كبير، وأعدت قراءتها أكثر من عشر مرات، وسحرت بعالم المغامرات الذى ظهر في الرواية، وكان لي صديق يسكن بجواري اسمه حمادة، وكان معجبا بقصة “وليم تل”، فسمَّى نفسه “حمادة ويليام”، وكان يكتب اسمه هذا على كل كراريسه؛ مما كان يجلب له العقاب من المدرسين والمدرسات، لكنه كان مجنونا بقصص المغامرات، وعرّفني بقصص أرسين لوبين، ومجموعة الروايات الـ21 لروكامبول، بعدها تعرّفنا على سلسلة روايات الأدب العالمي، والتي كانت ترجماتها ركيكة، ولكنها تناسب قدرتنا على الاستيعاب في تلك الفترة، حتى دخلت المرحلة الإعدادية، وتعرّفت على صديقي الذى رحل مؤخرا الدكتور محمود نسيم، وأذهلني أنه كان يكتب الشعر العمودي، وعندما تجاوزت زمالة المدرسة إلى صداقة عميقة، واصطحبني إلى بيته، كان والده مدرس اللغة العربية القديم أعظم من ترك أثرا بالغا في حياتي، وكان يقرأ لنا أشعار أحمد شوقي وحافظ ابراهيم، وكل شعراء الإحياء، ومن هنا جاءت البدايات التي أسلمتني إلى طرق أخرى أكثر انفتاحا وأثرا في تكويني وتوجهاتي الأولى.

انحزتَ للمهمشين بصفة عامة وللمرأة بصفة خاصة، فأصدرت كتاب (لماذا تموت الكاتبات كمدا) .. برأيك هل الأدب المصري والعربي ذكوري .. وهل أنصف الكتابُ الذكور المرأة المبدعة؟

بعدما انتقلت من مرحلة القارئ إلى مرحلة الكاتب، وجدت ما لا أستطيع تقبله، حيث إنني نشرت شعرا مبكرا، ولا أنكر أن احتفالا كان واضحا بما أكتب في البدايات، وذلك قبل أن أبلغ العشرين من عمرى، إذ نشرت في جريدة المساء، وجريدة صوت الجامعة، وأجرى معي العزيز يوسف أبو رية حوارين، نشر أحدهما في المساء، والآخر في جريدة صوت الجامعة، وفى ذلك الوقت بدأت أقول ملاحظاتي على الحياة الثقافية، وانضممت إلى جماعة “إضاءة 77″، ليس باعتباري أحد أعضاء الجماعة، ولكن من أصدقاء الجماعة، ونشرت قصيدة طويلة في العدد الثالث عام 1978، وكتب الشاعر محمود نسيم قصيدة في العدد ذاته تحت عنوان ” اعتراض شعرى على شخصية شعبان يوسف “، بعدها حدثت خلافات مع الشاعر رفعت سلام – عضو وأحد مؤسسي مجلة إضاءة – وكانت الخلافات حادة، مما أدى إلى انشقاقه، وطرح على (محمود نسيم وأنا) أنْ نؤسس مجلة “كتابات”، وبالفعل أصدرنا العدد الأول في أغسطس 1979، وكنت في ذلك الوقت مشغولا بالشعر، وفى الوقت نفسه كنت منخرطا في العمل السياسي، مما وضعني في مرمى سهام الأصدقاء، والعمل على تهميشي بشكل خاص، مما جعلني منحازا للمهمشين طوال حياتي حتى الآن، وبالطبع كانت المرأة الكاتبة مركز التهميش، وذلك مما أوضحته، واسترسلت في الحديث عنه في كتابي “لماذا تموت الكاتبات كمدا؟”.

في معركتك للدفاع عن المهمشين بدت قسوتك علي من خطفوا الأضواء .. أليس في هذا مجافاة للموضوعية وهل الشهرة سبة ؟

ليست هناك أىُّ قسوة، ولم أقل بأن الشهرة كانت أو مازالت سبة، ولكن شهرة أحد الكتّاب من الممكن أن تكون مساهمة بشكل ما في تهميش آخرين، وهذا ما أوضحته وأسهبتُ في شرحه فى كتابي ” ضحايا يوسف إدريس وعصره “.

أكد الكاتب سلامة موسي أنّ المبدعين المصرين أبرع من الشوام، وأن نبوغ الشوام يرجع إلي ارتفاع سقف الحرية .. فهل يُعاني الأدب المصري قمعا وتضييقا ؟

عندما قال سلامة موسى ذلك ، كان يتحدث عن الصحف التي ينشئها شوام في مصر، ولا تنطبق عليهم القوانين واللوائح التي تنطبق على المصريين، فهو لم يتحدث عن الأدب أو الثقافة، ولكنه تحدث عن الصحافة المصرية في العقود الأولى من القرن العشرين، وبعيدا عن سلامة موسى، لا أعتقد أن الأدب المصري كان يعانى من أىِّ قمع أو استبعاد، ومازالت عطاءات الأدب المصري هي الأعلى تأثيرا، وذلك بحكم التاريخ، فنجيب محفوظ ويوسف إدريس وطه حسين وفتحي غانم وصبري موسى وجمال الغيطاني وصلاح عبد الصبور وغيرهم، مازالوا مطروحين على الساحة العربية بقوة لا يمكن إغفالها.

تاريخنا الأدبي حافل بتمجيدٍ لمبدعين وتهميش لآخرين.. فمن وراء تلك الظاهرة ؟

غالبا ما تكون الشلل التي تختفى تحت لافتات ” الجماعات والتيارات والمدارس وخلافه “، هي التي تكمن خلف الترويج لمجموعة أفراد “الشلة”، فكان العقاد والمازني أشد أعداء شوقي والمنفلوطي، وما وجهه العقاد لشوقي من نقد في العقد الثاني من القرن العشرين، فعله العقاد نفسه في الثلاثينيات والأربعينبات، ولكن التربص بإبداع ذلك الكاتب أو الشاعر أو الروائي قادر على تشويه كتابة هذا أو ذاك، كذلك الأبعاد السياسية التي كانت تقف خلف التوجهات الأدبية، غالبا ما لعبت دورا كبيرا في عمليتي الاستبعاد والتهميش من ناحية، والتكريس والتدشين من ناحية أخرى.

اختُزلت المرأة الأديبة في مجرد وجه جميل أو جسد نابض بالأنوثة وأُهملت فكرا ورأيا .. فبرأيك هل يعاني الأدب النسوي مشكلة ؟ وهل تتعارض المحافظة مع الإبداع النسوي؟

لم أختزل المرأة في وجه جميل، أو جسد رشيق أو خلافه، ولكنني نظرت لها باعتبارها جزءا أصيلا من الحركات الأدبية الفعّالة، فمنذ مي زيادة وملك حفني ناصف وعائشة التيمورية وجميلة العلايلي، ثم جليلة رضا وجاذبية صدقي وهدى جاد ولطيفة الزيات، وصولا إلى سلوى بكر ونعمات البحيري وسحر توفيق ومى التلمساني وغيرهن، لهن مشاركات عظيمة في تطور الأدب المصري والعربي بامتياز، ولكن ما نالهن من التهميش والاستبعاد كان واضحا بفداحة.

في كتبك أمطت اللثام عن مهمشين بعضهم استبعد بقرارات سياسية .. ألم تنزعج من عواقب تلك المخاطرة، وهل سببت لك مشاكل؟

لم أنزعج من أي عواقب، فأنا أحاول بقدر ما أستطيع، وبكل ما أملك من معلومات أن أجعل ضمير المؤرخ هو الذى يعمل، ولا يهمني أي شيء بعد ذلك .

اعتبرتَ أن الثقافة بجانب أنها إبداع هي سلوك إنساني .. فحدثنا عن مدي انسجامك أو رفضك للسلوكيات حاليا مقارنة بما كانت عليه من قبل؟

فعلا أعتبر الثقافة سلوكا وعادات، قبل أن تكون قراءة وكتابة وإبداعا، ولدينا نماذج عظيمة في ذلك الشأن، وعلى رأسهم نجيب محفوظ وطه حسين.

هناك مبدعون أخطأتهم الجوائز وعانوا خمول الذكر فيما طاردت الجوائز آخرين .. فهل تخضع التكريمات للعدالة أم أن هناك حسابات أخري؟

كتبتُ كثيرا عن الجوائز، وعن الكتاب الكثيرين الذين لم يحصلوا على جوائز، رغم استحقاقهم الكامل، في ظل حصول آخرين على جوائز لا يستحقونها، وهناك كثيرٌ من الاعتبارات التي تُحاط بعمليات المنح والمنع، منها “الشللية”، كما أسلفت القول سابقا.

أسستَ ورشة الزيتون التي تخطت رصد وتتبع الإبداع للمشاركة في الحياة الثقافية، وتفريخ مبدعين.. نود معرفة أهداف هذه الورشة وسر بقائها لفترة زادت علي ٤٠ عاما؟

شعار ورشة الزيتون منذ نشأتها أنها منبر من لا منبر له، ومنصة من لا منصة له، فلا توجد هناك موانع لمناقشة أي عمل، سوى أنه يكون رديئا، أو بوقا لأفكار سياسية رجعية أو متطرفة، وعلى مدى أربعة عقود ناقشنا كافة التيارات والتوجهات الأدبية، واستضفنا مئات الأسماء والرموز والكتاب، وذلك من مصر ومن العالم العربي، وهناك كتابٌ صدر العام الماضي عن الهيئة المصرية للكتاب، يحتوى على شهادات وصلت إلى خمس وستين شهادة تتحدث عن ورشة الزيتون ودورها في الحياة الأدبية والثقافية المصرية والعربية.

‏بوصفك أحد المنشغلين بالثقافة.. حدثنا عن استحداثات معرض الكتاب هذا العام، وعن سلبيات الأعوام السابقة؟

الحقيقة لست مطلعا على البرنامج الكامل لمعرض الكتاب هذا العام، ولكن أريد أن أقول إن معرض الكتاب بكل ما فيه، هو أهم ظاهرة ثقافية عربية تتكرر كل عام بانتظام.

 

 

مقالات من نفس القسم