***
إليكم نصا لتشارلز برنشتاين، أحد أعلام هذه الحركة. وهو يصدِّر نصه بمقولة لهندي عاش في نيويورك واشتهر بريادته في تعليم اليوجا والفلسفات المشرقية ويدعى سوامي ساتشيدانندا Swami Satchidananda.
***
إي / إي / إي
“أحْصِ عدد الأشياء التي تضيف إليها ياء الملكية. فتلك هي المسافة بينك وبين الاستنارة
سوامي ساتشيدانندا
(إلى جيني)
وسادتي، قميصي، بيتي، عشائي، سِنَّتي، نقودي، طائرتي الورقية، وظيفتي، كعكتي، ملعقتي، بطانيتي، ذراعي، لوحتي، قلمي الحبر، مكتبي، غرفتي، دوري، كتابي، يأسي، محفظتي، مطبعتي، جوربي، إصبع قدمي، طابعي، مقدمتي، أمتعتي، خطتي، غلطتي، قردي، صديقي، قضيبي، غضبي، توقعي، قلمي الرصاص، ألمي، ملصقي، خوفي، شارة أمتعتي، عيناي، مقياسي للمطر، حمامي، رأيي، بدانتي، أرقي، حبي، سلتي، غدائي، لعبتي، صندوقي، درجي، كأسي، شوقي، ورقي النشاف، شرودي، سروالي، أوراقي، أمنيتي، يأسي، زمني، مزرعتي، حلواي، طيبتي، جدي، قبحي، شجاعتي، بكائي، قبعتي، جيبي، قذارتي، جسدي، جنسي، وشاحي، عزلتي، أملي، هجائي، بسمتي، نظرتي، قلة حيلتي، لحافي، ردي، عدوي، سجلاتي، رسالتي، مشيتي، نضالي، روحي، نصيبي، شوكتي، موتي، حلمي، طبقي، قطتي، فجوتي، عماي، تشبثي، نتوئي، أستاذي، واجبي، عملي، المنزلي، مسئوليتي، ذنبي، استرخائي، قاربي، فريقي، زبدتي، مطحنتي، رجلي، يأسي، حمقي، حبيبتي، رعبي، برنامجي، حكمي، قناعي، نصبي، مغرفتي، حسائي، أمي، حوضي، ثنية بنطالي، جبنتي الشيدر، ملكيتي، خصومتي، فكرتي، موسوعتي، عقاري، صيغتي، كُفري، حذري، قراري، وهمي، استنتاجي، سخريتي، فقري، حزامي، إيروتيكيتي، نفايتي، غيرتي، ندمي، قوتي، رؤيتي، عالمي، خرافتي، غضبي، تصميمي، رفضي، التزامي، جنوني، ثرثرتي، صرامتي، تمردي، مقاومتي،
***
هذا الذي قرأتموه من “القصيدة” يمثل جزءا من “أبياتها” فقط، إذ كل كلمة مما سبق تنفرد بسطر في النص الإنجليزي للقصيدة، ولقد كان المتبقي أكثر من هذا، كان متبقيا على وجه الدقة مائتان وخمسة وسبعون بيتا أخرى، منها أبيات قوية قوة “سيجارتي وإيماني وشكي وإخلاصي” وأبيات أخرى في براعة “كرتي ومحكمتي ومنديلي”. ولا أعرف لماذا أريد أن أقول لكم إن النسخة التي أخذتها من موقع أكاديمية الشعراء الأمريكيين احتاجت عندي إلى ملف من أربعة وأربعين صفحة، والتي تصورت وجودها في كتاب، وله ثمن، ولا بد أن أحد دفعه، وما علينا.
لي، ولكم، كل الحق في أن نتساءل ما هذا؟ ما علاقته بالشعر؟ من الواضح أن الشاعر يريد أن يثبت عمليا لـ سوامي ساتشيدانندا أنه أخطأ فيما ذهب إليه. فلئن كان ما نمتلكه هو ما يعترض طريقنا إلى الاستنارة، فها هو الشاعر يثبت له أننا نملك كل شيء، ها هو يثبت له أن العالم كله تقريبا يعوق طريقنا إلى الاستنارة، ومن ثم فالاستنارة التي يعد بها سوامي كلَّ متخلٍّ عن الامتلاك إن هي إلا وهم. تخلَّ عن جسدك إن استطعت. ثم أرني كيف تتخلى عن تخليك عن جسدك فهذا أيضا ملكك. ثم كيف تتخلى عن تخليك عن تخليك عن جسدك. وعندكم وقت؟
ثم إنني تخطر لي فكرة شيطانية، ولكني أحبها: أما كان بوسع برنشتاين أن يضيف إلى قصيدته هذه كلمة الاستنارة، أما كان قادرا أن يضيف “استنارتي” ليسأل الهندي الشهير إن كان تخلي المرء عن استنارته نفسها شرطا للوصول إلى الاستنارة؟
لكن ما علاقة هذا بالشعر؟ لماذا لم يجد برنشتاين سبيلا آخر ينتقد به هذه الرؤية، ولسنا نقصد أن يكتب نقده في مقال مثلا، بل لقد كان بوسعه أن ينتقدها شعرا أيضا، ولكن بطريقة أخرى؟ حسن، بوسعنا، بل من واجبنا، أن نتساءل عن علاقة هذه القصيدة بالشعر؟
ولعل أفضل تفسير متاح بين أيدينا هو التالي. فقد سئل الشاعر الأمريكي كينيث جولدشتاين أن يوضح المقصود بـ “الشعر المفاهيمي” فقال إن “أفضل ما في الشعر المفاهيمي أنه ليس ضروريا أن يقرأ. ليس عليك أن تقرأه. وأنت في واقع الأمر بوسعك أن تكتب كتبا منه، وليس عليك حتى أن تقرأها. كتبي أنا على سبيل المثال غير قابلة للقراءة. كل ما عليك أن تعرفه هو المفهوم الكامن وراءها. فمثلا كل كلمة نطقت بها على مدار أسبوع، أو عام كامل من التقارير الجوية … أنت بدون أن تضطر إلى قراءة كل هذه الأشياء، تفهمها جيدا”.
“وإذن فأنت بطريقة غريبة تحصل على المفهوم ـ الذي لا بد من وضعه في صدارة الكتاب ـ ثم تحصل على الكتاب، ولا تكون مضطرا إلى قراءته. هذه الكتب أفضل أن تتكلم عنها من أن تقرأها”.
“سنة 1959 قال بريان جيسين إن الكتابة متخلفة خمسين عاما عن الرسم. ولا يزال الأمر كذلك. فإذا كان الفن المفاهيمي قد بدأ قبل خمسين عاما، فنحن نبدأ الاقتراب منه الآن. إذ إن هذه الأفكار لم يقترب منها الشعر من قبل على الإطلاق. ما كنا نفعله كان نوعا من المعارضة، بيت من هنا، وبيت من هناك. ولكننا لم نمتلك قط مفهوم الإتيان بشيء لم تكتبه قط ثم نحركه بضع بوصات، ثم نقول إنه إبداعنا نحن، إنه نص جديد لكاتب جديد”.
تشارلز برنشتاين من شعراء اللغة، وشعر اللغة شيء، والشعر المفاهيمي شيء آخر، الأول ظهر في الستينيات والسبعينيات، والثاني ظهر في مطلع قرننا هذا، الأول يحاول أن يبيِّن استخدامات اللغة في إنتاج المعنى، والثاني يصف نفسه بأنه “كتابة غير إبداعية” وبأن تركيزه الأكبر ينصب على الفكرة التي ينطلق منها الشاعر لا المنتَج الذي ينتهي إلى القارئ. ربما يكون لدينا في الأسابيع القادمة مجال لهذا الشعر المفاهيمي. ولكن مبدئيا، هذا الكلام الذي قاله جولدسميث في الشعر المفاهيمي يحل مشكلتي أنا مع قصيدة برنشتاين اللغوية، فنص برنشتاين في الحقيقة يركز أيضا على الفكرة التي انطلق منها برنشتاين، لا يفكر في شخصي أنا أو في شخصك أنت. هو نص الكلام عنه أجمل من الكتابة عنه. ولذلك، فهو لا يستحق أن يقرأ، لكنني، وهذه هي المفارقة المرعبة، أدفع نصف عمري، على أن أقضي النصف المتبقي مستمتعا بألعاب الشعراء هذه.