“صدی الأرواح”.. تفكيك النفس البشرية في عمل أدبي!

صدى الأرواح
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

سيد عبد الحميد

“صدی الأرواح” رواية للكاتب السوري “عبدالخالق كَلاليب” صدرت عن دار التنوير عام 2018 تتحدث عن طبيب سوري يعود إلی بلده بعد حصوله علی الشهادة الجامعية التي تُمكنه من مزاولة مهنة طبيب للأمراض النفسية من فرنسا، وبعد عودته بأربع سنوات يسكن في منزل حدثت به جريمة قتل منذ 22 عامًا لشاب يُدعی “حامد إبراهيم”، ويبدو أن من قتله هو صديقه في مستشفی الأمراض النفسية الذي دامت صداقته معه حتی بعد تعافيهما وخروجهما واحدًا تلو الآخر من المشفی، ولكن “سعيد زنزن” صديق حامد والمتهم بقتله يموت بعد مقتل صديقه بثلاثة أيام وتُغلق القضية علی هذا الأساس.

يعثر الطبيب علی حقيبة مهترئة تحتوي علی دفاتر كُتبت بيد القتيل، ويدفعه الفضول للقراءة، ثم الرغبة في تحليل شخصيته ومعرفة مرضه العضال الذي عاش به، ومعرفة دواعي مرضه وأساسه، ثم يدفعه الفضول للبحث عن كل من تم ذكرهم في هذه المذكرات التي ماتت بموت كاتبها منذ أكثر من عقدين.

يتحدث “عبدالخالق كَلاليب” بلسان الطبيب النفسي، وينقل إحباطه ومحاولاته المرهقة في معرفة الجاني الحقيقي، وبسلاسة وخفة ورصانة يغوص داخل نفوس الأشخاص وأبطال العمل واحدا تلو الآخر كي يجد ما يريح ضميره المهني، وكي يساعد روح “حامد إبراهيم” الذي عاش مُعذبًا تحت وطأة الشعور بالعزلة الإجبارية في منزل كبير لا يضم إلا هو وجدته العجوز وبين موتة قاسية لم يكن يستحقها هذا الشاب الذي منعه الاكتئاب والاضطرابات النفسية من عيش الحياة بصورة ممتعة علی أي نحو.

ينسج الكاتب عبدالخالق كَلاليب روايته  بكلمات قوية، بسيطة كالماء، مركبة في بعض الأحيان بسبب المصطلحات الطبية، برصانة، وبمهارة جراح ماهر أمسك بالقلم وخط رواية شجية شديدة العذوبة والصعوبة في آنٍ واحد، تقاطع سرد الطبيب مع تدوينات القتيل ما جعل القراءة عملية ركض متواصلة خلف الحقيقة المرجو معرفتها ومعرفة أسبابها، والأسلوب الشاعري والمفردات الحية السرد، وموسيقی فاغنر الحزينة ومعزوفات باخ الهادئة التي كانت موجودة في خلفية النص، كل هذه المكونات جعلت السرد المكثف لأدق التفاصيل سواء لحياة الطبيب أو القتيل، واللغة التي جعلت النص جنائزياً علی غرار المقطوعات الموسيقية المذكورة، والفكرة التي تتأرجح ما بين البوليسية والفلسفة وعلم النفس، لم تجعل الملل يعرف طريقه للتسلل أثناء القراءة، كلها أشياء صنعت نصاً بديعا، من الصعب عدم التوقف أمامه لتأمله.

 

مقالات من نفس القسم