“عالم جديد شجاع”.. أسباب للتمسك بالحرية

عالم جديد شجاع
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ياسر وهابي

ولعي وحبي لأدب الديستوبيا أو ما يسمى بأدب “المدينة الفاسدة” لم يكن وليد الصدفة، هي عوامل مختلفة ومتنوعة، تجعله الأقرب إلى القلب لدى كل قارئ، وذلك لسببين: الأول أنه مادام على هذه البسيطة نظام شمولي ديكتاتوري فإن هذا الأدب لن يضمحل، والسبب الثاني والأهم هي كتابات العظماء الذين قدموا لنا هذه الأعمال. ف “جورج أورويل” قدم لنا في مزرعة الحيوان طريقة تأسيس النظام الشمولي وفي 1984 بين ميكانيزمات وكيفيات تكريس هذا النظام، وفي ثلاثية ألعاب الجوع قدمت “سوزان كولنز” مسابقة الموت بين أطفال المقاطعات لإمتاع النبلاء أما “راي برادبري” فقدم لنا محارق الكتب وعلاقتها بالوعي في 451 فهرنهايت، وهو نفس الأمر في “حارس سطح العالم” للكاتبة الكويتية “بثينة العيسى”.

أما “عالم جديد شجاع” الصادرة سنة 1932، والتي تحولت لأفلام ومسلسلات عديدة، فيقدم فيها الكاتب الإنجليزي “ألدوس هكسلي” فكرة أشد شناعة، ففي عالمه لا يمنع الناس من القراءة، فهم أصلا لا يرغبون فيها!!

فعلى غرار الكاتب الفرنسي ذو النظرة العلمية المستقبلية جول فيرن، فإن ألدوس هاكسلي اقتحم هو الآخر آلة الزمن وصور لنا المستقبل الفاسد الذي ستصله بريطانيا وباقي دول العالم.

تدور أحداث الرواية في هام 632 ب.ف “بعد فورد”، حيث لم يعد المسيح هو الشخصية المعبودة البارزة، بل أصبح هنري فورد هو رائد هذا العالم الشجاع وإلهه، ولم تعد الصلوات والابتهالات تقام داخل الكنائس، بل أصبحت طقوس التعبد تسمى بطقوس العربدة وتمارس داخل أبنية خاصة، أما الصليب رمز الدين المسيحي فقص طرفه الأعلى وأصبح على شكل حرف “T” وهو رمز ديانة فورد.

في عالمنا إذا كانت رابطة الأبوة والبنوة هي أقدس الروابط، وهي أسمى معاني الحب والإنسانية، فإن عالم هكسلي يعتبرها بذاءة ومجرد ذكرها يعتبر إثما عظيما، باعتبارها علاقة حيوانية قديمة، وما يبرر هذا أن الإنسان لم يعد يولد بل يصنع مرصوصا في قوارير؛ منتظرا ما سيؤول إليه مستقبله داخل الطبقات الخمس، فإما أن يكون من طبقة “ألفا” وهي الطبقة النبيلة والتي يتفرخ عنها قادة العالم وأعضاء حكومته، أو أن يكون محسوبا على الطبقة الدنيا “إبسيلون” وهم عمال النظافة البشعون وأصحاب الوجوه السود والذين يمثلون أغلب الشعب.

يقدم هكسلي مدينته الفاضلة، عالم يبتسم فيه الجميع بفعل عقار “سوما”، عالم لا يعرف المرض ولا الشيخوخة بفضل التلقيحات التي تعطى للمواطنين وهم أجنة، عالم لا يعرف الحب ويعتبره من المحرمات، مجتمع قائم على المتع الحسية والاستهلاك.

من الحوارات الفلسفية التي طرحت في الرواية والتي تعتبر ذات أهمية كبيرة هي: حوار المراقب مصطفى مونييه مع الهمجي، “لا أهمية للدين لأنه لا وجود للتعاسة والشيخوخة في عالمنا”.

وركز هكسلي كذلك على كل من الحرية والفردية في روايته؛ وهو ما ذكره الأديب والفيلسوف والرئيس الأول للبوسنة والهرسك علي عزت بيجوفيتش، في كتابه هروبي إلى الحرية والذي أقتبس منه: “من لا يدرك قيمة الفردية والحرية عليه أن يقرأ رواية ألدوس هكسلي عالم جديد شجاع، غير أن هناك البعض سيأسرهم تصوير حالة الجماعية والتماثل والاستقرار، هؤلاء لن يجدي معهم أي شيء . فمن العبث أن تتحدث عن جمال قوس قزح أو لحظة غروب الشمس لشخص ولد أعمى. لذلك لا ترد على من يسال أين المشكلة في عالم جديد شجاع. فسؤاله يظهر أن أي جهد منك لا طائل من ورائه”.

 

 

مقالات من نفس القسم