في عام 1914 تزوجت، بعد رفض الكثير من الخطاب، وانتقلت إلى نيويورك في عام 1916، وبعد سنتين من ذلك فازت بجائزة جمعية الشعر في جامعة كولمبيا، وهي الجائزة التي تحولت لاحقا إلى أهم جائزة للشعر في الولايات المتحدة وباتت تحمل اسم بوليتزر. كان فوزها بهذه الجائزة عن ديوان صدر لها عام 1917 بعنوان “أغنيات حب”. وبعد ذلك الديوان أصدرت سارة تريفور تيسديل ثلاثة دواوين أخرى هي “لهب وظل” عام 1920 و”القمر المعتم” عام 1926 و”نجوم الليلة” عام 1930.
انفصلت عن زوجها في عام 1929، وعاشت بقية حياتها شبه مقعدة بسبب المرض. وفي أحد أيام عام 1933، وبعد نوبة عنيفة من الصراع مع الالتهاب الرئوي، انتحرت سارة تريفور تسديل بتناول كمية كبيرة من الحبوب المنومة.
***
بعد الحب
ذهب السِّحرُ
لم يبق منه شيء
وصرت وإياك نلتقي
مثلما الناس تلتقي
لا أنت معجزة لي
ولا أنا لك.
كنتَ لي الريحَ
والبحرُ
كنته أنا لك
والآن
لم يبق من بهاء لدينا
صرتُ بِرْكَةً
فاترة الموج.
ربما البركة آمنة من العواصف
ربما البركة آمنة من المد والجزر
لكنها برغم الوداعة
تبقى أمرَّ من البحر.
***
السِّحرُ ـ الريح والبحر ـ المرارة. ذلك ما نريد أن نكتب عنه في السطور التالية.
في كثير من الحكايات الشعبية، نجد المصابين بالسحر، يناضلون من أجل التخلص منه، أو ينيبون من يسعون إلى تخليصهم منه، على أن يكافئوهم لاحقا بقصور، أو بممالك، أو بأنفسهم عبر زيجات ملكية. هنا، في قصيدة سارة تيسديل، حسرة على تبدد السحر. فالسحر هنا إذن ليس السحر الذي يعرفه الناس ويخشونه. وتلك مشكلة الشعر، والحب: كلاهما يضعان المرء في حالة تشكك في الكلام، وفي قدرة اللغة على التعبير ، كلاهما يشعران المرء أنه يمر بما لا يمكن للغة أن تصفه، فيلجأ إلى المجاز، وإلى تحميل الكلمات ما لا تحمله بطبيعتها.
تساعدنا القصيدة في أبيات تالية على تفهم المقصود تحديدا بالسحر. لقد كانت وإياه في حالة غريبة، كان هو الريح وكانت هي البحر. ليس المقصود هنا أنهما مسخا إلى شيئين، بل ربما المقصود أنهما صارا بالحب، أكبر، أو أقوى، صارا غير قابلين للاحتواء، فأي شيء ذلك الذي يحتوي البحر أو الريح. لقد صارا مهمين، عظيمين جدا، ريحا وبحرا. ثم حدث ما لا نعرفه، مصيبة نزلت على الحبيبين، فإذا هي بركة، وإذا هو عدم، فلو تحول من ريح إلى أي شيء غير العدم لكانت القصيدة اهتمت بذكره.
والآن إلى المرارة. البركة أهدأ موجا من البحر، وأكثر أمنا لكنها أكثر ملوحة. عفوا، أكثر مرارة. هذا ما تقوله القصيدة. لقد أصبحت أنثى الإنسان تلك بسبب الحب بحرا، وبسبب الهجر على الأرجح أصبح البحر بركة، وبسبب فقدان الحب، أو خسران رتبة بالتحول من بحر إلى بركة، أصبحت البركة تشعر بالمرارة. بينما تحول ذكر الإنسان إلى ريح ثم عدم.
هناك خياران: إما أن الحب شيء جميل، لأنه يجعل الناس يشعرون أنهم صاروا أكبر وأقوى وأعظم وأبهى بحيث لا يمكن أن يوصفوا بأنهم مجرد بشر. والخيار الثاني أن الحب شيء غير جميل، لأنه يجعل الإنسان في مهب تحولات تعجزه عن فهم ماهيته، وتنتهي به وقد ازدرى نفسه بحيث يراها بركة بعد بحر، مريرة بعد عذوبة، فالحب يجعل الإنسان بحرا عذبا فيما يبدو. هناك خيار ثالث، ولكنه ربما لا يكون شعريا، ربما لا يستدعي من الصور ما يحترمه الشعراء المخلصون للحب: خيار احترام الإنسان لنفسه كفرد، خيار نظر المرء إلى نفسه بوصفه كائنا قادرا على تحقيق احتياجاته. وبالطبع، ستبقى أنثى الإنسان بحاجة إلى ذكر الإنسان، والعكس بالعكس. ولكن من منا يزعم أنه واقع في غرام الهواء لمجرد احتياجنا إليه، من من الشعراء كتب قصيدة حب في حذاء، أو مديح في شجرة نحتاج إليها ظلا وثمرا وخشبا. من من الشعراء يشعر بالمرارة حين تهجره الشجرة؟ لا أحد. فهل ذلك لأن الشجرة لا تملك أن تهجر الإنسان؟ نعم. وهل ذلك لأن الإنسان يملك الشجرة؟ نعم. جميل، عرفنا إذن أشياء قيمة عن الحب والملكية والحرية والشجرة. ولنا في الشعر منافع أخرى!