شهريار يكتب سِفْرَ السقوط

شهريار يكتب سِفْرَ السقوط
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

فرانسوا باسيلي

خمسة عشر عاماً مضت، في 30 مارس 2003 سقطت بغداد علي يد الجيش الأمريكي الغازي علي رأس تحالف بغطاء دولي وعربي. وكانت بغداد قد سقطت من قبل في 10 فبراير1258م علي يد المغول.

في البدء


كيف أكتب سِفْرَ
السقوط

ويدي يابسة 

سقط سيف الليل منها 

بين دجلة والفرات 

منكسراً علي سيف النهار 

وسموم الهزيمة تسرح في دمي 

النخل يخجل مني 

هدم الغزاة مملكتي

لم يبق حجرٌ علي حجر 

وبقي الغبار في يدي 

لا جسدي جسدي 

ولا فم شهرزاد في فمي 

يلقمني شهداً وحكايات 

ولا علي ذراعي رأسها الناعسة 

ولا في جواري فرعها بلا إزار

كيف أكتبسِفْرَالسقوط

قابعاً في قاع قبرٍ، لَاأَزُورُ وَلَاأُزَار

أنا الذي كنت أملأ الدنيا 

وأشغل الساحات 

أنا، وكأني لم أعد أنا 

في حفرةٍ أتخفي من أعين الغزاة 

حولي جثثٌ من معاركٍ قديمة

لشعوبٍ لم تحسن الإختيار 

سطت عليها العماليق والآلهة 

الذين جئتُ من نسلهم 

كم إلهٍ ذاب في دمي 

فصارني 

وصرتُ  إبنه البار 

قال اكتب 

قلتُ لست كاتباً، لا حبر، لا أقلام  

قال أنت مني، وأنا الناطق القيوم 

قلتُ أنت دائمٌ، وأنا لا أدوم 

فما جدوي الكتابة؟

قال اكتب 

فيتبعك الغاوون والصحابة

قلتُ لست كاتباً، أنا محاربٌ مهزوم 

هزمتني السيوف فكيف تنقذني الحروف؟

قال اكتب 

قبل أن تنام فلا تقوم  

سوي في ليلة الزحف العظيم 

للكائنات من التراب إلي النجوم 

  

قلتُ إذن سأكتب سِفْرَالسقوط 

مرثيةً لعواصفٍ مريرة 

وتراتيل احتضار

رجفة شبقٍ أخيرة 

تعلقاً ببريق نهدٍ يتهدج 

وجمرة جسدٍ يتوهج 

ثم يخمد  

أنام بعدها ساكناً

لا صعود ولا هبوط 

………………………………………

قال اكتب سِفْرالسقوط الذي لشهريار 

قلتُ خَلَقْتَنِي مِنْ طِينٍ، وَخَلَقْتَهُمْ مِنْ نَار

لهذا هزموني

فكيف تدعوني لأكتب الأسفار؟ 

……………………………………

  

هل أبدأ بالتذكار؟

كانعرشي في دمشق مرةً 

ومرةً ببغداد 

ممالكٌ أفردها إله الأقدمين لي 

تضخ نوراً علي نور 

وأجساداً علي أجساد 

ولي تخومٌ وأبراجٌ مشيدةٌ، وقلاعٌ عالية 

وبيوتُ مالٍ مليئةٌ وخاوية 

و شعرةٌ لمعاوية 

بها أسوس الناس عنوةً أو عدلا 

فَأظَلُّ جَالِسًا عَليَ عَرْشي 

رغم هزائمي الكثيرة

مُتَوَّجًا، مُكَلَّلًا 

كل ليلة كنتُ أختار جاريةً 

عذراء تدفئني مفاصلاً وأناملا 

في الليل آتيها غامراً متوغلا 

وفي الصباح أقتلها

وأخرجها من ملك يميني  

حتي أتتني شهرزاد 

تطعمني وتسقيني 

حكايةً بلا بدايةٍ ولا نهاية

سحراً يهب من غربٍ وشرق  

وشعراً أعذب من لهاث العشق 

فإذا الزمان ليس كالزمان 

والمكان كان يا ما كان 

وإذا يغمرني ما ليس في الحسبان 

ليلٌ من الأقداح والأفراح 

وفي الصباح يخفتُ المصباح في صياح الديك 

فما استطعتُ قتلها 

ولا رددتُ قولها  

جاريةٌ كما لا تكون الجارية 

كإلهةٍ هبطتْ وحطتْ عارية 

وَتَنَكَّرَتْ فَتَغَطَّتْ بدغلٍ وبستان 

وجنانٍ من لبانٍ ولبن 

وعسلٍ ونبعٍ سال ماءً زُلاَلا

وإذا أنا في ذراعيها قتيلا 

كم كان ليلنا طويلا 

   

والآن لا أري فجراً ولا ليلا 

أزْمِنةٌ مَرَّتْ بَيْنَ أيَّامَيْ وَبَيْني 

وَأَحْجَارٌ مِنْ حُطَام مُدُنَيْ 

حَطَّتْ علي عَيْنِي 

فَلَا أري جَيْشًا يدب، ولا نملا 

ولا حصان أشتري بركضه مملكتي 

أكر أو أفر، ولا فرار 

حولي جثثٌ عمياء تمشي 

من هلاكٍ إلي هلاك 

ثم تمضي مكلومةً إلي سمائها 

فلا يهش لها شيطانٌ ولا ملاك  

فتعود خائبةً إلي القبور

قد يجيء دهرٌ آخر 

يثور فيه من يثور 

ليحررهم من موتهم

دون رغبتهم 

فيقتلونه 

ويبايعونني ملك الملوك 

  

أكتب سِفْرَالسقوط 

ذاكراً أو ناكراً ما قد تولي

سارقاً ناراً من الشيطان 

أو نوراً من الإله ما تجلي 

دنا فتدلي 

سأكتب ما يمليه قلبي 

وليس بعد القلب عقلا 

ولن أكون كاذباً متنصلا 

قد تعثرون علي الكتاب في تراب بيتي 

أو تحت أطلال مملكتي  

 ناقصاً أو كاملا 

فتعرفون الحق سرمدا 

وكأن معرفة الحقيقة حررت أحدا 

أبداً، أو جنبته مقتلا 

 قال إله الأولين 

(أو لعله إله الآخرين 

كم إلهٍ مَرَّ في شفاه المؤمنين 

يصول فيها آمراً ويجول)

قال قل عني

فأنت في الأرض لساني 

اكتب حروفاً باسم ربك الرحيم 

ألف، لام، ميم 

واقتل عدواً أو حليفا 

واقتل قوياً أو ضعيفا 

كل حرفٍ صار سيفا 

كل آيةٍ حجراً لرجم الزانية 

وحروباً علي الكفار 

صار بيني وبين الناس 

أسوارٌ علي أسوار 

وشعرةٌ مقطوعةٌ لمعاوية 

وصار بيني وبين الناس عشتار 

أعرفها في الليل 

ويعبدونها ليل نهار 

……………………………………………
عشتار إلهة الحرب والحب في بابل القديمة، وتقول ويكيبيديا أنها

تصور على هيئة امرأة عارية تركب وحوشاً، وتجمع بين الجنس الإباحي والإجرام

الدموي وتحكم الشرق الأوسط منذ آلاف السنين

خاطبها جلجامش في ملحمته قائلا،

ما أنتِ إلا مَوقد سرعان ما تخمد ناره في البرد، أنتِ بابٌ لا ينفع في صدِّ ريح عاصفة، أنتِ قصرٌ يتحطم في داخله الأبطال، أنتِ بئرٌ تبتلع غطاءها،

ويصفها الكتاب المقدس في سفر الرؤيا بالزانية العظيمة الجالسة على المياه الكثيرة التي زنى معها ملوك الارض وسكر سكان الارض من خمر زناها،

ومعها كأس من ذهب في يدها مملؤة رجاسات ونجاسات زناها،

وعلى جبهتها مكتوب سر بابل العظيمة أم الزواني ورجاسات الأرض

………………………………………………..


هل عبر
تُ الدهر ثملاً 

فلم أدرك نجاسة عشتار 

لأنها إلهة؟

فكم إلهةً وإلهاً غيرها 

عبدتُ دون وعيٍ

رافعاً لها البخور والأسرار؟

عشتار يا إلهةٍ الخصوبة

لا حب دون حرب 

لا خلق دون عشق 

ولا حياة لمن لا يستحق 

شرائعٌ علي الألواح 

تقرأ مكتوبةٌ أو مقلوبة

عشتار نجمة المساء والصباح 

يا إلهة العشق المباح 

مَنْ ضَاجَعْتِ فِي سُوق النِّخَاسَة 

مِنْ غَاصِبِيكِ في وضح النهار 

فأولدوكِ نسلاً من سبايا   

يرقصن للطغاة والغزاة 

ويتمتمن بآيات الدعاة 

هل جئن منكِ، أم من جارية 

قتلتُها وأظل أقتُلها 

كل فجرٍ، فأموتُ أنا 

لا حول ولا حيلة 

عشتارنا إلهة الرذيلة

من كان منكم كامل الفضيلة 

فليرمها أولاً بحجر 

  

قوافل الغزاة  

تسد عين الشمس عني 

فلا أري نوراً علي نورٍ،

أري ناراً علي نار 

أري الجموع تجوع 

وأري ممالك من خيام 

تضم شعباً لاجئاً أو راحلا 

خيلاً يهيج بلا زمام  

فأنحني أحمل خيمتي 

لأذوب في الزحام 

وخنجر الْخِتَامِ ينحرني

خارجاً وداخلا  

وسوطٌ في يد الإله يجلدني 

فلا أريد سوي المزيد 

دنا فتدلي

لا سَلَّمَ علي كَفّي ولا صلَّي

فكيف أكتب ما تريد 

يا رب العباد 

يعلو صراخي شاكياً وسائلا

أأكتب سفر سقوط البلاد 

بدمي أَوّلَا؟ 

أم أكتب سفر سقوطي بين يديك

وبين يدي شهرزاد 

جسداً فحلا 

صار في غفلةٍ كهلاً 

وكماً مهملا

السماء في بغداد تشتعل 

الليل كالنهار والنهار كالليل 

أجسادٌ تهوي عاريةً فنهلل 

حفلة عشقٍ؟ أم حفلة قتل؟ 

برقٌ يطعن بطن الأرض فتحبل 

ولا تلد 

وجيش ملائكةٍ يتبدد 

خلف فلوله التائهة 

الغيم يهطل أشباحاً ودماً 

هل بكت الآلهة 

ندماً علي ما أرسلت من أنبياء 

لنا، دون أن ينجو أحد؟ 

خبزنا كفافنا 

في صباح الأحد 

عشتار لم تنجد قوافلنا، ولا إيزيس 

لم يبق قديسٌ، ولا نصف إلهٍ، لم نجربه 

ليمضي بنا مِنْ حَيِّنَا للقدس 

من أرم ذات العماد لممفيس 

لم يبق إبليس لم نسجد بمعبده ونعبد 

لم تبق آلهة علي عوراتها أوراق توت 

سَقَطَتْ فَتَكَشَّفَتْ وَتَعَرَّتْ

لا أري نوراً علي نور

أري ناراً علي نار 

وبلاداً تتلاشي في قوافل الغبار 

وسيوفاً في يد الخريف 

ولنا يبقي الرغيف 

نغمسه في دمٍ تجمد 

أَرُوحُ البلاد التي نزفَتْ 

كل هذا النزيف 

أم الجسد؟

  

أكتب سفر السقوط 

في يد الغزاة الزاحفين من غربٍ وشرق 

مدججين بالدخان والمرايا 

فلا نري سوي أجسادنا عرايا 

نضربها وتضربنا 

من أين جاءنا الموالون والأنصار 

قلوبهم معنا، وسلاحهم علينا 

من أين تأتي كل هذه الضحايا 

لم يبق غير أن أعيد 

ليل السقوط في حرير شهرزاد 

كفعل تخديرٍ وتطهير 

وتعذيب ذاتٍ بجمرة الشبق 

غيبوبة نعب فيها خمرة المغامرين 

ومزامير تبقي لعزاء المؤمنين   

وأسترق السمع ربما يطلبني إلهي 

منتهراً أو معتذراً

فأرفع رأسي  في الخندق 

حيث تواريتُ عن أعين الأشرار 

هل يخذلني الله الحق 

وينتصر الكفار؟ 

أم أني لم أعرف وجه الله نقيا 

ولم أتقيه؟ 

أكنتُ تقيا 

وعملتُ بما يرضيه 

ويرضي شعبي؟

أم تبعتُ هوي قلبي 

وكنتُ بغيا 

فجئتُ أدفع الآن  

حساب ما كان لي 

وكان عليا؟

  

أشعث الرأس مطاردٌ 

من حفرةٍ لحفرة

وأنا من كنتُ علي البلاد وصيّا 

بايعتني القبائل من عهد عاد  

ثم باعت من بايعته

لأبالسةٍ في الأرض تُرِيدُنِي حَيّا

والذئاب أحاطت تشم دمي 

و تحدق فيّا 

تراني منهكاً، أو أكاد 

فتشتهي لحماً طريّا 

  

هل رأي أحدٌ جبهتي في الثريّا 

تتلألأ قنديلا 

في سنين الصبا والشباب 

ثُمَّ أَبْصَرَهَا فِي التُّرَاب  

كتلةً من عفنٍ وذباب 



أو قرأوا قصتي في كتاب 

(كان عاشقاً وصار فاسقاً 

  كان عادلاً وصار قاتلاً) 

قالوا لنتبعه في العراء نبيّا 

من سرابٍ إلي سراب 

يقول لنا ما حكته شهرزاد 

فيظل معجزةً صوتية

نتوارثها جيلاً فجيلا 

وقال آخرون بل نبايعه 

علي عرش هذا الخراب 

قاتلاً أو قتيلا 

أو ننافقه متغاضين عن عاشقٍ 

يتلوي ذليلا 

بين يدي شهرزاد 

حتي يشي به الخارجون عليه 

ويدلون الغزاة 

علي عرشه

أو علي نعشه 

كنتُ أعرفهم واحداً واحداً 

من كان منهم أميناً

ومن سيكون عميلا 

من سيلثمني ويسلمني للعدو 

أو يسلمني للطريق  

فينهال جمعٌ علي جسدي بالفؤوس 

من أي أبواب الجحيم إذن 

ندخل الفردوس 

وما عاد لعشتار في أرضنا معبد 

ولا قداس لإيزيس 

أَحُلْمٌ علي يدنا يتبدد؟ 

ودهرٌ من كوابيس 

يَتَجَدَّد 

كلما لاح نجمٌ فنتبعه نحو لا أحد 

أَهَذَا حَبْلُ عَلَمِ النَّصْرِ

يُشَدُّ بأيدي الجنود فَيَصْعَد

لِيَحْتَضِنَ الْعُلَا؟

أم حبْلُ مشنقةٍ تدلي

وسيفٌ تجلي 

رأي رؤوساً أينعت، وحان قطافها 

فمن سيقطفني

والخيل والليل والبيداء تعرفني 

كيف أري والضباب كثيف؟ 

من كانوا معنا صاروا علينا 

كيف أميز بين العدو وبين الحليف؟

من سيطعنني أولا؟ 

وكيف أوقن ما الخرافة؟ ما الحق؟ 

أي مسيحٍ أصلب أو أصدق؟ 

وبأي نبيٍ ألحق؟

ها أنا أكتب سفر السقوط 

في حفرةٍ كالقبر 

بيدٍ يرعشها الوهن 

أرفع رأساً بلا تاج 

لا قصر، لا وطن

ألمح بعض الوصيفات أسألهن 

هل رأيتن أرملةً في السواد 

أرملتي شهرزاد

تتلطم بين المدن؟ 

وقالت شهرزاد 

كان يا ما كان بعد ذلك الزمان زَلَّةُ الكلام تخمد المصارحة والعشق والمطارحة، وفتنٌ كبري وفتنٌ صغري علي طريق المذبحة، واغرورقت مدن الدماء بالأسي، ونسي التاريخ كيف يعقد العزم علي معاودة الكرة، فمال للكري، واستدعت الأيام أمسها واحتضنت طقوسها وتجسدت روح الدعاة في سجادة الصلاة واستخارت نفسها، وتكبلت وتهالكت روح القديم ثم بعثت وسيطرت دون دعوة الجديد أن يجيء أو يلوح، لم تحاول الروح النزوح هاجرةً رمسها، فتقلصت وتكلست كتمثالٍ حزين حزنه بغير حد.

وروح شهرزاد لم تكن في حوزة الجنون بعد. 

ولا كان الجسد.  

وكنتُ أعددتُ لهم ما استطعت 

من قوةٍ، وصهيل خيلٍ خَرَّتْ

صريعةً علي الحدود  

إنتظرنا من الشرق فجاءوا من الغرب 

هل خانوا، وبقيت وفيّا؟ 

أم خنتهم، وهم أوفياء؟ 

ما نفع العهد؟

ما نفع وفاء وفداء 

والأرض دماء

جَرَّبْتُ كُلَّشيء 

كيف أخرج الأشياء من لاشيء 

أو أخرج اللاشيء من أشياء  

أَعْدَدْتُ كُلَّ مَا يُعَدّ

قاتلتُ عن قربٍ وعن بعد

بالكلام، ثم بالسلام، ثم في الشهر الحرام 

نقلتُ أسفاراً من العهد القديم للجديد 

وبدلتُ آلهةً بآلهةٍ 

لأفلت من لعنة الأبد 

وهزائم الأمس والغد

وعدتُ القبائل أن أشطر البحر 

لتعبر منه الجنود إلي القدس

مستنجداً بعهدٍ مقدس

وآلهةٍ ستفي بالوعد 

وتبعث جنداً من ملائكةٍ  

لتحارب عنا 

لم يصلوا في الموعد 

هل قضيتُ العمر ضرباً من خيال 

أصدق الأساطير والأقوال 

وكأني ما كبرتُ

فبقيتُ صبيا؟ 

أأنا المخلص الملهم؟

أم الساحر المحتال؟ 

كذبتُ وصدقتُ نفسي 

فتوهموني قويا 

والشعب، ما الشعب؟

كيف حكمتهم دهراً عتيا 

ولم يقتلوني

 سوي حين جاء الغزاة؟

هل نساؤهم لعب؟

ورجالهم لمن غلب 

بعقول عصافيرٍ

ولا غير الهتاف في الشفاه؟

والآن صوتي ينحبس 

لا خطباً ألقي، ولا أتلو آيات 

لا غزو، ولا فتوحات 

السماء بابٌ مغلق 

والرسالات صمتٌ مطبق

ما الباطل؟

ما الحق؟

هل أصلي لنفسي 

كما تصلي نفسٌ بغير نفس؟

نخل العراق أخرس 

علي ضفاف الفرات 

والنيل جف أو يكاد 

هل من حولي أحياءٌ، أم أموات 

وأنا، أما زلت حيا؟ 

وما زالت شهرزاد؟

عيني لا تري، ذراعي لا تحس

بما يهوي عليها وعليا 

من بقايا جثثٍ، وأحجار حكايات  

يا من بعث القبس  

لوتعبر عني هذي الكأس

  

اللَّيْلُ، كَالْنّهَارِ، مُلْتَبِس

وأنا وحدي بين سدومٍ ومجرات 

ظلماتٌ تفضي إلي ظلمات 

ما نفع الشمس؟

تعلو طبول المغول  

وتقترب الخيول من الخيول

النهاية، كالبداية، ساطعة 

وأنا أحدق في عيون الفاجعة 

فأري أجساداً تسقط في أجساد 

وبلاداً تهوي فوق بلاد 

العرس  صار مأتماً 

ومأتم العريس ساهرٌ كالعرس 

فما أشبه الليلة بالأمس  

فتنةٌ نائمةٌ وفتنةٌ قائمةٌ 

وأئمةٌ، وجهنمٌ، وجنات 

أطلالٌ، وأشباه دولٍ

خوارجٌ، ودواخلٌ، وثورات 

مكائدٌ، ومعابدٌ، أوكار لصوصٍ، ومغارات 

كنائسٌ بلا جرس  

دمٌ علي حوائط الطرقات 

ومصاحفٌ علي رماحِ الحرس 

اختفي الرفاق 

وَاِنْفَضَّ عَنِّي حَرَسي

وأنا كل ليلةٍ أقتل نفسي

كمَن قَتَلَ نفْساً بِغَيْرِ نَفْس 

  

في ملهاة محاكمتي 

أوقفوني أمام الغزاة

قالوا: عدالتنا عمياء 

وضحكوا، وهم يعدون مشنقتي 

قلتُ عدالتي معركةٌ هوجاء 

بين لصوصٍ ولصوص 

بين إلهٍ وإله

وبين نصوصٍ ونصوص 

قالها أنبياء 

وما قالها أنبياء 

معركتي بين الحاضر والأمس 

لا نصر لي فيها علي الأعداء

ولا نصر علي النفس 

لم يبق شيء 

وما نفع أن تبقي أشياء 

أو تفني أشياء

وأنا بين شهيقٍ كحريق  

وزفيرٍ يلفح أضرحة الأولياء

لا ولاء لهم، لا براء 

قد محيت الفروق 

بين الغزاة وبين الدعاة

بين الدعاة وبين الطغاة

وبيني وبين البلاد 

ألف ليلٍ، وسحرٍ 

وقبرٍ، وخمرٍ، وشعرٍ  

ومملكة تتبدد 

وليس سوي الغبار في يدي 

لا جسدي جسدي 

ولا في فمي شفتا شهرزاد 

ولا بجواري فرعها يتمدد

فيسكب ما تسكب الأوراد 

آه ليست هنا، ولا هناك، شهرزاد

……………………..

كتبتُ سفر الموت 

فمن سيكتب الميلاد؟

مقالات من نفس القسم