على الإنسان إذن أن يفتح هذه البيضة الملغزة والتعامل مع غلافها بحرص وحذر ودون استعجال، على نبض إيقاعه الداخلي، حتى لا يختلط بياضها بصفارها.
أمن أجل هذا كان الأنبياء يعتزلون العالم قبل أن يتلقوا نداءهم.. محمد في غار حراء.. عيسى على جبل الجليل، يونس في الحوت، يوسف في الجب، يحيى في برية الأردن؟؟
اختبار أن تتوحد مع نفسك، أن تتأملها تفك ألغازها ترتق ثقوبها أو ربما فقط تعرف أماكن وجودها وتتعايش معها لأنها جزء منك، الفرار من الحظيرة، لكن الخوف أنك قد تفر من حظيرة لتنضم إلى حظيرة أخرى.
………..
* من يحرر الكائن البدائي في أعماقنا، المشكلة أن هذا الكائن وحيد لايعرف العائلة أو القيود التي تنظمنا في خلية، هو يسعى فقط لإرضاء ذاته، يتجول في الساحات الواسعة، في البراري القديمة، داخل أفكارنا، في اللا محدود من الخيال، ولكن عندما ينطلق ليتجسد خارجنا يصطدم بالمساحة التي تحاصره، القوانين والحدود، عليك أن تراعي كل المحيطين بك، فأنت لا تعيش في فراغ، فيزداد فراغك الداخلي ويتقوقع إنسانك الفطري في أعماق الظلمة، و بفعل الترسيبات والضغوط التراكمية قد يحدث الانفجار، للحظات أو دقائق أو أيام لا تستطيع التنفس كما تريد فتكون شهقة الموت/الحياة. ربما تحتاج أن تموت كي تحيا.
…………..
* تبدو النساء دائما مستعدات للأمومة، لكن الآباء دائما مستعدون للرحيل والبحث عن مرعى آخر. الأبوة والبنوة الاختبار الصعب: الأمومة عذراء تتحمل أقذع التهم و تربى وحيدها، وإبراهيم يهم بذبح ابنه، لم يكن الأمرليأتي لمريم بذبح ابنها، الرب رحمان رحيم، الأبوة مجرد نطفة، قضاء شهوة يأتي منها طفل أو لا يأتي.
………….
* النساء يحملن خصوبتهن وبقاءهن منذ الأسابيع الأولى لوجودهن في رحم الأمهات، تتشكل البويضات داخل مبيض الطفلة مابين الأسابيع الاثنى عشر والعشرين من الحمل. مع كل شهر ينزف جزء من المرأة عاش معها منذ البداية، بويضات النساء تختزن أسرارهن وتختبر معهن الألم و الحزن والفرح.
يقول العلماء : هناك نوع من الجينات موجود خارج نواة خلايا الإنسان، داخل بعض أجزاء السيتوبلازم، تسمى “الميتوكندريا” أو الحبيبات الخطية، هذه الميتوكوندريا تورث من الأم وحدها وليس من الأم والأب معا كما يحدث لجينات النواة، فكل واحد منا يحصل على المتكوندريا الموجودة في خلاياه من أمه فقط ، ومهمة الميتوكندريا أن تساعد الخلايا على استخدام الأكسجين لإنتاج الطاقة، وكلما كانت الخلية أشد نشاطا، زاد ما تحتاجه من طاقة وزاد بالتالي ماتحوية من ميتوكندريا.
ودراسة جينات الميتكوندريا تقود العلماء إلى معرفة الأمهات السلف من الأم ، الجدة وجدة الجدة ، حتى يصلوا إلى أول امرأة بدأت بها أي جماعة معينة أو ما يسمى بأم العشيرة السكانية، فطفلتي ستحفظ لأمي جزاء من وجودها، من كينونتها، جزاء توارثته أمي من كل أمهاتها السابقات.
– إن الحزن قدر النساء.
– و ماالذي يسبب الحزن للنساء؟
– الرجال.
– هذا تصور خاطئ من النساء عن الرجال، الرجال ليسوا أقوياء كما يبدون، بل داخلهم هشاشة يسترونها بالتقليل من شأن النساء ومعاملتهن بدونية.. اذهبي بعيدا، العبي يا شاطرة،..
الرجل يستمد ذاته من الخارج: من ممتلكاته، نسائه ، لا من قيمته المجردة عاريا
– وذكورة الرجل؟
– أنوثة المرأة أشمل و أعمق.
– هل يمكن أن تكون النساء في وضع السيد ؟
– ممكن طبعا.. لكن هذا لن يحل التوتر القائم بين الطرفين، كل خضوع يغذي تمردا ما، وكل استبداد يؤدي إلى انفجار وثورة ،
– لكن النساء لا تشعرن بهذا الغبن وترين في ذلك شيئا طبيعيا.
– يا عزيزتي: لدينا إرث طويل من التعود والمقولات الضخمة، من كان يصدق أن الشمس مركز الكون، وأن الأرض تدور حول الشمس، الحرية مسئولية وبعض النساء يعتقدن أنهن لم يبلغن سن الرشد، ثم لا تنسي التفسيرات الدينية التي تعد المرأة الخانعة بالجنة. كل يتنازل عن إنسانيته في سبيل المجهول.
– وأين الله من كل هذا؟
– الرجال يصورون الله وكأنه وكيل أعمالهم الذي لا هم له سوي إبعاد أي أذي أو تجربة عنهم، كأنهم قاصرون أو غير راشدين أمام المرأة، وغواية المرأة، مع أن المنطق يقول إنهم إذا كانوا لا يستطيعون تجنب الفتنة سوى بحبس النساء فإنهم الأولى بالحبس والإمساك.
أنت لم تسمعي الله مباشرة، كل ما ترددين من حكايات جاء إليك عبر آلاف الشفاه، سقط حرف وزاد حرف، لكن الله موجود دائما فيك دون تحريف، لا يحتاج لهذه الوساطات، أريد أن أسمع الله الموجود في خلاياك.
يحزن الرجال البسطاء الذين يجلسون على المقاهي في الطريق للبلدة وهم يطلون على الرياح التوفيقي والمياه مستمرة في جريانها وهم يدخنون الشيشة والقنوات الفضائية تنقل لهم ما يحدث وهم يدلون بدلوهم: معقول، الحمد لله ليس لدى نسائنا أموال، الاستتنساخ للنساء الغنيات فقط، يذكرهم أحدهم : “لكنهم قالوا ذلك عندما صدر قانون الخلع، أم صلاح أعادت لي كل شيء وتركت الجمل بما حمل، وذهبت للسكن عند ابنتنا..
تصدر تنهيدة حارة من بعضهم، يشترك معهم “حسن” العريس الجديد الذي لم يمض على زواجه أسبوعان.. المصيبة ليست فيكم، المصيبة مصيبة من لم ينجب، أو لم يتزوج.
ومثل ديناصورات بطيئة تجر أقدامها والضوء يخبو قليلا.. قليلا، يقوم الرجال من المقهى على أمل ألا تكون زوجاتهم قد شاهدن ما حدث، وكل يفكر كيف يمكنه أن يحافظ على نفسه ويضمن استمرار وجوده، يتملكهم الخوف عندما يلتقون بزوجاتهم، حتى مع الابتسامة المطمئنة، والأحضان الدافئة، يلاحظون شيئا ينمو في عين النساء، شيء يردن أن يجربنه للمرة الأولي، لم يكن دلال المرات السابقة واشتراط شراء قطعة أرض باسمها أو السماح لها بالعمل أو الموافقة على زيارة أهلها، هناك ما هو أعمق.. نداء حثيث: أن تنام معي عادي، أنا أيضا أريدك، حاجة مقابل حاجة، أم أن أخلدك فلي شروط ، مفتاح خلودك لدي.
وفي كل صباح يزداد عدد الرجال الذين يجلسون على حافة الترع وفي الشرفات، يبدون اهتماما كبيرا بالغبار الذي تنفضه زوجاتهم عن حواف النوافذ، وهم يتخيلون مآلهم إن لم تنجب زوجاتهم، يسيطر عليهم الخوف من أن يصيروا مجرد تراب تدعك به الفلاحات أوانيهن وهن يتسامرن على كافة الترعة. ازدياد اهتمام الرجال بالتراب الناعم جعلهم يمسكون المنافض، يساعدون زوجاتهم.. لا أحد يمكنه أن يتصور كيف يؤثر اهتمام الرجال بالتراب والغبار في تغيير العالم. رغم أن الزوجات كن ينجبن بشكل عادي وفقا لمعدلات الإنجاب الطبيعية إلا أن الرجال قد عرفوا الكتابة على الغبار للمرة الأولى، وانتشرت عبارات: خذي كل أموالي.. يمكنني أن أستأجر رحما آخر.. دوما سيكون هناك رحم أنثوي، لن يوجد ذكر كامل أبدا. وعندما يتطوع شيخ جديد ويفتى بأن المرأة التي لا تنجب من زوجها دون وجود مانع طبيعي فهي لا تؤدي حق زوجها تتصدى له سيدة من عالمات الدين وتقول “إن الإسلام لا يجرم عدم الإنجاب، والزواج هدفه الأساسي ليس الإنجاب بل المتعة، وإن الزوجة إذا كانت تؤدي حق زوجها الشرعي بما لا يتعارض مع حالتها الصحية والنفسية فإنه لا جرم عليها”. بل تنصحه ألا يستثير غضب النساء، وأن يترك الأمر للأزواج والزوجات فهم أدري بصالحهم. تلاقي هذه الفتوى صدى كبيرا، ويؤيدها الرجال في هذا الأمر كثيرا… فقد بدا أن العصر الذي اعتقد الرجال فيه أن الله وكيلهم قد انتهى، وأن عليهم أن يلجأوا إلى طرق أخرى، ويبدو أن إيمان الرجال كان مرتبطا بهذه المزايا التي انتهت فاعليتها، وأن لدى الله مشاغل أهم بكثير من مراضاة رجل يحك عضوه ولعنة امراة تتمنع عليه، ليصبح السوق حرا للعرض والطلب، ودور الدولة التنظيمي مزحة قديمة، وسيعاني الرجال الذين يمارسون الجنس بالمنطق الروماني “الجنس ليس تواصلا، الجنس غزو، إحكام سيطرة ” أكثر من غيرهم، هؤلاء صاروا مثقلين، وكأن شيئا في الكون تغير، وهم يجدون النساء يتجاوبن معهم بندية تخيفهم، وتجعل رماحهم في حاجة إلى دعم كبير من أسنان وأصابع الزوجات.. كعادتهم لم يكترثوا في البداية للأمر، لكنهم في النهاية صاروا يموتون في وحدة وصمت وبجوار أسرتهم زجاجات تمتلئ بمنيهم.
وماذا بعد؟ لا تفكري كثيرا، سيخضع الجميع للقوانين الجديدة، كل مجتمع قادر على إيجاد آليات تنفيذ قوانينه، بالجنة.. بالنار.. بالعيب.. بالله، في النهاية سينسحبون من الميدان، وستجدين من يبارك الوضع الجديد، وتتبدل المواقع والأدوار، وتبقي لعبة الكراسي الموسيقية يديرها البلياتشو، صديقك القديم بألوانه وخطوطه، ووجهه المختفي خلف قناع، لا يتيح لك أن تعرفيه أبدا، وحينما ينطفئ الضوء تبقين أنت وحدك.. مع ابنتك، مع نفسك أمام مرآتك وجها لوجه.
خلاصة
– لا شيء يتم ضد إرادة الله.
……………………..
*متفرقات من رواية “حسن الختام”