شـامـان .. عشوائية الأفكار

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

سمر هادي  
في ظل الصراعات والخلافات التي تفرض نفسها في الواقع الحالي، غالبا ما يجد الإنسان ملاذه في الصورة الأولية والبدائية من الأشياء. وكذلك ما حدث في المسرح؛ بعدما ابتعد المسرح عن شكله الطقسي والديني - الذي انطلق منه- عاد له مرة أخرى بعد الحربين العالميتين مع تجارب أرتو في مسرح القسوة ومن بعده تجارب جروتوفسكي.

 

 في المسرح المصري تعد التجارب الطقسية معدودة ومن ضمنها تجربة المخرج سعيد سليمان الذي اختار أن يقدم تجربته المسرحية فى إطار طقسي، بداية من عرض الإنسان الطيب ثم عرض)شامان) المشارك فى الدورة ال24 من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي.
لم تدر أحداث العرض حول حدث يمكن تتبعه، بل حول شخصية ((الشامان))، الذي يمكن تعريفه بأنه الوسيط بين عالم البشر وعالم الأرواح، وغالبا ما يكون أبو القبيلة الطوطمية القادر على إخراج الأرواح الشريرة واستبدالها بأرواح خيره، ولكن عرض (شامان) الذي قدمه المخرج والمؤلف “سعيد سليمان” مر بثلاث مستويات من خلال مجموعة شباب متنوعين في طاقتهم بين الرقص والغناء والعزف علي آلات مختلفة؛ البداية كانت أشبه بلحظة آنية، والبوح بالأفكار السلبية التي تَملأ الإنسان ولكن داخل أجواء عالم السيرك وبشكل يقترب من الهمجية، والتركيز على  سبب المشكلات التي يواجهونها المتمحورة حول القرين، و ننتقل معه في المرحلة الثانية ويتم استدعاؤه وتكشف كل شخصية عن قرينها الذي يأكل ويفتت روحها، ويطلق القرين العنان لنفسه ليبوح بالشر الكامن فيه، ويتم المواجه مع المشاكل التي طرحت في المرحلة الأولي، حتى نصل إلى مرحلة النهاية  ثم يأتي دور الشامان المُنتظر الذي يسكن بجانب القرين داخل الإنسان نفسه، ويطرد القرين عن طريق حلقة غنائية أشبه بالزَار، ويتحقق التطهير في النهاية مع تكرار جملة سأصبح لنفسي شامان

ولكن هذه الرحلة بين الثلاث أشكال المختلفة من الحالات التي يجوز اعتبرها نفسية (السلبية والقرين والشامان) لم يكن بينهم إشارات تمهد للربط والانتقال بينهم أو تعبير عن الامتداد لبعضهم البعض.
اعتمد العرض على أسلوب التوليف والجمع مثلما حدث في المراحل الثلاثة؛ حدث في عناصر السينوغرافيا التي أحاطت بالمتلقي من خلال الكتابة على الجدران بحروف وكلمات غير مفهومة أعطت بُعدا غرائبيا، القرص الدائري المضيء في منتصف القاعة المستطيلة التي يدخلها المتفرج بدلا عن شكل مسرح العلبة المتعارف عليه، ويجد المتلقي الممثلون يتحركوا في المسافة الفاصلة بين المقعد والحائط، ويتدلى فوق القرص الدائري حبال تسقط من أعلى، بالإضافة إلى الملابس السوداء التي يرتديها الممثلون في المرحلة الأولى، والأقنعة التي ظهر فيها القرين والتحويل في النهاية إلى الملابس البيضاء في مرحلة التطهير، بجانب الدمج بين اللغة العربية الفصحى والعامية.

ولكن ظلت الأشياء المقدمة تحمل معناها في ذاتها سواء كانت دلالات الألوان أو العناصر المستخدمة، ولم يكن للجمع بين الأشياء معنى في النهاية! فانتقلت الحالة الطقوسية من خلال الأشياء المعروف دلالاتها مسبقا عند المتلقي، لذلك كان دخول المتفرج لهذه الحالة نتاج العناصر الكلاسيكية للحالة الطقسية ولكن مضمونها مفكك وغير واضح.

وهكذا بقيت عدة أسئلة مُلحة طوال العرض، فلم يكن واضحًا من الذي يخاطبه الشامان؟ هل هو الضمير أو الأنا الأعلى المتمثل في الأعراف والتقاليد المكتسبة التي تحاول أن تحمي الإنسان من الخطأ وبالتالي يكون هنا مرادف لقرين الملاك أو الخير؟ أم القرين (الذي يعرف في علم النفس بالأنا السفلي الدونية) أم النفس والذات؟! فجاءت مخاطبة كل هذا في آن واحد -حتى لو اتخذ شكل المراحل الثلاثة- غير واضح، وبالتالي مع من يتم التصالح في النهاية؟!

 هل التصالح مع القرين الذي يعيش تحت الأرض بشكله الميتافيزيقي ونعجز عن رؤيته أم بصورته في علم نفس وهو الأنا السفلى، أو النفس التي تريد أشياء ولا تستطيع تحقيقها.
عرض شامان عرض يخاطب الروح بالمقام الأول محاولا إسكات الذهن عن التفكير في أي أسباب ونتائج لما تبوح به الروح.

 الحالة قد تكون تحققت من خلال الموسيقى والإضاءة والغناء الجماعي ولكنها غير متجانسة من حيث توظيف مفهوم الشامان مع الحالة الصوفية واختلاط مفاهيم علم النفس بالمفاهيم الخرافية، ومخاطبة الروح ليست سبب كافي للعبث بمفاهيم العقل. خاصة إن الشكل المقدم يعد قريب الشبه بالعروض الطقوسية من حيث النص وطبيعته الارتجالية والجمل القصيرة المتناقلة بين الشخصيات. وعلى الرغم من أن الشخصيات طرحت أكبر عدد من الصراعات النفسية ولكنها يجوز أن تصبح كلها في شخص واحد وبالتالي تعدد الشخصيات قدم شيء واحد. هذه الشخصيات تشترك في عالم طقسي واحدة وتشترك في معاناتهم مع القرين -كما حدده العرض- ثم هم في النهاية يشتركون في الغناء وتناقل الجمل الحوارية ولكن لم يكن هناك لحظة تواصل واحدة بينهم بل ظل كل منهمً محلقاً في عالمه رغم اقتراب أجسادهم ببعض، لذلك تربعت الفردية فوق الحالة الجماعية، فطرح كل منهم -من خلال جملة- سبب سخطه من القرين وكان منها )ليه أشتغل وملعبش زي اللي فى سني)،( لا يوجد ما يكفي من الطعام لا يوجد ما يكفي من الشراب أريد المزيد)، (ليه مخدش دروس زي زمايلي) (حقك تاخذه بدراعك)..

 السؤال الذي يطرح نفسه في النهاية لماذا يعتبر القرين السبب الوحيد لدفع الشخصيات في التفكير بمثل هذا المادية أو العدوانية؟  ألا يمكن أن يكون  الوضع الاجتماعي هو المسبب الأول وليست روحًا شريرة داخلهم، وعلى هذه الفرضية يكون العرض قد طرح مشكلات اجتماعية وحاول حلها روحيًا، وبالتالي غرق العرض في أسئلة كونية من قبيل الخير والشر وذهب لعلاجها بطرق صوفية وروحانية ويجوز أنها بالأساس أنساق اجتماعية.

ولكن في النهاية قدم المخرج تجربة حاول أن يجمع بداخلها كل المشاكل والحلول المرتبطة بالروح الإنسانية قد يشوبها بعض المنطق ولكنها مليئة الإيقاعات  والألحان الصادقة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ناقدة مسرحية 

مقالات من نفس القسم