“ضريح أبي”.. سيرة موازية شبه شعبية  

ضريح أبي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أكرم محمد 

ينبثق من كتابة طارق إمام شذى شاعرية تشيد بنية نصوصه، وفي روايته “ضريح أبي”، الصادرة في طبعتها الأولى وطلتها عام ٢٠١٣، عن دار “العين”، والتي أعادت دار “الشروق” نشرها، تُشيد البنية الروائية على عنصرين يمثلان هيكل البنية وأساستها؛ حيث الشاعرية وبناء نص موازي للسيرة الشعبية.. يخلق طارق إمام سيرة شبه شعبية لمدينة تشبه وطنه الضائع، ويقطن بداخلها الإنسان الذي يبحث عنه في كل نصوصه، والذي يبحث عنه هنا منطلقا من السؤال عن علاقة الإنسان بالسلطة، منطلقا من البنية الشعرية بنص روائي، ومن خلق سيرة شبه شعبية. دينامية الفلسفة في هذا النص تبحث عن الإنسان من سؤال فلسفي عن كنه السلطة، مستخدما كل عناصر النص، بما فيها السيمائية، التي تظهر بشدة في تلاوة آيات القرآن وإختيارها وتوظيفها لخلق بنية فلسفية موازية لفلسفة النص تقوم على السيمائية تلك، ولوحات النساء وغيرها، مما يخلق ثنائيات بين أدوات السيمائية.. 

تتحد عناصر النص وجوانبه لسؤال الفلسفة منطلقة من السلطة الأبوية كعنوان لفلسفة النص، بداية من العنوان، حتى البنية الدرامية القائمة على علاقة فلسفية ذات عنصر فلسفي يتوارى في ثنائية الرمز/المباشرة لعلاقة أب ميت ذي ضريح خالد يعكس الجهل والعجز والسلطة، انطلاقا من الأبوية، كعنوان للنص؛ حيث ثنائية التمرد/السلطة، القمع/الحرية، الإنسان/السلطة السلطة الأبوية/التمرد وعلاقتهم بالمجتمع، وهي العلاقات والثنائيات الفلسفية والإجتماعية المنبثقة من ذاتية متأثرة بوطن أصولي فقير يُخلق من إلهامه مدينة موازية للواقع، الخلود/الفناء، الموت/الحياة، والعلاقات والسجايا الإنسانية، مثل علاقة الإنسان بالسلطة والمجتمع والوطن والتمرد والمكان والزمان والموت والفراق والألم والذاكرة والماضي والوطن وغيرهم، ومن سؤال الوطن هذا يبني “إمام” مدينة تربض بها الفلسفة وخلق واقع موازي كتمثيل لجغرافيتها. كل موقع في مدينة “جبل الكحل” هو رمز فلسفي وإجتماعي وسياسي ينبع منه بناء مدينة ذات ندوب، يقطنها عجائز يعجزون عن سلك دروب من حرية وتمرد.  

يقطن أيضا بنص طارق إمام ثنائيات فنية تشيد ثنائيات ورموز فلسفية، فتربض ثنائية رجل/مرأة، عجوز/ حالم، وتلك ثنائيات تشيدها شخصيات النص، أما الثنائيات الفنية الأهم، والتي تخلق سؤالا فلسفيا وتجريبا فنيا، هي التجريب/الكلاسيكية، حيث تنبع الكلاسيكية من سرد سيرة شبه شعبية، وثنائية  الرمزالمباشر/الغير مباشر؛ حيث توجد رموز مباشرة تضفي على النص طابع يخلق تنوعا يشيد دينامية؛ حيث تسعى كل عناصر النص لبناء فلسفة واحدة عن الإنسان ومعاناته وعلاقته بكل ما حوله، وعن السلطة والموروثات والمجتمع الأبوي المنصات لموروثاته. 

مفهوم “الوطن” في هذه الرواية يخلق عنصر في البنية الروائية يقوم على خلق عالم مواز. مدينة النص هنا مشابهة للواقع، مطابقة الطابع الأثير لواقعية لم توجد بالنص؛ بل وُجد ما هو مواز لها من تجريب وتخييل للواقع، كسيرة شعبية تروي مأساة وطن وسؤال إنسان. توجد عناصر مطابقة للواقع، رموز مباشرة تخلق من هذا العالم الموازي تأكيد على كونه تخييلا لعالم واقعي واستخراج الفلسفة منه.. 

المفهوم الفني والفلسفي والإنسان للدين وتمثيله في الوطن، المتطرف للمدينة الموازية للواقع في النص، تمثل أهم نقاط البحث عن سؤال السلطة منطلقة من السلطة الأبوية، وتطرح، أيضا، ثنائية المباشرة/الغير مباشرة. يجد الفن نفسه عنصرا داخل الفن.. جزء لا ينفصل عن النص.. عنصر يمثل ذاته ويمثل رمزه؛ حيث يتمرد على هذا المتوارث و”الأبوي” من ضريح وأصحاب لحي. السيمائية والكتاب.. لوحات النساء العاريات، المرسومة على جدران بيت الراوي، وغيرها.  

البنية القصصية تحتل جزءا كبيرا من هذا النص. البنية القصصية هنا تمثل دافعا لسردية تحمل في ثناياها تجربة مميزة، وفلسفة محكمة ذات أيدولوجية واضحة، رغم الجدلية القائمة في النص، ولذلك تسرد الرواية بضمير المتكلم. البنية القصصية تبني فلسفة منفصلة متصلة عن العمل، وتبني نصا متكاملا موازيا للرواية، وتطرح الشاعرية كجزء منه ومن الرواية، العنوان الأشمل.. 

تخييلا الواقع رغم مباشرته، أحيانا، وخلق الرمز من عجابيته، في أغلب الأحيان هي الفكرة المسيطرة على النص، والنابع منها، والمنبثق منها كأساس للبنية الروائية، عدم الإنتماء لزمان؛ حيث اللازمان هنا هو واقع يعكس الواقع.. لا توجد علامات على حداثة الزمان ولا على قدمه، مما يضفي طابع ممتد الأثر الفلسفي والفني للنص..  

من فكرة تخييل الواقع أيضا، تنبض الذاتية الرابضة بالنص؛ حيث تمثيل وطن ضائع كائن في سمائه تسلط أبوي ومروروث لا ينتهي، وحيث تمثيل كل أسئلة الإنسان في واقع موازي مكلوم، بالأسئلة الإنسانية والسلطة الأوبية مكلوم.. 

التمرد على الموروث هنا يمثله كل شئ، بما فيه سردية تخلق من الشاعرية سيرة شعبية، ليست موروثة،؛ بل هي سيرة موازية للسير الشعبية وموروثها، والتمرد على عناصر التقديس. سردية تحتفي بالتدوين في فكرته البدائية والموروث الشعبي والتجريب والتمرد عليه، وتقديم بنية درامية متشعبة، تقوم على نسبية الواقع، وكأنه أضغاث أحلام موتى، بتقديم النسبية كفكرة فلسفية من محيط البنية الدرامية، وتقدم الأحلام والتدوين كجزء من أساس لبنية درامية وروائية. بنية درامية تمثل امتداداً لنص قصصي بعنوان “حكاية رجل عجوز كلما حلم بمدينة مات فيها”، وهي النص الأخير من مجموعة قصصية تحمل في رحم عنوانها العنوان ذاته، وهنا يقتبس “إمام” الفكرة بفلسفتها حول الموت والفناء والخلود، ليحولها إلى سؤال عن الإنسان ووجوده والسلطة والوطن.. 

مقالات من نفس القسم