شهوة الملايكة..اقتفاء أثر الوجع

شهوة الملايكة..اقتفاء أثر الوجع
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

شرين يونس

 

استطاعت سعاد سليمان في مجموعتها القصصية "شهوة الملايكة" الصادرة مؤخرًا عن دار "روافد" أن تقتفي أثر الوجع بجدارة، وجع أنثوي وإنساني، ومجتمعي، بلغة رغم بساطتها إلا أنها تتميز بعذوبة وخيال ينبع من بيئة ومواقف حياتية يومية شديدة الالتصاق بمجتمعنا المصري.

42 قصة تتنوع ما بين القصيرة والقصيرة جداً، جاءت في معظمها كحكمة بالغة، بما تشمله من مفارقات وسخرية لاذعة وانتقاد للنفس البشرية بأنانيتها حيناً ومحاولاتها الحثيثة للخروج من دائرة الوحدة، أوالتمرد على تصلب المجتمع وعاداته وخرافاته،ونظرته الدونية للأنثى أو لفئات اجتماعية بعينها.

 

الأنثى البطل الأعم لقصص المجموعة، لها نصيب الأسد منها، بكافة أطوارها العمرية وحالاتها النفسية، أنانية كانت أم حنونة، كنملة مهروسة، أو متمردة ومنتقمة، وبالغة الحكمة رغم بساطة العيش وضيقه، فكانت في معظم القصص مرآة للمجتمع تكشف نقاط قوته وضعفه وصلفه أيضاً، وحتى حينما كانت بعض القصص عن بعض النماذج الذكورية، جاء السرد على لسان وبرؤية أنثوية أو حتى حولها.

أعجبني كثيراً أن المرأة لم تكن دائماً مستسلمة، بل هي ترى نفسها “أشطر من نملة مهروسة”، ولها نفس طويل على الانتقام من صبي غبي انتقد سمرتها وشعرها الخشن، فتزوجته وامتصت موارده على مراكز التجميل، فكان خير انتقام منه كما في قصة “قمر 14″، أو كانت شديدة الغرور فدفعت ذكورها للموت كالغزلان بالدوران والسعى خلف سراب محبتها “قصة كما تموت الغزلان”.وهي رغم مرضها متمسكة بملامح الجمال فتطالب بمراآة وصبغة شعر قبل إجراء عملية جراحية خطيرة في قصة “صبغة شعر”:

“نظرت في عينيه ببراءة طفلة، وعناد امرأة لا تتنازل بسهولة، حزنت من رؤية شعيرات بيضاء تلوث رأسها، وكان الطلب الغريب الذي ظل “حكيوة” المستشفى شهوراً طويلة:أريد صبغة شعر، قالتها ببصرامة.

أعادت سليمان في ذلك إنتاج القصص الدينية والأساطير القديمة، كأسطوورة إيزيس التي أعادت توزيع أشلاء جسد أدم لكل امرأة أوجعها بخيانات لا تنتهي فقالت في قصتها “إيزيس تعيد توزيع الأشلاء:”غسلنه بماء طهور، رفعنه فوق رؤوسهن،في انتظار أن يتخطفه الطير”.

أجمل ما ميز المجموعة هي المشاهد شديدة الالتصاق بمجتمعنا المصري، يكشف ما يعانيه من ألم وفقر، فكانت مشاهد طازجة، كما -على سبيل المثال وليس الحصر- مشهد المستشفى في “لعنة الأي آي”، و مشهد الرجل الصعيدي على مدخل الجامعة الذي جاء ليتأكد من صلاح ابنته الطالبة قصة “الرجل ذو العمامة”، وقصة “خلف خلاف” حول الأسرة التي لم تكن يكفيها غطاؤهم، إلا إذا ناموا خلف خلاف:

“حيث يتوسط الغطاء الجزء الأوسط من أجسدا مكدسة على الأرض تتدفأ من عظامهم، لمزيد من التحايل على الدفع بحرارة تبقيهم على قيد العيش يدخلون أرجل بعضهم ما بين الثياب اللحم.، وقصة “عظمة يا ست” حول الرجل الفقير الذي حرص على حضور كافة حفلات أم كلثوم.

كما فردت مساحة ليست باليسيرة للبسطاء، حكت عن معاناتهم وأحلامهم، مهما كانت بسيطة وتتمثل في جمع صور العندليب في قصة “قبر العندليب”، والاستماع وحضور حفل لأم كلثوم في قصة “عظمة يا ست” ومجرد تفاحة أمريكاني تخبئها في طيات طرحتها لتوزع قضماتها على أبنائها الستة “قصة تفاحة المحب”.

القصص تعري المجتمع نقائصه وما يمارسه من تمييز، ونفاقه وما يفرضه من وصاية دينية على أفرادهه، فتراها في “الرجل ذو العمامة، تنتقد نظرته القاصرة لمعنى الشرف والرجولة التي ترهنه بصلاح المرأة،وتمييزه ضد المرأة السمراء في “قمر 14″، والمرأة المطلقة في “طلاق”.

أما عن الوصاية الدينية ففي قصتها “شهوة الملايكة”نجد الأم التي تدعو ابنتها للتستر حتى بين جدران بيتها لئلا تثير شهوة الملايكة، وأيضاً قصة “استغفار” حول الأب الذي يعاقب ابنه المراهق باتهام تفريغ طاقته الجنسية،وكذلك في شيخ الجامع الذي كفر الرجل البسيط حينما طالب بوضع البطاقة التي تحمل توقيع أم كلثوم معه في القبر لتونسه في قصة “عظمة يا ست”، وهي في ذلك كله تبتعد تماماً عن أي شبهة للخطابية أو الوعظ، أو الأكليشيهات المشهدية أواللغوية الجاهزة:

“أصاب جنون الاستغفار عقل الفتى، ولم يستطع الأب وكل الأهل والأقارب ومهدئات أطباء الكمستشفى المجانين أن تجعل يد الفتى تكف عن كتابة : استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم، استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم، استغفر الله العظيم م كل ذنب عظيم”.

ورغم تلك الوصاية الدينية، إلا أن المجتمع ما يزال يمارس كافة الموبقات بدءاً من النفاق في “بنت المجنونة”، واتباع أثر الخرافات كما في قصة “سمكة الرزق”، و”أم صدام”.

العلاقة بين الأجيال كانت ملمحاً آخر في القصص، سواء العلاقة بين الأم وابنتها في “صلاة القلوب”، و”بنت المجنونة”،و”شهوة الملايكة”، و”تفاحة المحب”، و”ست الحبايب”،و”الدعاء المستجاب”، أو الأب وابنه في “استغفار”، فكانت علاقة تتسم بالقلق الشديد، الشد والجذب، بعيدة عن التصوير المثالي لها في الأغاني العاطفية، بل هي تسخر من تلك المثالية المفرطة الرومانسية:

“أمي طيبة ولكن لا وقت لديها للحنان، فهي تربي عشرة غيري، ولا تعرف التعبير عن مشاعرها بالطبطبة والاحتضان كتلك التي تجيدها عزيزة حلمي في كليب الأغنية”

“انتزعني صوت أمي من المقارنة التي يجريها عقلي بينها وبين عزيزة حلمي بسؤال أخجلني:لماذا تبكين في كل عيد أم وأنا مازلت حية أرزق؟ مسحت دموعي ولم استطع أن أقول لها:إنني أريد الأم التي في الأغنية”.

أقل ما يوصف به المجموعة هو الإيجاز واتباع مبدأ ما قل أو دل، دون إخلال بمتعة السرد.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 قاصة مصرية 

مقالات من نفس القسم